قبل فهرست بعد

التقوى ومراتبها

يذكر من عبَّر عنهم القرآن الكريم بأولي الالباب والبصائر ، ومن قطعوا اشواط السواك المعنوي والروحي ، ثلاث مراتب للتقوى : التقوى خاص الخاص ، والتقوى الخاصة ، والتقوى العامة .
وفي رواية عن الامام الصادق ((عليه السلام)) يوضح فيها هذه المراتب :
المرتبة الاولى : التقوى بالله في الله ، وهي عبارة عن ترك الحلال فضلاً عن ترك الشبهة وهذه التقوى خاص الخاص .
المرتبة الثانية :التقوى من الله ، وهي عبارة عن اجتناب الشبهات جميعاً فضلاً عن الحرام وهي التقوى الخاصة .
المرتبة الثالثة : التقوى النابعة من الخوف من عذاب جهنم والعقاب الاليم وهي عبارة عن ترك المعاصي والمحرّمات وهي التقوى العامة(1) .
والمراد من ترك الحلال في قول الامام الصادق ((عليه السلام)) هو ان المتقين في هذه المرتبة لا يبطلبون الاُمور المحلّلة لعدم شعورهم بالحاجة اليها ، ويكتفون من الحلال بما يحتاجون لنيل الكمال .
ان القابلية على القناعة متيسرة للجميع ، ومن ادعى عجزه عن التزام القناعة لا يُقبل منه هذا الادعاء ، فالقناعة بالحلال والتزام الكفاف في الاُمور المادية الضرورية للحياة ، والزهد في القصور الفخمة واللوازم النفسية والملابس الراقية والموائد المتنوعة ، يعد ممارسة اخلاقية وعملاً مستحسناً وسبيلاً لسيادة التقوى في جميع مرافق الحياة .

الحاج السبزواري والقناعة

في عام 1362 توجهت إلى مدينة سبزوار لغرض التبليغ ، وهناك سألت عن اسرة الحكيم والعارف الجليل الحاج ملا هادي السبزواري ، فقيل ان احد احفاده يسكن في المدينة وهو ممن يتصف بالعلم والمعرفة وله اضطلاع بالحكمة والفلسفة وتفسير القرآن وقد قام بتفسير القرآن الكريم مرّتين في المسجد الذي يتصدى لامامة الجماعة فيه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ المواعظ العددية : 180 .
فأسرعت للقائه ، فكانت أخلاقه وسلوكه وحياته تعكس صورة عن الحياة المباركة للحاج السبزواري ، واستفسرت منه عن احوال جدّه الجليل ، فشرح لي اُموراً تثير الدهشة عن صفاته وأحواله ، منها : بالرغم من ان الحاج السبزواري كان محط اهتمام الشخصيات السياسة والعلمية في البلاد وانهم كانوا يقصدونه من مختلف انحاء البلاد وحتى من المناطق النائية للتزود من علمه الاّ انه كان قانعاً بالقليل من ناحية الدار والمأكل والملبس ! !
وربما كان يحتفظ ببعض ملابسه ويستخدمها لمدة عشر سنين بكامل شروط الصحة والطهارة ، ولم يستنكف من ترقيع تلك الملابس ، وهذه سيره الأنبياء والأولياء !

