عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

خلاصة عقيدة الوهابية في التوحيد

خلاصة عقيدة الوهابية في التوحيد

يعتقد الوهابيون السلفيون أنّ الله تعالى جسم له حدّ وغاية ، وأنّ له صورة ووجهاً ، وعينين وفماً ، وأضراساً وأضواء لوجهه هي السبحات ، ويدين وكفاً ، وخنصراً وإبهاماً ، وأصابع وصدراً ، وجنباً وساقين ، ورجلين وقدمين ، وأنّه جالس على العرش ، وأنّه ينتقل من مكان إلى مكان ، فينزل في النصف الثاني من الليل إلى السماء الدنيا وينادي ثمّ يصعد (1) ، نستجير بالله.
ويقول الحافظ ابن الجوزي : (ورأيت من أصحابنا مَنْ تكلّم في الاُصول بما لا يصلح ، وانتدب للتصنيف ثلاثة : أبو عبد الله بن حامد وصاحبه القاضي وابن الزاغوني ، فصنّفوا كتباً شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ، فحملوا الصفات على مقتضى الحسّ ، فسمعوا أنّ الله تعالى خلق آدم على صورته ، فأثبتوا له صورة ووجهاً على الذات ، وعينين وفماً ولهوات ، وأضراساً وأضواء لوجهه هي السّبحات ، ويدين وأصابع ، وكفاً وخنصراً ، وإبهاماً وصدراً ، وفخذاً وساقين ورجلين ، وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس (2)!
وقالوا : يجوز أن يَمسّ ويُمسّ ، ويدني العبد من ذاته. وقال بعضهم : ويتنفس ....
وأبو بكر ابن العربي يروي عن القاضي أبي يعلي الحنبلي أنّه كان إذا ذُكر الله سبحانه يقول : (ألزموني ـ من صفات الله ـ ما شئتم ؛ فإنّي ألتزمه إلاَّ اللحية والعورة) (3).
أهذا هو حقيقة التوحيد في المفهوم القرآني؟! وهل يرضاه الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! وهل يقبله العقل السليم؟!
توحيد الأفعال (الأسماء والصفات) :
ويعتقدون مثل كلّ المسلمين أنّ الله وحده هو المنفرد بالخلق والتدبير ، والإحياء والإماتة ، والملك التام لكلّ ما في هذا الكون (4) ، ولكنّهم يبنون على ذلك أنّ مَنْ دعا غير الله واستغاث به وهو غائب أو ميت ، وطلب منه المدد واعتقد أنّه ينفع ويضرّ ، ويشفي المريض ويردّ الغائب ، وينتصر للمظلوم فقد أشرك بالله العظيم.
ولا ينفع هذا أن يسمّي ما يفعله شفاعة أو توسلاً فهذه حجّة المشركين ، ومن الشرك ما يفعله كثير من الناس من النذر لغير الله ، والذبح لغيره كما يفعل عند قبور الصالحين وغيرهم ، كما إنّ مَنْ صلّى وسجد لغير الله فقد أشرك (5).
إنّ هذا الكلام هو كجنود معاوية من قبل الذي كان يغتال الناس بالسمّ المدسوس في العسل ويتّهم الله تعالى بأنّه الفاعل ، ويقول : (إنّ لله جنوداً من عسل).
إنّ هذا الكلام المنسّق يدسّ الكفر بالإسلام والشرك باسم التوحيد ، ويخرج الأُمّة من الدين دفعة واحدة بعد أن دخلوه زرافات ووحدانا ومن ثمّ أفواجاً.
اعلم عزيزي القارئ أنّ من ضروريات الدين الإسلامي ، والمُجمع عليه بين جميع الفرق المنتحلة لدين سيّد الأنام محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل ومن أعظم أركان التوحيد : توحيد الله (عزَّ وجلَّ) في تدبير العالَم ، كالخلق والرزق ، والإماتة والإحياء ، إلى غير ذلك ممّا يرجع إلى تدبير العالَم ، كتسخير الكواكب ، وجعل الليل والنهار ، والظلم والأنوار ، وإنزال الأمطار وإجراء الأنهار.
فلا كلام بين طوائف أهل الإسلام أنّ المدبّر لهذا النظام هو الله الملك العلاّم وحدهُ(6). كيف لا يكون ذلك ، والمسلم يقرأ العشرات من الآيات القرآنية المباركة التي تصف الله سبحانه بهذه الصفات ، وتسند إليه تلك الأفعال التي يستقل بها من دون الخلق طراً؟! كقوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (7).
وقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (8).
وقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (9).
وغير ذلك كثير جدّاً في آيات الكتاب الحكيم.
ولكن مَنْ قال لكم أيها الناس أنّ (التوسّل والاستغاثة ، والاستشفاع ، أو طلب الانتفاع) هو شرك أكبر؟
ومَنْ قال أنَّ التماس الشفاعة وتشريك غير الله مع الله وتقديمه بين يدي الدعاء هو شرك بالله العظيم؟!
ومَنْ قال أنَّ التوسّل بالأنبياء والصالحين وزيارة قبورهم والنذر لهم حبّاً لهم وتقرباً إلى الله بذلك ، هو من الشرك الكبير الذي يخرج صاحبه من الدين ، ويُستباح دمه ويحلّ لكم قتله؟!

