عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

الشفاعة فعل الله

الشفاعة فعل الله

الشفاعة فعل الله سبحانه، ولا يُطلب فعلُه من غيره، قال سبحانه: {قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (1).
فاذا كانت الشفاعة مملوكة لله وهو المالك لها، فكيف يُطلَب ما يرجع إليه من غيره؟
لا شك أنّ الشفاعة لله كما هو صريح الآية وما يرجع إليه سبحانه لا يُطلَب من غيره. مثلا إنّ الرزق والإحياء والإماتة له لا تُطلَب من عباده. غير أنّ المهم تشخيص ما يرجع إليه سبحانه، وتمييزه ما أعطاه لعباده الصالحين.
إنّ الشفاعة المطلقة ملك لله سبحانه، فلا شفيع ولا مشفوع له، بلا إذنه ورضاه فهو الذي يسنُّ الشفاعة ويأذن للشافع، ويبعث المذنب إلى باب الشافع ليستغفر له، إلى غير ذلك من الخصوصيات. فلا يملك الشفاعة بهذا المعنى إلاّ هو، وبذلك يردّ القرآن على المشركين الذين كانوا يزعمون أنّ أربابهم يملكون الشفاعة المطلقة فالشفاعة بهذا المعنى غير مسؤولة ولا مطلوبة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
والمسؤول والمطلوب من النبي والصالحين هو الشفاعة المرخّصة المحدّدة، من الله سبحانه، أي ما رخّص لهم في أن يشفعوا ويطلبوا لعباده الغفران، فمثل هذه الشفاعة المرخّصة المأذونة ليست له لأنّه سبحانه فوق كل شيء، لا يَستأذن ولا يُؤذن ولا يُحدّد فعله.
وبعبارة واضحة: المراد من قوله سبحانه: {قل لله الشفاعة جميعاً} ليس أنّه سبحانه هو الشفيع دون غيره، إذ من الواضح أنّه سبحانه لا يشفع عند غيره، بل المراد أنّ المالك لمقام الشفاعة هو سبحانه وأنّه لا يشفع أحد في حقّ أحد إلاّ بإذنه للشفيع وارتضائه للمشفوع له، ولكن هذا المقام ثابت لله سبحانه بالأصالة والاستقلال، ولغيره بالاكتساب والاجازة، قال سبحانه: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلاّ من شهد بالحق وهم يعلمون} (2).
فالآية صريحة في أنّ من شهد بالحق يملك الشفاعة ولكن تمليكاً منه سبحانه وفي طول ملكه.
وعلى ذلك فالآية أجنبية عن طلب الشفاعة من الأولياء الصالحين الذين شهدوا بالحق وملكوا الشفاعة، وأُجيزوا في أمرها في حقّ من ارتضاهم لها.
وأنت أيّها الأخ المتحرر من كل رأي مسبق، إذا لاحظتَ ما ذكرته سابقاً في تفسير الآية، يتضح لك، أنّ طلب الشفاعة من الصالحين، ليس طلبَ فعله سبحانه من غيره.
طلب الشفاعة يشبه عمل المشركين
إنّ طلب الشفاعة يشبه عمل عَبَدة الأصنام في طلبهم الشفاعة من آلهتهم الكاذبة الباطلة، وقد حكى القرآن ذاك العمل منهم، قال سبحانه: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} (3) وعلى ذلك فالاستشفاع من غيره سبحانه عبادة لهذا الغير.
ما كنت أفكّر أيّها الأخ أن تغتر بظواهر الأعمال وتقضي بالبساطة والسذاجة، مع أن القرآن أمر بالتدبّر والتفكّر والدقّة في مصادر الأعمال وجذورها، لا بالاغترار بظاهرها.
فالفرق واضحٌ بين عمل المسلم والمشرك لأنّك إذا أمعنتَ النظر في مضمون الآية تقف على أنّ المشركين كانوا يقومون بعملين:
1 ـ عبادة الآلهة ويدل قوله عليه: {ويعبدون...}.
2 ـ طلب الشفاعة ويدل عليه: {ويقولون...}.
