عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

فاطمة الزهراء (علیها السلام) فی ظلال السُنّة الشریفة

فاطمة الزهراء (علیها السلام) فی ظلال السُنّة الشریفة
فی السنة النبویة عدد ضخم من الأحادیث التی لا تخضع للحصر ، نطق بها الرسول محمد ( صلى الله علیه وآله ) لیبرز قیمة الزّهراء وبعلها أمیر المؤمنین علیًّ ( علیه السلام ) وولدیها الحسنین ( علیهم السلام ) وقد أجمع أهل السیر والتأریخ على أکثرها ، ولکنّ هذا العدد الضخم من الأحادیث النبویّة التی طفحت بها کتب السیرة النبویّة وکتب الحدیث قد ولّدت لدى بعض المرجفین وأعداء الحق نوعاً من رد الفعل مما جعلهم یفسّرون هذه الظاهرة ـ ظاهرة غزارة الأحادیث النبویة فی فضل الزهراء ( علیها السلام ) على أنّها تمثّل موجاً عاطفیاً ، دفع الرسول ( صلى الله علیه وآله ) لمدح فاطمة ( علیها السلام ) کما مدح علیّاً ( علیه السلام ) بدافع عاطفی کذلک ، فهو ( صلى الله علیه وآله ) یبرز قیمة الزهراء ( علیها السلام ) وأبعاد فضلها على نساء العالمین لأنّها ابنة خدیجة التی کان یحبُّها حبّاً مطلقاً ، سیّما وهی التی وقفت معه أیّام عسرته ، وبذلت کلّ ثروتها فی سبیل دعوته . وهذا ما جعله یعطف على فاطمة ( علیها السلام ) لأنّها ودیعة زوجته المخلصة خدیجة ، فضلاً عن أنها ابنته ، مما جعل عاطفة الأُبُوّة ـ هی الأُخرى ـ تلعب دورها فی أحادیثه ـ على حدّ تعبیر المرجفین ـ.
ویفسّر هؤلاء الأحادیث التی أطلقها الرّسول ( صلى الله علیه وآله ) فی إبراز شخصیة علیًّ بن أبی طالب ( علیه السلام ) وکثرة الثناء علیه فی أنّها أحادیث أملتها العاطفة على محمد ( صلى الله علیه وآله ) ، فالإنتصارات المستمرة التی أحرزها علیٌ ( علیه السلام ) والبطولات التی حقّقها فی جهاد الرسول ( صلى الله علیه وآله ) وحروبه مع أعداء الإسلام ، هی التی دعت الرسول ( صلى الله علیه وآله ) أن یذکر علیّاً ( علیه السلام ) فی مناسبات کثیرة یضمنها مدحه وثناءه المنقطع النظیر لعلیًّ ( علیه السلام ) ما دام هو القائد لانتصاراته والماحق لصرح أعدائه(1).
هذه التفسیرات أطلقها بعض الکتاب المحدثون عند استعراضهم لبعض معالم السنة النبویة ، لا سیما فی الجانب الذی یتناول أهل البیت ( علیهم السلام ).
ولکن هذا التفسیر الجائر لهذه الأحادیث النبویّة یمثّل حملة عنیفة على شخصیة الرسول ( صلى الله علیه وآله ) بصفته حامل رسالة سماویّة.
ونحن بدورنا نستطیع أن ندحض هذه الشُّبهات الوضیعة إذا رسمنا نقطتین فی هذا المجال لتبیان بطلان هذه التفاسیر التی لا یسندها منطق ولا یدعمها واقع :
1ـ إنّ ادعاء کون الرسول ( صلى الله علیه وآله ) یتأثر تأثراً عاطفیاً فی أحادیثه یجعل القائلین به یخرجون الرسول ( صلى الله علیه وآله ) عن حدود العصمة ، مع أنّ الأدلة العقلیة والنقلیة مستفیضة فی إثبات عصمة الرسول ( صلى الله علیه وآله ) فی کافة ألوان نشاطه ، وفیما یصدر من أحکام وآراء ، فکیف یتأثر ـ یا ترى ـ بالعاطفة مع العلم أنّ العاطفة یتسرب الوهن والخطأ إلى أحکامها ؟ . والقرآن الکریم ـ کتاب الله العزیز ـ قد أمرنا بالإلتزام بکلّ تعلیم یصدر عن الرسول ( صلى الله علیه وآله ) أنّى کان لونه ـ کقوله تعالى : « ... وما آتاکم الرسول ، فخذوه ، وما نهاکم عنه فانتهوا »(2).
وقوله : « قل إن کنتم تحبُّون الله فاتبعونی یحببکم الله »(3).
فلو لم یکن الرسول ( صلى الله علیه وآله ) بعیداً عن العاطفة فی أقواله الشریفة ونشاطاته المتعدّدة ، لما ألزمنا الله تعالى باتباعه ، علماً بأنّ الآیات صریحة لم تستثن فی أقوال الرسول أو افعاله شیئاً ، بل إنّنا ملزمون بأتّباع کلّ ما ألزمنا الرسول ( صلى الله علیه وآله ) باتّباعه ، وقد قرّر القرآن الکریم حقیقة عصمته قبل إلزامنا بالسیر طبقاً لتعلیماته ـ قولیّة کانت أم فعلیّة ـ لقوله تعالى : « ... وما ینطق عن الهوى إن هو إلاّ وحی یوحى ، علّمه شدید القوى ، ذو مرّة فاستوى »(4).
