عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

الجلال و الجمال من الاسماء الإلهية

ان الجلال و الجمال ، و هما من الاسماء الإلهية لهما مظاهر متنوعة ، ولكن لأن جلال الحق كامن في جماله ، و جماله مستور في جلاله ، فان الشيء الذي هو مظهر الجلال الالهي فيه جمال الحق ، و الشيء الذي هو مظهر جمال الله ، يكون فيه الجلال الالهي . و المثال البارز لاستتار الجمال في كسوة الجلال ، يمكن استنباطه من آيات القصاص و الدفاع ، أي أحكام القصاص و الاعدام ، و الاماتة و إرافة الدماء ، و القهر ، و الانتقام ، و الغضب و السلطة ، و الاستيلاء و أمثالها ، التي تعد من مظاهر الجلال و جنوده الخاصّين ، و يقابلها الإحياء و صيانة الدم و الرأفة و التشفي ، و السرور و أمثالها ، التي تعد من مظاهر الجمال و جنوده الخاصّين ، كما يقول الله صاحب الجلال و الجمال : ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) ، ( سورة البقرة ، الآية : 179) ، أي أن هذا الإعدام الظاهري ، ينطوي على إحياءت في باطنه ، و يمنع من القضاء الظالم للآخرين ، و هذا الموت الفردي يؤمن الحياة الجمعية للمجتمع ، و هذا الغضب الزائل تتبعه رحمة مستمرة و ...

و كما يقول تعالى بشأن الدفاع المقدس و القتال عند هجوم الأعداء : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ، ( سورة الأنفال ، الآية :  24 ) ، هذه الآية نزلت في سياق آيات القتال و الدفاع .  و هي سند ناطق لدفع توهم الذين كانوا يرون ، ان الموت في سبيل الله فناء ، و يتصورن أن الجهاد و الدفاع هلاك ، و خلاصته مضمونها ، هو أن محاربة محاربة المعتدين و الثورة على القهر و الاقدام في ساحة الحرب مع الباطل هي مظهر الجلال الالهي ، ولكن يرافقها الصلح مع الحق و التسليم أمام القسط و العدل و تأمين حياته و الآخرين ، و هي كلها من مظاهر جمال الله . طبعاً جميع الأوامر السماوية هي حياة ، و الحياة لا تختص بالجهاد و الدفاع ، لكن الآية المتقدمة نزلت في قضية الحرب مع الباطل و الايثار و التضحية في طريق الحق ، حيث يقول ، إن اجابة دعوة منادي الجهاد تضمن حياتكم ، كما يقول بعد القيام و الاقدام و الجهاد و الاجتهاد و الحضور في ساحة محاربة الظلم ، و نيل مقام الشهادة الشامخ : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ، (سورة آل عمران ، الآية : 169) ، فالدفاع ، و هو مظهر جلال الله ، سيكون عاملاً ضامناً للحياة الفردية و الجماعية و ضامناً لحياة سليمة في الدنيا و الآخرة ، و هذا هو استتار الجمال في ظل الجلال و اشتمال كسوة الجلال على نواة مركزية للجمال .

و يلزم التوجه إلى أن انسجام الغضب و الرحمة ، و تضامن الجلال و الجمال ، لايختص بالمسائل المذكورة ، كالقصاص و الدفاع ، بل هو كامن في كل الشريعة و مشهود في كل شؤونها ، بحيث أن كل إرادة كامنة في الكراهة ، و كل اشتياق مستتر في الاستياء ، لذا يقول تعالى : ( كتب عليكم القتال و هو كره لكم و عسى أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم ) ، ( سورة البقرة ، الآية : 216 )  ، أي أن القتال الذي يعد ظاهراً شراً ، و عامل كراهة في داخله خير ، و سيكون أساس إرادتكم ، و في المسائل العائلية أيضاً ، يعد تحمل بعض المصائب شرّاً في الظاهر ، ولكن سوف يكون في داخله خير لايحصى ، و هو ترسيخ الأسرة و حراسة كيانها ، كما قال : ( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) ، ( سورة النساء ، الآية :  19) .

الخلاصة هي أن التكليف الإلهي ، و ان رافقه كلفة و مشقة ، فهو بدوره آية لجلال الله ، و لايكون باطنه إلا تشريفاً ، و هو آية جمال الله . لذا يتشرف كل مكلف ، و هذه الكلفة و المشقة العابرة في امتثال الأوامر الالهية تجلب شرفاً راسخاً ، من هنا نقرأ في القرآن الكريم بعد الأمر بالوضوء و الغسل و التيمم ، « ان الله يريد أن يطهركم » ، أي ان هذا التكليف الظاهري يرافقه تطهير معنوي يعمل على ضمان جمال القلب : .. ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ، ولكن يريد ليطهّركم ، وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) ، (سورة المائدة ، الآية : 6) ، فكما أن زكاة المال هي ظاهراً عامل نفاده و نقصانه ، ولكن باطنها معبأ بالنمو و النضج ، ( يمحق الله الربا ، و يربي الصدقات ) ، ( سورة البقرة ، الآية : 276) ، ( و ما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله ، فأولئك هم المضعفون ) ، (سورة الروم ، الآية : 39) ، و الشاهد على استتار الجمال في كسوة الجلال ، هو ان الجنة تقع في باطن مشقات و مصاعب السير و السلوك و الصبر و الاستقامة في الجهاد الأصغر و الأوسط و الأكبر : حفّت الجنة بالمكاره .

كما أن الجلال واقع في باطن بعض الجمالات : حفّت النار بالشهوات ، لأن الشهوات و اللذات و النشاطات و أمثالها ، هي مظاهر الجمال ، و إذا لم توازن ، و تجاوزت حد الحلال ، وأخذت جنبة حيوانية محضة ، فانه سيرافقها في باطنها غضب الله .

الجوادي الآملي

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الفرق بين علوم القرآن والتفسير
وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام

 
user comment