(ب) أما نظرية الإمكان الوجودي:
وكما مرّ في تقسيم الوجودات إما أن يكون واجب الوجود لذاته وهو لا يحتاج إلى علة في وجوده لذلك فهو واجب الوجود وإما ممتنع الوجود لذاته وهو لا يحتاج في عدمه إلى علة وإما ممكن الوجود والعدم فيحتاج في وجوده إلى علة ويحتاج في عدمه إلى علة كذلك فعلاقة الارتباط بين العلة والمعلول(وجوداً أو عدماً) يرجع إلى الإمكان الوجودي فكل ممكن الوجود يخضع للعلة في إيجاده أو في عدمه وبما أن المادة ممكنة الوجود فلا هي واجبة الوجود لذاتها ولا ممتنعة الوجود لذاتها كما مر معنا الحديث المؤيد علمياً.
فإذن إن المادة تحتاج إلى علة أو سبب للإيجاد كما تحتاج إلى علة أو سبب للفناء والعدم.
وحيث إن الله سبحانه ليس ممكن الوجود فهو واجب الوجود لذاته كما قرر الإلهيون فلا يحتاج إلى علة لإيجاده. فإذن نستطيع أن نخرج من هذا البحث بأن الوجود العام لهذا الكون والكائنات يحتاج إلى مصدر أو سبب أو علة للإيجاد ولابد أن يكون هذا المصدر متصفاً بصفات الأزلي الأبدي فهو واجب الوجود بذاته وإلا سنصل إلى التسلسل والدور الباطلين عقلاً.
فلذا نرى أن الماديين يطلقون على المادة صفات الأزلي وأنها واجبة الوجود لذاتها وقد تبين أن العلم يعترض على ذلك وان المادة غير متصفة بصفات الأزلي وبما أن افتراض هذا الأزلي والمصدر الرئيس للوجود هو بين أمرين لا ثالث لهما إما المادة وإما الله سبحانه كما يذهب الإلهيون. وبما أن المادة والوجود الطبيعي في الحياة لا تخضع لصفات الأزل فإن صفات الأزل هذه تنطبق على القدرة الكبرى التي هي الله سبحانه.
غاية المسألة - إننا كبشر - لا يمكننا أن نتصور وجوداً لواجب الوجود بذاته تصوراً مادياً قائماً كرؤيتنا للمواد الأخرى - ولا يمكننا أن نتصور وجوداً دون سبب وعلة وذلك لأننا ألفنا الحياة القائمة على العلة والمعلول مباشرة فتصورنا أن هذا قانون لا يمكن تجاوزه. والحال أن الأدلة العقلية والعلمية تشير إلى ضرورة واجب الوجود والذي أفاض على الكون كله هذا الوجود الحي. فهو الموجود دون علة سابقة بل هو علة العلل في الوجود.
الشبهة الثالثة:
إن من طبيعة الأشياء والوجودات التي نشاهدها أمامنا موجودة وفاعلة في الحياة بطبيعتها أوجدت نفسها بنفسها والوجود أوجد نفسه بنفسه من دون الحاجة إلى سبب أو علة فلماذا نبحث بجهد عن علة الوجود الأولى ما دام الأمر لا يحتاج لهذا التعب فالوجود بطبيعته موجود وله قوانينه الطبيعية من الولادة حتى الممات.
وللجواب نقول: سبق أن قررنا وتحدثنا في الإجابة على الشبهة الثانية نلاحظ أن منطوق هذه الشبهة يساعد ما قررناه هناك حيث يقول المنطوق منذ الولادة وحتى الممات أي من الوجود المسبوق بالعدم إلى العدم والفناء المسبوق بالوجود وقلنا لازال الوجود يُحكم بالإمكان فهو محتاج إلى المصدر الأول في الإيجاد كما يحتاج إلى علة للإبقاء وعلة للإفناء أيضاً.
