عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

وقاية الامة من الانحراف

وقاية الامة من الانحراف
تحصين الاُمّة التي كانت تواجه خطر العاملَين الكمّي والكيفي، اللّذَين سوف يجعلان هذه الاُمّة لا تعيش الإسلام إلّا زمناً قصيراً بحكم العامل الكمّي الذي سوف يُسرع في إفناء التجربة، وسوف لن تعيش إلّا تجربةً مشوّهةً بحكم العامل الكيفي الذي يفرض عليها.
ولذا، بدأ الإمام هنا بتحصين الاُمّة بالتغلّب على هذين العاملين:

1- معالجة العامل الكمّي:

أمّا التغلّب على العامل الكمّي، فكان في محاولة تمديد عمر التجربة. وحيث لا يمكن تمديدها بزعامته هو شخصيّاً، فقد كان ذلك التمديد باُسلوبين:
ألف- التدخّل الإيجابي الموجِّه‌ في حياة قيادة التجربة الإسلاميّة:
الاُسلوب‌ الأوّل هو عبارة عن التدخّل الإيجابي الموجِّه في حياة هذه التجربةبلحاظ قيادتها.
القادة والزعماء الذين كانوا يتولَّون هذه التجربة كانوا يواجهون قضايا كثيرةً لا يُحسنون مواجهتها، كانت تواجههم مشاكل كثيرة لا يحسنون حلَّها، ولو حاولوا حلَّها ومواجهتها لوقعوا في أشدِّ الأخطار والأضرار، ولأَوْقعوا المسلمين في أشدِّ التناقضات، ولأصبحت النتيجة المحتومة أقرب، ولأصبحت التجربة على شفا الموت وأقرب إلى الفناء وأسرع إلى الهلاك.
هنا كان يتدخّل الإمام (عليه السلام) -وهذا خطٌّ عام سار الأئمّة (عليهم السلام) كلُّهم على هذا الخطّ ، فكان الإمام (عليه السلام) يتدخّل تدخّلاً إيجابيّاً موجِّهاً في سبيل أن ينقذ التجربة من المزيد من الضياع، ومن المزيد من الانحراف، ومن المزيد من السير في الضلال.
كلّنا نعلم بأنّ المشاكل العقائديّة التي كانت تواجه الزعامة السياسيّة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله)، هذه المشاكل العقائديّة التي كانت تثيرها الحضارات الاُخرى التي بدأت تندرج في الاُمّة الإسلاميّة، وكذلك الأديان الاُخرى التي بدأت تعاشر المسلمين، هذه المشاكل العقائديّة لم تكن الزعامات السياسيّة قادرةً على حلّها، ولذا كان الإمام (عليه السلام) هو المُعينَ لتلك الزعامة في عمليّة التغلّب على تلك المشاكل:
* كلّنا نعلم بأنّ الدولة الإسلاميّة واجهت في عهد عمر خطراً من أعظم الأخطار، وهو خطر إقامة إقطاع لا نظير له في المجتمع الإسلامي‌، هذا الإقطاع الذي كان من المفروض أن يُسرع في دمار الاُمّة الإسلاميّة، وذلك حينما وقع البحث بين المسلمين بعد فتح العراق في أنّه: هل توزّع أراضي العراق على المجاهدين المقاتلين، أو أنّها تبقى ملكاً عامّاً للمسلمين عموماً؟
وكان هناك اتّجاهٌ كبيرٌ بين المسلمين إلى أن توزَّع هذه الأراضي على المجاهدين، أي على الذين فتحوا العراق والشام ومصر وفارس.
وكان نتيجة ذلك أن يُعطى العراق وسوريا وإيران ومصر وجميع العالم الإسلامي الذي أسلم بالفتح إلى أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف من المسلمين المجاهدين إلى بضعة آلافٍ كانت تقاتل وتحارب، سوف تستقطع أراضي العالم الإسلامي لهؤلاء، وبالتالي سوف يشكّل ذلك إقطاعاً لا نظير له في التاريخ.
