عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

البداء والإرادة المُناظرة الخامسة-2

قال الرضا عليه السلام : ما معنى أراد نفسه ؟ أراد أن يكون شيئاً ، وأراد أن يكون حياً أو سميعاً أو بصيراً أو قديراً ؟
قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام : أفبإرادته كان ذلك ؟
قال سليمان : نعم.
قال الرضا عليه السلام : فليس لقولك أراد أن يكون حياً سميعاً بصيراً معنى ، إذا لم يكن ذلك بإرادته.
قال سليمان: بلى قد كان ذلك بإرادته.
فضحك المأمون ومن حوله ، وضحك الرضا عليه السلام ، ثمّ قال لهم: ارفقوا بمتكلم خراسان ، فقال: يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله وتغير عنها ، وهذا ما لا يوصف
الله عزّ وجلّ به فانقطع.
ثمَّ قال الرضا عليه السلام : يا سليمان أسألك عن مسألة.
قال: سل جعلت فداك.
قال : أخبرني عنك وعن أصحابك ، تُكلِّمون الناس بما تفقهون وتعرفون، أو بما لا تفقهون ولا تعرفون ؟
قال: بل بما نفقه ونعلم.
قال الرضا عليه السلام : فالذي يعلم الناس أن المريد غير الاِرادة ، وأن المريد قبل الاِرادة ، وأن الفاعل قبل المفعول ، وهذا يبطل قولكم أن الاِرادة والمريد شيءٌ واحدٌ.
قال: جعلت فداك ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون.
قال الرضا عليه السلام : فأراكم ادَّعيتم علم ذلك بلا معرفة وقلتم: الاِرادة كالسمع والبصر ، إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل، فلم يحر جواباً.
ثمّ قال الرضا عليه السلام : يا سليمان ، هل يعلم
الله جميع ما في الجنة والنار ؟
قال سليمان: نعم.
قال: أفيكون ما علم
الله تعالى أنه يكون من ذلك ؟
قال: نعم.
قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شيء إلا كان ، أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟
قال سليمان: بل يزيدهم.
قال : فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون.
قال: جعلت فداك ، فالمريد لا غاية له.
قال: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما، إذا لم يعرف غاية ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون تعالى
الله عزّ وجلّ عن ذلك علواً كبيراً.
قال سليمان: إنّما قلت: لا يعلمه لاَنّه لا غاية لهذا لاَن
الله عزّ وجلّ وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً.
قال الرضا عليه السلام : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لاَنّه قد يعلم ذلك ثمّ يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم ، وكذلك قال
الله عزّ وجلّ في كتابه : ( كُلَّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم بَدَّلنَاهُم جُلُوداً غَيرَهَا لِيَذُقُوا العَذَابَ )(14)وقال لاَهل الجنة: ( عَطَاءً غَيرَ مَجذُوذٍ )(15)وقال عزّ وجلّ : ( وَفَاكِهةٍ كثيرَةٍ * لاَّ مَقطُوعةٍ وَلاَ مَمنُوعَةٍ )(16) فهو عزّ وجلّ يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة ، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا ليس يخلف مكانه ؟
قال: بلى.
قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه ؟
قال سليمان : لا.
قال : فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم ؟
قال سليمان: بلى يقطعه عنهم ولا يزيدهم.
قال الرضا عليه السلام : إذاً يبيد فيها ، وهذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب ، لاَنّ
الله عزّ وجلّ يقول: ( لَهُم مَّا يَشَاؤُنَ فِيهَا وَلَدينَا مَزِيدٌ )(17)ويقول عزّ وجلّ :( عَطَاءً غَيرَ مَجذُوذٍ )(18)ويقول عزّ وجلّ : ( وَمَا هُم مِّنهَا بِمُخرَجينَ )(19) ويقول عزّ وجلّ : ( خَالِدِينَ فِيهَا أَبدَاً )(20)ويقول عزّ وجلّ : ( وَفَاكِهةٍ كثيرَةٍ * لا مَقطُوعةٍ وَلاَ مَمنُوعَةٍ )(21).
فلم يحر جواباً ؟!
ثمّ قال الرضا عليه السلام : يا سليمان ، ألا تخبرني عن الاِرادة فعل هي أم غير فعل؟
قال: بلى هي فعل.
قال عليه السلام : فهي محدثة لاَنّ الفعل كله محدث.
قال: ليست بفعل.
قال: فمعه غيره لم يزل.
قال سليمان: الاِرادة هي الاِنشاء.
قال: يا سليمان ، هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم: إن كُلَّ ما خلق
الله عزّ وجلّ في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله ، وإن إرادة الله تحيى وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلد وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك ، فيبرأ منها ويعاد بها ، وهذا حدها.
قال سليمان: إنها كالسمع والبصر والعلم.
قال الرضا عليه السلام : قد رجعت إلى هذا ثانية ، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع ؟
قال سليمان : لا.