البهرجة والاسراف

ان البهرجة والاسراف ـ في نظر الباري تعالى ـ من الاعمال الشيطانية والاُمور المرفوضة ، ومن الممارسات التي تتماشى مع الاهواء النسيّة والشهوات الحيوانية .
ما المانع في ان يلتزم المرء بالحدود الالهية لا سيما القناعة في جميع مرافق الحياة ؟ فالقناعة مصدر الراحة ، والدافع نحو الانعتاق ، والعلاج الناجع للاضطراب والقلق النفسي .
ان حاجة البدن تُسدُ ببيت مناسب لشأن الفرد مركب بسيط وملبس ومأكل على قدر الحاجة .
ينبغي تجنب تقليد الآخرين في بناء الحياة ، والاكتفاء بما هو متيسر من المصروفات ، والابتعاد عن الاسراف واقتناء ما يُعدّ بهرجة واسرافاً .
عينا ان لا نقتدي بالغرب في الزي ونمط الحياة فانهم قد وقعوا بالكثير من الاخطاء ، ولا يؤدي التطور الصناعي والفني الذي بلغوه إلى ان نتصور صواب وصحة كل ما يقولونه ويكتبونه وان ما هم عليه من اناقة ، واسلوب في المعيشة مطابق للواقع .
ما يحظى بالاهتمام في الاسلام هو سلامة الروح والبدن والمدينة والمحلّة ، والذي تُعنى به الثقافة الاسلامية من الاُمور المادية والمعنوية ، والاخلاقية ، والايمانية للفرد والمجتمع هو ما يصب في مصلحة الانسان في الدنيا والآخرة ، والاسراف والبهرجة والانهماك بالمصاريف المرهقة وتجميل ظواهر الحياة بعيداً عن القناعة والاقتصاد ـ حتى في بناء المساجد التي هي مراكز العبادة بالنسبة للمسلمين ـ من الاُمور التي يذمها هذا الدين وهذه المدرسة التي تبني الانسان .
يجب ان تكون المساجد والبيوت زاخرة من الداخل بالروح المعنوية وباعلى درجاتها ، وفي ظاهرها يجب ان تتصف بالبساطة والوداعة كي لا تبتلي القلوب بالوسوسة والتجبر ولا تبتعد النفوس عن ساحة الحق تعالى .
البسوا ما بسط من الملابس ولكم التزموا آداب اللباس ، وكلوا ما يسدُّ رمقكم من الطعام وتمثلوا آداب الطعام ، واقتنوا ما يناسبكم من السيارات ولكن عليكم عدم الغفلة عن آداب السياقة ، واستحصلوا الدار الضرورية لحياتكم على ان لا تصبحوا اسرى لهذه الدار ، كل ذلك من ثمار التقوى والزهد والتوجه إلى الله تعالى .
ان حياة اليهود والنصارى هي التي يطغى عليها الاسراف ، في اقتنائهم الدار والاثاث وواسطة النقل والملابس والطعام ، فكنائسهم ومعابدهم تغص بالذهب والزخارف والتماثيل والجواهر الاثرية واللوحات النفسية التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات .
وحياة الحاخامات والقساوسة بل وحتى البابا تضج بالاسراف والتبذير إلى حد يبعث الدهشة والتعجب ، فلو بيع التاج الخاص بالبابا وملابسه لا مكن انقاذ الملايين من الجياع .
ان اكتناز الثروة وأكل الربا وممارسة السرقة في وضح النهار وغيرها من الفضائح هي اعمال اعداء الله ، أما احباء الله فيتعين عليهم الالتزام بما اراده هو وصيانة انفسهم من الوقوع بين فكي الاسراف والتبذير .
والتقوى هي السبب في الحصول كل المحاسن وهي التي تحفظها ، فالبيت العامر بالتقوى ، والازواج الذين يتحلّون بالتقوى انما يتوفرون على كنز الهي وثروة ملكوتية ، وبذلك تغدو حياتهم ترفرف عليهم السعادة والصفاء والمحبة وراحة البال والأمن والسلامة والانصاف والكرامة والشرف .
ينبغي ان يتمتّع المسجد والبيت بوضع بحيث يشعر فيهما الانسان بالأمن والاطمئنان ويتخذ منهما منطلقاً للعروج نحو محبوبه .
وباختصار ، يمكن تشييد بناء الزوجيّة عن طريق التزام التقوى والقناعة والتوجه نحو الله تعالى والاستعداد ليوم الدين ، بنحو يكون البناء وسيلة لبلوغ السعادة الاخروية ونيل رضى الحق تعالى .
وفي عصرنا الراهن أيضاً يمكن العيش بالقليل من الدخل بشرط التزام التقوى والقناعة ، وإذا ما عرضت مشكلة اثناء ذلك وعجز المؤمن عن مقاومتها ، بما توفر لديه من دخل يتحتم على المؤمنين ان يهبّوا لا عانته قبل فوات الاوان وانقاذه مما يلم به ضيق ومحن .

