قبل فهرست بعد

مقدمة الناشر

الحمد لله الّذي رفع السماء العلم وزينها ببروجها للناظرين ، وعلق عليها قناديل الأنوار بشموس النبوة وأقمار الامامة لمن أراد سلوك مسالك اليقين حمداً دائماً سرمداً فنشكره على نعمه التى لا تُحصى وأفضل صلواته وسلامه على رسوله وعلى آله آل الله الذين هم ائمة الأنام ومفاتيح الكلام وغيوث الانعام الذين جسدوا أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
لا شك في ان الاُسرة تمثل حجر الاساس في المجتمع البشري ، ومن المعتذر الحصول على مجتمع صالح دون اصلاح واقع الاُسرة ، يقول تعالى :
( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )(1) .
إنَّ المجتمع الاسلامي مثل أعلى لجميع الأمم وعليه أن يكون قدوةً ونموذجاً يحتذى به في جميع المجالات لا سيما فيما يتعلق بالأسرة والزواج وما قد يطرأ بعد ذلك من طلاق وانفصال ، إذ ينبغي أن تنعدم فيه هذه الظاهرة أو تنخفض إلى ادنى المعدلات ، وهذا لا يتيسر إلاّ من خلال ادراك الازواج لمسؤولياتهم المتقابلة ومسؤولياتهم ازاء أبنائهم وكذلك ادراك الأبناء لمسؤولياتهم تجاه الوالدين .
وكثيراً ما نشاهد ان اغلب المشاكل التي تعاني منها الاُسر والتى قد تؤدي إلى الطلاق ، سببها جهل الناس لواجبات الحياة الزوجيّة والذي من شأنه أن يؤدّي إلى القيل والقال أو التدخل غير المبرر من قبل الاقارب والآخرين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الرعد : 11 .
بناءً على ذلك وشعوراً بالمسؤولية ، فقد توجه مسؤول مؤسسة أم أبيها إلى طهران برفقة عدد من طلبة الحوزة العلمية بقم خلال أيام شهادة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) وذلك للقاء سماحة العالم المدقق والمحقق الأستاذ حسين أنصاريان لاستئذانه في تحرير محاضراته المسجّلة على الأشرطة والتي كان قد ألقاها على مدى ثلاثين درساً تناول فيها نظام الاُسرة في المنظور الاسلامي بأسلوب جذّاب وبليغ ينم عن الحرص وجمعها في كتاب ليكون في متناول أيدي الجميع .
وافق الأستاذ على ذلك وباشر بتحرير ما تحتويه الأشرطة على الورق فاستغرقت عملية تدوين المواضيع والفهارس مدة أربعة أشهر وبالرغم ممّا كان يعانيه من ضيق الوقت حيث الانشغال بالمحاضرات والتدريس والمقابلات والتصنيف إلاّ أنّه استقبل ذلك برحابة صدر ووجه بشوش وراجع ما قد تمّ انجازه ومن ثمّ أعاده بغية طبعه .
وفي الختام نرى لزاماً علينا أن نتقدم بوافر الشكر والامتنان للاخوة العاملين في مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر لا سيما سماحة السيّد المسؤول محمد تقي أنصاريان لما بذلوه من جهود في هذا المجال .
دارالعرفان