ونحن نعتقد أن الوجود هذا سبقه عدم فإذن لهذه المادة والطبيعة بداية محددة فإذن هذا الممكن بحاجة إلى علة وسبب للإيجاد وسبق أن أوضحنا في احتمالات العلة الموجدة للأشياء وقلنا في إحدى الاحتمالات أن الوجود أوجد نفسه والطبيعة أوجدت نفسها والإنسان أوجد نفسه، فالطبيعة الكونية هي التي أوجدت نفسها بنفسها ووضعت قوانينها بنفسها وعالجنا الموضوع في مكانه. وقررنا أن العلة الأصلية يجب أن تتصف بصفات الأزلي الأبدي وهذه الصفات لا تنطبق على المادة والطبيعة بأية صورة من الصور فهي فقيرة ومحتاجة إلى الموجد أي العلة الباعثة والمسببة للإيجاد. قيل للإمام الرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال (عليه السلام): (إنك لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك لم تكوِّن نفسك ولا كونك من هو مثلك..)(22).
الشبهة الرابعة:
انطلاقاً من مفهومي الزمان والمكان فأين الله ومتى وجد؟
وللجواب على هذه الشبهة نؤكد مراجعة الشبهات الماضية التي تعطي الرؤية الحقيقية للإيمان بالله سبحانه وحينما نقرّ بصفات الأزلي والأبدي يجب أن نبتعد عن الأمور المألوفة والمتكررة أمامنا في الحياة والمطبّقة في العالم المادي أما الواجب الوجود لذاته والأزلي الأبدي لا يحيطه زمان ولا يشغله مكان بل هو الذي يحيط بكل الأزمنة وبكل الأمكنة فهو ليس محتاجاً لصفتي الزمان والمكان وصفة الاحتياج للظرف الزماني والمكاني تنطبق على العالم المادي الذي نحسه ونلمسه. أي الحادث وهذا غير الأزلي كما هو المعروف.
والمشكلة أن العقل البشري لا يستطيع أن يتصور هذه المسألة لأن تصوراتنا هي انعكاسات الحياة المادية فبشكل طبيعي نقيس الأمور على ضوء القوانين المادية التي ألفناها وهذا مما يضطرنا أن نقرّب الفكرة بالأمثلة الشائعة اليوم كالجاذبية الأرضية أو جاذبية الكواكب في الفضاء والكهربائية والمغناطيسية وعالم الأرواح وصفات الصدق والكرم كل ذلك هل يحده مكان أو يقيسه زمن - طبعاً - هذه الأمثلة لتقريب الفكرة فقط والذي نريد أن نقوله أن هنالك وجودات خارجة عن حدود الزمان والمكان وواجب الوجود لذاته لا يخضع لهذه الحدود إطلاقاً وفي الرواية المارة الذكر عن الإمام الرضا (عليه السلام) حينما يسئل كيف الله وأين هو؟ فقال (عليه السلام): (.. هو أيّن الأين بلا أين وكيّف الكيف بلا كيف فلا يعرف بالكيفوفيّة ولا بالأينونيّة ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء..) فلما سأله متى كان أجاب الإمام (عليه السلام): (أخْبِرني متى لم يكن فأخبرك متى كان)، وفي كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): (.. ظاهر في غيب وغائب في ظهور لا تجنه البطون عن الظهور ولا يقطعه الظهور عن البطون قَرُبَ فَنَأَى وعلا فَدَنا وظهر فبطن فعلن..)(23) وقال (عليه السلام) أيضاً: (.. ومن قال فيمَ فقدْ ضمنه ومن قال عَلامَ فقد أخلى منه..).
وللدعابة أخبرني أحد الشباب بأن مَلَكَ الموت كيف يأتي لقبض روحي ومن أين يأتي ومتى يأتي؟ وبدأ يحلّل المسألة ويؤكد بأن الجواب على كيف يأتي ومتى يأتي فلا يستطيع تحديده لأنه خارج عن إرادتي أما من أين يأتي؟ فأكّد أن الملك (عزرائيل) يطبق (فاتوا البيوت من أبوابها) فسأغلق الأبواب والشبابيك وامنع مَلَكَ الموت من الدخول عليَّ وبالتالي أمنعه من قبض روحي وبهذا سأسلم منه وأعيش فترة أطول. هذا الفتى ينظر للأمر بعين ساذجة وبريئة فقلت له قول الله سبحانه:
(أينما تكونوا يدركْكم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة). [سورة النساء: الآية 78].