تواصوا بالتقوى

نظراً إلى عجز عامة الناس عن التزام التقوى بمراتبها العليا ، أي التقوى خاص الخاص والتقوى الخاصة ، ينبغي والحالة هذه عدم دعوتهم اليها ، لأن هاتين المرتبتين من شأن الأنبياء والأئمة وأولياء الله .
الاّ ان من اليسير تحلّي عامة الناس بالتقوى العامة ، اي ترك المحرمات بجوانبها الاخلاقية والشهوانيه الماليه .
بناءً على ذلك ينبغي لعامة الناس دعوة بعضهم بعضاً إلى التزام التقوى وذلك بالقول اللين والاخلاق الحسنة ، وتشجيع بعضهم بعضاً على ترك المحرمات بجميع جوانبها كي تبسط التقوى ظلالها الملكوتية على شؤون الحياة وتنعم جميع المخلوقات لا سيما الاُسرة والمجتمع بما تدر به من منافع .
ان التزام التقوى من قبل الزوجين في جميع شؤون الحياة وتربية الاطفال عليها يعدُّ واجباً الهياً ، إذ يقول الذين سلكوا طريق الحق والحقيقة : ان الطفل امانة وان قلبه وروحه وباطنه بمثابة الجوهرة والصفحة الناصعة الخالية من كل كتابة ورسم ولها القابلية على استقبال ما يُرسم عليها ، فإن تربى بين أكناف عائلة تعلمه المنطق الحسن والاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة وتفتح امامه سبيل استلهام الحقائق فإن هذا الطفل سينال السعادة في الدنيا والآخرة وبذلك يشاركه الوالدان في الاجر والثواب حيث كانا السبب في بلوغه هذا المستوى الرفيع ، وكذا المعلمون ممن كانوا عاملاً في تأديبه .
اما إذا طبع الوالدان ـ نتيجة تلوثهم وافتقارهم للتقوى ـ الصور الشيطانية على صفحات قلب الطفل وروحه وابتلي الطفل معهم برذائل الاخلاق وقبائحها واصبح كالبهيمة همه الوحيد البطن والفرج والقى بنفسه في مهاوي الشقاء والتهلكة ، فلا شك في ان وزر ذلك ووباله يقع على عاتق والديه أو معلمه ومربيه ، يقول تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )(1) .
فكما يهتم الوالدان في الحؤول دون سقوط الطفل في نار التنور أو الاحتراق بلهيب الغاز ويمنعونه من الاقتراب من الخطر ، فالأولى بهم ان يحولوا دون احتراقه بنار الغضب الالهي يوم القيامة نتيجة لعدم التحصن بالتقوى وسوء اعماله واخلاقه وضياع ايمانه واعماله الصالحة ، والسبيل العملي للمحافظة على الطفل من العذاب الاخروي يتمثل في تحلّي الوالدين بالتقوى في بداية الأمر ومن ثم تربية الطفل عليها .
على الوالدين ان يلعبا دور المبلغ الوقور والمعلم الامين ويتمتعا بالحرص ويكونا بمثابة داعيتين إلى الخير في سبيل تربية اطفالهما .
عليهما بادىء ذي بدء تزيين وجودهما بالتقوى والايمان والعمل الصالح ومن ثم السعي لتهذيب الطفل وتأديبه وتعليمه محاسن الاخلاق والمحافظة عليه من صديق السوء والمعلم ذي الاخلاق المذمومة ، ويجب عليهما العمل على عدم تعلق قلب الطفل بالزخارف والزينة المفرطة والبهرجة والاسراف وحب الثروة والمال لئلا يتحول في المستقبل إلى انسان مسرف وطماع وبخيل وناهب واناني ، إذ ان بناء المجتمع إذا قام على لبنات خاوية أو بعبارة اخرى شُيد على افراد تنقصهم التقوى فإن ذلك البناء سينهدم على رؤوس أبناء ذلك المجتمع ولا تطاق الحياة فيه بالنسبة لجميع ابنائه .
لو كانت التقوى اساساً يقوم عليه بناء كافة الاسر ، وتحلّى الزوجان به ، وسرت منهما إلى الابناء لانتفت حاجة المجمتع للسجون وقوى الامن والمحاكم ، وحينها يخف كاهل الدولة والامة من الميزانيات المرهقة التي نيبغي تسخيرها في سبيل توفير الرفاهية للجماهير وليس توظيفها في التصدي للناهبين والمفسدين واللصوص .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التحريم : 6 .