مقدّمة المؤلّف

نظراً لما لمسته من حاجة في المجتمع فقد باشرت في العام 1363 وخلال مجالس شهري محرم وصفر وكذلك شهر رمضان المبارك بالقاء محاضرات حول نظام الاُسرة في الاسلام في ضوء الآيات القرآنية والروايات والأخبار الواردة في الكتب المعتبرة .
وكان اقبال الناس على تلك المجالس ـ وحسب شهاداتهم ـ منقطع النظير لا سيّما من قبل الشباب ، ولم يكن ذلك الاقبال الاّ تجلياً لفضل الله ورحمته إذ انّه قد تكفل بحفظ هذا الدين وأحكام الشريعة الاسلامية .
فانتشرت اشرطة هذه المحاضرات التي بلغت ما يناهز الثلاثين بسرعة في جميع انحاء البلاد ، كما نُشرت مواضيعها في احدى صحف طهران المسائية وبنفس الاسلوب الذي القيت به وأصبحت في متناول أيدي القرّاء ، فكان لها ابلغ الأثر لدى العوائل ، وهذا ما كنا نتوقعه لأن مضامينها كانت نابعة من القرآن الكريم وعلوم أهل البيت ((عليهم السلام)) ، الذين يتسقان مع فطرة الانسان ويلبيان حاجاته على كافة الاصعدة المادية والمعنوية .
وقد اقترح عليَّ الاخوة الأعزاء ان اطبع هذه المحاضرات في كتاب كي ينتفع به أبناء الشعب الايراني المقدام أكثر فأكثر ، الاّ ان تصنيف كتاب العرفان في الاسلام باثني عشر جزءً الذي استغرق سبع سنوات ، وشرح الصحيفة السجادية الذي جاء تحت عنوان ديار العاشقين واستغرق خمساً من السنين ، وتأليف بعض الكراسات ، وكتابة المقالات للصحف ، كل ذلك لم يمهلني كي أنجز هذا العمل ، بالاضافة إلى ان الاسفار المتعددة من أجل التبليغ في جميع مناطق البلاد قد أخذت جانباً من وقتي ، الاّ ان اصرار الاصدقاء بقي على حاله .
وخلال أيام شهادة السيدة فاطمة الزهراء ((عليها السلام)) ـ وهي أسمى مثل للزوجة والأمام على امتداد التاريخ البشري وسيرتها العائلية تعد المثل الأعلى لنظام الاُسرة في الاسلام ـ حضر إلى طهران الأخ الفاضل رضا كلهر صاحب مؤسسة للطباعة والنشر وهو شاب مؤمن مهذب يتصف بالحيوية ويعمل في الحوزة العلمية بقم المقدسة ـ وأنا أحد طلبتها ـ فطلب مني الاذن لتحرير هذه الاشرطة وطبعها ، فوجدت في اقتراحه ما يحق طموحي القديم وطموح اصدقائي ، فطلبت منه تولي هذه المهمة حيث لا زلت حينها اعاني من ضيق الوقت ، فجرى تحرير ثلاثين شريطاً بجهود خاصة من الأخ كلهر ، وقام بتحقيق مصادر الروايات الواردة في المحاضرات بشكل دقيق وراجع كافة المصادر الواردة في الهوامش .
ثم سلّمني ما حُرر من الاشرطة ، وأثناء مطالعتي لها رأيت من الضروري القيام بعملية حذف واضافة وتبديل لبعض العبارات ، واستغرقت عملية مراجعة النصوص المحررة ما يربو على الشهرين حتى خرج هذا الكتاب الذي بين أيديكم ، فتبين ان تصنيف كتاب أهون بكثير من تحرير المحاضرات من الاشرطة .
ان ما في هذا الكتاب من جمال انما يكمن في آيات القرآن الكريم والروايات والقصص التي تتناول حياة الأولياء ، وما فيه من نقص فهو يعود إلى تعبيري وما سطره قلمي ، فتقبلوا جماله باحسن القبول ، واصفحوا عن قبيحه بلطفكم ، آملا منكم تنبيهي على كل زلل صدر مني وذلك من خلال الاتصال بمؤسسة اُم أبيها للنشر وعنوانها :
قم ـ ص . ب 913/37185
على أمل أن يكون هذا الكتاب نافعاً ومفيداً لجميع العوائل لا سيّما الشباب من كلا الجنسين الذين دخلوا عش الزوجيّة حديثاً ، أو في نيتهم ذلك ويتمكنوا من تسيير حياتهم العائلية وفقاً لما يريده الباري تعالى كي ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة .
وقد القيت المحاضرات وفق نسق يتضمن الحياة منذ انطلاقتها وحتى نهايتها على أساس النظام الخاص بها ، واختير ثلاثون عنواناً لنصوص المحاضرات ستقرؤوها في فهرست الكتاب .
وبوسعكم تقديم الكتاب هدية لمن دخلوا القفص الذهبي تواً بدلاً عن باقة الورد التي تذبل بعد سويعات وتذهب هدراً ، كي تتجلى آثار رحمة الباري عزوجل في حياتهم ، ويكون سبباً في حصولكم على الأجر العظيم .
حسين انصاريان

( وَمِن كُلِّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذاريات / 49
 
 
 