قال الرضا عليه السلام : فكيف نفيتموه ؟ قلتم : لم يرد ، ومرة قلتم: أراد وليست بمفعول له.
قال سليمان: إنّما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم.
قال الرضا عليه السلام : ليس ذلك سواء ، لاَن نفي المعلوم ليس كنفي العلم ، ونفي المراد نفي الاِرادة أن تكون ؛ لاَن الشيء إذا لم يرد لم تكن إرادة ، فقد يكون العلم ثابتاً ، وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر فقد يكون الاِنسان بصيراً وإن لم يكن المبصر ، وقد يكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم.
قال سليمان: إنّها مصنوعة.
قال: فهي محدثة ليست كالسمع والبصر ، لاَن السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة.
قال سليمان: إنها صفة من صفاته لم تزل.
قال: فينبغي أن يكون الاِنسان لم يزل ، لاَن صفته لم تزل.
قال سليمان: لا لاَنّه لم يفعلها.
قال الرضا عليه السلام : يا خراساني ، ما أكثر غلطك ! أفليس بإرادته وقوله تكون الاَشياء ؟
قال سليمان: لا.
قال: فإذا لم تكن بإرادته ولا مشيئته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك ؟ تعالى
الله عن ذلك علواً كبيراً.
فلم يحر جواباً ؟!
ثمّ قال الرضا عليه السلام : ألا تخبرني عن قول
الله عزّ وجلّ : ( وَإذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا )(22)
يعني بذلك أنّه يحدث إرادة.
قال له : نعم.
قال عليه السلام : فإذا حدث إرادة كان قولك إن الاِرادة هي هو أو شيء منه باطلاً، لاَنّه لا يكون أن يحدث نفسه ، ولا يتغير عن حالةٍ تعالى
الله عن ذلك.
قال سليمان: إنّه لم يكن عنى بذلك أنّه يحدث إرادة.
قال: فما عنى به ؟
قال : عنى فعل الشيء.
قال الرضا عليه السلام : ويلك كم تردد في هذه المسألة ؟ وقد أخبرتك أن الاِرادة محدثة لاَن فعل الشيء محدث.
قال: فليس لها معنى.
قال الرضا عليه السلام : قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالاِرادة بما لا معنى له، فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم إن
الله عزّ وجلّ لم يزل مريداً.
قال سليمان: إنّما عنيت أنّها فعلٌ من
الله تعالى لم يزل.
قال: ألا تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولاً وقديماً وحديثاً في حالة واحدة ؟
فلم يحر جواباً ؟!
قال الرضا عليه السلام : لا بأس أتمم مسألتك.
قال سليمان : قلت إنّ الاِرادة صفة من صفاته.
قال: كم تردِّد عليَّ أنها صفة من صفاته فصفته محدثة أو لم تزل ؟
قال سليمان: محدثة.
قال الرضا عليه السلام :
الله أكبر فالاِرادة محدثة وإن كانت صفة من صفاته لم تزل.
فلم يرد شيئاً.
قال الرضا عليه السلام : إنّما لم يزل لم يكن مفعولاً.
قال سليمان : ليس الاَشياء ارادة ، ولم يرد شيئاً.
قال الرضا عليه السلام : وسوست يا سليمان ، فقد فعل وخلق ما لم يزل خلقه وفعله، وهذه صفة من لا يدري ما فعل ، تعالى
الله عن ذلك.
قال سليمان: يا سيّدي فقد أخبرتك أنّها كالسمع والبصر والعلم.
قال المأمون : ويلك يا سليمان ، كم هذا الغلط والتردّد ؟ اقطع هذا وخذ في غيره ، إذ لست تقوى على غير هذا الرد.
قال الرضا عليه السلام : دعه يا أمير المؤمنين ، لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجّة، تكلم يا سليمان.
قال: قد أخبرتك أنّها كالسمع والبصر والعلم.
قال الرضا عليه السلام : لا بأس أخبرني عن معنى هذه أمعنى واحد أم معانٍ مختلفة ؟
قال سليمان: معنى واحد.
قال الرضا عليه السلام : فمعنى الاِرادات كلها معنى واحد ؟
قال سليمان: نعم.
قال الرضا عليه السلام : فإن كان معناها معنى واحداً كانت إرادة القيام إرادة القعود، وإرادة الحياة إرادة الموت ، إذا كانت إرادته واحدة لم تتقدم بعضها بعضاً ولم يخالف بعضها بعضاً وكانت شيئاً واحداً.
قال سليمان: إن معناها مختلف.
قال عليه السلام : فأخبرني عن المريد أهو الاِرادة أو غيرها؟
قال سليمان: بل هو الاِرادة.
قال الرضا عليه السلام : فالمريد عندكم مختلف إذا كان هو الاِرادة.
قال: يا سيدي ليس الاِرادة المريد.
قال: فالاِرادة محدثة وإلا فمعه غيره ، إفهم وزد في مسألتك.
قال سليمان: بل هي اسم من أسمائه.
قال الرضا عليه السلام : هل سمَّى نفسه بذلك ؟
قال سليمان: لا ، لم يسمِّ نفسه بذلك.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

موقف القرآن من مسألة : (الحتمية) و (استقلال ...
مرجعية المسلمين بعد النبي صلی الله عليه وآله وسلم
مقدمة عامة في نبوة النبي محمد
الوضع النفسي لدي المراهق
هل أن الإمامة أصل قرآني (2)
طبیعة التدخّل الإلهی
استثنا ما ورد فيه دليل عام
سياحة في الغرب أو مسير الأرواح بعد الموت 1
نعم لقد تشيعت... وهذا هو السبب
نظرية عدالة الصحابة (5)

 
user comment