سيماء المتقين

يرى عظماء ديننا ـ مستندين إلى الآيات الكريمة والروايات ـ ان سيماء المتقين تتلخص بالاُمور التالية :
ـ كسب العلوم الدينية بما يحتاجه المكلف في اعماله واخلاقه ومعاملاته وعلاقته بالاسرة والمجتمع .
ـ المحافظة على سلامة البدن عن طريق الالتزام بالتعاليم الصحية والعمل بآداب الاكل والشرب .
ـ التحلّي بالذكاء والفطنة في جميع شؤون الحياة والتزام الامانة على كافة الاصعدة الحياتية .
ـ المحافظة على عفة النفس والصدق في الكلام ، والتحلّي بفضائل الاخلاق وتجنب الرذائل والنزاهة عن الرياء والنفاق ، والزهد في الاُمور الدنيوية الزائدة ، والتجرد عن المكر والغدر والخيانة ، وتكريم أهل العلم والفضل ، والاقبال على أداء الوظائف الشرعية سواء الفرائض أو النوافل ، والالتفاف حول العالم الرباني الذي يعمل على تعريف المسلم بدينه وتعليمه الحلال والحرام ولا همّ له سوى الاخذ بيد الانسان نحو الكمال ، إذ ان اتباع العالم غير الرباني انما يمثل الشقاء والهلاك بعينه .
وضمن وصيته بهذا الأمر، اي اتباع العالم الرباني ، يقول الامام الصادق((عليه السلام)):
« إن آية الكذاب ان يخبرك بخبر السماء والارض فاذا سُئل عن شيء من مسائل الحلال والحرام لم يكن عنده شيء »(1) .
ومن علائم المتقين أيضاً ، الصبر ازاء الاحداث ، ومراعاة الآداب والاحكام الاسلامية في كافة الاُمور ، وملازمة الذكر ودوام التفكّر المقترن باخلاص النية وصفاء الباطن ، ومراقبة النفس كي يصل الانسان من خلال طيّه لهذا الطريق إلى علم اليقين وبعده إلى عين اليقين ومن ثم حق اليقين .