وكان علّة اتّصافهم بالشرك هو الأوّل لا الثاني، إذ لو كان الاستشفاع بالأصنام عبادة لها بالحقيقة، لما كان هناك مبرّرٌ للإتيان بجملة أُخرى، أعني قوله: {ويقولون هؤلاء شفعاؤُنا} بعد قوله: {ويعبدون...} إذ لا فائدة لهذا التكرار، وتوهم أنّ الجملة الثانية توضيحٌ للأُولى خلاف الظاهر، فإنّ عطف الجملة الثانية على الأُولى يدل على المغايرة بينهما.
إذاً لا دلالة للآية على أنّ الاستشفاع بالأصنام كان عبادة، فضلا عن كون الاستشفاع بالأولياء المقربين عبادة لهم.
وهناك فرق واضح بين طلب شفاعة الموحِّد من أفضل الخليقة ـ عليه أفضل التحية ـ وطلب شفاعة المشرك، حيث إنّ الأول يطلب الشفاعة منه بما أنّه عبدٌ صالح أذِنَه سبحانه ليشفع في عباده تحت شرائط خاصة، بخلاف المشرك فإنّه يطلب الشفاعة منه، بما أنّه ربّ يملك الشفاعة يعطيها من يشاء ويمنعها عمّن يشاء. أفيصح عطفُ أحدهما على الآخر والحكم بوحدتهما جوهراً وحقيقة؟!
كيف يصح لمسلم واع اتخاذ المشابهة دليلا على الحكم، فلو صح ذلك لزم عليه الحكم بتحريم أعمال الحج والعمرة فانّها مشابهة لأعمال المشركين، أمام أربابهم وآلهتهم.
{إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد}.
إن طلب الشفاعة دعاء الغير، وهو عبادة له
طلب الحاجة من غيره سبحانه حرام فانّ ذلك دعاء لغير الله وهو حرام.
قال سبحانه: {فلا تدعوا مع الله أحداً} (4) وإذا كانت الشفاعة ثابتة لأوليائه وكان طلب الحاجة من غيره حراماً فالجمع بين الأمرين يتحقق بانحصار جواز طلبها من الله سبحانه خاصة، ويوضح ذلك قوله سبحانه: {ادعوني أستجب لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين} (5)، فقد عبّر عن العبادة في الآية بلفظ الدعوة في صدرها وبلفظ العبادة في ذيلها، وهذا يكشف عن وحدة التعبيرين في المعنى. وقد ورد قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " الدعاء مخّ العبادة ".
لا أظن أنّ أحداً على وجه البسيطة يجعل الدعاء مرادفاً للعبادة. وإلاّ لم يمكن تسجيل أحد من الناس ـ حتى الأنبياء ـ في ديوان الموحدين، فلابد أن يقترن بالدعاء شيءٌ آخر، ويصدر الدعاء عن عقيدة خاصة في المدعوّ وإلاّ فمجرّد دعوة الغير حياً كان أو ميتاً، لا يكون عبادة له.
هل ترى أنّ الشاعرة التي تخاطب شجر الخابور بقولها:
أيا شجر الخابور ما لك مورِقا كأنّك لم تجزع على ابن طريف أنّها عبدته؟ كلاّ ثم كلاّ.
إنّ العمل لا يتّسم بالعبادة إلاّ إذا كانت في نية الداعي عناصر تضفي عليه صفة العبادة وحدّها وهو الاعتقاد بإلوهية المدعو وربوبيته وإنّه المالك لمصيره في عاجله وآجله، وإن كان مخلوقاً أيضاً.
والمرادمن الدعاء في قوله تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحداً} ليس مطلق دعوة الغير، بل الدعوة الخاصة المضيّقة المترادفة للعبادة، ويدل عليه قوله سبحانه في نفس هذه الآية: {وأنّ المساجد لله}.
وما ورد في الحديث من " أنّ الدعاء مُخُّ العبادة " فليس المراد منه مطلق الدعاء، بل المراد دعاء الله مخ العبادة. كما أنّ ما ورد في الروايات من أنّه: من أصغى إلى ناطق فقد عَبَدَه، فإنْ كان ينطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان ينطق عن غير الله فقد عبد غير الله(6) فليس المراد من العبادة هنا: العبادة المصطلحة، بل استعيرت في المقام لمن يجعل نفسه تحت اختيار الناطق.
وعلى ذلك فيكون المراد من النهي عن دعوة الغير هو الدعوة الخاصة المقترنة بالاعتقاد، أي كون المدعو ذا اختيار تام في التصرّف في الكون وقد فُوِّض إليه شأن من شؤُونه سبحانه.
