عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

الانحراف العقائدی عن القضیة المهدویة

الانحراف العقائدی عن القضیة المهدویة
ولعل من أهم الجوانب الاجتماعیة التی ینبغی دراستها والوقوف عندها هو جانب الانحراف عن القضیة المهدویة الذی یقع بین الحین والحین الآخر لدى البعض.
لیس من الغریب أو العجیب إن یظهر بین فترة أو أخرى من یدعی المهدویة ویدعو الآخرین إلى أتباعه والسیر خلفه، فهذا التاریخ یحدثنا عن الکثیر من هؤلاء الضالین، ولا تکاد تخلو فترة من الفترات منهم، فقد ظهر المتمهدی السودانی، والمتمهدی السعودی وکذلک ظهر فی الهند من یدعی المهدویة وغیرهم کثیر، ولکن الغریب فی القضیة إن من یتبع هؤلاء یصدق بکل ما یقال له دون أدنى تفکیر أو إعمال نظر، متناسیا قول الله تعالى((ولقد کرمنا بنی ادم وحملناهم فی البر والبحر))، فالله عز وجل کرم الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل وأعطاه القدرة على التمییز بین الصواب والخطأ، فمن المؤسف إن ینحدر الإنسان إلى هذا المستوى من اللا تفکیر و اللا وعی بما یجری ویدور حوله، فیصبح کالبهیمة تسیره أهواؤه الشخصیة ومغریاته الذاتیة، فیصبح أسیر نفسه الأمارة بالسؤء، فتورده مناهل الهلکة والانحطاط.
فالقضیة المهدویة والمصلح العالمی تکاد تکون من أوضح الواضحات فی المجتمع البشری ولا یکاد شعب من الشعوب أو امة من الأمم تخلو من هذه الفکرة وان تفاوتت من زمن إلى آخر، أو اختلفنا نحن الأمامیة مع الآخرین فی تحدید وتشخیص المصلح العالمی باعتبارنا الطائفة الحقة، وان المصلح الموعود هو الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه.
کما انه لا غرابة فی إن تنشق من هذه الطائفة بعض المجامیع الضالة وتتبع أشخاصا منحرفین لان التمحیص والابتلاء سنة الله عز وجل فی خلقه، قال تعالى ((أحسب الناس إن یترکوا إن یقولوا آمنا وهم لا یفتنون، ولقد فتنا الذین من قبلهم فلیعلمن الله الذین صدقوا ولیعلمن الکاذبین)).(1)
وعن الباقر علیه السلام انه قال: (لتمحصن یا شیعة آل محمد تمحیص الکحل فی العین وان صاحب العین یدری متى یقع الکحل فی عینه ولا یعلم متى یخرج منها وکذلک یصبح الرجل على شریعة من أمرنا ویمسی وقد خرج منها ویمسی على شریعة من أمرنا ویصبح وقد خرج منها).(2)
فلابد من الفتن کی یمیز الطیب من الخبیث، ویمحص المؤمنون.
وهذه الأمور بقدر ما تؤدی إلى اخذ العبرة والموعظة لدى البعض بقدر ما تؤدی إلى تزلزل وإثارة الشک لدى البعض الآخر، لأنها ظاهرة ذات حدین فی التأثیر، وأثارها تبقى شاخصة وحاضرة فی المجتمع الذی تحصل فیه، لما تترک فیه من نتائج سلبیة.
ولکن لابد لنا إن لا نجعل هذه القضایا تمر علینا مرورا عابرا أو مرور الکرام، بل لابد من الوقوف عندها وتحلیلها وإبراز أسبابها ونتائجها کی تتضح الصورة لدى العوام ممن لا یملکون وعیا کافیا فی هذا المضمار أو ممن لا یملکون الخلفیة الثقافیة الواعیة للتشخیص.
وهنا نطرح السؤال التالی: ما هی دوافع البعض من خلال استغلال القضیة المهدویة ؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل لابد لنا من معرفة الکیفیة التی یحصل بها الانحراف عن القضیة المهدویة، أو کیفیة استغلال البعض للقضیة المهدویة، ثم إننا إذا عرفنا الکیفیة، توصلنا إلى الغائیة، ودوافع انحراف البعض عن القضیة المهدویة.
من خلال استقراء التاریخ استقراءا ناقصا، إذ لا یسع المقام للاستقراء التام، لقصور فی الظرف ولیس فی المظروف، فإننا سنجد أنماطا مختلفة لهذا الانحراف، منها :-
ادعاء المهدویة.
ادعاء النیابة الخاصة.
ادعاء النیابة العامة.
وهذه الأنواع والأنماط الثلاثة یتفرع عنها عدة أنماط وأنواع ثانویة، تختلف بحسب اختلاف المدعی للمهدویة، فقد یترقى الشخص المدعی للمهدویة إلى الادعاء بالنبوة أو الرسالة وحتى الإلوهیة والعیاذ بالله.
وادعاء السفارة الخاصة (البابیة)، قد یتفرع عنه ادعاء اللقاء والمشاهدة فی کل وقت وحین، مع انسداد باب السفارة بالسفراء الأربعة رضوان الله تعالى علیهم.
أما ادعاء النیابة العامة فقد تدفع المدعی لها إلى الادعاء بالاعلمیة والولایة المطلقة على المسلمین دون وجه حق أو حظ من علم، بل لجلب وجوه الناس إلیه من اجل تحصیل المنفعة الخاصة فقط.
مناقشة فی الدعوات الثلاث.