هذا المطلب هو الخطر الذي كان يهدّد الدولة الإسلاميّة، وكان عمر قد تحيَّر من أجل ذلك عدّة أيّام؛ لأنّ عمر ليس على مستوى المسؤوليّة، ولا يعرف ماذا يصنع، ولا يعرف ما هو الأصلح، وكيف يُمكن أن يعالج هذه المشكلة.
عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) هو الذي تدخّل -كما تعلمون- وحسم هذا الخلاف، وبيّن وجهة نظر الإسلام في الموضوع، وأخذ عمر بنظر الإمام عليٍّ (عليه السلام)، وأنقذ بذلك الإسلام من الدمار الكبير(1).
* وكذلك التدخّلات الكثيرة، والتي منها قضيّة النفير العامّ الذي اقتُرح على عمر، والذي كان يهدّد العاصمة في غزوٍ سافرٍ كان من الممكن أن يقضي على الدولة الإسلاميّة.
هذا الاقتراح طُرح على عمر، وكاد عمر أن يأخذ به. جاء عليٌّ إلى المسجد، إلى عمر، مسرعاً -على ما في بعض الروايات-، قال له: لا تنفر نفراً عامّاً. كان عمر يريد أن يخرج مع تمام المسلمين الموجودين آنذاك في المدينة، وعندها تفرغ المدينة عاصمة الإسلام ممّن يحميها عن غزو المشركين والكافرين، منعه من النفير العام‌(2).
وهكذا، كان عليٌّ (عليه السلام) يتدخّل تدخّلاً إيجابيّاً موجِّهاً في سبيل أن يقاوم المزيد من الانحراف والمزيد من الضياع، كي يطيل عمر هذه التجربة الإسلاميّة، ويقاوم عامل الكمّ الذي ذكرناه.
هذا هو أحد اُسلوبَي مقاومة العامل الكميّ.
بـ- معارضة الحكّام ومنعهم عن المزيد من الانحراف:
والاُسلوب الآخر لمقاومة العامل الكمّي في الموضوع كان هو المعارضة، أي كان عبارةً عن تهديد الحكّام ومنعهم من المزيد من الانحراف، لا عن سبيل التوجيه، وإنّما عن سبيل المعارضة والتهديد.
في الاُسلوب‌ الأوّل كنّا نفرض أنّ الحاكم فارغٌ دينيّاً وكان يحتاج إلى توجيه، الإمام (عليه السلام) كان يأتي ويوجّه.
أمّا الاُسلوب الثاني فـ--يكون فيه الحاكم منحرفاً ولا يقبل التوجيه، إذاً فيحتاج إلى معارضة، ويحتاج إلى حملةٍ ضدَّ هذا الحاكم لأجل إيقافه عند حدّه، ولأجل منعه عن المزيد في الانحراف. وكانت هذه هي السياسة العامّة للأئمّة (عليهم السلام).
أَلَسنا نعلم أنّ عمر صعد على المنبر وقال: «ماذا كنتم تعملون لو أنّا صرفناكم عمّا تعلمون إلى ما تنكرون؟!»؛ كان يريد أن يقدّر الموقف وماذا سيكون. لم يقم له إلّا عليٌّ (عليه السلام) ليقول له: «لو فعلت ذلك لقوّمناك بسيوفنا»(3).
كان هذا هو الشعار العامّ للإمام عليٍّ (عليه السلام). بالرغم من أنّه لم يشترك في عمليّة تعديل عُمَرَ بالسيف خلال حكم عمر إلّا أنّه قاد المعارضة لعثمان وتزعّم هذه المعارضة، واستقطب آمال المسلمين ومشاعر المسلمين واتّجاهات المسلمين نحو حكمٍ صحيح، ولهذا كان هو المرشّح الأساسي شبه الوحيد أيضاً بعد أن قتل عثمان، واجتمع عليه المسلمون‌.
الإمام (عليه السلام) كان يتحرّك بهدف وقف امتداد الانحراف، وتجميد حركة أصحاب الانحراف، وبهذا يكمل معالجة العامل الكمّي.