سنّة التزاوج في

النظام الكوني

الاتحاد والتزاوج عند الجمادات

سنة التزاوج في النظام الكوني   
لقد خلق الله سبحانه من كل شيء زوجين في نظام متقن لهذا الكون الواسع الفسيح ، وعلى امتداد هذا العالم فإن الزوجيّة في كل شيء انما هي حقيقة لا استثناء فيها ; وقد أخبر عنها القرآن الكريم قبل أن يتوصل لها العلم البشري والدراسات العلمية وذلك في آيات عديدة منها الآية التاسعة والاربعون من سورة الذاريات مؤكداً ان هذه الحقيقة تشمل كائنات هذا العالم جميعاً سواءً الجمادات أو الحيوانات أو الانسان .
ونظراً إلى ان هذا الإخبار العظيم والتصريح العلمي وهذا البيان الجلي فيما يخص الكائنات التي تعتاش في هذا العالم وهذه الارض يعود إلى قرون متطاولة سبقت النهضة العلمية ، ونزل في منطقة ـ مكة والمدينة ـ كانت تخلو ممن يعرف القراءة والكتابة والكتب والمدارس فإنّه يعد من معاجز القرآن الكريم ودليلاً قاطعاً على اصالته وبرهاناً دامغاً على علميته وحجةً بالغة على صدق نبوة خاتم الأنبياء ((صلى الله عليه وآله)) .
وفي القرآن الكريم ثمة آيات تتناول غير ذلك من شؤون الخلق تقف أمامها العقول البشرية المعاصرة حائرة مندهشة يلفّها الذهول ، ولا تدع لأحد من بني الانسان وأياً كان مستواه ومنزلته مجالاً بان يشك في احقيتها وكونها نبراساً لهداية البشر . يقول تعالى :
( الم * ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ )(1) .
لقد أودع الباري تعالى برحمته وفضله في صلب الأزواج ومن كل جنس التجاذب وعلاقة من الود والتقارب المتبادل ، كي يؤول ذلك وفي ظل نظام خاص وظروف معينة سواءً في الجانب التكويني أو التشريعي إلى التزاوج والتناسل والتكاثر النوعي ، ومن خلال ذلك يحافظ نظام الخلق على بقائه وتنال جميع المخلوقات ـ ومن كل الأجناس ـ السعادة والهنا في حياتها وتتمتع بوجودها ووجود الآخرين .
ان علاقة التكاثر والتناسل في عالم الجماد وباىِّ نحو كانت تتم بصورة اتحاد عنصر مع عنصر آخر وفي النتيجة ينتج عنصر ثالث ، كما في اتحاد الا وكسجين مع الهيدروجين ، فاحدهما يشتعل والآخر يساعد الى الاشتعال ، فتكون نتيجة اتحادهما ماءً بارداً تتوقف عليه الحياة والنشاط ، أو يحدث ذلك بشكل جاذبية تتبعها نتائج جمّة ، أو على هيئة تيارين احدهما موجب والآخر سالب ينتج عنهما ما لا يُعد ولا يُحصى من العجائب الكونية وتدرّبه رحمة الله على الناس .
والعلاقة بين عنصرين أو عدة عناصر وحالة الميل المتبادل ، وباختصار حالة العشق السائدة بين الجمادات هي التي تؤدي إلى التكاثر في النسل والاستمرار بالنوع ، واقامة النظام الشامخ لعالم الخلق واضفاء الجمال على عالم الوجود .
أيُّ قدرة جبارة وارادة عظيمة هذه التي تقيم مثل هذا التآلف والانشداد وحالة العشق بين عنصرين احدهما يشتعل والآخر يساعد على الاشتعال حيث ينتج عن ذلك التزاوج ماء فرات يشكل انهاراً جارفة وبحاراً متلاطمة ومحيطات شاسعة ويتكون منه المطر اللطيف ؟ ! !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البقرة : 1 ـ 2 .
أىُّ قوة عجيبة هذه التي تؤدي إلى ان تتحد عناصر متعددة مع بعضها بين ثنايا الارض اليابسة وفي جوف الصخور الصماء واعماق طبقات القير التي تفوق في سوادها ظلمة الليل البهيم فيخرج من ذلك معدن الالماس ؟ !
وأي ارادة قاهرة تلك التي تُخرج لنا من اتحاد عدة مواد من معادن اليمن عقيقاً احمراً ، ومن طيات التراب في نيشابور الفيروز الازرق ، وتهب لنا آلاف المواد التي يحتاجها البشر وذلك من خلال امتزاج التراب مع فضلات الحيوانات ؟ !
وأي رحمة تلك التي تمنحنا محصولاً نافعاً مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد من خلال اتحاد الاحجار مع التراب ومواد اخرى مع الحجر ؟ !
أي ارادة وحكمة هذه التي تهب عبادالله كل هذه النعم بواسطة اتحاد وتزاوج العناصر فيما بينها ؟ وأي ارادة وحكمة هذه التي أودعت كل هذا التآلف والوئام والانسجام بين الشمس وعناصرها الملتهبة وبين الأرض حيث ينتج عن اتحاد عناصر الشمس وعناصر الأرض وتزاوجهما نِعمٌ نعجز عن أحصائها كما أكد ذلك القرآن الكريم حين قال : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهَ لاَ تُحْصُوهَا ) .

إنّه ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّـمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الاَْنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِن كُلِّ مَا سَأَلْتُـمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهَ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الاِْنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابراهيم : 32 ـ 34 .
ان مستوى الجاذبية بين العناصر وايجابيتها أو سلبيتها والعلاقة الحميمة القائمة بينها لغرض التكاثر والتناسل كل ذلك يقوم على أساس نظام محدد وقوانين ومقررات عادلة ، والجاذبية هذه خارجة عن نطاق الافراط والتفريط ، وهذه العلاقة لا يعتريها الفتور ابداً ولا معنى للجفاء والتخاصم والاختلاف في هذا العالم الجميل الوادع ولا وجود للانفصال بعد هذه التزاوج الروحي .
فلو كان وجود للاختلاف والجفاء والانفصال في هذا العالم فلا شك في ان الفساد والافساد سيلقي بظلاله ويعقّد الاُمور ويضرب باطنابه في أساس هذا العالم .
ان للعناصر المكونة لعالم الجماد حجماً ووزناً معينان وفواصل محددة ونمواً يتناسب مع وضعها ، واتحاد كل منهما مع الآخر يقوم على أساس الكفاءة ، فلا تتمرد العناصر على النظام المحدد لها ولا تبادر إلى المشاكسة والتخاصم فيما بينها ، بل تحافظ على القانون وحدود وجودها اينما كانت في هذا النظام .
( لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ )(1) .
وفي تقدير وزن الاجرام في الفضاء الخارجي وحجمها وطولها وعرضها وعمقها ولونها ومواصفاتها والمسافات التي تفصل بينها ـ ومنها المسافة بين الشمس والكرة الارضية التي تناهز ( 000/000/150 ) كم ولا تتغير هذه المسافة على الاطلاق حيث ان زيادتها تعني تجمد كافة الكائنات على وجه الارض ، ونقصانها يعني احتراق ما على الارض ـ لا يُري شيء سوى علم الله سبحانه وحكمته الازلية التي تقوم على أساس ارادته ومشيئته في جميع الكائنات ، ومتى ما نظر اهل البصائر والمنصفون واصحاب الضمائر الحيّة والصالحون إلى نظام الكون ببصائرهم وبقلوب واعية حينذاك ستخشع قلوبهم لذكر مبدع هذا الخلق والكون ويرددون من اعماقهم :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ يس : 40 .
( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً )(1) .
نعم ، ان النظام والقانون والحقيقة تتجلي في ظاهر وباطن عناصر عالم الوجود قاطبة ، واسماء الله وصفاته تعلو كافة الكائنات ، وان صورتها وايحاءاتها من الوضوح بحيث تتيسر قراءتها وادراكها لكل بسيط وامىٍّ من البشر ، والأعجب من ذلك كله ان هذه المخلوقات جميعاً تسير سيراً حثيثاً بنظام خاص من أجل الوصول إلى محبوبها ومرادها وهو رب العالمين ، وهذا ما يؤيده قوله تعالى :
( وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى )(2) .