ادعاء المهدویة:

إن ادعاء المهدویة یکاد یکون من أکثر الادعاءات الثلاثة، رواجا ووضوحا فی التاریخ، وبطلان ادعاء هؤلاء یکاد یکون من أوضح الواضحات، وذلک لأسباب عدیدة منها:-
أولا : انحصار المهدویة فی الإمام الحجة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشریف، على ضوء ما دلت علیه الروایات والأخبار الصحیحة السند والمرویة من طرق معتبرة، والشاملة لأحادیث الرسول صلى الله علیه وآله وسلم وأئمة أهل البیت علیهم السلام، والکثیر ممن شاهد الإمام فی فترة حیاة أبیه العسکری علیه السلام، والتی لا یمکن لمنصف إن ینکرها، إلا إذا کان أعمى البصر والبصیرة.
نعم قد تدعی بعض الطوائف والأمم إن الموعود منها، وتخالفنا نحن الشیعة الأمامیة فی الرأی، وهذا الأمر لا یغیر فی القضیة شیء إذ نحن أصحاب الدلیل نمیل حیثما یمیل، ولما کانت کل الأدلة والبراهین العقلیة والنقلیة، قاطعة بحقیقة المهدی الإسلامی، وکونه هو الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشریف، مع بطلان دعاوى البعض، وعدم وجود الأدلة الشرعیة لدى البعض الآخر فی إثبات مهدیهم، فلا حجة داحضة لهم علینا بل العکس هو الصحیح فکل حججنا فی إثبات المهدی عجل الله تعالى فرجه الشریف، وانه الإمام الثانی عشر من أئمة أهل البیت علیهم السلام، حجج دامغة لا یمکن إنکارها لمن کان یبحث عن الحقیقة.
ثانیا : إن الکثیر من هؤلاء لم یکونوا سوى أناس عادیین لاحظ لهم من علم أو تقوى أو رشاد، ولم یقیموا الحجة على أحقیتهم فی الإتباع والإطاعة، وکانوا قاصرین عن الإحاطة بکل ما یجری من حولهم من أحداث ووقائع، مما أدى إلى هلاکهم مع بعض من اتبعهم، ولم یتبعهم إلا من کان غافلا عن حقیقتهم التی کانوا یخفونها بقناع ادعاء المهدویة والتلبس بزی الإیمان والتنسک والزهد، فی حین إن الحقیقة هی خلاف ذلک.
ومن الواضح إن کثیر من هؤلاء(المدعین للمهدویة) لم یکونوا محیطین أو مطلعین على تفاصیل الحرکة المهدویة الموعودة، والتی بشرت بها الشرائع السماویة کافة، والشریعة الإسلامیة خاصة، من خلال الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة الشریفة والتی رسمت لنا خارطة التحرک المهدوی باجلى صورة وأوضحها، لا بل لو أتیحت لهم الفرصة لکی یحفظوا هذه الحرکة بأدق تفاصیلها لما تسنى لهم النجاح فیما یدعون. قال تعالى ((وما تشاءون إلا إن یشاء الله إن الله کان علیما حکیما، یدخل من یشاء فی رحمته والظالمین اعد لهم عذابا الیماً))(3).