2- معالجة العامل الكيفي:

وأمّا معالجة العامل الكيفي -وهو المحافظة على الاُمّة الإسلاميّة، وإعطاؤها الوجهةَ الإسلاميّةَ الصحيحةَ دون قبول الوجهة المنحرفة المشوّهة للإسلام هذا العمل لا يكفي فيه الصراعُ على المستوى الكمّي السابق؛ لأنّه لا يُكسِب الاُمّة المناعة الحقيقيّة والحرارة الحقيقيّة للبقاء والصمود كاُمّة.
إذاً، كان لا بدّ وأن يحدَّد الوجهُ الحقيقي للإسلام في سبيل الحفاظ عليه، وهذا الوجه الحقيقي للإسلام قدَّمه الإمام عليٌّ (عليه السلام) من خلال معارضته للزعامات المنحرفة أوّلاً، ومن خلال حكم الإمام (عليه السلام) بعد أن مارس الحكم بنفسه ثانياً
من خلال هذين العملين -العمل السياسي المتمثّل في المعارضة، والعمل السياسي المتمثّل في رئاسة الدولة بصورةٍ مباشرةٍ- قدَّم الوجهَ الحقيقيَّ للإسلام، الاُطروحة الصحيحة للحياة الإسلاميّة، الاُطروحة الخالية من كلّ تلك الألوان من الانحراف.
طبعاً هذا لا يحتاج إلى حديث، ولا يحتاج إلى تمثيل؛ لأنّه واضح لديكم.
أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما تولّى الحكم لم يكن يستهدف من تولّي الحكم تحصين التجربة أو الدولة بقدر ما كان يستهدف تقديم المثل الأعلى للإسلام؛ لأنّه كان يعرف أنّ التناقضات في الاُمّة الإسلاميّة بلغت إلى درجةٍ لا يمكن معها أن ينجح عملٌ إصلاحيٌّ إزاء هذا الانحراف، مع علمه أنّ المستقبل لمعاوية، وأنّ معاوية هو الذي يمثّل القوى الكبرى الضخمة في الاُمّة الإسلاميّة.
كان يعلم ذلك، ولهذا ذكّر بولاية معاوية، وقال لأهل الكوفة: ويلكم، إنّه سيسلّط عليكم هذا الرجل الذي نعته النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) خاصّة ..عن الحسن بن علي (عليهما السلام): «إنّي سمعت عليّاً يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: لا تذهب الليالي والأيّام حتّى يجتمع أمر هذه الاُمة على رجل واسع السّرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتّى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر. وإنّه لمعاوية، وإنّي عرفت أنّ الله بالغ أمره» (4).
كان يعرف أنّ القوى الضخمة التي خلّفها عمر وخلّفها عثمان والتي خلّفها الانحراف، هذه القوى كلّها إلى جانب معاوية، وليس إلى جانبه هو ما يعادل هذه القوى‌، ولكنّه مع هذا قَبِل الحكم، ومع هذا بدأ بتصفية وتعرية
الحكم والانحراف الذي كان قبله، ومع هذا مارس الحكم وضحّى في سبيل هذا الحكم بعشرات الآلاف من المسلمين.
أوّلُ من قتل الآلاف من المسلمين في سبيل الحكم هو عليٌّ (عليه السلام)، وذلك في سبيل أن يقدّم الاُطروحة الصحيحة الصريحة للإسلام وللحياة الإسلاميّة، ان عليّاً (عليه السلام) في معارضته، في حكمه، لم يكن يمثّل الشيعة فقط، ولم يكن يؤثّر على انحراف الشيعة فقط، بل كان يؤثّر على مجموع الاُمّة الإسلاميّة.
عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) ربّى المسلمين جميعاً، شيعةً وسنّةً، حصّن المسلمين جميعاً، شيعةً وسنّة، عليٌّ (عليه السلام) عرّف المسلمين جميعاً -سنّةً وشيعة- قيمة الإسلام وعظمة الإسلام، عليٌّ (عليه السلام) أصبح اُطروحةً ومثلاً أعلى للإسلام الحقيقي. من الذي كان يحارب مع الإمام علي (عليه السلام)؟
هؤلاء المسلمون الذين كانوا يحاربون المسلمين في سبيل هذه الاُطروحة الغالية، وفي سبيل هذا المثل الأعلى، أَكانوا كلّهم شيعةً بالمعنى الأخصّ؟ لا، لم يكونوا كلّهم شيعة.