نظام التعايش بين النباتات

ان طريقة التزاوج أو بعبارة اخرى التلاقح والتكاثر والتناسل بين النباتات يحدث بنحو يدفع كل من يشاهدها ويتأملها فيه ان يغوص في بحر من الدهشة والانبهار ، والمجال لا يتسع هنا لشرح تفاصيل هذه العملية وتوضيحها .
وسوف اعرض لكم بايجاز تفاصيل هذه العملية العجيبة التي تقترن بظروف خاصة وطريقة عجيبة وابين لكم طريقتها التي تسير بانتظام ودقة خارقة .
لو تفحصتم الزهرة لوجدتم في وسطها خيوطاً وسيقان رفيعة تسمى الاسدية يتفاوت عددها من زهرة إلى اخرى وفي نفس الوقت فهي تخضع لبرنامج خاص ، وفي أعلى هذه الخيوط ثمة نتوء صغير اصفر اللون وفي وسطه كيس صغير يطلق عليه المتك فيه اربع بؤر تستقر فيها حبوب اللقاح التي لا تُرى بالعين المجردة لها شبهٌ بنطفة الحيوانات إلى حد بعيد ! !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ آل عمران : 191 .
2 ـ النجم : 42 .
وبعد حصول عملية التلقيح بين الجهازين الانثوي والذكري تتكون البيوض ، وحبوب اللقاح رغم صغرها فإن تركيبها الداخلي وفعالياتها من الدقة ما يثير العجب ، وفيها مقدار من المواد البروتينية والدهنية والسكرية والنشوية والآزوتية ، وفي وسط كلٍّ منها نواتان واحدة صغيرة والاخرى اكبر منها ، فالكبيرة تسمى نواة النمو والصغيرة نواة التوليد ستعرفون عملها لا حقاً .
الجهاز الانثوي : وهو القسم الذي يستقر أعلى مركز الزهرة ، ويعلوه نتوء يسمى الميسم تغطيه مادة لزجة يتلخص عملها في استقطاب الحبوب الذكرية والمحافظة عليها والمساعدة على تنميتها .
وفي أسفل الجهاز الانثوي الذي يتصل بالقسم الاسفل من الزهرة هنالك جسم منتفخ يسمى المبيض تشاهد فيه بويضات صغيرة لكلٍّ منها خيط خاص يتصل بجدار المبيض ومن خلاله تمتص الماء والمواد الغذائية الضرورية ، والبويضات بدورها لها تركيب ملفت للانتباه .
طريقة التلقيح : بعد أن تتمزق أكياس حبوب اللقاح وتستقر حبوب اللقاح على المبيض فانها تبدأ بالنمو ، وهنا لا بدّ من التذكير بأن هنالك طرقاً مختلفة لوصول حبوب اللقاح إلى القسم الانثوي تثير الدهشة لدى المتأم في عالم الخلق .
من ذلك ، ان حشرات مختلفة تؤدي هذه المهمة دون علم منها ، أي انها تطير نحو الازهار وتقف عليها لما فيها من لون ورائحة جذابة ولوجود المواد السكرية وسط الازهار ، وبذلك فانها تحمل حبوب اللقاح بارجلها وتنقلها من مكان إلى آخر ، وهذا العمل مهمٌ جداً لا سيما بالنسبة للازهار التي ينفصل فيها الجهاز الانثوي عن الذكري ويستقر كلٌّ منهما على ساق منفصل .
وكما اسلفنا فإن حبوب اللقاح حينما تستقر على القسم الانثوي تبدأ حينذاك بالنمو والتكامل وتزامناً مع نموها تنمو النواة الكبيرة فتمتد نحو المبيض وتنتهي كلياً على مقربة منه وتنقرض تماماً ، الا ان النواة الصغيرة وهي نواة التوليد تنفذ من خلال هذا الانبوب الدقيق وتدخل إلى المبيض وتتحد مع البويضات فتحدث عملية التزاوج في ظل ذلك الجو المظلم السّري ، فتنعقد نطفة الزهرة وتتكون البيضة الاصلية .
في عالم النبات كما هو الحال في الجمادات تأخذ قوانين التزاوج واسباب الاتحاد والتكاثر والتناسل طريقها وفقاً لارادة الحق تعالى بعيداً عن الاختلاف والاجحاف والنزاع والانفصال ، وعبر هذا الطريق تمتلىء موائد الكائنات الحية لاسيّما البشر بانواع الثمار والحبوب والفواكه ! !