ادعاء النیابة الخاصة :

أما النیابة الخاصة فان طریق ادعائها مسدود بنص الإمام المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشریف، من خلال التوقیع المبارک الصادر عنه عجل الله تعالى فرجه الشریف، إلى السفیر الرابع علی بن محمد السمری، فقد روی عن..(جماعة عن أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه قال حدثنی أبو محمد الحسن بن احمد المکتب، قال کنت بمدینة السلام فی السنة التی توفی فیها الشیخ أبو الحسن علی بن محمد السمری قدس سره فحضرته قبل وفاته بأیام فاخرج إلى الناس توقیعا نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحیم: یا علی بن محمد السمری أعظم الله اجر إخوانک فیک فانک میت ما بینک وبین ستة أیام فاجمع أمرک ولا توص إلى احد فیقوم مقامک بعد وفاتک فقد وقعت الغیبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذکره وذلک بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا وسیأتی لشیعتی من یدعی المشاهدة إلا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفیانی والصیحة فهو کذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم). (قال) فنسخنا هذا التوقیع وخرجنا من عنده فلما کان الیوم السادس عدنا إلیه وهو یجود بنفسه فقیل له: من وصیک من بعدک ؟ فقال (لله أمر هو بالغه ) وقضى، فهذا آخر کلام سمع منه رضی الله عنه وأرضاه."(4)
والسفراء الأربعة للإمام المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشریف، أمرهم بیّن للخاصة والعامة على حد سواء بل إن کثیرا من أبناء العامة یتشرفون بزیارة مراقدهم المعظمة فی بغداد، ویقدسونهم اشد تقدیس، لما علموا منهم من إیمان وتقوى وورع وزهد، جعلتهم محط أنظار الدانی والقاصی، حتى استحقوا الثناء الجمیل من قبل الأئمة علیهم السلام، إذ لم یصل إلى درجتهم ومکانتهم احد فی تلک الفترة العصیبة والى یومنا هذا على الرغم من وجود کبار العلماء من إتباع وأصحاب الأئمة علیهم السلام، وجهابذة علماء الشیعة. فمن یدعی هذه المکانة الرفیعة قبل خروج السفیانی والصیحة فیجب تکذیبه ونبذه لصریح النص فی انغلاق باب السفارة الخاصة، ووقوع الغیبة الکبرى.

ادعاء النیابة العامة :