هذه الجماهير التي انتفضت بعد عليٍّ (عليه السلام) على مرّ التاريخ بزعامات أهل البيت (عليهم السلام)، بزعامات العلويّين الثائرين من أهل البيت، الذين كانوا يرفعون راية عليٍّ (عليه السلام) وشعار عليٍّ (عليه السلام) للحكم، هؤلاء كلّهم كانوا شيعةً بالمعنى الأخصّ؟ لا، لم يكونوا شيعةً بالمعنى الأخصّ، بل كان أكثرهم لا يؤمن بعليٍّ (عليه السلام) إيمانَنا نحن الشيعة، ولكنّهم كانوا ينظرون إلى عليٍّ (عليه السلام) على‌ أنّه المثل الأعلى، أنّه الرجل الصحيح الحقيقي للإسلام.
حينما قام نائب عبد الله بن الزبير يعلنُ سياسة عبد الله بن الزبير، وقال بأنّنا سوف نحكم بما كان يحكم به عمر وعثمان، قامت الجماهير، جماهير المسلمين تقول له: «لا، بل بحكم علي (عليه السلام)».
فعليٌّ كان يمثّل اتّجاهاً في مجموع الاُمّة الإسلاميّة.
الخلافة العباسيّة كيف قامت؟ كيف نشأت؟ قامت على أساس دعوةٍ كانت تتبنّى زعامة الرضا من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله). يعني: إنّ هذه الحركة استغلّت عظمة هذا الاتّجاه، وتجمُّعَ المسلمين حول هذا الاتّجاه، ولم يكن هؤلاء شيعة، أكثر هؤلاء لم يكونوا شيعة، لكن كانوا يعرفون أنّ الاتّجاه الصالح الحقيقيَّ الصلبَ العنيفَ كان يمثّله عليٌّ (عليه السلام) والواعون من أصحاب عليٍّ (عليه السلام) وأبنائه.
ولهذا، فإنّ كثيراً من أبناء العامّة هم من أصحاب الأئمّة (عليهم السلام)، كثيرٌ من أصحاب الأئمّة كانوا من العامّة، بل من أئمّة العامّة ومن أكابر أصحاب الصادق (عليه السلام).
كان الأئمّة (عليهم السلام) يفكّرون في أن يقدّموا الإسلام لمجموع الاُمّة الإسلاميّة، وأن يكونوا مثلاً، أن يكونوا اُطروحةً، أن يكونوا مثلاً أعلى. كانوا (عليهم السلام) يعملون على خطّين: خطّ بناء المسلمين الشيعيّين الصالحين، وخطّ ضرب المثل الأعلى لمجموع المسلمين بقطع النظر عن كونهم شيعة أو سنّة.
هناك علماء من كبار علماء السنّة أفتوا بوجوب الجهاد، وبوجوب القتال بين يدي ثوّار آل محمّدٍ (صلّى الله عليه وآله): أبو حنيفة النعمان قبل أن ينحرف، قبل أن يرشيَه السلطان ويصبح من فقهاء عمّال السلطان، أبو حنيفة نفسه -الذي كان من أعيان السنّة ومن زعماء السنّة، هو نفسه- خرج مقاتلاً ومجاهداً مع رايةٍ من رايات آل عليٍّ (عليه السلام)، وأفتى بالجهاد مع رايةٍ من رايات آل عليٍّ (عليه السلام) ، مع راية تحمل شعار عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام). كلُّ هذا قبل أن يتعامل مع السلاطين‌.
