عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

الماسونية في سوريا

الماسونية في سوريا

أن الماسونية العملية انتشرت في أنحاء سوريا في أوائل التاريخ المسيحي وأوائل الهجرة، وقد بنى البنَّاءون الأحرار بنايات عديدة لا تزال آثارها إلى الآن من الكنائس والجوامع والقلاع والأسوار.
و أنهم كانوا في أول أمرهم يقطنون الكهوف والمغر فرارًا من وجه الاضطهاد، ولا يزال الباحثون في الآثار السورية يكتشفون على آثار بنائية في بعض الأماكن تحت الأرض يستدل منها على شيء من ذلك. وقد كان بناءو سوريا مشهورين بدقة الصنعة وجمال النمط، وكثيرًا ما كانت الأمم المجاورة كدولة الفرس وغيرها تستدعيهم لبناء المعابد والمعاقل والأسوار. وقد رأيت كيف أن الخليفة المنصور العباسي استدعاهم في جملة البنائين لبناء مدينة بغداد.
ويظهر أن الماسونيين في سوريا لم يكونوا مضطهدين في أيام الدولة الإسلامية كما كانوا في أيام الدولة الرومانية قبلها، لأنك قد رأيت كيف كانوا يستدعونهم من أماكن شتى ويعهدون إليهم بناء المعابد والمدن والمعاقل، وقد انضَمَّ إليهم كثيرون من أفاضلهم وعلمائهم.
على أننا نأسف لانقطاع أخبار تلك الأعصر الماسونية عنَّا، فلا يمكنا تفصيل أحوالها، لكننا نقول بالإجمال إن الماسونية العملية بلغت سوريا في أوائل التاريخ المسيحي، وقد انتشرت فيها وتركت أثرًا يشير إلى ذلك. ولا يبرح من بالك أن سوريا ما انفكت منذ ظهور التمدن الشرقي مباءً للتعاليم السرية المقدسة، وقد مَرَّ بك أن مجمع الكبراء وغيره من المجامع السرية نشأ فيها وامتدَّ منها إلى أنحاء العالم، فكان مصدرًا لكثير من التعاليم التي أصبحت من أقوى دعائم التمدن الغربي القديم والحديث.