ومَلَكُ الموت هذا إن كان ضمن مقاييسنا المادية بالفعل يمكن حصره ومنعه من قبض الأرواح ولكن الأمر غير ما نتصور نحن فهو لا يخضع لهذه القوانين المألوفة لدينا.
وللجواب على متى كان؟ يجيب الإمام الباقر (عليه السلام): (إنما يُقال متى كان لما لم يكن فأما ما كان فلا يُقال متى كان، كان قَبلَ القبل بلا قبل وبعدَ البعد بلا بعد)(24).
وهكذا نتوصل إلى أن الزمان والمكان من مختصات الحوادث أما الأزلي فلا يخضع لمقاييسهما.
الشبهة الخامسة:
إن من الأحاديث العقائدية التي ندرسها ونسمعها ونتلقاها تشاع فكرة مفادها: أن الإيمان بالتوحيد يَطْرد القلق والاضطراب من النفس ويضفي جوّاً هادئاً في الحياة ونحن لا نرى الموحدّين هكذا والشرائع السماوية أصبحت هي التي تفرّق الناس وتصنفهم إلى أقسام ربما تتناحر فيما بينها بالرغم من التقائها بالإيمان بالله عز وجل فنرى الناس المؤمنين يتخبطون في ألوان الشقاء والبلاء والظلم فلا نرى هذا التغير الإصلاحي والسلوكي المزعوم منعكساً من عقيدة التوحيد على الإنسان والمجتمع، وكما لا نلمس الحكمة من الشرائع السماوية ولا نلمس الحكمة في الخلق في بعض الأحيان فما هي فوائد الشرائع وما هي فائدة هذه المخلوقات الضارة؟ التي قد تهدد الحياة أحياناً.
للإجابة على هذه الشبهة يمكن توضيح بعض النقاط الواردة في الشبهة وبمعنى آخر يمكن تفكيك بعض المفاهيم المنطوية داخل منطوق الشبهة وكما يبدو هنالك نوع من الخلط بين ما هو نازل من السماء بعنوان الكتب المقدسة والفكر الديني لغرض هداية الناس وما بين حالة الناس أنفسهم ويجب أن نعلم أن الكتب المقدسة غير القرآن الكريم قد حرّفت فكتب الديانات السماوية لم تعد تمثل رأي الخالق المدبر بما فيها من تحريف وتبديل وأهواء وهي بالنتيجة نسخت بالرسالة الخاتمة وهي القرآن الكريم أي الدين الإسلامي يقول سبحانه في القرآن العظيم:
(ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين). [سورة آل عمران: الآية 85].
ونأتي إلى المسلمين ففي الواقع نحن لم نطبق على أنفسنا القرآن الكريم بالشكل الكامل وإنما أغلب المسلمين جزّأ الإسلام فأخذ ما ينفعه في نواحي حياته الشخصية والاجتماعية وترك ما يكلّفه من واجبات ومسؤوليات وخاصة ما تجسد قيم التضحية والإباء.
هذه الصورة العامة لحياة المسلمين فقد قال عز وجل:
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب...). [سورة البقرة: الآية 85].
ولا ننكر وجود طبقة واعية مؤمنة تطبق على نفسها القرآن والإسلام، إنما كلامي على الحالة العامة والصورة العامة للمسلمين، وعلى ما نرى من التطبيق الجزئي للإسلام نلاحظ أن المسلمين أفضل من غيرهم من الناحية النفسية فنحن نجني ثمار هذا التطبيق الجزئي للإسلام فمن الناحية النفسية تؤكد لنا الإحصائيات أن حياة المسلمين قليلة القلق والاضطراب وعدم الثبات والانتحار قياساً بحياة غير المسلمين حيث يكثر فيها القلق والانتحار.