لأنّ العصمة تمثل ـ بدورها ـ المناعة الطبیعیة التی تضفی على صاحبها لوناً خاصّاً من السلوک ، تبعده عن کلّ ما من شأنه أن یوقعه فی سهو أو خطأ یخرجه فی سلوکه ـ أنّى کان لونه ـ عن إطار المنهج الإلهی.
2ـ إنّ أحادیث الرسول ( صلى الله علیه وآله ) التی أطلقها فی مواقفه الکثار فی التحدُّث عن أهل بیته وفی طلیعتهم علیّ وفاطمة ـ مهما بلغت من مستوى عاطفیًّ ـ کما یدّعی المرجفون ـ فإنّها لم ترتفع فی مستواها عن مستوى الآیات الکریمة التی نزلت لتبیان سمو منزلتهما العظیمة ، بل إنّ أحادیث الرسول ( صلى الله علیه وآله ) التی وصفت علیّاً وفاطمة ، أو أثنت علیهما ـ کانت شرحاً لتلک الآیات أو عیشاً فی ظلالها الوارفة دون خروج عن إطارها العام على الإطلاق.
لنعش ـ قلیلاً ـ فی ظلال بعض الأحادیث النبویّة التی نطق بها الرسول ( صلى الله علیه وآله ) للثّناء على أهل البیت أو تبیان فضائلهم ، لیتّضح لنا ـ بجلاء ـ المستوى العاطفی المزعوم فی أحادیث الرسول ( صلى الله علیه وآله ) بعد أن نقرنها بالآیات الکریمة التی نزلت فی أهل البیت ( علیهم السلام ).
1ـ ورد فی ( صحیح البخاری ) عن أعور بن محزمة : أنّ رسول الله قال : « فاطمة منی ، فمن أغضبها أغضبنی ».
2ـ ( مستدرک الصحیحین ) عن علیًّ ( علیه السلام ) قال رسول الله لفاطمة : « إنّ الله یغضب لغضبکِ ، ویرضى لرضاکِ ».
3ـ فی ( مسند أحمد بن حنبل ) : أنّ رسول الله أخذ بید حسن وحسین ، وقال : « من أحبّنی وأحبّ هذین وأباهما وأُمهما ، کان معی فی درجتی فی الجنة یوم القیامة ».
4ـ عن أبی هریرة ، قال : نظر النبی ( صلى الله علیه وآله ) إلى علیًّ وفاطمة والحسن والحسین ، فقال : « أنا حرب لمن حاربکم وسلم لمن سالمکم ».
5ـ روى أبو سعید الخدری قال : سمعت رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) یقول : « إنّما مثل أهل بیتی فیکم کسفینة نوح ، من رکبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ».
6ـ روى زید بن أرقم ، قال : قال رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) : « إنّی تارک فیکم ما إن تمسکتم بهما لن تضلّوا بعدی : کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، ولن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض ، فانظروا کیف تخلفونی فیهما ».
وبإیراد هذه الجملة من أحادیث الرسول ( صلى الله علیه وآله ) التی تتّسم بطابع الثناء على أهل البیت ( علیهم السلام ) یجدر بنا أن نکشف المدى الذی بلغته هذه الأحادیث الکریمة التی تمثّل مجموعة ضخمة من السنّة النبویّة الشریفة فی تبیان فضائل اهل البیت ( علیهم السلام ) :
فالحدیث الأول ، لم یرسل لنا إلا ما أکدته آیة المودّة : « قل لا أسألکم علیه أجراً إلا المودّة فی القربى » .
حیث أنّ الآیة ألزمت الأُمّة إلزاما شرعّیاً بمحبّة أهل البیت والسیر وفقاً لمنهجهم القویم.
وعلى هذا الأساس الّذی تقرّره الآیة الکریمة ، فإنّ اغضاب أهل البیت وإیذاءهم جریمة ، لأنّه یجرُّ إلى إغضاب الله تعالى ورسوله الکریم اللذین قرّرا وجوب محبّة أهل البیت والإلتزام بحبلهم.
والحدیث الثانی ، یلتزم ـ هو الآخر ـ بنفس القیود ، بل یؤکّد نفس المعالم التی رسمتها آیة المودّة ، لأنّ الله سبحانه قد قرر محبّة الزهراء وإرضاءها ، إذ لا تتحقق أبعاد المحبّة إلا بإرضائها.
ولما کان الله تعالى هو الّذی ألزم الأُمة بمحبة الزهراء ( علیها السلام ) وسائر أهل البیت ( علیهم السلام ) ، فقد أصبح إرضاؤها إرضاءً لله الذی أوجبه ، کما أنّ إسخاطها سیجلب سخط الله تعالى الذی ألزم بالحنوّ علیها وسلوک منهجها.