التزاوج والتكاثر والتناسل عند الحيوانات

ان ميل الذكر نحو الانثى وميل الانثى نحو الذكر عند الحيوانات وعلاقة المحبة التي تجمعها من اجل التلذذ بالحياة والتكاثر والتناسل والمحافظة على النسل تعتبر من العجائب التي يعجز عنها الوصف .
فارادة الحيوانات وشعورها واهتمامها بهذه القضية الحساسة ، والتنظيم والانضباط السائد في عملية التزاوج والتعايش فيما بينها مما يذهل المتأمل فيها ويبهره .
ان حالة التعاون بين الذكر والانثى في بناء الاوكار والبيوت والمحافظة على الاسرار واختيار المكان والزمان والأهم من ذلك اجراء عملية التلقيح والاهتمام بالفراخ وتوفير الغذاء لها وتلقينها الاُمور الضرورية والمحافظة عليها من الحوادث والاخطار وسائر الاحوال التي تسود عالم الحيوان ، انما هي في الحقيقة تجسيد لارادة الحق تعالى ويتعين اعتبارها في عداد عجائب عالم الوجود .
ان عالم اللبائن والزواحف الملىء بالاسرار وطريقتها في التلقيح والولادة والمحافظة على البيوض أو الاجنّة والفراخ كل ذلك مما يحير المرء ويثير لديه الدهشة ، وظروف التزاوج والتكاثر والتناسل لدى الحيوانات هي ظروف متجانسة ومنبثقة من القوانين الالهية ، يقول تعالى :
( مَا مِن دَابَّة إِلاَّ هُوَ آخِذُ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم )(1) .
فليس هنالك حيوان ينزو على انثى من غير جنسه رغم امتلائه بالشهوة الجنسية ، فالذكر لا يلوث شهوته بعمل خبيث وقبيح ولا ينحرف عن الصراط المستقيم ، وليس هنالك انحرافٌ لدى الحيوانات في مجال الغريزة الجنسية ، فنطفة الذكر من الحيوانات تختص بانثاه وهو لا يلتفت إلى غيرها ، ولا وجود بينها لنظرة السوء والاعتداء على الآخرين ، والتجاوز على انثى تخضع لذكر آخر ، ولا فرق في هذا المجال بين الزواحف واللبائن .
ان قصة النظام والانضباط الذي يتحكم في كافة مفاصل الحياة لا سيما التوالد والتكاثر عند الطيور والزواحف والوحوش والحيوانات البحرية انما هي قصة عجيبة تثير الدهشة لدى أهل التأمل والتفكير ، وطريقة حياة الحيوانات المقترنة بالقوانين التي تحكمها تعد درساً بليغاً لمن نأوا بأنفسهم عن اجواء الهداية الربانية ، وانعزلوا عن مصدر النفحات المعنوية والنورانية ، فالحيوانات شأنها شأن الجمادات وسائر عناصر الكون كالشمس والقمر والسماء والارض ، ومثلها مثل النباتات في التنظيم والانضباط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ هود : 56 .

الانسان والزواج

ان عملية التزاوج والتوالد والتناسل في عوالم الجماد والنبات والحيوان تسير وفقاً للقوانين التكوينية والتوجيه الصحيح للغرائز ، بيد ان هذه العملية المهمة وهذه السنّة الطبيعية السامية يجب ان تأخذ مجراها في عالم الانسان على ضوء القوانين والأحكام الشرعية والاوامر الالهية الواردة في القرآن الكريم والروايات الواردة عن الأنبياء والأئمة الطاهرين ((عليهم السلام)) .
فقد اودعت بذور هذه النزعة في نفس الرجل والمرأة على شكل غريزة ورغبة ومحبة ورحمة ، بناء على ما اقتضته ارادة الحق عزوجل ، يقول تعالى :
( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لاَيَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ )(1) .
ويقول أيضاً :
( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً )(2) .
ان اختيار الزوج في نظر الثقافة الاسلامية يعد بحد ذاته امراً مستحباً ومحبذاً للغاية وعملاً حسناً ، الا ان ما يترتب على المرء إذا ما بقي اعزباً ان لا يلوث الحياة بالمعصية والرذيلة والفحشاء والمنكرات ، وفي غير ذلك يصبح الزواج امراً ضرورياً ومسؤولية لا مفر منها .
وهنا لا مناص من تنفيذ الاوامر الالهية بشأن الزواج بكل ما اوتي المرء من قوة وان لا يدع الخوف من المستقبل يتسرب إلى نفسه لا سيّما فيما يتعلق بالاُمور المادية وتكاليف الحياة فإن ذلك من احابيل الشيطان وناشىء عن وهن في النفس وفقدان الثقة ببارىء الكون ومدبره .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الروم : 21 .
2 ـ الفرقان : 54 .
وفي الآية التالية من سورة النور تلمسون الامر الالهي بشأن الزواج وتكفله بتأمين تكاليف الحياة الزوجيّة ، إذ يقول تعالى :
( وَأَنكِحُوا الاَْيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )(1) .
و( وَأَنكِحُوا ) من الناحية النحوية فعل أمر ، وهذا الأمر موجه إلى ابناء المجتمع فرداً فرداً رجالاً ونساءً ، ويستفاد من هذه الآية الكريمة وجوب الزواج لمن هم بحاجة له ولا يتسنى لهم المحافظة على سلامتهم وطهارتهم الاّ من خلال هذه الطريق ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ضرورة مبادرة العوائل لا سيما الوالدين ومَنْ تتوفر لديهم القدرة المالية إلى تسخير امكانياتهم في هذا المجال من اجل بناء الحياة الزوجيّة لابنائهم وبناتهم .

