الصفات
المنافية لجلال الله تعالى
مناظرة السيد محمد جواد المُهري مع بعضهم في نفي الصفات المنافية لجلال الله ، والصفات المنافية لشخصية النبي صلى الله عليه وآله
دخلت غرفة المعلمين في ساعة محددة ، ووجدت أن الوضع قد اختلف هذه المرّة؛ فقد كان ثلاثة من مدرسي الدين واللغة العربية جالسين إلى جانب مدرسنا، وقد أضفت الوجوه العابسة والملامح الغاضبة صمتاً مطلقاً ، زاد من الرهبة التي تسود جو الغرفة.
دخلت الغرفة متوكّلاً على الله وواثقاً بنصرة أهل البيت عليهم السلام ..
قدم لي الاَستاذ سائر المدرسين وابتسم قائلاً: لقد أطلعتهم على قضية نقاشناً ، ورأوا من المصلحة المشاركة في هذا اللقاء.
واصلت حديث الاَسبوع الماضي بتقديم مسرد يتضمن أسماء التفاسير والمفسرين الذين ذكروا أن الآية المذكورة نزلت بشأن علي عليه السلام.
فجأة صاح أحد المدرسين بحدّة وقد بدأ الغضب ظاهراً عليه: لكن العلامة الكبير إبن تيميّة لا يقر بمثل هذا التفسير للآية على الاِطلاق، وهو يخطىء الشيعة!
قلت: إن لم تكن له نوايا سيئة ، ولا يضمر العداء لاِهل البيت عليهم السلام ، فهو مخطىء في هذا المجال قطعاً، فهل من الممكن أن يكون جميع العلماء الكبار والمحققون المتعمقون وأكابر مفسري القرآن الكريم الذين يجمعون كلهم على قضية واحدة مخطئين، وابن تيمية وحده على صواب؟ ثم إننا نرد على كل اعتراض من خلال الاستدلال بالقرآن والسنّة، وأنتم أيضاً اعرضوا مؤاخذاتكم فإن عجزت عن الاِجابة عليها يحق لكم حينئذ إدخال ابن تيمية في الحديث، فما معنى أن تحشره في الحديث بدون أي مقدمات؟ دهش من شدّة جرأتي، والتفت إلى أستاذنا وهو مضطرب وقال: أنا أتعجب منك كيف تصغي لكلام طفل؟! وتجعل اعتقادك العوبة بيد الشيعة؟
أحب أن انبهك إلى أن هؤلاء لديهم مصحف خاص اسـمه « مصحف فاطمة عليها السلام » (1) ، وهم لا يعترفون بالخلفاء، وحتى أن لهم رأي آخر في الرسول صلى الله عليه وآله نفسه، فهم يعتقدون أن جبرائيل أخطأ ـ والعياذ بالله ـ حين نزل على الرسول صلى الله عليه وآله وإنما كان يجب أن ينزل على علي (2) ، وهم يرفعون علياً إلى مرتبة الاِلوهية ، وهم... وأخذ ينسب التهم والاَكاذيب والاَفتراءات إلى الشيعة.
أيد الشخصان الآخران كلامه ، وأخذا يرددان أقواله بإسلوب أهدأ.
لم يداخلني أي ذعر من هذا الموقف ، لاِنهم لم يكونوا قادرين على إبداء أي رد فعل سوى الكلام، وشعرت من جانب آخر بالبهجة لاَنهم لم يدخلوا في النقاش بالمنطق والاستدلال، وإنما انتهجوا إسلوب العربدة والصياح للتغلب عليَّ، ولهذا أصغيت لثرثرته وكلامه الفارغ، وبقيت أتربص الفرصة لاَهجم.
كان أستاذنا في غاية الاِستياء والقلق كما يبدو على ظاهره، والتفتَ إليهم قائلاً: لم تخبروني أنكم تبغون العراك وإلا لما دعوتكم، فما الداعي للصياح؟ أنظروا ولاحظوا كيف أن هذا الطفل، وهو في نظري أستاذ، كيف يرد عليكم؟ فلماذا تريدون إسكاته بالاِهانة والاِستخفاف؟ هذا الاِسلوب غير صائب للبحث والنقاش، كان من المقرر أن تدخلوا هذا اللقاء بمودّة وأن تناقشوا برزانة وبرهان، ولكن مع الاَسف هاجمتموه بشراسة، وتريدون الاِستيلاء على زمام الموقف بدون استثمار الوقت.