الماسونية الرمزية في سوريا

أما الماسونية الرمزية فيظهر أنها حديثة جدًّا فيها؛ لأن أول محفل تأسَّس في مدينة بيروت كان تأسيسه سنة ١٨٦٢م تحت رعاية الشرق الأعظم الاسكوتلاندي بشرق فلسطين نمرة ٤١٥، وترأَّس عليه كثير من الإخوة الأفاضل من جملتهم قنصل جنرال دولة إنكلترا، وانتظم في سلكه عدد غفير من أعيان البلاد وسراتها من وطنيين وأجانب، ولا يشتغل إلا بالدرجات الرمزية، أما لغته الرسمية فالفرنساوية.
وفي سنة ١٨٦٨ توقفت أعماله نظرًا لغياب رئيسه وعدم وجود مَن يقوم مقامه، وما زال نائمًا إلى سنة ١٨٨٨، فتجددت له الرخصة ثانية وعاد إلى العمل، وكان لذلك التجديد احتفال عظيم رسمي حضره عدد غفير من الأعضاء من سائر الأنحاء.
وفي سنة ١٨٦٩ تأسَّس في بيروت محفل آخَر تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنساوي بشرق لبنان، ولغته الرسمية العربية، أما مخابرته مع الشرق الفرنساوي فبالفرنساوية، وإلى هذا المحفل انضمَّ كثيرون من أعيان البلاد وعلمائها ورجال حكومتها على اختلاف مذاهبهم، فكان رابطًا لكلمتهم ناهضًا لهم على الأعمال الخيرية، فكثيرًا ما قدموا على مشروعات عظيمة تعود إلى تأييد الدولة والأمة ورفع شأنهما. وإنما عيبه «كعيب غيره من الجماعات الماسونية» أنه يفعل ما يفعله تحت طي الخفاء، فلا يرى من العالم الخارجي إلا مقاومةً واضطهادًا يحولان دون إتمام المشروع، فضلًا عما يقود إليه الاضطهاد من القنوط وفتور الهمة.
وأشد مقاومي الماسونية في سوريا جماعة الجزويت، وقد أنشئوا لهذا الغرض وغيره جريدة دينية في بيروت دعوها جريدة البشير، وموضوعها مقاومة كل المذاهب والأديان إلا المذهب الكاثوليكي، والإيقاع بكل الجماعات إلا جماعة الجزويت، وليس من غرض كتابنا التكلُّم عما وراء ذلك.
ولهذا المحفل أعمال خيرية كثيرة وإحسانات تفرَّقت على المساكين وذوي الأسقام من الإخوة وغيرهم.
ومن غريب ما يُحكَى أن إحدى الطوائف المسيحية في سوريا أُصِيبت بنكبة فاحتاجت لمساعدة أهل البر، فقرَّر محفل لبنان صرف مبلغ من النقود لمساعدتها، فما كان من رؤساء تلك الطائفة إلا أنهم وضعوا حرمًا صارمًا على كلِّ مَن يقبل شيئًا من تلك المبالغ، فكَفَّ أولئك المحتاجون عن قبول ما هم في أشد الاحتياج إليه، أما المحفل فأغضى عن تلك المعاملة وجعل يسعى في طريقٍ يمكنه بها إيصال تلك المبالغ إلى أولئك المنكوبين، فرأى أن يجعلها في يد أحد أبناء تلك الطائفة غير المتعصبين، وهو يوصلها إلى أصحابها، وهكذا حصل.
فقِسْ على هذا كثيرًا من مثله، وتأمَّلْ بما أقيم في طريق الماسونية من مثل هذه العقبات التي تخور لها الهمم وتُكرَه من أجلها الأعمال. أما العامة فلا تسأل عما غُرِس في أذهانهم من الكره والاحتقار لجماعة الماسون، حتى أصبح اسمهم مرادِفًا لأدنى صفات الاحتقار عندهم، فكانوا إذا أرادوا المبالغة في وصف أحد الكفرة أو المنافقين، لا يجدون أنسب من قولهم «فارماسون» للإفادة عما في ضميرهم، فهي عندهم مرادفة لقولنا كافر منافق مختلس وما شاكل، وكانوا يقولون عن اجتماعات الماسون أقوالًا ما أنزل الله بها من سلطان، كلها اختلاق ذوي الأغراض، يموهون بها على عقول السُّذَّج تكريهًا لهم بتلك الجمعية التي ربما كان في مبادئها ما يكشف الغطاء عن خداع أولئك، وكان العامة يَنْقَادون إلى تلك الأراجيف انقيادَ الأعمى، لما تلبد على أفكارهم من غياهب الجهل والتقاليد مما يحول دون إبصارهم الحقيقة، أما الآن وقد أزهرت سوريا — وعلى الخصوص مدينة بيروت اذ کانت آنذاک سورية— بالعلم والفلسفة، وتعدَّدت فيها المدارس والجرائد، وانتشرت فيها حرية الأفكار واستنار العامة بالمبادئ الحقيقية، فلم يَعُدْ السوريون على ما كانوا عليه من مثل ما تقدَّمَ، لكنهم أصبحوا ينظرون إلى الماسونية نظر الاعتبار، وإلى أبنائها نظرهم إلى رجال العلم وأصحاب النفوذ، وبعد أن كان هؤلاء الأعضاء يتسترون في اجتماعاتهم، وإذا سُئِلوا تجاهلوا، وإذا اتُّهِموا تبرَّءُوا، أصبحوا يفتخرون بذلك اللقب افتخارهم بأشرف الألقاب، وأصبح الخوارج يودون لو أنهم في عدادهم ليجتزئوا من ذلك الشرف. وما ذلك إلا لأن الحق يعلو ولا يُعلَى عليه، ولا بد من إحقاقه، أما الباطل فكان زهوقًا.
أما فيما خلا مدينة بيروت، فقد أقيمت محافل عديدة في دمشق وحمص وحلب وعيناب والإسكندرونة وأنطاكية وأطنة، جميعها أو معظمها تابع للشرق الأعظم الإيطالياني، وكثير منها متعطل عن الأشغال لأسباب مختلفة أخصها الاضطهاد؛ لأن عامة تلك المدن لم يبلغوا درجةً من الاستنارة تؤهلهم من إدراك الحقيقة المجردة من الأغراض، ولعلها تبلغها قريبًا بإذن الله.