شرعية التوسّل :

إنَّ التوسّل إلى الله ليس بالأمر المندوب فقط ، بل هو من الواجبات العقلية والنقلية في الشريعة الإسلاميّة ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) (10) ، وقال سبحانه : (اُولئك الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) (11).
فالتوسّل بشخص مقرَّبٍ أو مَلكٍ عظيمٍ إلى الله تعالى ليس عبادة له ؛ لاعتقادنا أنّ النفع والضرّر هو من الله سبحانه باستقلاليّة مطلقة ، ولكن نجعله وسيلتنا (واسطتنا) إلى الله ؛ لكي يستجيب لنا ببركة ذاك العظيم أو المقرب إلى ساحات القدس ؛ ولذا ترانا في كثير من أدعيتنا نقول : بجاه الحبيب المصطفى عندك يا الله ، بجاه كلّ مَنْ له جاه عندك ، وبحقّ كلّ مَنْ جعلت له حقّاً عندك ، وبكرامة مَنْ له كرامة عندك ، وهكذا.
وهذا معمول به عند جميع المسلمين منذ عهدهم الأوّل وزمن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وحتى يومنا هذا ، تراها سنّة مباركة جارية ، فليس الغرض بالعمل والاستغاثة الشرك بالله ـ والعياذ بالله ـ ، بل الغرض : أن يفعل الله فعله ، ويقضي الحاجة ببركتهم وشفاعتهم ؛ حيث إنّهم مقرّبون لديه ، مكرّمون عنده ، ولا مانع من أن يكونوا سبباً ووسيلة لجريان فيضه (12) الأقدس علينا نحن الفقراء إليه والمذنبون بحقّه علينا.
فلا جرأة لنا أن ندعوه بأنفسنا المخطئة ، وألسنتنا المذنبة ؛ ولذا جاء في الحديث الشريف : «ادعُ الله بلسان لم تخطئ به».
قالوا : كيف ذلك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟
قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ادع لأخيك المؤمن ، ودعه يدعو لك ، ودعاء المؤمن لأخيه المؤمن في ظهر الغيب لا يحجبه عن الله حجاب».
فكيف يفسّر هذه الأحاديث المباركة والآيات الشريفة اُولئك الذين جاؤوا بعد قرون من عمل الأُمّة ؛ ليكتشفوا حديثاً أنّ هذا شرك كبير؟!
ولاُولئك نقول : إذا كان أحدكم في منصب الإفتاء ، أو الوزارات والقيادات في بلدانكم ، لا سيما مَنْ تحكمونها من البلدان ، إذا أراد شخص منكم قضية أو خدمة أو وظيفة وجاء إليك بأبيك أو أخيك ، أو ولدك أو صديقك ومَنْ هو عزيز عندك ، هل ستعتبر ذلك شركاً عظيماً وتضرب عنق ذاك المتوسّل إليك بأحبابك؟!
سأترك الجواب إلى حضرات السادة القرّاء الكرام ، فهذا أمر بديهي لدى العقلاء كما نراه ويراه أكثر أهل العلم والإيمان من هذه الأُمّة.