والدليل: إن أطباء النفس ودراسات الأمراض النفسية نراها بكثرة هائلة في الدول الأوروبية على عكس الشعوب الإسلامية وهي على علاّتها، وأما لو كان التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية في حياتنا لعشنا في قمة الاستقرار والحضارة والعدالة والازدهار فالسبب الرئيس إذن هو نحن المسلمين المطبقين للشريعة فالحكمة الحقيقية من رسالة الإسلام هي تهذيب النفس الإنسانية وإقامة العدل الإلهي في المجتمع ليسود الإخلاء والحب والسلام والكل يعرف كيف كان المجتمع الجاهلي متناحراً وكيف صار في عهد الرسالة الأول هذه حكمة الشريعة إما حكمة المخلوقات الضارة - نحن قد نعتبرها ضارة ويمكن أن يؤيدنا العرف لدى الكثيرين من أبناء الأرض ولكن من وجهة نظر أخرى نحن لا ندريها قد تكون نافعة ومن قال إن الحكمة تكون دائماً في النفع والفوائد فهناك كثير من الحيوانات نعتبرها ضارة وسامة وهالكة وفي بعض الأحيان هي التي تنقذ الإنسان من أخطار محدقة والكشوفات العلمية تثبت لنا ذلك والبشرية عاجزة عن معرفة الأمور كلها وبمرور الزمن نحصل على اكتشافات عظيمة وجبارة كنا نجهلها سابقاً. وهنالك أمثلة كثيرة في هذا الصدد ففي كتاب (الإسلام يتحدى) مجموعة من هذه الأمثلة منها:
طريقة الحصول على (النتروجين المركب) الذي بواسطته تستطيع النباتات أن تقوم بعملية صنع الغذاء والطريقة هذه تعتمد على الجراثيم التي تعيش في جذور النباتات بباطن الأرض فهي تأخذ النترجين من الجو وتحوله إلى مركب النتروجين ثم تستفيد منه النباتات، وطريقة أخرى بواسطة الرعد وهو الصوت الحاصل في احتكاكات السحب فيمتزج الأوكسجين مع النتروجين ويحصل (المركب) وبالأمطار ينزل المركب إلى جوف التربة، وهكذا اكتشف العلم الحديث حكمة الجراثيم والرعد ولربما لم يكتشف كل الحكمة. فالمشكلة الحقيقية إن الإنسان يريد أن يعرف كل شيءٍ ولكن العقل الإنساني قاصر عن بلوغ الكمال حيث الكمال لله سبحانه وتعالى وحده.
الشبهة السادسة:
ما هي المواد الأولية لهذا الوجود الطبيعي في الكون حيث استطاع القادر بهندسة دقيقة أن يركبها تركيبات مختلفة فظهرت كما نرى، خصوصاً حينما نؤمن بأن للمادة أصل ثابت لا يتغير وهو جوهر المواد فهل دوره سبحانه تركيب وهندسة المواد أم الخلق المبدع؟ فإن كان التركيب فما هي المواد الأولية وهل يمكن أن تتصف بالأزل؟ وإن كان الإبداع فهل يعقل أن الكون وجد بعد عدم تام؟
للإجابة نعود لنقول ما قررناه سابقاً أنّ الإنسان عقله قاصر عن التوصل لمعرفة الإبداع التام لأنه لم يألف ذلك، وهنا أتذكر طريفة بالمناسبة حيث كنا أطفالاً كان يتحدث لنا الكبار بأن آباءهم المرحومين لو كان يخبرهم أحد بأنه في المستقبل من الزمان يستطيع الإنسان أن ينتقل من دولة لأخرى عبر وسائط النقل الحديث وكأنها الغرف المنزلية من دون استعمال الحيوانات لما صدّقونا ولضحكوا علينا بينما نرى اليوم أنّ الغرف هذه سواء كانت القطارات أو السيارات أو الطائرات فإنها تسير دون حيوانات أقول في ذلك الوقت وقبل التكنولوجية الحديثة من كان يصدق؟