لا تتشددوا في الزواج

ان حاجة الرجل للمرأة وحاجة المرأة للرجل لا سيّما أوان تفتح براعم الغرائز والشهوة ، واشتدادها وتصاعد قوتها حين الحاجة إلى الزواج ، هي من الاُمور الطبيعية والانسانية المهمة ولا يمكن لأي انسان انكارها .
فالآمال والرغبات والتطلعات المشروعة الكامنة في نفوس الشباب ذكوراً كانوا أم اناثاً ازاء المستقبل وفي مقدمتها بناء الحياة الزوجيّة ، هي من الحقائق الواضحة للجميع كوضوح الشمس في رابعة النهار لا سيّما الوالدين ممن لديهم ابناء وبنات في سن الزواج .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النور : 32 .
والأهم من ذلك كلّه ، ان السبيل الامثل والمنهج الاسمى للحد من الموبقات ، واقوى تدبير لصيانة المجمتع من الانحدار في مستنقع الفحشاء والمنكرات هو تزويج الابناء والبنات في الوقت المناسب لحاجتهم إلى ذلك ، وهذه حقيقة لا يتوقع انكارها الاّ من قبل الحمقى والجهلة وفاقدي الشعور .
بناءً على ذلك فإن المسؤولية تقع في بداية الأمر على الوالدين والاقربين ومن لهم دور في مسألة زواج أبناء الاُسرة وبناتها ، وذلك يتمثل في تيسير مقدمات هذه السنّة الالهية وتوفير الارضية الملائمة للزواج بأيسر السبل واحسن الطرق ، ومن ثم يأتي دور الابناء والبنات ممن توفرت لديهم الرغبة في الزواج ، إذ يتعين عليهم تجنب الطموحات غير المبررة وفرض الشروط المرهقة ، كي تأخذ الرغبات والغرائز والطموحات طريقها الطبيعي بيسر وسهولة ، ويوضع حجر الاساس للحياة السعيدة، ويُشيّد البناء الذي يُرتجى منه خير الدنيا والآخرة.
مما لا شك فيه واستناداً للآيات القرآنية والروايات والاخبار ان الله سبحانه سيتسامح مع الذين يتسامحون في شؤون الحياة لا سيما قضية زواج ابنائهم وبناتهم ، وييسر اُمورهم في الدنيا والآخرة وبالذات عند الحساب وتطاير الكتب والميزان في عرصات يوم المحشر ، وان الغضب الالهي في الدنيا والآخرة وسوء الحساب وعذاب جهنم سيحيق بالمتزمتين والمعرقلين لهذا الأمر ويتسببون في ان يئن ابناؤهم وبناتهم تحت وطأة الغرائز والشهوات ، ويبتلون بالامراض العصبية والنفسية ، وتسوء اخلاقهم ويتلوثون بالمعاصي والموبقات ، ومن ثم تذهب امالهم وطموحاتهم ادراج الرياح .
ان التدقيق الزائد في مسألة الزواج يجر الانسان إلى التشدد دون علم منه ، فالتزاوج بين اثنين في النظام الكوني يجري بسهولة بالغة ، فلو كان التزاوج في عالم الحيوان صعباً وعسيراً لفقد النظام القائم حالياً رونقه وصورته المشرقة .
فيا ايها الاباء والامهات ، وايها الابناء والبنات ! لا تتشددوا في تمهيد مقدمات هذه السُنّة الالهية ، من قبيل فرض المهر واقامة المراسيم واجراء احتفال عقد القران والزفاف والتمسك بالعادات والتقاليد ، ولا تفرضوا ما هو خارج عن طاقة اسرتي العريسين كي يجري الزواج بسهولة ويمن عليكم الباري تعالى بتيسير اُموركم في الدنيا والآخرة .
تعالوا واقتدوا بمنهاج اهل التقى ، وخذوا من منابع الخير والبركة تلك درساً وعبرةً وشيّدوا حياتكم على أساس سيرة اولئك الأولياء ، إذ ان السعادة والهناء وبلوغ خير الدنيا والآخرة ، والحصول على الشرف والكرامة ، كل ذلك انما يتأتى في ظل الاستلهام من اولئك الذين عشقوا الجمال الازلي ، يقول أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) واصفاً المتقين :
« أنفسهم عفيفة ، وحاجاتهم خفيفة ، وخيراتهم مأمولة ، وشرورهم مأمونة »(1) .
على اية حال ، الحري بالقائمين على أمر الزواج أن يتجنبوا الطموحات غير المبررة وفرض الشروط المرهقة ، واتباع الهوى والميول النفسية ، والتمسك بالتقاليد والاعراف الخاطئة ، وتقليد الآخرين والتشدد في شؤون الزواج ، وعليهم اقامة بناء الزوجيّة منذ الوهلة الاولى على أساس التقوى والخير والصلاح وتيسير الاُمور وان يجعلوا غايتهم نيل رضى الباري تعالى .
بعد ان تنتهي مراسيم الزفاف يتعين على الزوج مواصلة الحياة الزوجيّة مع المرأة التي سبق أن التقى بها اثناء الخطبة ورضيها زوجة له وابرم معها عقد النكاح ، وان يعمل على ضمان استمرار المودة والرحمة الالهية القائمة بينهما ، ويتوجب على الزوجة ان تفتح امام زوجها ـ الذي كانت قد التقته قبل اجراء عقد الزواج ـ ابواب الرأفة والتسامح وان ترعى حقوقه على كافة الاصعدة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ هداية العلم : 651 .
ان المحافظة على الشأنية لا تكمن في المهر الباهض والاحتفالات المكلّفة وكثرة المدعوين والتمسك بالتقاليد والاعراف الخاطئة المنافية للمنطق ، والتشدد في الشروط ، بل تكمن في اختيار الكفو واجراء المراسيم على بساطتها ، ومراعاة الاخلاق الاسلامية من قبل كلتا الاسرتين ، والمحافظة على الحقوق الالهية والانسانية من قبل الزوجة والزوج ازاء بعضهما البعض ، والعمل على استمرار اجواء المحبة والمودة من قبل الزوجين بغية استمرار الحياة الزوجيّة ، والنأي بحياتهما عن الفوضى والاضطراب والعوامل التي من شأنها اثارة الامراض العصبية والنفسية .
ان الحياة الزوجيّة التي عاشها أميرالمؤمين ((عليه السلام)) وفاطمة الزهراء ((عليها السلام)) تمثل افضل درس في الحياة بالنسبة لكل مسلم ومسلمة ، فقد كانت فاطمة ((عليها السلام)) مصدر الاستقرار لاسرتها لا سيما بالنسبة لزوجها ، وراسية لدعائم الحياة في البيت ، وكان علي ((عليه السلام)) مثلاً اعلى للزوج والاب ، والمربي الرؤوف لاولاده ، ومعيناً حريصاً في تسيير شؤون البيت والعائلة ، فلم يأبَ يوماً عن انجاز الاعمال اليسيرة في البيت من قبيل التنظيف واعداد الخبز ومد يد العون الابنائه ، ولم يدع زوجته تشقى في انجاز اعمال البيت وتقع جميع شؤون العائلة على كاهل الزهراء ((عليها السلام)) لوحدها .
ينبغي للزوج والزوجة ان يراعي كلٌ منهما حقوق الآخر وان يساعد احدهما الآخر في جميع شؤون الحياة ، ولا يتصوروا ان اطلاق صفة الظلم ينحصر فيما فعله فرعون والنمرود وسائر الطغاة على مر التاريخ ، بل ان كل عمل يرتكز على الباطل من شأنه خدش مشاعر الآخرين فهو ظلم ، وان الله سبحانه يبغض الظلم والظالمين ولا يرضى باي نوع من الظلم مهما قلَّ وأياً كان مصدره .
سنشير ان شاء الله تعالى خلال كلامنا واحاديثنا المقبلة إلى جميع ما يرتبط بنظام الاُسرة في الاسلام ، وفي هذا المقطع من الحديث نكتفي بنقل بعض الروايات المهمة الواردة في الكتب المعتبرة والمتعلقة بالزواج واهميته وفوائده ومكانة الاُسرة وبنائها واهميتها في الثقافة الاسلامية ، وندعوكم إلى التأمل فى هذه الروايات كي تقفوا على قوة الاحكام الالهية ويتبين لديكم خلو جميع الثقافات الاخرى من المفاهيم التي تتضمنها الثقافة الاسلامية .

