عربي
Tuesday 16th of April 2024
0
نفر 0

شجاعة الإمام الحسين عليه السلام

شجاعة الإمام الحسين عليه السلام

لم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع ، و لا أربَطُ جأشاً ، و لا أقوى جناناً من الإمام الحسين ( عليه السلام ) . فقد وقف ( عليه السلام ) يوم الطف موقفاً حيَّر فيه الألباب ، و أذهل فيه العقول ، و أخذت الأجيال تتحدثُ بإعجاب و إكبارٍ عَن بَسَالَتِه ، و صَلابة عَزمه ( عليه السلام ) ، وقد بُهِر أعداؤه الجبناء بِقوَّة بَأسه . فإنَّه ( عليه السلام ) لم يضعف أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه ، و كان يزداد انطلاقاً و بشراً كلما ازاداد الموقف بلاءً و محنة . فإنَّه ( عليه السلام ) بعد ما فقد أصحابه و أهل بيته ( عليهم السلام ) زحف عليه الجيش بأسره ، و كان عدده – فيما يقول الرواة – ثلاثين ألفاً . فحمل عليهم وَحدهُ ، و قد مَلَك الخَوفُ و الرُعب قلوبهم ، فكانوا ينهزمون أمامَه كالمعزى إذا شَدَّ عليها الذئب – على حَدِّ تعبير الرواة – . و بقي ( عليه السلام ) صامداً كالجبل ، يتلقى الطعنَات من كل جانب ، و لم يُوهَ له ركن ، و إنما مضى في أمره استِبْسَالاً واستخفافاً بالمنية . و قال أحد شعراء أهل البيت ( عليهم السلام ) :

فَتلقَّى الجُموعَ فرداً وَلكنْ
 كُل عُضوٌ في الرَّوعِ منه جُموعُ
رُمحُه مِن بنَانِه ، وَكأنَّ من
         عَزمِهِ حَدُّ سَيفِه مَطبوعُ
زَوَّجَ السَّيفَ بالنفوسِ وَلكنْ
مَهرُها المَوتُ وَالخِضَابُ النَّجِيعُ

ولما سقط ( عليه السلام ) على الأرض جريحاً و قد أعياه نزف الدماء ، تحامى الجيش بأسره من الإجهاز عليه رعباً و خوفاً منه ( عليه السلام ) .وقد صوَّر الشاعر ذلك المشهد بقوله :

عَفيراً مَتى عَايَنَتْهُ الكُمَاة
  يَختَطِفُ الرُّعبُ أَلوَانَها
فَما أجلَت الحَربُ عَن مِثلِهِ
     صَريعاً يُجَبِّنُ شُجعَانَها

و تغذى أهل بيته و أصحابه ( عليهم السلام ) بهذه الروح العظيمة ، فتسابقوا إلى الموت بشوقٍ و إخلاص ، لم يختلجْ في قلوبِهم رُعب و لا خوف ، و قد شَهدَ لهم عَدوُّهُم بالبَسَالة ورباطة الجأش . فقد قيل لرجل شَهدَ يوم الطفِّ مع عمر بن سعد : وَ يحك ، أقَتَلتُم ذُرِّيَّة رَسولِ الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟!!

فاندفع قائلاً : عَضَضْت بالجندل ، إنك لو شهدتَ ما شهدنا لَفعلتَ ما فعلنا ، ثارت علينا عِصابةٌ ، أيديها في مَقابِض سيوفِها كالأُسُود الضارِية ، تحطم الفرسان يميناً و شمالاً ، و تُلقي أنفسَها على الموت ، لا تقبلُ الأمانَ ، و لا تَرغبُ في المال ، و لا يحولُ حائِلٌ بينها وبين الوُرودِ على حِياضِ المَنِيَّة ، و الاستيلاءِ على المُلك ، فَلَو كَفَفْنَا عنها رُوَيداً لأتَتْ على نفوس العسكر بِحذافيرِه ، فَما كُنَّا فاعِلين ؟!! لا أُمَّ لَك !! . و وصف أحد الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله :

فَلو وَقَفَتْ صُمُّ الجبال مَكانَهم
لَمادَتْ عَلى سَهلٍ وَدَكَّت على وَعرِ
فَمِن قائمٍ يَستعرضُ النَّبلَ وجهُهُ
وَمِن مُقدِمٍ يَرمي الأَسِنَّة بِالصَّدرِ

و ما أروع قول السيد حيدر الحلي :                                                                                                                                 

دَكُّوا رُبَاها ثُم قالوا لَها  
  – وَقد جَثَوا – : نَحنُ مَكانَ الرُّبَا                                                                          

فقد تحدَّى أبو الأحرار ( عليه السلام ) ببسالته النادرة الطبيعةَ البشرية ، فَسخَر من الموت ، و هَزأ مِن الحياة .و قد قال ( عليه السلام ) لأصحابه حينما رأى سهام الأعداء تُمطِر عليهم : ( قُومُوا رَحِمَكُمُ اللهُ إلى المَوتِ الذي لا بُدَّ منه ، فإنَّ هذه السِّهام رُسُل القَومِ إِليكُم ) .

فنرى أنه ( عليه السلام ) قد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبة لذيذة ، و قد كانت لذيذة عنده حقاً ، لأنه ( عليه السلام ) ينازل الباطل ، ويرتسم له بُرهَان رَبِّه الذي هو مَبدؤهُ ( عليه السلام ) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ذكرى مأساة هدم قبور أئمة البقيع(عليهم السلام)
عبادة الإمام الباقر ( عليه السلام )
مرجعيّة الإمام الرضا عليه السلام
خدیجة الکبری والرسول الاکرم صلى الله علیه وآله ...
كنى الإمام الحسين (عليه السّلام)
السيدة أم كلثوم بنت الإمام علي عليهما السلام
الحج عند أهل البيت (عليهم السلام)
العتبة العلوية تعرض المؤلفات الخاصة بسيرة حياة ...
من توجيهات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
المفهوم الحقيقى للصراط المستقيم‏

 
user comment