شرعية الدعاء :

يعتقد الوهابيون السلفيون أنَّ مَنْ دعا أو استغاث بأحد غير الله فقد أشرك بالله ؛ لأنّ الدعاء عبادة كما في قوله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (13).
فإذا قلت : يا محمد يا رسول الله ، أو يا علي يا ولي الله ، فإنّما أنت بهذا النداء تشرك بالله ؛ لأنّك تدعو غير الله وتستغيث بغير الله. اسمع ما يقول الصنعاني في (تنزيه الاعتقاد) : (ومَنْ هتف باسم نبي ، أو صالح بشيء ، أو قال : اشفع لي إلى الله في حاجتي ، أو أستشفع بك إلى الله في حاجتي ، أو نحو ذلك ، أو قال : اقضِ ديني ، أو اشفِ مريضي أو نحو ذلك ، فقد دعا ذلك النبيّ والصالح ،

 

والدعاء عبادة ـ بل مخّها ـ فيكون قد عبد غير الله وصار مشركاً) (14).
قل لي بربّك ، أليس هذا عين السفسطة؟! أليس هذا البرهان كبراهين اُولئك السوفسطائيين الذين ما زال العقلاء يضحكون من براهينهم السطحية ، والخالية عن أيّ أصل علمي؟!
إنّك عندما تقدّم نبيّاً أو صالحاً بين يدي دعائك إلى الله ؛ ليكون لك وسيلة وباباً لقبول الدعاء واستجابة الطلب ، فأين هذا من العبادة التي تعني الخضوع النابع من الاعتقاد بالألوهيّة والربوبيّة للمعبود ، وهذا محصوراً بالله قطعاً؟!
والله سبحانه وتعالى أمرنا نحن المسلمين أن نقدّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة بين يدي حاجاتنا ، بقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (15).
هذا لأنّ المدعو عبد من عباد الله المكرمين ، (بل أكرم عباد الله طرّاً) ، ولأنّه ذو مقام معنوي استحق به منزلة النبوّة أو الإمامة ، والله سبحانه وعد المتوسّلين به صلى‌الله‌عليه‌وآله بقبول أدعيتهم ، وإنجاح طلباتهم فيما إذا قصدوا الله عن طريقه (16).
لا بل هناك أحاديث كثيرة تأمرنا وتحضّنا على الابتداء بالدعاء وإنهائه بالصلاة على محمد وآل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم) ؛ لأنّها مفتاح القبول للدعاء كما في الحديث الشريف : «مَنْ كانت له إلى الله (عزّ وجلّ) حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله ، ثمّ يسأل حاجته ، ثمّ يختم بالصلاة على محمد وآل محمد ؛ فإنّ الله (عزّ وجلّ) أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط ، إذ كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه».
نعم ، إنَّ أحد أعظم موارد استجابة الدعاء ذكر الحبيب المصطفى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ ذكره واجب ومندوب ، وفاضل ومرغوب في كلّ زمان ومكان.

حقيقة الشفاعة :