أما النیابة العامة فهی مکانة ودرجة رفیعة یتشرف بها کل عالم ثبتت أعلمیته واجتهاده من خلال شهادة أهل العلم والخبرة من ذوی الاختصاص والشأن، وقد دلت الروایات المرویة عن أهل البیت علیهم السلام على وجوب أتباع العلماء فی فترة الغیبة الکبرى، منها التوقیع المروی عن الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشریف (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة أحادیثنا، فإنهم حجتی علیکم وأنا حجة الله علیهم.
والحدیث المروی عن أمیر المؤمنین علیه السلام: مجاری الأمور والأحکام على أیدی العلماء بالله، الأمناء على حرامه وحلاله)(5).
وقد حددت شروط کثیرة لکی یکون الإنسان مستحقا لشرف النیابة العامة، وقد ذکرها الکثیر من العلماء والفقهاء، منها: العقل والعدالة والإیمان والفقاهة والاعلمیة، وغیرها من الأمور التی تجعله مهیئا لهذا المنصب الخطیر والعظیم، وقد ورد فی (التفسیر المنسوب إلى الإمام العسکری علیه السلام: فأما من کان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدینه، مخالفا لهواه، مطیعا لأمر مولاه، فللعوام إن یقلدوه)(6).
فاجتهاد الشخص لا یکفی فقط لکی یکون نائبا عاما فلابد من کونه اعلم، فان أکثر العلماء یفتون بعدم جواز تقلید مجتهد بوجود مجتهد آخر اعلم منه.
فادعاء النیابة العامة والمرجعیة والاعلمیة من قبل البعض لا یکفی لکی یکون دلیلا على أتباعهم من قبل العامة إذ لابد من التحقق من صحة ادعائهم هذا من خلال سؤال أهل الخبرة وهم المجتهدون ومن هم بدرجتهم، ممن لهم باع طویل فی تحصیل العلم من أهل التقوى والورع من الثقاة، فأهل مکة اعرف بشعابها.
نعم قد یعترض البعض علینا فی تصنیفنا لمن یدعی الاجتهاد والمرجعیة فی کونه منحرفا عن القضیة المهدویة، فیقول إن القضیة المهدویة شیء والمرجعیة شیء آخر.
ونحن نجیب بان القضیة واحدة مترابطة کالسلسلة لا ینفک بعضها عن البعض الآخر، إذ إن الحکمة من توجیه الإمام للقواعد الشعبیة فی إتباع أوامر وإرشادات السفراء الأربعة رضوان الله علیهم فی فترة الغیبة الصغرى هی نفسها الحکمة التی یدعونا فیها الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشریف إلى إتباع علمائنا الأعلام من المجتهدین الثقاة، والتی اشرنا إلى وجوبها من خلال النصوص الشریفة السابقة الذکر، فی فترة الغیبة الکبرى، وإلا کیف یمکن الحفاظ على الدین والشریعة الإسلامیة إلى حین الظهور.
ولأجل إلقاء الضوء على هکذا أنواع من الانحراف العقائدی سنأخذ نماذج منها حفظها لنا التاریخ کشواهد على سوء العاقبة :

المتمهدی السعودی.

هو محمد بن عبد الله القحطانی، احد تلامذة الشیخ عبد العزیز بن باز، ادعى المهدویة فی عام 1400 هـ الموافق 20 نوفمبر 1979 م، وقد احتل مکة المکرمة هو وأصحابه، وتم مبایعته فیها على انه المنتظر، وقد تم محاصرته وقتله من قبل الحکومة السعودیة فی قصة وحادثة مشهورة ومعروفة، على کل حال ما یهمنا هنا هو کیف بدأت القصة وکیف سولت له نفسه ادعاء المهدویة، " یروی الشیخ فلاح إسماعیل مندکار بعض سیرة القحطانی وهو ممن التقى به: (( کنت اعرف محمد بن عبد الله القحطانی معرفة شخصیة، وقد زارنی فی منزلی فی الکویت عدة مرات، وکان حافظا للقران، وکان رجلا زاهدا وبکاء، لا یستطیع إن یمسک نفسه من البکاء إذا قرأ القران، وکان حافظا للبخاری ومسلم، وکان شیخا صاحب علم، ولکنه افتتن بالرؤیا حیث کان یأتیه الناس من المشرق والمغرب ویقولون انک أنت المهدی المنتظر، وکان هذا الموضوع یضایقه، ودخل علیه الشیطان من هذا الطریق، نسال الله السلامة والعافیة . ثم یکمل الشیخ کلامه بقوله ( بدأت الفتنة عندما أتى جهیمان (وهو صهر محمد بن عبد الله) ثلاثة رجال من دول شمال إفریقیا وهم یحملون فکر التکفیر، وکان جهیمان مستاء من بعض الأمور التی بالدولة ویقال إن احدها دخول التلفزیون على السعودیة، فاستطاعوا إن یلقوا الشبه فی قلب جهیمان، وعندما علم جهیمان بخبر القحطانی رتب کل شیء من الرجال والأسلحة والطلبة لکی یبایعه فی مکة وأمام الناس، وکان هذا الأخیر مترددا، ولکن وهو فی الطریق إلى مکة ذهب إلى قریة لکی یستریح هو بها ومن معه وهو ذاهب إلى البئر لکی یأتی لأصحابه بالماء، فإذا بامرأة عجوز واقفة تنظر إلیه نظرة التفحص، وقالت له: أأنت محمد بن عبد الله ؟ قال: نعم یا أماه، هل من حاجة ؟ قالت: والله إنی رایتک فی المنام انک أنت الذی فی مکة تحرر الناس وأنت المهدی المنتظر!!.
ففکر القحطانی فی نفسه قائلا: منطقة أول مرة آتها وامرأة عجوز لم أرها فی حیاتی تعرفنی وتعرف اسمی وتقول لی أنت المهدی المنتظر؟؟(7).
بعد ذلک سایر أصحابه على انه هو المنتظر، وقاموا بالتحصن فی الحرم المکی من اجل إعلان ظهور المهدی، ثم قتل محمد بن عبد الله القحطانی وتم اعتقال جمیع أتباعه من قبل السلطات السعودیة.

