عربي
Tuesday 5th of November 2024
0
نفر 0

المُناظرة الثامنة عشر /مناظرة الاِمام الجواد عليه السلام مع يحيى بن أكثم في بعض الاَحاديث الموضوعة

المُناظرة الثامنة عشر 

مناظرة الاِمام الجواد عليه السلام مع يحيى بن أكثم في بعض الاَحاديث الموضوعة
روي أنّ المأمون بعدما تزوّج ابنته أُم الفضل أبا جعفر عليه السلام ، كان في مجلس وعنده أبو جعفر عليه السلام ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة.
فقال له يحيى بن أكثم : ما تقول يا بن رسول
الله في الخبر الذي روي : أنّه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : يا محمد ! إنّ الله
عزّ وجلّ يقرؤك السلام ويقول لك : سل أبا بكر هل هو عنّي راضٍ فإنّي عنه راض. (1)
فقال ابو جعفر عليه السلام : لست بمنكر فضل أبي بكر ، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول
الله صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع : قد كثرت عليَّ الكذابة وستكثر بعدي فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله عزّ وجلّ وسنتي ، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به ، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به (2) وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله ، قال الله تعالى : ( وَلَقَد خَلَقْنَا الاِنسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بهِ نَفْسُهُ وَنَحنُ أقرَبُ إلَيهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ ) (3) فالله
عزّ وجلّ خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سرّه ؟ هذا مستحيل في العقول !
ثمّ قال يحيى بن أكثم : وقد روي : أنّ مثل أبي بكر وعمر في الاَرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء (4).
فقال عليه السلام : وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه ، لاَنّ جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا
الله قطّ ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة ، وهما قد أشركا بالله عزّ وجلّ وإن أسلما بعد الشرك ، فكان أكثر أيامهما الشرك بالله
فمحال أن يشبّههما بهما.
قال يحيى : وقد روي أيضاً : أنهما سيدا كهول أهل الجنة (5) فما تقول فيه ؟
فقال عليه السلام : وهذا الخبر محال أيضاً ، لاَنّ أهل الجنة كلّهم يكونون شباناً ولا يكونُ فيهم كهل ، وهذا الخبر وضعه بنو أُمية لمضادة الخبر الذي قاله رسول
الله صلى الله
عليه وآله في الحسن والحسين عليهما السلام بأنّهما سيدا شباب أهل الجنّة. (6)
فقال يحيى بن أكثم : وروي : أنّ عمر بن الخطاب سراج أهل الجنّة. (7)
فقال عليه السلام : وهذا أيضاً محال ، لاَنّ في الجنة ملائكة
الله المقربين ، وآدم ومحمد صلى الله
عليه وآله وجميع الاَنبياء والمرسلين ، لا تضيء الجنة بأنوارهم حتى تضيء بنور عمر ؟ !
فقال يحيى بن أكثم : وقد روي : أنّ السكينة تنطق على لسان عمر. (8)
فقال عليه السلام : لست بمنكر فضل عمر ، ولكن أبا بكر أفضل من عمر ، فقال ـ على رأس المنبر ـ : « إنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا ملت فسددوني » (9).
فقال يحيى : قد روي أنّ النبيّ صلى
الله
عليه وآله قال : « لو لم أبعث لبعث عمر ». (10)
فقال عليه السلام : كتاب
الله أصدق من هذا الحديث ، يقول الله في كتابه : ( وَإذ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّين مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمنْ نُوح ) (11) فقد أخذ الله ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه ، وكلّ الاَنبياء عليهم السلام لم يشركوا بالله طرفة عين ، فكيف يبعث بالنبوّة من أشرك وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله ، وقال رسول الله صلى الله
عليه وآله : بعثت وآدم بين الروح والجسد (12) .
فقال يحيى بن أكثم : وقد روي أيضاً أنّ النبي صلى
الله
عليه وآله قال : ما احتبس عنّي الوحي قط إلاّ ظننته قد نزل على آل الخطاب. (13)
فقال عليه السلام : وهذا محال أيضاً ، لاَنّه لا يجوز أن يشكّ النبيّ صلى
الله عليه وآله في نبوته ، قال الله تعالى : ( اللهُ يَصطَفي من الملائكة رُسلاً ومن الناس ) (14) فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممّا اصطفاه الله
تعالى إلى من أشرك به.
قال يحيى : روي أنّ النبي صلى
الله
عليه وآله قال : لو نزل العذاب لما نجى منه إلاّ عمر (15).
فقال عليه السلام وهذا محال أيضاً ، لاَنّ
الله تعالى يقول : ( وَمَا كان الله ليُعذبَهُمْ وأَنتَ فيهم وَما كان الله مُعَذبَهُمْ وَهم يستغفرون ) (16) فأخبر سبحانه أنّه لا يعذّب أحداً ما دام فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وما داموا يستغفرون الله (17) .