إذاً، فاتّجاه عليٍّ (عليه السلام) لم يكن اتّجاهاً منفرداً محدوداً، كان اتّجاهاً واسعاً على مستوى الاُمّة الإسلاميّة كلِّها؛ لأجل أن يحصّن الاُمّة الإسلاميّة كلَّها، لأجل أن يعرّف الاُمّة الإسلاميّة ما هو الإسلام، وما هي أهداف الإسلام، وكيف يمكن للإنسان أن يعيش حياةً إسلاميّة، وفي إطار مجتمعٍ إسلامي.
العبرة التربويّة التي نأخذها من سيرة الإمام عليٍّ (عليه السلام) :المهم من هذا الحديث أن نأخذ العبرة وأن نقتدي حينما نرى أنّ عليَ‌بن‌أبي طالب (عليه السلام) -على عظمته- يربّي أصحابه على أنّهم أصحاب الهدف، لا أصحاب نفسه.
يجب أن لا اُفكّر أنا، ويجب أن لا تفكّر أنت بأن تربّي أصحابك على أنّهم أصحابك، وإنّما هم أصحاب الرسالة. أيُّ واحد منكم ليس صاحباً للآخر، ولهذا يجب أن نجعل الهدف دائماً مقياساً، نجعل الرسالة دائماً مقياساً.
احكموا عليَّ في اللحظة التي أنحرف فيها عن الهدف؛ لأنّ الهدف هو الأعزّ والأغلى، هو ربُّ الكون الذي يجب أن تشعروا بأنّه يملككم، بأنّه بيده مصيركم، بيده مستقبلكم، بأنّه هو الذي يمكن أن يعطيكم نتائج جهادكم.
هل أنا اُعطيكم نتائج جهادكم؟! أو أيُّ إنسان على وجه الأرض يمكن أن يعطي الإنسان نتائج جهاده، نتائج عمله، نتائج إقدامه على صرف شبابه، حياته، عمره، على زهده، على تحمّله آلام الحياة، تحمّله للجوع، تحمّله للظلم، تحمّله للضيم؟ من الذي يعطي أجر كلّ هذا؟ هل الذي يعطي أجر هذا هو أنا وأنت؟!
لا أنا ولا أنت يعطي أجر هذا، وإنّما الذي يعطي أجر هذا هو الهدف فقط. هذا هو الذي يعطي النتيجة والتقييم، هو الذي سوف يفتح أمامنا أبواب الجنّة، هو الذي سوف يغيِّر أعمالنا، هو الذي سوف يصحِّح درجاتنا.
إذاً، لا تفكّروا في أنّ أيَّ واحد منكم، في أنّ أيَّ واحد منّا مرتبط مع أيِّ واحد منّا، بل فكّروا هكذا: أنّ أيَّ واحدٍ منّا مرتبطٌ كلُّه مع أكبر من أيّ واحدٍ منّا، هذا الشي‌ء الذي هو أكبر هو الله سبحانه، هو رضوان الله، هو حماية الإسلام، هو العمل في خطّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام).
الإمام علي (عليه السلام) أمل الإسلام والاُمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله):
نجتمع الليلة لذكرى أشأم ليلةٍ بعد اليوم الذي‌ توفّي فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ فإنّ اليوم الذي توفّي فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان هو اليوم الذي خلّف فيه النبيُّ تجربته الإسلاميّة في مهبّ القدر ، وفي رحمة المؤامرات التي رست عليها بعد برهةٍ من الزمن.
واليوم الذي اغتيل فيه الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كان هو اليوم الذي قضى على آخر أملٍ في إعادة خطّ تلك التجربة الصحيحة، هذا الأمل الذي كان لا يزال يعيش في نفوس المسلمين الواعين متجسّداً في شخص هذا الرجل العظيم، الذي عاش منذ اللحظة الاُولى هموم الدعوة وآلامها، واكتوى بنارها، وشارك في بنائها لبنةً لبنة، وأقام صرحها مع اُستاذه (صلّى الله عليه وآله) صرحاً صرحاً.
هذا الرجل الذي كان يعبّر عن كلّ هذه المراحل بكلّ همومها ومشاكلها وآلامها.