قلت: يا أستاذ دعهم يتحدثون فإني أراهم محقّين في بعض أقوالهم.
أخذتهم الدهشة بغته وظلّوا يترقبون مني مواصلة الحديث.
إستأنفت حديثي قائلاً: الحق معه، فإن إلهنا غير إلهكم!! ونبيّنا غير نبيّكم!! وقرآننا غير قرآنكم!! وإمامنا وخليفتنا غير خليفتكم!!
إلتفت المعلم ـ الذي لم أكن أعرف اسمه وقد بان على وجهه الغضب ـ إلى أستاذنا وقال: ألم أقل لكم أن لهؤلاء ديناً آخر، وحتى عقيدتهم بالله تختلف عن عقيدتنا!! ها هو قد اعترف بلسانه.
هؤلاء ـ وبطبيعة الحال ـ لا يزيلون اللثام عن واقع معتقداتهم بهذه السهولة بل يتمسّكون بالتقية، ولكن يبدو أنه قد وضع التقية جانباً.
قلت: نلتزم التقية في المواطن التي تتعرض فيها النفس للخطر، وهي أمر مرغوب فيه من وجهة نظر القرآن والعقل والنقل، وليس الآن مجال الخوض فيها، ولكنني سأبرهن لكم في محلّه أنّ التقية حكم إسلامي صحيح تماماً ويتطابق مع موازين القرآن والسنّة والعقل، ولكننا الآن بصدد موضوع آخر.
قال لي الاَستاذ: واصل حديثك الاَصلي، ماذا تقول في الله والقرآن والرسول؟
عقيدتنا في الله
قلت: ربّنا الله الذي ( ليس كمثله شيء ) (3) ، وليس له شبيه، ولا هو بجسم، ولا تدركه الاَبصار ( لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ) (4) ونعتقد أنّه لا يراه أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة ؛ لاَنه لا هيئة له ولاشكل.
قال موسى عليه السلام : « ربّ أرني أنظر إليك، ( قال لن تراني ) (5) ، و« لن » هنا تفيد التأبيد، ثم أوحى إليه: ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) (6).
فدك الجبل لما تجلى ربُّه، وخر موسى على الاَرض صعقاً، إننا نعتقد أنه لا يتسنى لاَحد الوقوف على حقيقة الله حتى وأن جمع علوم الاَولين والآخرين، وأن الله تعالى لا يحده شيء فهو الاَول والآخر، والظاهر والباطن ، وأن كل من يبغي إدراكه ـ تعالى ـ بوهمه وخياله ، فهو لا يدرك سواهما شـيء.
أما أنتم أيها الاخوة الاَعزاء من أبناء السنّة؛ فعقيدتكم في هذا المجال تغاير نص القرآن تماماً ، لاَنه تعالى ينفي إمكان رؤيته بالمرّة، ولكنكم تعتقدون أنه يكشف عن ساقه للمؤمنين يوم القيامة ، وأن فيها علامة خاصّة (7).
أنتم تصورتم أن الله جسم (8) ، وأي جسم ! يضحك ويمشي (9) ، وله يدان ورجلان (10)!! وينزل كل ليلة من السماء إلى الدنيا (11) !! وفي يوم القيامة حين تطلب جهنم من الله ملأَها؛ لاَنَّ فيها متّسعاً من المكان، يضع رجله فيها فتمتلىء وتقول: قط قط قط » (12).
بالله عليكم ما هذه الجرأة على الله، وما بذاك تريدون؟ فهل تجوز مثل هذه السخرية بالله جلّت عظمته؟! ما بالكم لو سمعت الاَمم الاَخرى بمثل هذا الكلام، ألا يمقتون الله ورسوله والاِسلام؟! ما الذي يدفعكم إلى وصف الله بأنه جسم متحرك له عواطف ذاتية وصفات مادية؟! فإن كان هذا تصوركم عن الله، سوف لا يكون رأيكم بالرسول صلى الله عليه وآله والقرآن أحسن حالاً مما وصفتم به الله تعالى.