الازواج المتقون

المتقي من الرجال لا ينهمك الاّ على كسب الحلال لسد مصاريف عائلته ، فهو ملتزم بمراعاة حقوق جميع الذين يتعامل معهم في الكسب والاتجار ، وبعبارة اخرى فهو لا يتسبب في الحاق الي ضرر بالعباد خارج البيت ، ونتيجة لتزوده بالتقوى فهو لا يقترب من الحرام ولا يفرط بما يمتلكه من كنز القناعة والعفاف .
وحينما في من العمل ويعود إلى بيته يُلقي بجميع همومه واتعابه عند الباب ويدخل الدار . مفعماً بالنشاط والحيوية يعلوه الانشراح والسرور ويقابل زوجته بثغر باسم ويبادرها بالسلام والتقدير لما بذلته من جهود على مدار اليوم بتنظيف البيت ومداراة الاطفال ويوليها احترامه ويتعامل معها ومع الاطفال بلطف ومحبة ويبذل لها ولهم من الاحترام ما يتناسب وشأنهم .
ويعلِّم اهله بين الحين والآخر اصول الحلال والحرام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسن الاعمال ومساوئها ولا يدعهم يغطون في غفلة عن اُمور دينهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الكافي : 2/340 ، المحجة البيضاء : 5/140 .
ولا يستهلك وقته وحياته خارج البيت ، ولا يجعل ابتسامته وحيويته حكراً على اصدقائه ولا يفرط في ارتياد المساجد والمجالس الدينية ، فهو يدرك ببان الاسلام يحث على التزام الاعتدال في جميع الاُمور حتى في العبادات ونهى عن التقصير بحق العيال بذريعة التزاور مع الاصدقاء أو حضور المجالس .
وهنا يجدر بي ان اوصي اخوتي القائمين على المساجد والهيئات ان يختصروا اوقات المجالس فيها والاكتفاء بصلاة الجماعة وبعض الوقت لبيان الاحكام الشرعية والمعارف الاسلامية ودقائق لدكر اهل البيت ((عليهم السلام)) وهذا ما جرت عليه سيرة الرسول الاكرم ((صلى الله عليه وآله)) والأئمة الاطهار ((عليهم السلام)) فهم قد ربّوا العظماء من الرجال والنساء بقليل من الوقت وايجاز في البيان .
ان الاسفاف في التعبد لا سيما في المستحبات واطالة المجالس يقضي على نشاط المستمع ويؤدي تدريجياً إلى تنامي حالة التذمر في نفسه من الاُمور الدينية وهذا لا يخلّف سوى الخسارة بالنسبة للمساجد والهيئات وكذلك للناس لا سيما ذوي القابليات المحدودة .
على اية حال ، المتقي الآداب في جميع مرافق الحياة وبهذا فهو يساعد في ترسيخ بناء الاُسرة وكسب محبة الزوجة والاطفال .
اما الزوجة المتقية ، فهي تحافظ على عفتها وطهارتها وتبادر إلى انجاز الاعمال المنزلية بكل شغف و شوق ، وتمهد الارضية لازاحة ما يُثقل كاهل زوجها من متاعب اثناء عمله خارج المنزل ، وتداري أطفالها بأفضل نحو ، وتتعامل مع زوجها واطفالها وفقاً للاخلاق الاسلامية ولا تعقل عن عبادتها وتجعل من البيت روضة عامرة بالمحبة والصفاء والرأفة والحنان والحيوية والنشاط .
وهي تطيع زوجها مستندة في ذلك الى القواعد والاصول الالهية وتلبي رغباته المشروعة وتتجنب العصبية والغضب والتكبر وتتعامل مع أقارب زوجها برأفة وعطف واخلاق اسلامية ، وإذا ما عاد زوجها من العمل فهي تهب لاستقباله عند الباب ، وتودعه إذا غادر إلى محل عمله ، وتدعوه ان لا يُدخل شيئاً إلى بيته الاّ من حلال مؤكدة قناعتهم بما يهبهم الله من الحلال وان قلَّ ، وعدم لجوئهم إلى الحرام وان لا يتجاوز الزوج حدود ما انزل الله متذرعاً بالزوجة والاطفال وتكاليف الحياة فيلوث حياتهم بالحرام .
والمرأة التي تتحلّى بالتقوى تتجنب التقليد الاعمى ولا تدع زوجها يئن تحت وطأة الضيق والاحراج من اجل مماشاة اقاربه أو اقاربها في طريقة الحياة .
مثل هذا الزوج وهذه الزوجة هما ممن يرضى الله تعالى عنهم ، ويمثلون مصدر الخير ومثالاً بارزاً للانسان الرباني ، وفي ظلهما يُشيد البيت الذي يرتضيه الباري تعالى ، وفي رحابه يتربى مَنْ يرتضيه الحق جلّت قدرته من الذريّة .
على اية حال ، ينبغي على الزوجين الانسجام فيما بينهما وفقاً لما تقرره المعارف الالهية والسنن الاسلامية والاحكام الفقهية ، كما هو حال أولياء الله .

