اصل [اثبات الصانع وتوحيده ووجه الحاجة الى النبى والامام ]
سؤال : ايجوز أن يرى الرب ؟ (190) ان ربك لايرى هذا, فقال : يا محمد (191) . ومثله (لا تـدركه الا بصار) (192) و(لن تراني ) (193) ودلالة (194) العقل . وذلك من حيث أ ن المرئى بالبصر لابد أن يكون في الجهة , امابالاستقلال , كالجسم والجرم والجوهر, أو بالتبع , كالعرض , وليس يقابل بواحد (195) منها, لان هذه الاشيأ مكيفات , و (196) ممكنات , ومـتـشـكـلات , ومـتـصـفـات ,ومـتـحيزات , وذوات المقدار, وموصوفات بالحركة والسكون , و (197) الاجـتـمـاع و (198) الافـتـراق , وواقـعـات في أزمان دون أخرى , ومتغيرات ومستحيلات من حال الى أخرى . فالتخصيص لكل واحدة منها بنوع ووجه خاص لابد أن يكون من غـيـرها.وذلك الغير تخصيصها (199) بحال وجودها محال . فلم يبق الا أن يكون في حال العدم .
وما يحدث بعدالعدم فهو حادث . وفاعل الحادثات لايكون مثله , بل يكون قديما,لا ن الحادث اذا لم يكن (200) يكون منه وجودالغير؟ وأصل الكائنات شي ء واحد بمعنى أ نها متماثلة في قبول الاعراض , والحصول المختلفة ,والتحيز, وقـبـول الابـعـاد الـثـلاثـة (201) . واذا اثـبـت الـتـماثل , فالاختلاف لابدأن يكون من الغير ولا (202) يحصل و[لا]يصح فيه ما (203) يصح (204) في غيره من الحدوث والزلل .
ووجدنا مع تماثل الجواهر التنويع , والتجنيس , فلابد له من فاعل مختار مريد لهذا النوع دون آخر.
وأيـضـا الـصـانـع لايـشـبـه الـصـنـع . فـكـل مـا تصورت في الكائنات ينبغي أن يكون الواجب بـخـلافه (205) ومن ذلك قول النبي (ص ): كل ما خطرت ببالك أو توهمت بخيالك فاللّه ـ جل شأنه ـ بخلاف ذلك .
وقال الصادق (ع ): التوحيد أن لاتتوهمه , والعدل أن لا تتهمة (206) .
فـالـحقيقة أ ن كل ما وقع في الخاطر فهو محدود متميز عن غيره , اذ همك أحاطبه (207) , وان لـم تحط (208) فلايحصل لك به علم . ولذلك قلنا: ان ذاته ,يعني (209) كنهه غير معلوم للبشر (210) , وهذه من لطائف أصول الكلام .
وأيضا (211) البصر آلة يدرك بهاالجسم وشبهه من الجزئيات الواقعة في الجهة بالاستقلال أو بـالتبع (212) , كالعرض . ومايرى بالبصر شرط صحة رؤيته (213) الجهة ضرورة , ولذلك من يقل (214) له : أبصر, يطلب (215) الجهة بالضرورة .وما في الجهة فهو المحدث , وليس اللّه تـعـالـى بـواحد مما في الجهات . واذا ثبت أ نه لايرى فلايصح عليه ما يصح على المرئيات من الـزوال والـفـنأ, والامكان , وقبول الاعراض ,وكونه في الجهة والمكان . فقوله تعالى : (الرحمن عـلـى الـعـرش اسـتـوى ) (216) رد عـلى المجوس حيث قالوا ب(يزدان و أهرمن ) وان (أهرمن ), يعني ابليس ـ عليه اللعنة (217) ـ غلب عليه تعالى (218) في الملك , فقال تعالى : اني على العرش لم يستول على ضد ولاند (219) في الملك , بل اني على عرش الدولة الملك .
وقوله : (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) (220) من المتشابهات التي تحتاج الى التأويل , وهـو أن تقدر (221) (ناظرة الى ثواب ربها) (222) أو نقول : ان الرؤية هي عبارة عن الكشف التام والظهور, ولذلك قيل , ان المعارف في الاخرة ضرورية .
الصفات السلبية (224) فينبغي أن تنقلب (223) وأيـضـا فالخصم يقول : انه يرى في القيامة هنالك ثبوتية , وهو محال .
[وجه معرفته تعالى مع عدم كونه مرئيا]
سـؤال (225) : اذا كـان الـخـالـق غـيـر مـرئى , فـأيـن حـصـل الـعـلـم بـه حـتـى قيل : الخالق الرازق (226) ؟.
الـجـواب : جـبـل تـعالى فينا العلوم الضرورية , كالوجدانيات من الالام , واللذة , والسرور,وحسن الاشيأ وقبحها في مواضعها. فان الصنع من غير صانع محال , كالنقش من غيرنقاش , والكتبة من غير كـاتـب والـبـنـأ مـن غـيـر بـان (227) . وجـعـل الـتـصـورات فيناضرورية , فنستدل بها و (228) بـالـتصديقات الضروريات أن ورأ هذاالمشاهد لابد أن يكون واجب قديم أزلى , منه هذه الاشيأ. فهذه الاستحالات والتغيرات في العالم ألجأناالى القول بالصانع . وذكرنا هذا في كتاب (نزهة (229) الاصول في تحفة آل الرسول ) (230) فصل (231)
فصل [الحاجة الى الشريعة و الخليفة عن اللّه ]
اذا صح أ نه أراد اظهار عظمته , فلابد أن ينفذ أمره ونهيه في خلقه , لكن هذا من صفات الـجـسـم فاختار خلافة عنه (232) نيابة , الرسل , ومنه قوله تعالى : (اني جاعل في الارض خـلـيـفـة ) (233) والخليفة من يقوم مقام الغير لترويج بعض ما كان من همه أن يروج لو كان حاضرا (234) , فلذلك قلنا بعصمة الانبيأ والخلفأ.
ولابد للنبى والخليفة من ضابطة وهي المسماة بالشرع . وحاصله (235) أ ن نوع الانسان يحتاج بعضهم الى آخر, كل واحد بشي ء آخر, وبينهم المعاملات , والطمع ,وحيلة (236) الجور بمال غـيـره , وسـلـبـه عنه بشدة الحاجة اليه بالنظر الى حرصه . فلابد من حاكم من عنده تعالى حتى يـؤدي (237) عـنه ـ تعالى ـ الى عباده , ويقطع الخصومات , ويهديهم الى سبيل الرشاد, ويمنعهم عـن عـبـادة غـيـره وعـن الـشـرك بـه تـعـالـى آوالـوثوق لايحصل بما قلناه به الا بالمعصوم , فوجب (238) علينا لذلك , القول بعصمة الخليفة من يوم الولادة الى يوم الوفاة (239) ليحصل بـوجوده (240) تمام غرضه تعالى , ويحصل بوجوده ضبط العباد, والبلاد, ويستقيم أمر ملكه , ولا يطمع القوى في الضعيف .
فصل (241)