____________

(1) ذكره الاَميني عليه الرحمة في الغدير : ج 5 ص 321 في سلسلة الموضوعات رقم : 65 ، قال : أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ج 2 ص 106 من طريق محمد بن بابشاد صاحب الطامات ، ساكتاً عن بطلانه جرياً على عادته ، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال : ج 2 ص 302 فقال : كذب ، أقول : وقد نصّ ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج 11 ص 49 على أنّه من وضع البكرية.
(2) وعنه بحار الاَنوار : ج 2 ص 225 ح 2 ، (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) راجع : صحيح البخاري : ج 1 ص 38 ، مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ص 78 ، مجمع الزوائد : ج 1 ص 142 ، إتحاف السادة المتقين : ج 1 ص 258 ، كنز العمال : ج 10 ص 297 ح 29498.
(3) سورة ق : الآية 16.
(4) الدر المنثور للسيوطي : ج 4 ص 107 ، كنز العمال : ج 11 ص 569 ح 32695 وج 13 ص 18 ح 36134 وص 19 ح 26137 ، وذكره الاصبهاني في حلية الاَولياء : ج 4 ص 304 وقال عنه : غريب من حديث سعيد بن جبير تفرد به رباح عن ابن عجلان.
(5) صحيح الترمذي : ج 5 ص 570 ، سنن أبن ماجة : ج 1 ص 36 و 38 ، مجمع الزوائد : ج 1 ص 89 ، الاِمامة والسياسة : ج 1 ص 9 ـ 10 ، كنز العمال : ج 11 ص 573 ح 32712 و 32713 ، وجميع أسانيد هذا الحديث ساقطة عن الاعتبار بشهادة علماء الحديث لوقوع من لا يحتج بقوله في أسانيدها أو لضعفه وعدم وثاقته ، والمتأمّل في هذا الحديث انّه وضع من قبل الاَمويين في قبال حديث النبي صلى
الله
عليه وآله في الحسن والحسين عليهما السلام : إنهما سيدا شباب أهل الجنة. ومن أراد التوسع والاطلاع على طبيعة هذا الحديث ووضعه وسقوطه فليراجع ما كتبه المحقّق العلاّمة السيد علي الميلاني في كتابه (الاِمامة في أهم الكتب الكلامية) : ص 451 تحت عنوان رسالة في حديث سيدا كهول أهل الجنة ، فإنه أشبع الموضوع وناقشه سنداً ودلالة.
وراجع : كلام الشيخ الطوسي عليه الرحمة حول الحديث المذكور في تلخيص الشافي : ج 3 ص 219. وذكره الحجّة الاَميني عليه الرحمة : في سلسلة الموضوعات : ج 5 ص 322 رقم : 71 ، قال عنه: من موضوعات يحيى بن عنبسة ، وهو ذلك الدجال الوضاع ، ذكره الذهبي في الميزان : ج 3 ص 126. الخ.
(6) راجع : المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ص 25 ـ 30 ح 2598 ـ 2618 ، مجمع الزوائد : ج 9 ص 182 ـ 184 ، حلية الاَولياء للاَصبهاني : ج 5 ص 71 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 92 ، ترجمة الاِمام الحسين عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : ص 72 ح 129 وص 74 ح 132 وص 76 ح 133 وص 77 ح 134 وص 79 ح 138 وص 80 ـ 83 ح 139 ـ 143 ، فرائد السمطين للجويني : ج 2 ص 41 ح 374 ، وص 98 ـ 99 ح 409 و 410 و ص 129 ح 428 ، بحار الاَنوار : ج 11 ص 164 ح 9 وج 16 ص 362 ح 62 وج 22 ص 280 ح 33 وج 25 ص 360 ح 18.
(7)الرياض النضرة لمحب الدين : ج 2 ص 311 ، كنز العمال : ج 11 ص 577 ح 32734 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 12 ص 178 ، وذكر في ص 180 ما ذكر من الاعتراض على الحديث المذكور ، قال :قالوا : وأمّا كونه سراج أهل الجنّة ، فيقتضي أنّه لو لم يكن تجلّى عمر لكانت الجنّة مظلمة لا سراج لها.
(8) ورووا في بعض الاَخبار بما نصّه : إن
الله جعل الحقّ على لسان عمر ، انّ الله
نزل الحقّ على قلب عمر ولسانه ، انّ السكينة تنطق على لسان عمر. راجع : الرياض النضرة لمحب الدين : ج 2 ص 298 ـ 299 ، المستدرك للحاكم : ج 3 ص 87 ، كنز العمال : ج 11 ص 573 ح 32714 ـ 32718.
قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة في تلخيص الشافي : ج 2 ص 347 : وأمّا ما روي من قوله: الحق ينطق على لسان عمر ، فإن كان صحيحاً فانّه يقتضي عصمة عمر ، والقطع على أنّ أقواله كلّها حجّة ، وليس هذا مذهب أحد فيه ، لاَنّه لا خلاف في أنّه ليس بمعصوم ، وأن خلافه سائغ ، وكيف يكون الحق ناطقاً على لسان من يرجع في الاَحكام من قول إلى قول، وشهد لنفسه بالخطأ ، ويخالف بالشيء ثمّ يعود إلى قول من خالفه ويوافقه عليه ، ويقول : لولا علي لهلك عمر ، ولولا معاد لهلك عمر ، وكيف لا يحتج بهذا الخبر هو لنفسه في بعض المقامات التي احتاج إلى الاحتجاج فيها. الخ.