هذا الرجل كان هو الذي يمثّل هذا الأمل الوحيد الذي بقي للمسلمين الواعين في أن تسترجع التجربةُ خطَّها الواضح الصريح، واُسلوبها النبويّ المستقيم؛ حيث إنّ الانحراف في داخل وفي أعماق هذه التجربة كان قد طغى وتجبّر واتّسع، بحيث لم يكن هناك -ولا يكون هناك- أيُّ أملٍ في أن يقهر هذا الانحراف، اللهمّ إلّا على يد رجلٍ واحدٍ كعليّ بن أبي طالب.
ولهذا كانت حادثة اغتيال هذا الإمام العظيم -حينما خرّ صريعاً في مثل صبيحة اليوم الآتي- تقويضاً حقيقيّاً لآخر أملٍ حقيقيٍّ في قيام مجتمعٍ إسلاميٍّ صحيحٍ على وجه الأرض إلى يومٍ غير معلوم، وإلى أجلٍ غير محدود.
كان هذا الاغتيال المشؤوم عقيب حكمٍ مارسه الإمام (عليه الصلاة والسلام) طيلة خمس سنواتٍ تقريباً، أو بين الأربع والخمس سنوات‌(5).
وهذه الأربع أو الخمس سنوات التي مارس (عليه الصلاة والسلام) فيها الحكم، بدأ منذ اللحظة الاُولى من حين تسلَّمَ زمام الحكم في عمليّة التغيير الحقيقيّة في كيان هذه التجربة المنحرفة، وواصل سعيه في سبيل إنجاح عمليّة التغيير.
واستشهد وخرّ صريعاً في المسجد وهو في قمّة هذه المحاولة، أو في آخر محاولةٍ من محاولات عمليّة التغيير، وتصفية الانحراف الذي كان قد ترسّخ في جسم المجتمع الإسلامي متمثّلاً في معسكرٍ منفصلٍ عن الدولة الإسلامية الاُمّ‌.
ظاهرة رفض المساومات وأنصاف الحلول:
والظاهرة الواضحة في هذه الأربع سنوات التي مارس فيها الإمام (عليه الصلاة والسلام) تسلُّمَ زمام الحكم هي أنّ الإمام (عليه الصلاة والسلام) منذ بدأ تسلُّمَ زمام الحكم إلى أن خرَّ صريعاً في سبيل إقامة عدل الله على الأرض كان غير مستعدٍّ بأيّ شكلٍ من الأشكال، وفي أيّ صيغةٍ من الصيغ- لتقبّل أنصاف الحلول بالنسبة إلى تصفية هذا الانحراف، أو لتقبّل أيّ معنىً من معاني المساومة أو المعاملة على حساب هذه الاُمّة، التي كان يرى بكلّ قرحةٍ وألم أنّها تُهدر كرامتها وتباع بأرخص الأثمان.
المصادر :
1- فتوح البلدان: 261؛ معجم البلدان 44 :1. وراجع له أيضاً: اقتصادنا: 492 – 503.
2- نهج البلاغة: 203، الخطبة 146؛ الأخبار الطوال: 134؛ تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 125 :4؛ الفتوح 293 :2؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 209 :1؛ تجارب الأمم 383 :1؛ الكامل في التاريخ 8 :3.
3- ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 150 :3؛ المناقب (الخوارزمي): 98، الحديث 100؛ بحار الأنوار 180 :40 - 181.
4- مقاتل الطالبيّين: 76 ؛ وراجع كلام عليٍّ (عليه السلام) في: نهج البلاغة: 92، الخطبة 57.
5- تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 436 :4 ؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 8 :1.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فضل شهر رمضان المبارك
الإقطاع في الإسلام
الخوارق و تأثير النفوس
حول قرآن علي (عليه السلام)
عاشوراء في وعْيِ الجمهور ووَعْيِ النُخبة
مواقف في کربلاء
مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا (علیه السلام)
الاجتماع في الدعاء و التأمين على دعاء الغير
أحداث سنة الظهور حسب التسلسل الزمني
شبهات حول المتشابه في القرآن، وتفنيدها

 
user comment