الحسین بن منصور الحلاج.

(لما أراد الله تعالى إن یکشف أمر الحلاج ویظهر فضیحته ویخزیه وقع له (أی اعتقد) إن أبا سهل إن إسماعیل بن علی النوبختی رضی الله عنه ممن تجوز علیه مخرقته (أی ممن تنطلی علیه أکذوبته ) وتتم علیه حیلته فوجه إلیه یستدعیه وظن إن أبا سهل کغیره من الضعفاء فی هذا الأمر بفرط جهله وقدر (أی ظن) أن یستجره إلیه فیتمخرق به ویتسوف بانقیاده على غیره (أی ظن إن یجره إلیه من الحیلة والبهرجه على الضعفة لقدر (أی لمکانة) أبی سهل فی أنفس الناس ومحاه من العلم والأدب أیضا عندهم ویقول له فی مراسلته إیاه إنی وکیل صاحب الزمان علیه السلام وبهذا أولا کان یستجر الجهال ثم یعلو منه إلى غیره، وقد أمرت مراسلتک وإظهار ما تریده من النصرة لک لتقوى نفسک ولا یرتاب بهذا الأمر.
فأرسل إلیه أبو سهل رضی الله عنه، یقول له: (وانی أسالک أمرا یخف مثله علیک فی جنب ما ظهر على یدیک من الدلائل والبراهین وهو إنی رجل أحب الجواری واصبوا إلیهن ولی منهن عدة اتحاظهن والشیب یبعدنی عنهن واحتاج إن أخضبه فی کل جمعه وأتحمل منه مشقة شدیدة لأستر عنهن ذلک، وإلا انکشف أمری عندهن فصار القرب بعدا والوصال هجرا وأرید إن تغنینی عن الخضاب وتکفینی مؤنته وتجعل لحیتی سوداء فانی طوع یدیک وصائر إلیک وقائل بقولک وداع إلى مذهبک مع ما لی فی ذلک من البصیرة ولک من المعونة).
فلما سمع ذلک الحلاج من قوله وجوابه علم انه أخطا فی مراسلته وجهل فی الخروج إلیه بمذهبه وامسک عنه ولم یرد إلیه جوابا ولم یرسل إلیه رسولا، وصیره أبو سهل رضی الله عنه أحدوثة وضحکة ویطنز به عند کل احد، وشهر أمره عند الصغیر والکبیر وکان هذا الفعل سببا لکشف أمره وتنفیر الجماعة عنه.)(8)
من خلال هاتین القصتین نستطیع إن نشیر بصورة دقیقة إلى أمر مهم جدا، والذی یلعب دورا کبیرا فی الانحراف العقائدی، إلا وهو وسوسة الشیطان لعنه الله للإنسان وضعف الإرادة مما یجعله غیر قادر على تمییز الخطأ من الصواب، فتصرعه نفسه الأمارة بالسوء، ویصبح أسیر الأوهام والمغریات، وإلا کیف له إن یقنع نفسه بأنه المنتظر مع علمه الحقیقی بأنه غیر ما یدعی، فإذا کان یستطیع إن یقنع الآخرین بأنه المنتظر من خلال بعض الریاضات أو بعض الأعمال النفسیة الشاقة التی توهم العامة، فمن أین یتأتى له إقناع نفسه، بأنه المنتظر إن لم یکن فاقدا للسیطرة علیها بشکل أو بآخر، أما بالوسوسة أو بالتوهم والخیال.
بعد هذا ومن خلال النظر فی التاریخ ومجریات الأمور والإحداث فی هذا المجال نستطیع إن نحدد عدة دوافع رئیسیة واضحة وجلیة للانحراف العقائدی عن القضیة المهدویة (وهی جواب التساؤل الذی ذکرناه آنفا):
الأهواء والرغبات النفسیة والشخصیة لدى البعض ممن یدعی المهدویة، فالادعاء یحصل لتحقیق بعض الأهداف الدنیویة ألبحته، فیوهم المدعی للمهدویة بعض العامة ممن لا دین لهم بأنه هو المهدی وانه هو المنتظر الموعود، فیسیرون خلفه فیوردهم موارد الهلکة، وقد أشار الإمام علی علیه السلام إلى أصناف الناس حینما قال: (یا کمیل إن هذه القلوب أوعیة فخیرها أوعاها أحفظ عنی ما أقول لک، الناس ثلاثة عالم ربانی، ومتعلم على سبیل النجاة، وهمج رعاع إتباع کل ناعق، یمیلون مع کل ریح، لم یستضیئوا بنور العلم ولم یلجأوا إلى رکن وثیق)(9)