الكاسب المثالي

حدثني جدّي قائلاً : عندما كان السفر يتم بواسطة الحيوانات سافرت مع اصدقائي من خوانسار ـ وهي من ضواحي اصفهان ـ قاصداً زيارة الامام الرضا ((عليه السلام)) في مشهد ، وكنت مكلفاً بشراء ما نحتاجه من سلع ، وفي صباح أحد الايام ذهبت إلى أحد الحوانيت في مدينة دامغان للتبضع ، فدعاني صاحبه إلى الداخل واخذ يرحب بي لكوني زائراً ، وفي هذه الاثناء جاءه رجل ينوي الشراء وبكميات كبيرة فطلب منه صاحب المحل التوجه إلى المحل المقابل لشراء هذه المواد ، فذهب المشتري ، فسألت صاحب المحل عن سبب امتناعه عن البيع فلديه ما يفوق الحاجة ، فاجابني : رأيت صاحب ذلك المحل مغموماً اول الصبح فسألته عن السبب فاجابني انني مدينٌ واليوم موعد اداء الدين الاّ انني لم أبع شيئاً منذ الأمس ما يكفي لأداء الدين .
ولا قدرة لي ان أرى ما يكابده لذلك وجهت المشتري نحوه كي يتخلص من وطأة الدين إذ لابدّ للمؤمن ان يشعر بما يعانيه اخوه المؤمن .
نعم يجب أن نشعر فيما بيننا بما يعاني بعضنا البعض ، لا سيما الزوجين ، إذ ينبغي أن تشعر المرأة بما يعاني الرجل ويشعر الرجل بما تعاني المرأة كي يعمر المنزل بالآداب الالهية والانسانية وتخرج منه ذرية توشحها الكرامة والرشاد .
فيا ايها الاخوة الاعزاء ! عطّروا منازلكم بقراءة القرآن لا سيما اثناء وقت صلاة الصبح ، فاصواتكم الملكوتية عند قراءة القرآن تداعب افئدة اطفالكم واسماعهم وتحثهم نحو العبادة وتلاوة القرآن وتصنع منهم منبعاً للخير والتقوى والكرامة .
( يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النساء / 28