وشخصياً لديّ طريفة مشابهة لتلك وهي أنّ أحد أقربائنا من كبار السن والمعمّرين كان يتحدث مرة بأن أول سيارة دخلت مدينة كربلاء مع وفد حكومي ملكي لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) فقال: خرجنا لمسافة بعيدة على الخيول لاستقبال الوفد وإذا بنا نرى حيواناً جديداً في تركيبه يمشي على أقدام دائرية واسعة (الإطارات) وللحيوان صوت غريب للتنبيه - لم نألفه - قال أحد الحضور لعن الله الإنجليز حتى حيواناتهم ليست عادية - يقول وقفتْ السيارة ونزل الوفد ففي البداية انهزمنا وانهزمت معنا خيولنا ولكن بعد قليل اقتربنا شيئاً فشيئاً حتى وصلنا إلى الحيوان الجديد فبدأنا نبحث عن فم هذا الحيوان ومخرجه وكيف يرى طريقه وما هو نوع طعامه وما شابه هذه التساؤلات.. لماذا؟ لأنهم لم يألفوا هذا الأمر وبمرور الزمن أصبح مألوفاً واعتياديّاً لذلك حينما نقول أن الله أبدع الكون من لا شيء فهذه القدرة الكبرى التي تميز الله سبحانه عن الآخرين فبقدرته أوجد الأشياء أما نحن فلا نألف هذه الصناعة المبدعة لذا قال الإمام علي (عليه السلام): (.. كائن لا عن حدث موجود لا عن عدم..) في وصف الله تعالى.
فالكون بما هو حادث وليس أزلياً كما ثبت معنا سابقاً فهو إما وُجد صدفة وأثبتنا بطلان ذلك وإما أوجده سبب مبدع وهو سبحانه. أما نحن فلم نألف هذا الإبداع لأننا لم نعاصره ولم نألفه وكثيراً من الأمور نعترف بها دون معاصرتها أو مشاهدتها. أما كيف نؤمن بأن للمادة أصل ثابت دون تغيير وقد أثبتنا تحول المادة إلى طاقة والطاقة إلى مادة والكل إلى فناء وعدم، هذا الأصل الثابت نسبياً متغير ومتحول ولابد لهذا المتغير والمتحول أي الحادث من مبدع أزلي وقد أوضحنا ذلك في البحوث السابقة.
الشبهة السابعة:
المؤمن بالله سبحانه كيف يمكنه أن يصوّر لنا كنه الله وماهيته في ذهنه وهل يمكنه أن ينقل تصوره لماهية الله إلى أذهاننا؟
والإجابة واضحة فقد مرت بعض الأمور في هذا الصدد سابقاً أن العقل الإنساني لا يستطيع أن يعرف كنه كل الموجودات في الكون (وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً) فالمغناطيسية والجاذبية والروح الإنسانية كل هذه الأمور لا يعرف الإنسان كنهها وماهيتها بالرغم من أنها حادثة ومخلوقة فكيف يستطيع أن يحيط بقادر عظيم جبار فالمحدود لا يحيط اللامحدود وهذا مما يذكرنا بحديث الإمام الصادق (عليه السلام): (فإن قوماً تكلموا في ذات الله فتاهوا) - وقد قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في عدة أحاديث نذكر منها قوله (صلى الله عليه وآله): (تفكَّروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله، تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره، تفكروا في كل شيءٍ ولا تفكروا في ذات الله)(25).
وعلى هذا يكفي للإنسان المؤمن أن يرى ربّه وخالقه بعقله عبر آثاره الحكيمة فالله سبحانه هو القدرة المطلقة التي أبدعت الخلق ودبرت الكون وسيّرت القوانين فكلها مطويات بيمينه (وما قدروا الله حقَّ قدرِهِ والأرضُ جميعاً قبضتُهُ يوم القيامةِ والسماواتُ مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون). [سورة الزمر: الآية 67].
بهذا القدر يستطيع المؤمن أن يتوجه إلى خالقه بالطاعة والامتثال ويزداد إيماناً كلّما تدبّر في آلاء الله وفي الخلق كما أراد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ذلك.