فالصنف الثالث یکون المستهدف دائما من قبل هؤلاء المنحرفین عقائدیا، لأنهم اشد تأثرا بالمدعیات والدعوات، وکونهم هم الصنف الأکثر عددا من غیرهم فی المجتمع.
حب التسلط والوصول إلى الحکم من قبل بعض المدعین للمهدویة، فیستغلون القضیة المهدویة للوصول إلى أهدافهم السلطویة من خلال استغلال عواطف العامة وحبهم وارتباطهم بالمهدی الموعود، فیظهر هذا البعض التدین والإیمان والتقوى ویجذب الآخرین إلیه فیعدهم ویمنیهم فیطیعونه دونما تردد لما یرون من ظاهر إیمان وتنسک، ولکن ما إن یصل إلى السلطة وتستقر له الأمور حتى یبدأ بالبطش بإتباعه وبکل من یقف أمامه، وقد سرد لنا التاریخ ما قام به العباسیون من استغلال لهذه القضیة لکی یصلوا إلى الحکم، فقد قام المنصور العباسی بادعاء المهدویة لابنه، ولکن ما إن وصل العباسیون للسلطة حتى جعلوها ملکا عضوضا یتوارثه الأبناء عن الآباء.
قیام بعض أعداء الإسلام بتجنید الجواسیس والعملاء لتمزیق الأمة وإضعافها، فینفذون من خلال أهم قضیة إسلامیة إلا وهی القضیة المهدویة مستغلین عواطف العامة واندفاعهم، لتحقیق مآربهم الدنیئة، فی التشکیک بمصداقیة الدین الإسلامی وأحقیته على جمیع الأدیان السابقة باعتباره الناسخ لجمیع الشرائع السماویة السابقة. وخاصة إن المهدی الموعود یمثل الخطر الحقیقی الذی یهدد عروش الکافرین والمجتث لأصول الظالمین.
وهذه الدوافع تکاد تکون الأکثر وضوحا على مر التاریخ وهناک الکثیر غیرها.
ثم لابد لنا من طرح سؤالا آخر أکثر أهمیة مما سبق وهو: لماذا یحصل الانحراف عن القضیة المهدویة ؟
نحن نعتقد إن جملة من العوامل الفردیة والجماعیة تتشاطر بیان سبب حصول هذا الانحراف فهناک عوامل على مستوى الفرد الواحد والتی تدخل ضمن المستوى الدینی والثقافی والعلمی لهذا الشخص أو ذاک، ومنها عوامل بمستوى الجماعة والأمة وهی تتأثر تأثرا کبیرا بالظروف الداخلیة والخارجیة التی تعصف بالأمة أو الجماعة فتجعل البعض یتهاوى أو یسقط فی منتصف الطریق ویقف البعض الآخر شامخا لإکمال الطریق. ولعل ابرز هذه العوامل ما یأتی:
قلة الوعی الدینی والثقافی لدى أبناء الأمة نتیجة الجهل بحقیقة القضیة المهدویة وأبعادها التاریخیة الماضویة والمستقبلیة. إذ إن الفرد المسلم لابد له من المواظبة على التعلم وطلب العلم والبحث عن الجذور الحقیقیة للقضیة المهدویة، والتمسک بالإسلام الحقیقی المحمدی الأصیل الذی غرسه فینا وبینه لنا آل البیت علیهم السلام، من خلال الروایات الصحیحة الواردة عنهم علیهم السلام، وخاصة ما یروى عنهم فی الشأن المهدوی.
الفقر والکوارث والنکبات والظروف الصعبة التی تمر بها الأمة خلال فترة الغیبة الکبرى للإمام المهدی علیه السلام، والتی جعلت البعض یتخبط فی مسیره نتیجة قلة الناصر والظلم والاضطهاد من قبل حکام الجور، وخاصة ما یحصل للطائفة الاثنى عشریة المغلوبة على أمرها، إذ أنها ما إن تخرج من محنة حتى تدخل فی أخرى اشد منها.