الماسونية في دمشق

دخلت الماسونية الرمزية إلى دمشق بمساعي الطيب الذكر المغفور له الأمير عبد القادر الجزائري، وأول محفل تأسَّس فيها هو محفل سوريا بشرق دمشق تحت شرق إيطاليا الأعظم، ولا يوجد في دمشق غير هذا المحفل، وقد ترأَّس عليه كثيرون من أعيان البلاد وأمرائها. وقد لاقى اضطهادًا قليلًا، إلا أنه تغلَّبَ على كل الصعوبات، فثبت بمساعي الإخوة وتنشيطهم.

الماسونية في فلسطين

أول محفل ماسوني رمزي في فلسطين تأسَّس في القدس الشريف في مايو (أيار) سنة ١٨٧٣ تحت شرق كنادا، ولغته إنكليزية، واسمه محفل سليمان الملوكي الأساسي نمرة ٢٩٣، ولا يزال عاملًا إلى الآن، وهو المحفل الأول والوحيد في فلسطين، وقد كان أوشك السقوط في السنين الأخيرة لولا همة رئيسه الحالي الأخ المحترم وليم أسعد خياط، فإنه قد أخذ على عهدته رئاسة هذا المحفل لِلْأربع سنوات الأخيرة.

الماسونية في تركيا

قد علمت أن الماسونية العملية كانت سائدة في القسطنطينية، وأن الإمبراطور قسطنطين باني تلك العاصمة كان من أشد نصرائها، على أنها كانت كذلك قبل عهد قسطنطين، عندما كانت لا تزال تُعرَف باسم بيزانتين، وكان بين نمط البناء نمطٌ يُعرَف بالنمط البيزانتيني كما مَرَّ بك.
وكان للبنَّائين في القسطنطينية مدارس وجمعيات، ولهم أمام الحكومة المدنية حقوق وامتيازات. وفي أيام الخلفاء استُدْعِي جماعة منهم لبناء جوامع المدينة وأورشليم وغيرهما، ومثل ذلك فعل المنصور في بناء مدينة بغداد كما قد علمت.
أما الماسونية الرمزية فقد ظهرت في تركيا سنة ١٧٣٨ في كورفو، تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي، غير أن المعول عليه أن أول محفل إنكليزي تأسَّس منها كان في كورفو سنة ١٨٣٧، واسمه محفل فيثاغورس، ثم تأسَّست بعده محافل أخرى في أماكن أخرى تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي المتحد، وتأسَّس غيرها تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنساوي وغيره، وهاك تفصيل ذلك.

 

 