يقول محمد بن عبد الوهاب : إن قال قائل : الصالحون ليس لهم من الأمر شيء ، ولكن أقصدهم وأرجو من الله شفاعتهم. فالجواب :
إنّ هذا قول الكفّار سواء بسواء ، وأقرأ عليهم قوله تعالى : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (17).
وقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) (18).
وإن قال : إنّ النبي أُعطي الشفاعة ، وأنا أطلبها ممّن أعطاه الله.
فالجواب : إنّ الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن طلبها منه فقال تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (19).
وأيضاً فإنّ الشفاعة أعطيها غير النبي ، فصحَّ أنّ الملائكة يشفعون ، والأولياء يشفعون. أتقول : إنّ الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكرها الله في كتابه (20).
إنّ هذا الكلام كذر الرماد في العيون تماماً ، فما معنى أن يعطيك الله الشفاعة وينهاني عن طلبها منك ، فما قيمة هذه الشفاعة إذن؟ ولكن هذه حجّة مَنْ لا حجّة له ؛ لأنّه صح أنّ الله أعطى الشفاعة للأنبياء والأولياء والملائكة وحتى الخواصّ ، كالوالدين والأصدقاء من المؤمنين.
فإذا صحَّت وثبتت بالكتاب والسنّة ، فإنّه علينا أن نبحث لها عن تأويل ، ونلتفّ عليها لنفرّغها من محتواها العقائدي. فلاُولئك المتفلسفين من السلفيين نقول : إنّ للمسألة ثلاثة أركان أساسيّة :
1 ـ جهة الشفاعة المطلقة : هي لله سبحانه (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً) (21). أي أنّ المشفوع إليه هو الله ؛ لأنّه صاحب الحساب والعقاب في الآخرة.
2 ـ جهة الشفاعة النسبية : هي لِمَنْ أعطاه الله إذناً بالشفاعة ؛ لكرامة أو قرب أو أي أمر معنوي له. وهذه ثابتة لِمَنْ ذكرنا من قبل ، وهؤلاء شفاعتهم مأذونة (بإذن الله) ؛ لأنّه : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ) (22).
(مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) (23).
(يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ) (24).
(وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَى) (25).
هذه الآيات المباركات وأُخرى غيرها تؤكّد أنّ الشفاعة لا تكون إلاّ بإذن الله تعالى.
3 ـ جهة الطلب : أي مَنْ يطلب الشفاعة ، وهو العبد الفقير المحتاج إلى شفاعة شافع من نبي كريم ، أو إمام مبين أو غير ذلك ؛ ليرحمه الله ويغفر له ذنوبه ، ويدخله الجنة بالرحمة والشفاعة المقبولة.
وهؤلاء المساكين يحتاجون في تحقّق الشفاعة إلى أمرين اثنين :
1 ـ أن يكون الشفيع مأذوناً له في الشفاعة.
2 ـ أن يكون المشفوع له مرضيّاً عند الله (26).
وأين هذا من الشرك يا عقلاء العالم؟! فإذا اعتقدنا بالشفاعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وطلبناها منه ، فهل هذا يعني أنّنا نعبد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونجعله صنماً نعبده من دون الله ، وتُستباح لذلك دماؤنا؟! ويحكم علينا أتباع ابن عبد الوهاب بالقتل والسبي وغير ذلك؟! أين هذا من دين الإسلام الحنيف يا عباد الله؟!
وسيكون لنا وقفات وحوارات ، وقصص وروايات مع هذه الجماعة فيما بعد ؛ لنرى التعصّب والتبلّد الذي يضرب بعرض الحائط كلّ ما جاء به القرآن الكريم ، والعقل السليم ، والرسول العظيم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

توحيد العبادة :