المؤامرات والدسائس الصلیبیة التی تحاک ضد الإسلام والمسلمین والتی تنهش فی جسد الأمة وتنخر فی هیکلها العظمی المتآکل نتیجة الحروب الخاسرة التی أفقرت الشعوب الإسلامیة وأورثتها الذلة والهوان خاصة مع وجود حکام الجور والفسوق من عملاء الغرب الجاثمین على صدور شعوبهم. مثلا: ( کان للسفارة البریطانیة أکبر الدعم للفرقة البابیة ـ ومکثوا هناک(فی إیران) عشر سنین وأخذوا شیئاً فشیئاً یبتدعون الأحکام کبقیة الفرق المنحرفة ثم إن السلطات اضطرت إلى إبعادهم إلى جزیرة قبرص وهناک تنازع الإخوان فانقسمت البابیة إلى الأزلیة والبهائیة، ثم إنهما انتقلا إلى فلسطین، وأخذت الحکومة الإسرائیلیة والبریطانیة فی دعم البهائیة ونشر دعوتها بإنشاء مراکز فی إیران وأوروبا، حتى راج لها أتباع، وتصدى علماء الشیعة فی إیران أمامهم بقوة واستنفار شدید فتوقف المدّ المنتشر للبهائیة).(10)
حب الدنیا وطمع البعض فیها مما یدفعهم إلى الاحتیال على العامة لجمع الثروة، وبسط السیطرة والنفوذ على المستضعفین والفقراء الذین یبحثون عن أمل یتمسکون به للحیاة فهم بسبب الظلم السائد فی المجتمع کالغریق الذی یتشبث بالقشة عند غرقه من اجل الخلاص.
إذن ما هو السبیل للتخلص من هذه المشکلة التی تظهر بین فترة وأخرى؟
بطبیعة الحال إن هذه الأمور کما قلنا لیست غریبة عن الأمة بل هی من الأمور التی ذکرها لنا النبی المصطفى صلى الله علیه وآله وسلم وآل بیته الأطهار وحذروا منها مرارا وتکرارا، فقد حذر رسول الله صلى اله علیه وآله وسلم من افتراق الأمة وتشتتها، قال صلى الله علیه وآله وسلم: (ستفترق أمتی بعدی على ثلاث وسبعین فرقة، یهلک اثنان وسبعون فرقة وتنجو فرقة واحدة).(11)
وجاء فی کتاب الاحتجاج عن أمیر المؤمنین علیه السلام انه قال – لرأس الیهود – على کم افترقتم ؟ قال: کذا وکذا فرقة.
فقال علیه السلام: کذبت ثم اقبل على الناس فقال: والله لو ثنیت لی الوسادة لقضیت بین أهل التوراة بتوراتهم وبین أهل الإنجیل بإنجیلهم وبین أهل ألزبور بزبورهم وبین أهل القران بقرانهم.
افترقت الیهود على إحدى وسبعین فرقة سبعون منها فی النار وواحدة ناجیة فی الجنة، وهی التی اتبعت یوشع بن نون وصی موسى علیه السلام.
وافترقت النصارى اثنتین وسبعین فرقة إحدى وسبعون فرقة فی النار وواحدة فی الجنة وهی التی اتبعت شمعون الصفا وصی عیسى علیه السلام.
وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعین فرقة اثنتان وسبعون فرقة فی النار وواحدة فی الجنة، وهی التی اتبعت وصی محمد صلى الله علیه وآله وسلم وضرب بیده على صدره ثم قال: ثلاث عشر فرقة من الثلاث وسبعین فرقة کلها تنتحل مودتی وحبی واحدة منها فی الجنة وهی النمط الأوسط واثنتا عشرة فی النار.(12)