أهداف الزواج في الاسلام

البيت الطاهر

أهداف الزواج في الاسلام   
يبدو من المستحيل المحافظة على الشاب ذكراً كان ام انثى بمنأىً عن الفساد والافساد بدون الزواج ، والعثور على شاب طاهر وعفيف يتورع عن ارتكاب الذنب وهو لم يتزوج بعد من بين الملايين من الرجال والنساء يعدُّ قضية صعبة .
ولو وجدنا شاباً طاهراً نزيهاً في الظاهر والباطن وهو غير متزوج فيجب حينها القول انه من أولياء الله ، وان اجتناب الذنب والتحصن من الرذيلة وعدم ارتكاب المعاصي والموبقات في حالة عدم الزواج هو عمل مَنْ تأسى بيوسف ((عليه السلام)) .
ولا يخلو بيتٌ يسكنه رجلٌ أو امرأة دون زواج من الفساد ، والرجل بلا زوجة والمرأة بلا زوج لابدّ أن يتعرضا للفساد وإن قلَّ ولمختلف المشاكل الروحية والعائلية والاجتماعية إذا ما تأججت غرائزهما واخذت تضغط عليهما بشدة .
فالزواج ، هذه الحقيقة الالهية هي التي تذلل بعض المشاكل وتساعد في المحافظة على طهارة الشباب وعفتهم وتقواهم .
والبيت الذي يقوم بناؤه على زوجين يراعي كلٌّ منهما حقوق الآخر هو البيت الذي تعمرّه السلامة والامان .
ان منزل المسلم حيثما كان يجب أن يكون مظهراً لوحي الله ومحلاً يتجلى فيه ذكره ومثال الرفعة والسمو والعظمة وثمرة لتسبيح الحق تعالى في الليل والنهار ، يقول تعالى :
( فِي بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ )(1) .
وهكذا بيت فيه مثل هذه الاوصاف هو بيتٌ مؤمنٌ تزدهر فيه طاعة الله وعبادته ، قد حصل فيه الزواج وفقاً للأمر الالهي ، ويلتزم فيه الزوجان بكافة الواجبات الالهية والانسانية .
اجل ، ان القرآن الكريم يأمر بالزوج للتخفيف من المشاكل التي يعاني منها كلٌّ من الرجل والمرأة ، وليسلما من الفساد وليعملا بواسطة الحياة الزوجيّة والانسجام بينهما على جعل البيت مكاناً لذكر الله وتسبيحه .
ان الرجل والمرأة في اجواء مثل هذا البيت عبدان حقيقيان لله ، وأولادهما ثمار الفضيلة ، واعمالها وسلوكهما واخلاقهما مظهر للاداب الالهية وسنن الأنبياء الكرام ومنهجيتهم .
وحين تقترن المؤمنة بالمؤمن ويري كلٌّ منهما انه مكلفٌ بمراعاة الأوامر الالهية فإنّهما يحافظان على اجواء الحياة الزوجيّة من المشاكل بوصفهما خليلين يعين احدهما الآخر ، وصديقين شفيقين ورفيقي درب ومنبعين للايمان وركيزتين للحب والمودة ، وحينما تحصل مشكلة ما يبادران إلى حلها بسهولة وبساطة ويعالجان الموقف بسلاح الصبر والحلم وسعة الصدر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النور : 36 .

شر الناس

ان الانزوا والانعزال والابتعاد عن المصاحبة يؤدي إلى الكثير من المشاكل والكآبة وقسوة القلب يعدّ سبباً في اثارة التشنجات النفسية والعصبية ويورث امراضاً نفسية وبدنية .
والعزلة تجعل الانسان يغرق في بحر من الاوهام والخيال والافكار البعيدة عن المنطق والامراض الاخلاقية والنفسية ، وتجلب له امواجاً من المشاكل على اختلاف انواعها .
قال النبي ((صلى الله عليه وآله)) : « أكثر أهل النار العزّاب » .
وعنه أيضاً ((صلى الله عليه وآله)) : « شرار موتاكم العزّاب »(1) .
وفي رواية اخرى عنه ((صلى الله عليه وآله)) : « رذّال موتاكم العزّاب »(2) .
وقال في حديث آخر : « شراركم عُزّابكم والعزّاب اخوان الشياطين »(3) .
وفي موضع آخر قال ((صلى الله عليه وآله)) : « خيار اُمتي المتأهلون وشرار امتي العزّاب »(4) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً : « لو خرج العزّاب من موتاكم إلى الدنيا لتزوجوا » .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) في حديث آخر : « لعن الله من لم يتزوج » .
ان وصف الرسول الاكرم ((صلى الله عليه وآله)) العازفين فن الزواج باهل النار والرذال واخوان الشياطين والاشرار والملعونين إنما يأتي بسبب حتمية وقوعهم في الفساد والافساد والشيطنة والمعصية والموبقات ، وبذلك يصبحون عاملاً في اثارة المضايقات لمجتمعهم ويتسببون بخلق مشكلات جمّة في كافة مرافق الحياة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 100/220 ـ 221 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ نفس المصدر .
واستناداً إلى الآيات والروايات وما أثبتته تجارب الحياة فإن الزواج يكرّم الانسان ويرفعه ويخلصه من بواعث استحقاق العذاب الالهي ويحفظه من الرذيلة والانحدار ويحصّنه من الوقوع في شراك الشيطان ، ويصون المرء من ان يصبح مصدراً للشر والفساد وبالتالي يتعرض لسخط الله ولعنته ، وكل ذلك مدعاة لشيوع الاستقرار والطمأنينة والأمن والطهارة والتقوى والرخاء في شؤون الحياة وتخفيف اعبائها ، ولهذا السبب اشار تعالى إلى العلّة من تشريع الزواج في كتابه الكريم قائلاً :
( يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ )(1) .