أهمية الزواج في الروايات

عن النبي ((صلى الله عليه وآله)) قال : يُفتح ابواب السماء في أربعة مواضع : عند نزول المطر ، وعند نظر الولد في وجه الوالد ، وعند فتح باب الكعبة ، وعند النكاح(1) .
قال النبي ((صلى الله عليه وآله)) : « تزوّجوا وزوّجوا الأيِّمَ فمن حظ امرء مسلم انفاق قيمةِ ايّمةِ ، وما من شيءأحب إلى الله من بيت يعمّر في الاسلام بالنكاح »(2) .
قال النبي ((صلى الله عليه وآله)) : « زوّجوا أياماكم فإن الله يُحسن لهم في أخلاقهم ، ويوسّع لهم في ارزاقهم ، ويزيدهم في مُرواتهم »(3) .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « النكاح سنتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي »(4) .
قال النبي (صلى الله عليه وآله) : « من تزوّج فقد احرز نصف دينه ، فليتقِ الله في النصف الباقي »(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الزواج في الاسلام ، ص 17 .
2 ـ نفس المصدر ، ص 7 .
3 ـ نفس المصدر ، ص 8 .
4 ـ بحار الأنوار : 13.html ، ص 220 .
5 ـ بحار الانوار : 13.html/219 .
عن ابي عبدالله ((عليه السلام)) قال : جاء رجل إلى أبي فقال له : هل لك من زوجة ؟ قال : لا ، فقال أبي : ما أحبّ انّ لي الدنيا وما فيها انّي بتٌّ ليلة وليست لي زوجة ، ثم واصل أبي حديثه فقال : الركعتان يُصليهما رجلٌ متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليلة ويصوم نهاره ، ثم اعطى أبي سبعة دنانير إلى ذلك الرجل وقال له اقضِ بها ما تحتاجه لزواجك فقد قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : « اتخذوا الاهل فإنّه ارزق لكم »(1) .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج فإنّه اغضّ للبصر ، واحصنُ للفرج » .
وقال (صلى الله عليه وآله) : « ما من بناء في الاسلام احبّ إلى الله من التزويج »(2) .
وقال (صلى الله عليه وآله) : « مَنْ تزوّج فقد اُعطي نصف السعادة »(3) .
قال النبي (صلى الله عليه وآله) : « ما من شاب تزويج في حداثة سنّة الاّ عجّ الشيطان يا ويلَهُ يا ويلَهُ عصمَ في ثلثي دينه فليتق الله العبد في الثلث الباقي »(4) .
فما هي القيم التي في الزواج ؟ وما هي الفوائد العظيمة التي يجنيها كلُّ من الزوج والزوجة ؟ وايّ اهمية وشأن يوليها الاسلام للزواج ؟
ليت عوائلنا تبذل قصارى جهودها لتمهيد السبيل من أجل تيسير هذه السّنة الالهية والانسانية ، ويُقلعوا عن التشدد وفرض الشروط المرهقة ، والمبادرة إلى اقامة مراسيم الزواج وفقاً لامكانياتهم ، وسلوك طريق القناعة بما توفر وتجود به الايدي ، كي ينال ابناؤنا وبناتنا طموحاتهم الطبيعية وتتحقق آمالهم ، ولا يكفر بنعم الله الكامنة في غرائزهم وشهواتهم ، ولا تتلوث انفسهم بالمعصية والرذيلة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 14/7 .
2 ـ البحار : 13.html/222 .
3 ـ مستدرك الوسائل ابواب المقدمات الباب الاول .
4 ـ البحار : 13.html/221 .
اين تكمن جذور الكبت وانحراف الغرائز والشهوات ، وانتشار الفساد والرذيلة ، واطلاق العنان للبصر والاهواء النفسية ، والزنا والتجاوز على نواميس الآخرين ، والتخلف في المستوى الدراسي والتقاعس عن اداء العبادات وبروز الامراض العصبية والنفسية وسائر الابتلاءات ؟
ان الاجابة على هذه الأسئلة لابدّ أن يتولى امرها في بداية الأمر الاباء والامهات المتصلبون الذين وقعوا بين مخالب التقاليد والعادات الخاطئة ، وتكبّلوا بتقليد الآخرين ، ويأتي بعدهم دور الابناء والبنات ممن ابتعدوا عن التقوى ، واخيراً اولئك الذين تتوفر لديهم الامكانيات اللازمة لتزويج الشباب ويبخلون عن بذل اموالهم في سبيل الله ، كل هؤلاء عليهم ان يقدموا ما لديهم من جواب منطقي وعقلي مقنع في هذه الدنيا وكل ما يقدمونه الآن من اجابة يتحتم تقديمه حين تقام محكمة العدل الالهي يوم يقوم الناس لرب العالمين ! !
( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأعراف ذاريات / 26