وراجع كلام العلاّمة الاَميني عليه الرحمة حول الحديث في الغدير : ج 8 ص 92 ـ 93 ، وما أُورد على الحديث من الاعتراضات راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 12 ص 178ـ 188.
(9) راجع : تاريخ الاُمم والملوك للطبري : ج 3 ص 224 ، مجمع الزوائد ج 5 ص 183 ، البداية والنهاية : ج 6 ص 303 ، الامامة والسياسة : ج 1 ص 22 ، كنز العمّال : ج 5 ص 587 ـ 588 ح 14050 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 6 ص 20 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 54.
(10) راجع : فضائل الصحابة لابن حنبل : ج 6 ص 356 ح 519 وص 428 ح 676 ، ضعفاء الرجال للجرجاني : ج 4 ص 1511 ، كنز العمال : ج 11 ص 581 ح 32761 ـ 32763 ، مجمع الزوائد: ج 9 ص 68 ، اللالىء المصنوعة : ج 1 ص 302 ، بتفاوت. ويُعد هذا الحديث من الموضوعات ، ذكره العلامة الاَميني في كتابه الغدير : ج 5 ص 312 (في سلسلة الموضوعات) رقم : 30 ـ عن بلال بن رباح : لو لم أُبعث فيكم لبُعث عمر.
وأخرجه ابن عدي بطريقين ، وقال : لا يصح ، زكريا كذّاب يضع ، وابن واقد (عبد
الله) متروك، ومشرح بن عاهان لا يحتجّ به. وأورده بالطريقين ابن الجوزي في الموضوعات : ج1 ص 320 (ب فضل عمر بن الخطاب) ، فقال : هذان حديثان لا يصحان عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أمّا الاَول ، فإن زكريا بن يحيى كان من الكذابين الكبار ، قال ابن عدي : كان يضع الحديث. وأمّا الثاني ، فقال أحمد : ويحيى بن عبدالله
بن واقد ليس بشيء ، وقال النسائي : متروك الحديث. وقال ابن حبان : انقلبت على مشرح صحائفه ، فبطل الاحتجاج به.
وأخرجه أبن عساكر في تاريخه : ج 44 ص 114 ـ 115 من طريق مشرح بن عاهان ، تارة بلفظ: لو لم أُبعث فيكم لبعث عمر ، وتارة بلفظ : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب.
وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج 12 ص 178 ، وذكر في ص 180 : ما ذكر من الاعتراض على الحديث المذكور ، قال : وقالوا : والحديث الذي مضمونه : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر ، فيلزم أن يكون رسول
الله صلى الله
عليه وآله عذاباً على عمر ، وأذى شديداً له ، لاَنّه لو لم يبعث لبعث عمر نبياً ورسولاً ، ولم نعلم مرتبة أجل من رتبة الرسالة ، فالمزيل لعمر عن هذه الرتبة التي ليس وراءها رتبة ، ينبغي ألاّ يكون في الاَرض أحدٌ أبغض إليه منه.
(11) سورة الاَحزاب : الآية 7.
(12) الاَسرار المرفوعة للقاري : ص 179 ح 697 ، كشف الخفاء للعجلوني : ج 2 ص 191 ، تذكرة الموضوعات للفتني : ص 86 ، تنزيه الشريعة لابن عراق : ج 2 ص 341 ، الدرر المنتثرة في الاَحاديث المشتهرة للسيوطي : ص 126 ، بحار الاَنوار : ج 15 ص 353 ح 13.
(13) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 12 ص 178.
(14) سورة النساء : الآية 77.
(15) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض : ج 2 ص 364 ، الجامع لاحكام القرآن للقرطبي : ج 8 ص 47 ، الدر المنثور للسيوطي : ج 4 ص 108 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 12 ص 178 وقد ذكر ابن أبي الحديد الاعتراض المذكور على الحديث ، قال ـ في ص 180 ـ : قالوا : وكيف يجوز أن يقال : لو نزل العذاب لم ينج منه إلاّ عمر ، و
الله تعالى يقول : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم
).
(16) سورة الاَنفال : الآية 33.
(17) الاحتجاج للطبرسي : ج 2 ص 446 ـ 449 ، وعنه بحار الاَنوار : ج 50 ص 80 ح 6.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

البداء والإرادة المُناظرة الخامسة
المعتزلة
الاستعاذة بالله طريق النجاة من الشيطان
المُناظرة الثالثة والستّون /مناظرة الشيخ المفيد ...
اللغة والكلام وأثرهما في المدارس اللسانية
في معنى المولى
موقف القرآن من مسألة : (الحتمية) و (استقلال ...
اصل في معرفة ذوات المعصومين (ع ) وحياتهم بالاجمال ...
حقدت على الشيعة في البداية وكتب الشيخ المفيد سبب ...
حقيقة الشفاعة وأقسامها

 
user comment