والحدیث الثالث ، یبرز الحقیقة ـ عینها ـ فحین تتّم طاعة المرء للرسول ( صلى الله علیه وآله ) ، التی تؤلف الرُّکن الثانی من أرکان الإیمان فی الرسالة الإسلامیة ، وحیت تجتمع مع هذه الطاعة ، طاعة أهل البیت ومودّتهم ، فإنّما قد تتحقق بذلک السعادة ویتجسّد الإیمان فی نفسیة المرء وألوان سلوکه ممّا یحتّم بلوغ هذا الإنسان درجة رفیعة من التُّقى تقوده إلى الجنّة.
وهذا الحدیث الذی یطلقه الرسول ( صلى الله علیه وآله ) فإنّما یعیش فیه تحت ظلال الآیات الکریمة ، فالله سبحانه هو الذی ألزمنا بإتّباع الرسول وطاعة أهل بیته ، وحین نجسّد هذه الطاعة على سلوکنا ، فإنّما قد مثلنا مفهوماً ألزمنا الله بإتّباعه وحین نلتزم بهذا المفهوم الحیّ ، نکون قد حقّقنا الطاعة المطلقة لله سبحانه التی تقودنا إلى رضوانه ودخول جنّته.
والحدیث الرابع ، یعطینا نفس الإیحاء ویضرب على نفس الوتر فی وجوب الاعتصام بأهل البیت ( علیهم السلام ) ، لأنّ عدوّهم معادٍ للرسول الذی سأل مودّتهم کأجرٍ تدفعه الأُمّة إلى رسولها ( صلى الله علیه وآله ) ، وهذا ما تقرره آیة المودّة ـ عینها ـ.
وأمّا الحدیث الخامس ، فإنّه یعطی نفس التلقینات التی رسمتها آیة التطهیر من کلّ رجس.
إذن فالأُمّة مکلّفة باتّباعهم ، لأنّهم على هذا الأساس : سبیل النجاة ، والطریق المستقیم الموصل إلى الله تعالى.
وفی الحدیث السادس ، یوضح الرسول ( صلى الله علیه وآله ) : أن أهل بیته : ترجمان الکتاب ، والصورة الحیّة المتحرکة لمنهج السماء. ولو لم یکن أمرهم هذا شأنه ، لما وصفهم الله تعالى بالمطهّرین من الرجس ، ولما أوجب مودتهم واقتفاء اثرهم.
ونحن ـ حین نستعرض أبعاد الأحادیث التی نطق بها الرسول ( صلى الله علیه وآله ) مشیداً فیها بأهل بیته ـ فإنّنا لا نشمُّ أیّة رائحةٍ للعاطفة التی یدّعیها المرجفون ، فهو ـ مرّة ـ یلزم بحبّهم ، ـ ومرّة ـ ینهى عن إسخاطهم ، ـ وأُخرى ـ یأمر بإرضائهم ـ وثالثة ـ یصفهم بسفینة نوح ، ـ ورابعة ـ یصفهم بترجمان القرآن والحی . وهذه النعوت التی یطلقها الرسول لم تکن لتخرج ـ على الإطلاق ـ عن إیحاء الآیات الکریمة التی ألزمت بحبهم ، وأعلنت طهارتهم من کلّ دنس جاهلی ، فما دام الله سبحانه قد جعل طاعة أهل البیت ( علیهم السلام ) کسائر الفرائض والأحکام الشرعیة ، فإنّ الرسول ( صلى الله علیه وآله ) قد التزم بهذا التلقین السماوی ، لذا کانت أحادیثه غزیرة فی هذا المضمار ، ولعلّه ( صلى الله علیه وآله ) ما اهتم بأهل بیته هذا الإهتمام ولم یولهم هذه العنایة المنقطعة النظیر إلا لأنّه واثق من أنّ کرامة الأمة وسؤددها منوطتان باحتضان أهل البیت ( علیهم السلام ) والسیر وفقاً لمعالم منهجهم الإسلامی الرصین ، فأراد أن تردد الآفاق صدى أقواله لتوقد الأُمة إلى طاعة أهل البیت ( علیهم السلام ) الذین یمثلون القادة المبدئیین الحقیقیین بعد محمد ( صلى الله علیه وآله ) ، وعلى أیدیهم تتحقّق أصالة هذا المنهج الإلهی وکرامة هذه الأمّة ومجدها التالد.
المصادر :
عبدالزهراء عثمان محمد
(1) وعاظ السلاطین /الوردی.
(2) سورة الحشر /آیة 7.
(3) سورة آل عمران آیة /31.
(4) سورة النجم /آیة 3 ـ 6.

source : ایکنا
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تربية أطفالنا في ظلّ الإسلام
الإيمان بالإمام المهدي (عج)
حديث الغدير في مصادر أهل السنة
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
خصال الإمام
أدعية الإمام الرضا ( عليه السلام )
ما هو اسم الحسين عليه السلام
سورة الناس
نقد الذات
صلاة ألف ركعة

 
user comment