التقوى في الأسرة والمجتمع

حقيقة التقوى

التقوى في الأسرة والمجتمع   
ان المصدر اللغوي لهذه الكلمة التي تنطوي على أجمل مفهوم هو « وقي » ، وهي تعني صيانة النفس ازاء المحرّمات والنواهي .
وفي الحقيقة فإن « وقى » تعني الروحية والقدرة المكتسبة من خلال الممارسة المستمرة على ترك الذنب والرياضة النفسية والانضباط أمام المعصية واللذائذ المحرّمة .
ان السعي لغرض تحصيل التقوى وعدم ارتكاب المعاصي يعدّ من أفضل المساعي ، ومن الأعمال المستحسنة ، وتحصيل التقوى عبادة أمر الباري تعالى بها ، ومن الافعال التي تجلب رضاه .
والفلسفة من القيام بالعبادات على الصعيد المالي والبدني والأخلاقي انما تتبلور في حصول التقوى في مجمل حياة الانسان ، فالعبادة والنشاط والعمل لا تعدّ عبادة ما لم تثمر التقوى التي تمثّل مصدر الكرامة والشرف والسعادة ومفتاحاً لخير الدنيا والآخرة .
ان المجتمع يتألّف من مجموعة عوائل وكل عائلة تتكون من الزوج والزوجة والأولاد ، وفي الحقيقة ان الافراد بمثابة اللّبنات التي يقوم بها بناء الاُسرة والمجتمع ، ولو تحلّى كلٌّ منهم بالتقوى فسوف نحصل على الاُسرة الصالحة والمجتمع الفاضل  ، الاُسرة التي يسودها الامان بكل نواحيها وتتوفر فيها أفضل الاجواء لتكامل أبنائها وذلك بفعل تحليهم بالتقوى ، وبالتالي سيكون لدينا مجتمع يمثّل افراده مصدر خير بعضهم للبعض الآخر ، ويأمنُ بعضهم شر ومكائد البعض الآخر .
المتّقون أحباء الله والمقربون لدى الأنبياء والأئمة ((عليهم السلام)) ، وهم النافعون الذين يفيضون كرماً ، قد حَسنُنت سيرتهم وتحولت صورهم إلى صورِ ملكوتية الهية ، واتصفوا بمكارم الاخلاق ، وتنزّهوا عن المساوىء والقبائح والرذائل .
ان كرامة الفرد والاُسرة والمجتمع إنّما تكمن في التقوى ، وليس هنالك شخص او مجتمع اكرم على الله من المتّقين ، وما يعرض له الزوج والزوجة والآباء والامهات والابناء وكافة أبناء المجتمع من ايذاء من قبل بعضهم البعض الآخر انما هو نتيجة لانعدام التقوى ، وحالة التوجّس التي يعيشها الناس في البيت أو المجتمع فيما بينهم إنّما هي من العواقب الوخيمة لفقدان التقوى ، وما يشاهد من خسائر فادحة في حياة البشر فذلك بفعل انعدام التقوى .
فالحري بكلٍّ من الزوج والزوجة التحلّي من أجل تكوين الاُسرة الصالحة ، ومن الضروري ان يعملا على أن تأخذ هذه الدعوة الالهية طريقها إلى نفوس ابنائهما ، بل عليهما تمهيد السبيل بغية تحقق التقوى لديهم منذ نعومة اظفارهم .
حبذا لو تأملتم الفوائد التي تنطوي عليها التقوى التي ذكرتها الآيات القرآنية والروايات ومن ثم تبادرون إلى تقييم الواقع وتتأملوا صورة الاُسرة والمجتمع فيما لو تحلّى جميع ابنائنا وبناتنا بالتقوى وبادروا إلى الزواج متزوّدين بهذه الثروة الربانية .
قبل فهرست بعد