عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

البداء والإرادة المُناظرة الخامسة -3

قال الرضا عليه السلام : فليس لك أن تسميه بما لم يسمِّ به نفسه.
قال: قد وصف نفسه بأنّه مريد.
قال الرضا عليه السلام : ليس صفته نفسه أنّه مريد إخبار عن أنّه إرادة ولا إخبار عن أن الاِرادة اسم من أسمائه.
قال سليمان: لاَن إرادته علمه.
قال الرضا عليه السلام : يا جاهل ، فإذا علم الشيء فقد أراده ؟
قال سليمان: أجل.
فقال: فإذا لم يرده لم يعلمه.
قال سليمان: أجل.
قال: من أين قلت ذاك ؟ وما الدليل على إرادته علمه ؟ وقد يعلم ما لا يريده أبداً ، وذلك قوله عزّ وجلّ : (
وَلَئِن شِئنَا لَنَذهَبَنَّ بِالَّذي أَوحَينا إِليكَ )(23) فهو يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به أبداً ؟
قال سليمان: لاَنّه قد فرغ من الاَمر ، فليس يزيد فيه شيئاً.
قال الرضا عليه السلام : هذا قول اليهود ، فكيف قال تعالى: (
ادعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم )(24)؟
قال سليمان: إنّما عنى بذلك أنه قادر عليه.
قال: أفيعد ما لا يفي به ، فكيف قال: (
يَزِيدُ في الخَلقِ مَا يشاءُ )(25)وقال عزّ وجلّ : ( يَمحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ )(26)وقد فرغ من الاَمر.
فلم يحر جواباً ؟!
قال الرضا عليه السلام : يا سليمان ، هل يعلم أن إنساناً يكون ، ولا يريد أن يخلق إنساناً أبداً ، وأن إنساناً يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم.
قال سليمان : نعم.
قال الرضا عليه السلام : فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون ، أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون ؟
قال: يعلم أنهما يكونان جميعاً.
قال الرضا عليه السلام : إذاً يعلم أن إنساناً حي ميت قائم قاعد أعمى بصير في حالة واحدة ، وهذا هو المحال.
قال : جعلت فداك ، فإنه يعلم انّه يكون احدهما دون الآخر ؟
قال : لا بأس ، فأيهما يكون الذي أراد أن يكون أو الذي لم يرد أن يكون؟
قال سليمان: الذي أراد أن يكون.
فضحك الرضا عليه السلام والمأمون وأصحاب المقالات.
قال الرضا عليه السلام : غلطت وتركت قولك: إنّه يعلم أن إنساناً يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم ، وأنه يخلق خلقاً وأنه لا يريد أن يخلقهم ، وإذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فإنّما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون.
قال سليمان: فإنّما قولي أن الاِرادة ليست هو ولا غيره.
قال الرضا عليه السلام : يا جاهل ، إذا قلت: ليست هو فقد جعلتها غيره وإذا قلت: ليست هي غيره فقد جعلتها هو.
قال سليمان: فهو يعلم كيف يصنع الشيء؟
قال: نعم.
قال سليمان: فإن ذلك إثبات للشيء.
قال الرضا عليه السلام : أحلت ؛ لاَن الرجل قد يحسن البناء وإن لم يبن ، ويحسن الخياطة وإن لم يخط ، ويحسن صنعة الشيء وإن لم يصنعه أبداً، ثمّ قال له عليه السلام : يا سليمان هل تعلم أنّه واحد لا شيء معه ؟
قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام : فيكون ذلك إثباتاً للشيء ؟
قال سليمان: ليس يعلم أنّه واحد لا شيء معه.
قال الرضا عليه السلام : أفتعلم أنت ذاك ؟
قال : نعم.
قال: فأنت يا سليمان أعلم منه إذاً.
قال: سليمان: المسألة محال.
قال : محال عندك أنّه واحد لا شيء معه ، وأنّه حي سميع بصير حكيم قادر؟
قال: نعم.
قال: فكيف أخبر عزّ وجلّ : أنّه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير وهو لا يعلم ذلك ، وهذا رد ما قال وتكذيبه ، تعالى
الله عن ذلك.
ثمّ قال له الرضا عليه السلام : فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه ولا ما هو ؟ وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشيء قبل أن يصنعه فإنّما هو متحيّر ، تعالى
الله عن ذلك علواً كبيراً.
قال سليمان: فإن الاِرادة القدرة.
قال الرضا عليه السلام : وهو عزّ وجلّ يقدر على ما لا يريده أبداً ولا بدَّ من ذلك، لاَنّه قال تبارك وتعالى : (
وَلَئِن شِئنَا لَنَذهَبَنَّ بِالَّذي أَوحَينا إِليكَ )(27)فلو كانت الاِرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.
فانقطع سليمان.
فقال المأمون عند ذلك: يا سليمان ، هذا أعلم هاشمي ، ثمّ تفرّق القوم(28)