وخلاصة القول: هو إني واصلت الحديث وبكل جرأة وإقدام، حتى أني تعجبت لذلك فيما بعد ، وأيقنت أن ذلك كان مني بإلهام وتسديد من الله تعالى.
وفجأة قطع أحد الحاضرين من هؤلاء ـ وكان كلامي قد بهته ـ قائلاً لي: هل أنت تمزح عندما تنسب ذلك إلينا؟
قلت: عذراً، إن كل ما ذكرته مسطور في صحيح البخاري، وهو الكتاب الذي ترون له المنزلة بعد القرآن، ولا يأتيه الخطأ والباطل وتحسبونه سند السنّة، وتأخذون عنه الاَحكام، وتعتقدون أن كل ما بين دفّتيه صحيح مائة بالمائة بلا زيادة أو نقصان! وأنا الآن لا أستحضر أرقام تلك الصفحات، ولكني سأتيكم غداً بتفاصيل ذلك مع أرقام صفحاتها.
قال آخر: كيف لنا أن نعلم بأن كلامك ينطبق على ما في صحيح البخاري؟ فرّبما إنك لم تستوعب ما فيه بنحو صحيح، أو لعلك تسخر منا!
قال الاَستاذ: كونوا على ثقة بأن كلامه صحيح من غير شك، وأن ما قاله موجود قطعاً في صحيح البخاري، لقد كان كلامه حتّى الآن قائماً على الاِستدلال والمنطق، وهو اليوم لا يقول هذا اعتباطاً.
قلت: يا أستاذ، أرجو السماح لي بمواصلة كلامي لاِجل استثمار الوقت على أفضل ما يكون.
قال: تفضل تكلم.
قلت: لقد تحدثتُ عن الله تعالى بإشارة إجمالية، وإلا فكل واحدة من هذه النقاط وردت في رواية مفصّلة وطويلة في صحيح البخاري، مما لا يحضرني الآن رواية جميعها، لكن أشير إلى رواية واحدة منها فقط على سبيل المثال، وليعلم الاخوة إنني لم آت بهذا الكلام من عندي، بل ورد كل ما أقوله في صحيح البخاري والصحاح الاَخرى عند أبناء السنّة.
نقل أبو سعيد الخدري رواية طويلة عن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيها: «...سمعنا منادياً ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا ، فلا يكلمه إلاّ الاَنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آيه تعرفونه! فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ». (13) أليس هذا هو الله الذي يصف ذاته في القرآن الكريم بالقول: ( وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب ) (14).
كلا، قسماً بالله ، هذا إله غيره صاغته أوهام وتصورات الرواة الكاذبين، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، وفي صحيح البخاري رواية منكرة منقولة عن أبي هريرة، تثير الدهشة والسخرية حقاً، ولا أدري كيف تعولون على صحيح البخاري مع وجود هذه الروايات فيه؟ ينقل بشأن النبي موسى عليه السلام رواية عجيبة فيها إهانة له بل وفيها أكبر استهانة بالله عز شأنه.
يقول أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراةً ينظر بعضهم إلى بعض ، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنه أدر فذهب مرة يغتسل، فوضع ثوبه على حجر ، ففر الحجر بثوبه، فخرج موسى في إثره، يقول : ثوبي يا حجر! حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقال: والله ما بموسى من بأسٍ وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضرباً، فقال أبو هريرة: والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضرباً بالحجر » (15).
وأنا هنا لا أبغي التعليق على هذا الخبر ولكن أيها السادة المحترمون! هل حقاً أن هذا الكتاب هو الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ وعلى كل حال فإن المواضيع في هذا المجال كثيرة، وبما أن الوقت لا يسمح، فإني أود تناول موضوعين أو ثلاثة مواضيع اخرى.
هذه عقيدتنا بالله تعالى، ولا بأس بعقد مقارنة بين نبيّنا ونبيّكم في الفصل اللاحق!.