عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

الانسان وباقي المخلوقات

لقد كرم الله تعالى الإنسان وفضله على كثير من مخلوقاته فقال سبحانه : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )(1)
ومظاهر التكريم الإلهي للإنسان منذ خلق آدم عليه السلام كثيرة ومتنوعة منها :
أن الله تعالى خلقه بيده قال الله عز وجل فيه: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾(2)، لذا فقد قال سبحانه : ﴿يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾(3)
ثم بعد ذلك الله عز وجل نفخ في هذا المخلوق من روحه ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾(4)
ثم أمر الله عز وجل ملائكته -وهم عباد مكرمون- بأن يسجدوا لآدم عليه السلام، وهذا أيضا مظهر من مظاهر تكريم هذا المخلوق، وفيه إشعار بأن جميع هؤلاء الملائكة -وهم جنود مجندون للقيام بوظائف لا عد لها ولا حصر في ملك الله- سيخدمون هذا الكون الذي هو أيضا خادم لهذا الإنسان، ليعبد اللهَ عز وجل.
ثم هذا التعليم للأسماء كلها وهو مناط الخلافة، فالملائكة حين أخبرهم الله عز وجل قبل خلق آدم بأنه جاعل في الأرض خليفة قالوا مستغربين:
﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾(5).
فهذا التعليم لآدم هو محض موهبة وفضل من الله عز وجل منّ به على أبينا الأول آدم عليه السلام الذي هو أصل الإنسانية ذكورا وإناثا، ثم من بعده كان إشعار بهاته النعمة نفسها على آخر صفوة خلقه كذلك محمد صلى الله عليه وسلم حين قال له:
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾(6)، هذا جاء بعد صفة الأكرم نفسها التي منها صدر التكريم لهذا الإنسان.
وهذا التعليم هو الذي ميز الله به آدم عليه السلام عن ما سواه بأن أودع فيه القابلية للتعلم، وهذا يعني منة أخرى أنه جعل له فؤادا أو قلبا أو عقلا يستقبل به هاته المعلومات ويحصل له به التعلم، ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَاْلأَبْصَارَ وَاْلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ﴾(7)
ومظهر آخر من مظاهر التكريم هو أنه مُنح الحرية والاختيار، ومعهما تكون -طبعا- المسؤولية؛ وهذا أيضا بالنسبة لآدم أيضا في اللحظة الأولى حين قال له ولزوجه:
﴿فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾(8) هذا أمر، وهذا نهي: لكما الحرية كل الحرية ولكما الاختيار التام بأن تفعلا هذا أو هذا.
ثم سخر الله تعالى له جميع ما في الأرض لخدمته , قال سبحانه :
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾(9).
ثم أيضا من تكريم الله عز وجل لبني آدم أنه سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾(10).
ومن تكريمه تعالى لبني آدم أيضا أنه منحهم هدية منه رحمة بهم وتفضلا منه تعالى : وهي المنهج الذي إذا صاروا عليه ظلوا كرماء كأبيهم آدم بعد أن اجتباه الله وهداه,وإذا خالفوه أهينوا وضاعوا قال تعالى :
﴿وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾(11).
فقد طلب سبحانه منهم أن يعبدوه وحده لا شريك له، وجعل الهدف من خلقه هو هذا ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾(12)، وجعل شديد العقوبة بل أشد العقوبة على الإطلاق أن يعبد هذا الإنسان غير الله ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾(13)