____________

(1) سليمان المروزي ، متكلم خراسان ، مشتبه فيه ، ولم يميز على وجه الدقة ، إذ احتمل بعضهم انّه سليمان بن حفص المروزي الذي نقل المحقّق الداماد عن الشيخ أنّه من أصحاب الهادي عليه السلام ، واحتمل أخر أيضاً أنه سليمان بن داوود المروزي المعدود من أصحاب الهادي عليه السلام ، وقول لثالث : أنه سليمان بن جعفر المروزي من أصحاب الكاظم والرضا عليه السلام ، ومنشأ هذه الاختلاف، إنّ سليمان المروزي الذي ذُكر في مناظرة الاِمام الرضا عليه السلام لم يذكر اسم أبيه ، فمن هنا نشأ هذا الاختلاف في ما بينهم ، ولذا صعب تمييزه ، وخصوصاً إنه يوجد بهذا الاسم أكثر من واحد في زمن واحد ، فإن كانت هناك قرائن تميّزه عن غيره وإلاّ يبقى مجهولاً ، قال الشيخ علي النمازي : والاَظهر أن سليمان المروزي المتكلّم الباحث مع الرضا عليه السلام ليس أحد هؤلاء الثلاثة ، ولا يجري ما قيل فيهم عليه ، فراجع كتاب العلامة المامقاني في ترجمة هؤلاء الثلاثة حتى يتضح لك الحال والاشكال فيما توهموه وبطلان تطبيق ما ذكر في الروايات من دون ذكر اسم الاَب على المعنون في أول الترجمة حتى تقوم حجة على التطبيق ، ومما ذكرنا ظهر عدم الاطمئنان في تطبيق المضمر في الروايات على المعنون ، وقال أيضاً ـ عليه الرحمة ـ : ومن هذه المحاجة يظهر ذمُه ولجاجُه ، فراجع حتى ترى ذمه ، وتعرف فساد توهم من زعم حسنه ، وأنّه ما رجع إلى الحق. انتهى كلامه رفع في علو مقامه.
أقول : والذي يظهر لكل من يراجع مناظراته مع الاِمام عليه السلام أن سليمان هذا من أهل العناد ، وإلاّ لم يجلبه المأمون لمحاجة الاِمام عليه السلام ، إذ أن المأمون العباسي كان يجلب العلماء لمناظرة الاِمام عليه السلام ليظهروا عليه.
ويريد أن يبين للناس عجزه : (
ويأبى الله إلاّ أن يُتم نوره ولو كره الكافرون) ولذا قال المأمون لسليمان : وليس مرادي إلاّ أن تقطعه عن حُجة واحدة فقط ، فهذا ما كان يسعى إليه المأمون ومن مشى في ركابه واستجاب له.
وبما أن سليمان المروزي الواقع بهذا الاسم قد تُرجم له في كتب رجال السنة ولم يغفلوه ، كما تدلّ فحوى ترجمتهم له على رقعته عندهم وأنّه من أهل الحديث الذين حفظوا أحاديث لم تقع في الكتب ، كما أن هذا المترجم له كان أيضاً في زمان الاِمام الرضا عليه السلام إذ أن الاِمام عليه السلام توفي في سنة 203 هـ وتوفي سليمان هذا قبل سنة 210 هـ ، كما أنّه لم يذكر بهذا الاسم في كتب الرجال عند السنة غيره ، وإلاّ كيف يغفله أهل السنة في الوقت الذي ذكروا من الرجال من هو أقل منه في نظرهم ، فمن المحتمل القريب جداً أن يكون هو نفس المذكور في مناظرة الاِمام الرضا عليه السلام ، و