الأستانة

في الأستانة مجلس عالٍ تركيٌّ، وهو المجمع الوحيد الوطني، أسَّسه الأخ الكلي الاحترام البرنس حليم باشا، وهو رئيسه طول الحياة.
أما ما خلا هذا ففيها محفل إقليمي تابع للمحفل الأعظم المتحد، وتحته محافل فرعية في أماكن مختلفة من تركيا، فالتي منها في الأستانة هي:
• المحفل الشرقي نمرة ٦٨٧، تأسَّس سنة ١٨٥٦.
• محفل البلور نمرة ٨٩١، تأسَّس سنة ١٨٦١.
• محفل الفضيلة نمرة ١٠٤١، تأسَّس سنة ١٨٦٤.
وفي الأستانة محافل تابعة للشرق الأعظم الفرنساوي، وهي:
• محفل كوكب البوسفور.
• محفل المحبة.
• محفل النجاح.
وفيها محافل تابعة للشرق الأعظم الإيطالياني، وهي:
• سوفرانو كبيتولو إيطاليا.
• إيطاليا ريزورتا.
وفيها محفل تابع للمحفل الأعظم الأيرلاندي يُدعَى:
• لانيستر.
أما مجامع الدرجات العليا فاثنان، وهما:
• مجمع «ثل» المشرق (اسكوتلاندي).
• المجمع الشرقي (إنكليزي).
فيكون مجمل المحافل الرمزية في الأستانة ٩، ثلاثة منها تابعة للمحفل الأعظم الإنكليزي المتحد، وثلاثة تابعة للشرق الأعظم الفرنساوي، واثنان تابعان لشرق إيطاليا الأعظم، وواحد تابع لمحفل أيرلاندا الأعظم.
أما مجامع الدرجات العليا فاثنان فقط، الواحد اسكوتلاندي والآخَر إنكليزي.

أزمير

أما أزمير، فمحافلها تساوي محافل الأستانة عدًّا، وهي تابعة لدول ماسونية مختلفة أيضًا.
ففيها محافل ستة إنكليزية جميعها تابعة للمحفل الأعظم الإقليمي في الأستانة، وهذه أسماؤها:
نمرة / محفل هوميروس / محفل النصر / محفل القديس يوحنا / محفل ديكران / محفل القديس جورج / محفل صهيون
أما المحافل الفرنساوية فغير موجودة في أزمير. أما الإيطاليانية فمنها محفلان تابعان للشرق الأعظم الإيطالياني، وهما:
• محفل سوفرانو كبيتولو.
• محفل فينيس.
وهناك محفل آخَر أيرلندي تابع للمحفل الأعظم الإيطالياني يُدعَى ستالا يونيا.
أما مجامع الدرجات العليا فمنها اثنان في أزمير، وهما:
• مجمع هوميروس (اسكوتلاندي).
• المجمع (أميركي).
فيكون مجموع المحافل الرمزية في أزمير تسعة، والمجامع اثنين.

كورفو

في كورفو محفل واحد تابع للمحفل الأعظم الإنكليزي، واسمه محفل فيثاغورس نمرة ٤٤٧، وقد تقدَّمَ ذكره.
ويقال إن في كورفو محفلًا أعظم وطنيًّا، وفيها مجمعًا تحت رعاية إنكلترا يقال له مجمع فيثاغورس أيضًا.

جزيرة زانته

وهي من جزائر اليونان، وفيها محفل واحد تابع للمحفل الأعظم الإنكليزي المتحد، يُدعَى كوكب الشرق نمرة ٨٢٠، تأسَّس سنة ١٨٦١.

أفسس

وفي أفسس محفل واحد إنكليزي يقال له محفل الوسينيان نمرة ٩٧٨، تأسَّس سنة ١٨٦٣.
أما شأن الماسونية عمومًا في تركيا فشأنها في سائر البلاد، هذا من قبيل العامة واعتقاداتهم، أما من قبيل الدولة فلم تصادف مقاومة رسمية مطلقًا، وإن تكن من الجهة الثانية لم تصادف تنشيطًا كبيرًا، على أن مولانا أمير المؤمنين قد كان في ريبة من أمرها، لكنه علم مؤخرًا صحة مبادئها وإخلاصها لجلالته ولسائر الأمة والوطن، وقد تشرَّفت برضائه عنها.

 

المصدر :
تاريخ الماسونية العام / جُرجي زيدان

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حد الفقر الذی یجوز معه اخذ الزکاة
ومن وصيّة له لولده الحسن (عليهما السلام): [يذكر ...
شبهات حول المهدي
الدفن في البقيع
ليلة القدر خصائصها وأسرارها
آداب الزوجین
مفاتيح الجنان(600_700)
ما هو الدليل على أحقية الامام علي(علیه السلام) ...
الموالي في عصر الأمويين
ما هي ليلة الجهني، و لماذا سُمِّيت بالجهني؟

 
user comment