ولكن الإنسان إلا من رحم الله تعالى قد حاد عن هذا النهج وسلك سبيل الغواية والضلال فاستغني بالمخلوق عن الخالق , وبالضلالة عن الهداية , وبباطل عن الحق , فنزل بذلك من مرتبة الإنسانية إلى مرتبة الحيوانية .
فصار الحيوان في بعض تصرفاته أكثر إنسانية منه حينما ينزل عن مرتبته التي هيأها الله تعالى به .
تلك المشاعر والأحاسيس الفطرية والغريزية التي أودعها الله تعالى ووهبها للحيوان ,والتي في كثير منها ربما تفوق ما عند البشر من مشاعر وأحاسيس حصلها بالاكتساب والممارسة , بل وتجد بعض البشر قد ينزل بأحاسيسه ومشاعره وتصرفاته إلى درجة البهيمية والحيوانية , مما لو علمه الحيوان لذهل له وتبرأ منه .
ولقد قام مجموعة من الباحثين والمهتمين بعالم الحيوان بحصر عدد الحيوانات على سبيل المعرفة والحصر ليس أكثر فاتضح أن عدد الحيوانات في العالم ما يقرب من 19 تيرليون حيوان أي ما يزيد عن عدد سكان العالم من البشر عدة مرات ، ولكن ما أثار دهشة هؤلاء العلماء - الذين استمروا سنوات حتى يتوصلوا إلى ما توصلوا إليه - هو أنهم اكتشفوا أنه بالرغم من العدد الهائل لهذه الحيوانات قد تبين لهم أن ما يموت من الحيوانات عن طريق الجوع أو الغدر بمعنى أن يقوم حيوان بافتراس الآخر وجدوها نسبة ضئيلة ولا تذكر مقارنة بعدد الحيوانات الكلي الموجود في العالم , وهم يعيشون دون أي قوانين تحرم القتل أو تبيح لهم ما يفعلوه كحيوانات يعيشون في البراري والغابات التي قد خلقها الله كي يستفيد منها الإنسان , والشيء الأغرب من كل ذلك أن الإنسان أو البشر عموما الذين كرمهم الله على كثير من مخلوقاته يوجد منهم من يتفوقون على هذه الحيوانات في القتل وسفك الدماء والغدر والظلم والاستبداد فيما بينهم .
فعدد سكان العالم وصل إلى ما يقارب 7 مليار منهم مليار مهددون بأن يموتوا من الجوع ومليار على الطريق وملايين أخرى يموتون في الحروب سنويا والنزاعات دون أي جدوى، فكم من قرارات شردت أمما دونما ذنب ,وجارت على الضعفاء وتجردت منها معاني الإنسانية دونما تفكير ولا روية .
لذا فلا عجب أن نجد أن القرآن الكريم وهو دستور الإسلام الخالد كما سمى بعض سوره بأسماء بعض البشر من الأنبياء وغيرهم , فإنه بالتساوي قد سمى بعض سوره بأسماء بعض الحيوانات , فأسماء الأشخاص الذين سمى الله تعالى سورا باسمهم في كتابه الكريم على الترتيب : يونس – هود- يوسف- مريم- لقمان- محمد- نوح .
وأسماء الحيوانات التي سمى الله تعالى سورا باسمهم في كتابه الكريم على الترتيب : البقرة – الأنعام – النحل- النمل- العنكبوت-العاديات- الفيل.
وهذا التساوي لا شك له دلالاته ومعانيه ,بل إن أسماء بعض الحيوانات قد فاق في ذكره في القرآن الكريم أسماء بعض الأنبياء عليهم السلام , فمثلا وردت الإبل في القرآن بأكثر من ثلاث عشرة مرة, والأنعام ورد اسمها اثنتان وثلاثون مرة .
المصادر :
1- سورة الإسراء :70
2- سورة : ص:75
3- الانفطار:6-7
4- ص:72
5- البقرة:30-33
6- العلق:3-5
7- الملك:23
8- الأعراف:19
9- البقرة:29
10- لقمان:20
11- الحج:18
12- الذاريات:56
13- النساء:48

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مبادئ المعرفة ومعرفة الوجود والإنسان لدى الإمام ...
أعمال الليلة الاولى من شهر رمضان المبارك
خصائص الأسرة المسلمة
مؤتمر مبلغي المجمع العالمي لأهل البيت (ع) في ...
الحُضور في مواضع التهم
إصدار كتاب "ضوابط الاصول" في 6 مجلدات
الجزع على الميت
ابن حجر و التوسّل
من هم المخلدون في النار؟
فضائح القساوسة الجنسية ...الزواج الطريق الاسلم

 
user comment