الله العالم بحقائق الاُمور ، كما عده أيضاً العطاردي من رواة الاِمام الرضا عليه السلام تحت رقم : 149 ، وإليك ترجمته كما جاءت في كتب التراجم عندهم هو : سليمان بن صالح ، مولاهم ، أبو صالح المَرْوَزيُّ المعروف بسلمويه ، صاحب «وقائع خراسان» ويقال : اسمهُ سليمان بن داود ، قيل انّه سمع من ابن المبارك نحو ثماني مئة حديث ممَّا لم يقع منه في الكتب ، مات قبل سنة عشر ومئتين ، وكان قد جاوز مئة سنة. راجع ما جاء في هذه الترجمة : تهذيب الكمال : ج 11 ص 453 ترجمة رقم : 2529 ، تهذيب التهذيب لابن حجر : ج 4 ص 199 ترجمة رقم : 338 ، مستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهرودي : ج 4 ص 146 ترجمة رقم : 6608 ، منتهى المقال في أحوال الرجال للمازندراني : ج 3 ص 387 ترجمة رقم : 1363 ، مسند الاِمام الرضا عليه السلام للعطاردي : ج 2 ص 534.
(2) سورة مريم : الآية 67.
(3) سورة الروم : الآية 27.
(4) سورة البقرة : الآية 117.
(5) سورة فاطر : الآية 1.
(6) سورة السجدة : الآية 7.
(7) سورة التوبة: الآية 106.
(8) سورة فاطر: الآية 11.
(9) سورة الذاريات : الآية 54.
(10) سورة الذاريات : الآية 55.
(11) سورة المائدة : الآية 64.
(12) سورة المائدة : الآية 64.
(13) سورة القدر: الآية 1.
(14) سوره النساء : الآية 56.
(15) سورة هود: الآية 108.
(16) سورة الواقعة : الآية 32 و 33.
(17) سورة ق : الآية 35.
(18) سورة هود: الآية 108.
(19) سورة الحجر: الآية 48.
(20) سورة النساء: الآية 57.
(21) سورة الواقعة : الآية 32 و 33.
(22) سورة الاِسراء : الآية 16.
(23) سورة الاِسراء: الآية 86.
(24) سورة غافر : الآية 60.
(25) سورة فاطر : الآية 1.
(26) سورة الرعد: الآية 39.
(27) سورة الاسراء: الآية 86.
(28) عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج2 ص 159 ـ 168 ب 13، التوحيد للصدوق: ص441 ـ 454 ب 66 ح 1، بحار الاَنوار للمجلسي : ج10 ص 329 ـ 338 ح 2.


0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ولی الامر1
الائمة الاثني عشر باختصار
نسبة الإدعاء بتحريف القرآن
مناقشة الفهم الآخر لعاشوراء
ما هو الفرق بين المذهب الشيعي و المذهب الجعفري ؟
المُناظرة السادسة/مناظرة الكراجكي مع أحد ...
من مواقف القيامة المهولة الحساب
تاجر فاز بلقاء إمام العصر (عليه السلام) بعدما ضل ...
التوحيد
أولو العزم

 
user comment