فإذا كان طلب الشفاعة مقترناً بهذه العقيدة فانّه يُعَدُّ عبادةً للمشفوع إليه. وإلاّ فيكون طلب الحاجة كسائر الطلبات من غيره سبحانه الذي لا يشك ذو مسكة في عدم كونه عبادة.
وبعبارة أُخرى: طلب الشفاعة إنّما يُعَدُّ عبادة للشفيع إذا كان مقروناً بالاعتقاد بإلوهيته وربوبيته، وأنّه مالك لمقام الشفاعة أو مفوَّض إليه، يتصرّف فيها كيف يشاء، وأمّا إذا كان الطلب مقروناً باعتقاد أنّه عبدٌ من عباد الله الصالحين يتصرف بإذنه سبحانه للشفاعة، وارتضائه للمشفوع له، فلا يُعَدُّ عبادة للمدعوّ، بل يكون وزانه وزان سائر الطلبات من المخلوقين، فلا يعدُّ عبادة بل طلباً محضاً، غاية الأمر لو كان المدعو قادراً على المطلوب يكون الدعاء ـ عقلا ـ أمراً صحيحاً، وإلا فيكون لغواً.
فلو تردّى إنسان وسقط في قعر بئر وطلب العون من الواقف عند البئر القادر على نجاته وإنقاذه، يُعَدّ الطلب أمراً صحيحاً، ولو طلبه من الأحجار المنضودة حول البئر يكون الدعاء والطلب منها لغواً مع كون الدعاء والطلب هذا في الصورتين غير مقترن بشيء من الإلوهية والربوبية في حق الواقف عند البئر، ولا الأحجار المنضودة حولها.
إنّ الآية تحدّد الدعوة التي تُعَد عبادة بجعل المخلوق في رتبة الخالق سبحانه كما يفصح عنه قوله: {مع الله} وعلى ذلك فالمنهيُّ هو دعوة الغير، وجعله مع الله، لا ما إذا دعا الغيرَ معتقداً بأنّه عبدٌ من عباده لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً ولا حياةً ولا بعثاً ولا نشوراً إلاّ بما يتفضل عليه بإذنه ويقدر عليه بمشيئته، فعند ذاك فالطلب منه بهذا الوصف يرجع إلى الله سبحانه.
وبذلك يبدو أنّ ما تدل عليه الآيات القرآنية من أنّ طلب الحاجة من الأصنام كان شركاً في العبادة، إنّما هو لأجل أنّ المدعوّ عند الداعي كان إلهاً أو ربّاً مستقلا في التصرف في شأن من شؤُون وجوده أو فعله. قال سبحانه: {والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون} (7)
ترى أنّه سبحانه يستنكر دعاءهم بقوله: {لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون} وقوله: {عبادٌ أمثالكم} مُذكِّراً بأنّ عقيدتهم في حق هؤلاء عقيدة كاذبة وباطلة فالأصنام لا تستطيع نصرة أحد، وهذا يكشف عن أنّ الداعين كانوا على جانب النقيض من تلك العقيدة وكانوا يعتقدون بتملّك الأصنام لنصرهم وقضاء حوائجهم من عند أنفسهم.
وحصيلة البحث: أنّ الدعاء ليس مرادفاً للعبادة، وما ورد في الآية والحديث من تفسير الدعاء بالعبادة لا يدل على ما يراه المستدِلّ، فالمراد من الدعاء فيهما قسمٌ خاصٌّ منه، وهو الدعاء المقترن باعتقادِ الإلوهية في المدعو والربوبيّة في المطلوب منه كما عرفت.
المصادر:

1- الزمر/44
2- الزخرف/86
3- يونس/18
4- الجن/18
5- فاطر/6
6- الكافي: 6/434 الحديث 4.
7- الأعراف/194

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ذكرى إستشهاد حمزة سيد الشهداء
لماذا نبداء بـ : بسم الله الرحم الرحيم
الإمام الحسين (ع) مبادئ متجددة ونظام لفعل الخير
خطبة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أمام نساء ...
آثار الذنوب علی الفرد
الحسين(ع) إماماً و مصباح الهداية
عاشوراء مِرآة للتاريخ
الارتباط بالمطلق مشكلة ذات حدين
الشخصية القرآنية
أهداف التربية في الإسلام

 
user comment