فضلال البعض عن جادة الحق وانحرافهم عن طریق أهل البیت علیهم السلام لیس غریبا أو أمرا طارئا بل هو أمر اعتدنا على رؤیته فی کل زمان و مکان إذ لابد من الابتلاء کی یمحص المؤمنون ولکن لابد للمسلم إن یقی نفسه من هکذا أمور وابتلاءات قد تؤدی إلى الضیاع والحیاد عن جادة الحق ویحصل هذا الأمر من خلال:-
إتباع علماءنا الأعلام ومراجعنا العظام، خاصة فی زمن الغیبة الکبرى فان السیر خلفهم منجاة للمسلم من الهلکة.
الوعی الدینی والحرص على طلب الحقیقة والثبات على الولایة لأهل البیت علیهم السلام یورد المؤمن طریق النجاة والسلامة، ویجنب الأمة التمزق والفرقة.
النأی عن أی جدال أو خصام یؤدی إلى التباغض بین المسلمین ویورث الکراهة بینهم، والحفاظ دائما وأبدا على وحدة المسلمین والدفاع عن أمنهم وسلامتهم من أی خطر یحدق بهم
کذلک الفهم الحقیقی لقضیة الإمام المهدی المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشریف، والقیام بالواجبات الشرعیة تجاه الإمام أرواحنا له الفداء، من خلال الدعاء له بالحفظ وتعجیل الفرج والنصرة له قولا وعملا، فالإمام عجل الله تعالى فرجه الشریف محیط بنا علما وغیر مهمل أو ناسی لمراعاتنا کما جاء فی التوقیع الشریف (فانا نحیط علما بأنبائکم، ولا یعزب عنا شیء من أخبارکم..... إنا غیر مهملین لمراعاتکم، ولا ناسین لذکرکم، ولولا ذلک لنزل بکم اللاّواء، واصطلمکم الأعداء)(13) عجل الله تعالى فرجه الشریف.
کما انه یجب علینا التثقف بثقافة آل البیت علیهم السلام المهدویة من خلال الاطلاع على الأحادیث النبویة الشریفة والروایات الصحیحة فی هذا المجال کی یکتسب المسلم الحصانة الذاتیة تجاه أی تحرک یحاول استغلال القضیة المهدویة لإغراض شخصیة.
وأخیرا ندعو الله عز وجل إن یحفظنا من مضلات الفتن، وان یجعلنا من الثابتین على ولایة محمد وال محمد صلى الله علیه وآله وسلم، (فعن الإمام الصادق علیه السلام انه علم زرارة هذا الدعاء لیدعو به فی غیبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشریف وامتحان الشیعة: (اللهم عرفنی نفسک فانک إن لم تعرفنی نفسک لم اعرف رسولک، اللهم عرفنی رسولک، فانک إن لم تعرفنی رسولک لم اعرف حجتک، اللهم عرفنی حجتک فانک إن لم تعرفنی حجتک ضللت عن دینی) (14)

الهوامش:

(1) العنکبوت 2-3.
(2) الغیبة، النعمانی، ص206.
(3) الإنسان 30-31
(4) دعوى السفارة فی الغیبة الکبرى، آیة الله الشیخ محمد السند ص41.
(5) الاجتهاد والتقلید، الشیخ محمد مهدی الآصفی، ص95.
(6) المصدر السابق ص105.
(7) مجلة الانتظار، العدد الخامس، ص12 بتصرف.
(8) دعوى السفارة فی الغیبة الکبرى، آیة الله الشیخ محمد السند، ص117.
(9) بحار الأنوار ،المجلسی ،ج78، ص76.
(10) موقع رافد، الأسئلة العقائدیة.
(11) الفرقة الناجیة، السید محمد الموسوی، ص8.
(12) المصدر السابق، ص24.
(13) الاحتجاج ج2، ص596.
(14) مفاتیح الجنان، الشیخ عباس القمی، ص800.


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الفرق بين علوم القرآن والتفسير
وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام

 
user comment