العبادة الحقّة التي تعني الخضوع الكامل مع اعتقاد إلهيّة المعبود ، أو المتوجّه إليه بالطاعة ، تعدّ من ضروريات الدين الإسلامي ، والمتّفق عليه من جميع طبقات المسلمين ، بل من أعظم أركان اُصول الدين : اختصاص العبادة بالله ربّ العالمين.
ولذا نقول في صلواتنا كلّ يوم عشر مرّات : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ؛ لأنّه لا يستحقّها غيره ، ولا يجوز إيقاعها لغيره ، ومَنْ عبد غيره فهو كافرٌ مشرك ؛ سواء عبد الأصنام ، أو عبد أشرف الملائكة ، أو أفضل الأنام.
وهذا لا يرتاب فيه أحد ممّن عرف دين الإسلام (27).
ولكن شذّاذ الآفاق وشواذ العصور المتأخّرة يقولون : ومن الشرك ما يفعله كثير من الناس من النذر لغير الله والذبح لغيره ، كما يفعل عند قبور الصالحين وغيرهم.
فكما إنّ مَنْ صلّى وسجد لغير الله فقد أشرك ، فكذلك مَنْ نحر وذبح لغير الله فقد أشرك ، ومن هنا حذّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّته من اتّخاذ القبور مساجد ؛ حتّى لا يقع الناس في الشرك بسبب الغلو في الصالحين (28).
نقول نعم ، العبادة لله وحده ، ويجب أن تكون خالصة مخلصة لوجهه الكريم دون أيّ شريك ، وهذا ما نستفيده ونتعلّمه من القرآن الكريم ، لا سيما أُمّ الكتاب التي نقرؤها في الصلوات كلّها قائلين : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
وتقديم (إيّاك) على الفعل (نعبدُ) تفيد الحصر كما يقول أهل اللغة والتفسير ، أي أنّنا نقول : نحصر العبادة ، والاستعانة بك يا الله ، فلا نعبد ولا نستعين بأحد إلاّ بك وحدك ، وما على أهل الكفر والإيمان إلاّ التوجّه والبحث في جميع كتب التفسير حول هذه الآية المباركة في سورة الفاتحة.
وهذا ما نقرؤه في سورة الكافرون ، والعشرات من الآيات القرآنية في مختلف السور ، كقوله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ) (29).
وقوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (30).
وعبادة الله وحده كانت آخر وصايا الأنبياء عليهم‌السلام لأبنائهم وذويهم وأُممهم ، كما قصَّ سبحانه وتعالى لنا وصيّة نبيّ الله يعقوب عليه‌السلام : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (31).
تلك هي العبادة المخلصة التي أمر الله بها رسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأُمّته المرحومة ، كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (32).
وقوله تعالى : (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي) (33).
فالعبادة كما يقول أهل العربية : هي غاية الخضوع والخشوع والتذلّل والسجود ، ووضع المكارم على الأرض أمام المخضوع له ، وهذا لا يجوز إلاّ لله وحده ؛ ولذا فإنّك ترى المسلمين والمؤمنين عندما يذهب أحدهم إلى زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أولياء الله ويصلّون صلوات الزيارة فتراهم يقولون في عقبها : (اللّهمّ إنّي صليتُ وركعتُ ، وسجدتُ لك وحدك لا شريك لكَ ؛ لأنّ الصلاة والركوع والسجود لا تكون إلاّ لك لأنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت. اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد وأبلغهم عنّي أفضل السّلام والتحية واردُد عليّ منهم السّلام. اللّهمّ (وهذه الصلاة) هديةٌ منّي إلى مولاي (وتسمّي المزور). اللّهمّ صلّ على محمد وآله وتقبّل منّي وأجُرني على ذلك بأفضل أملي ورجائي فيك وفي وليك يا وليّ المؤمنين) (34).
وربما تقول : وَأجُرني عليهما شفاعته لي يوم القيامة ، أو يوم الورود عليك. وهذا كما تقرأ يا أخي المؤمن ، إقرار اللسان الذي ينبع عن عقد راسخ في الجنان على أنّ العبادة لا تجوز إلاّ لله وحده ؛ لأنّه أهل العبادة ، وصاحب الاستحقاق لها بالأصالة ، وبها يتفرّد دون غيره من الخلق أجمعين.

 

المصادر :
1- السلفية الوهابيّة ص 58.
2- دفع شبهة التشبيه بأكفّ التنزيه ـ لابن الجوزي ص 97. علماً أنّ هذا ليس هو ابن قيّم الجوزيّة تلميذ ابن تيميّة.
3- العواصم 2 ص 283.
4- معلومات مهمة من الدين ص 6.
5- المصدر نفسه ، علماً أنّ هذا الكتيب يوزّع بالملايين على حجّاج بيت الله الحرام.
6- الوهابيّة واُصول الاعتقاد ص 35.
7- سورة يونس : الآية 31.
8- سورة العنكبوت : الآية 61.
9- سورة العنكبوت : الآية 63.
10- سورة المائدة : الآية 35.
11- سورة الإسراء : الآية 57.
12- الوهابيّة واُصول الاعتقاد ص 37.
13- سورة غافر : الآية 60.
14- كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب ص 273.
15- سورة النساء : الآية 64.
16- التوحيد والشرك في القرآن الكريم ص 184.
17- سورة الزمر : الآية 3.
18- سورة يونس : الآية 18.
19- سورة الجن : الآية 18.
20- كشف الشبهات ص 9.
21- سورة الزمر : الآية 44.
22- سورة البقرة : الآية 255.
23- سورة يونس : الآية 3.
24- سورة طه : الآية 109.
25- سورة الأنبياء : الآية 28.
26- التوحيد والشرك في القرآن الكريم ص 163.
27- الوهابيّة واُصول الاعتقاد ص 22.
28- معلومات مهمة عن الدين ص 15.
29- سورة يوسف : الآية 40.
30- سورة التوبة : الآية 31.
31- سورة البقرة : الآية 133.
32- سورة الزمر : الآية 65 ـ 66.
33- سورة الزمر : الآية 14.
34- مفاتيح الجنان ص 503.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الفرق بين علوم القرآن والتفسير
وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام

 
user comment