تفتح القابليات

عندما يتزوج الشاب أو الشابة استجابة للفطرة واتباعاً لامر الله وسنّة الأنبياء ، وينجيان من منزلق العذاب الالهي والشرور الباطني واحابيل الشيطان واللعنة الالهية ـ وكل ذلك مما يُبتلى به الرجل الاعزب والمرأة العزباء وينعمان بالطمأنينة الفكرية والامان النفسي في ظل الزواج ويتغلبان على المشكلات الناجمة عن حياة العزوبية ويتخلصان من المتاعب التي خلقتها حياة العزلة ويشقان طريقهما إلى جوٍّ ملكوتي الهي وتتوفر لهما الارضية للتفكير الصحيح والرؤية السمتقبلة ويخبو طغيان الشهوات والغرائز فلا شك في ان السبيل سيتفتح لنمو الطاقات الكامنة لديهم وتثمر دوحة الحياة ثماراً ومعطيات ونتائج ممتازة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النساء : 28 .
وتشير صفحات التاريخ إلى ان الكثير من رجال العلم والعظماء وعلماء الاسلام قطعوا بعد الزواج مسيرة مئة عام في ليلة واحدة ، وارتقوا فى ظل الزواج الذي كان سبباً في استقرارهم وراحة بالهم إلى مقامات شامخة وعظيمة من العلم واشتهروا لدى العامة والخاصة بالعلم والتقوى والطهارة والكرامة والخدمة والعبادة .
نقرأ في الصفحة 95 من كتاب حياة آية الله البروجردي : في عام 1314 وكان عمره آنذاك 22 ربيعاً ، كتب اليه والده كتاباً يستدعيه إلى بروجرد ، وظنّ ان والده ينوي ايفاده إلى النجف الاشرف حيث كانت هناك اكبر حوزة علمية للشيعة ، بيد أنه فوجىء عند وصوله واللقاء بوالده واقربائه بأنهم قد اعدّوا له مقدمات الزواج ، فتأثر وحزن ، وحين لا حظ والده ذلك سأله عن السبب ، فأجابه : كنتُ منكباً على طلب العلم بكل جدٍّ وراحة بال ، اما الآن فاني اخشى ان يحول الزواج بين وبين هدفي ويصدّني عن مواصلة الطريق وبلوغ غايتي .
فقال له ابوه : اعلم يا بُني إنك ان عملت بما يأمرك والدك فإن هناك أملاً في أن يوفقك الله لنيل ما تطمح اليه من الرقي ، وضع في بالك احتمال فشلك في تحقيق ما تصبو اليه من دراستك ان انت أهملت ما يتمناه ابوك رغم جديتك ! !
فترك كلام أبيه أثراً طيباً في نفسه وزال كل ما لديه من شك ، وبعد الزواج والمكوث قليلاً هناك عاد إلى اصفهان ليواصل الدراسة والتدريس في مختلف العلوم والفروع لمدة خمس سنوات اخرى .
وفي اصفهان وفّرت له زوجته الوفيّة اسباب الراحة والاستقرار ، وكانت له بمثابة الصديق العطوف والمعين الشفيق والخادم الرصين والناصح الرؤوم ما جعله ينطلق نحو الرقي بشتى الوانه وراح ينهل من العلوم على مدى تلك السنوات الخمس التي قضاها في اصفهان إلى جانب تلك المرأة الكريمة ، وواصل دراسته بنشاط وجدّية إلى درجة انه كان يقضي بعض الليالي ساهراً حتى الصباح منهمكاً بالمطالعة ، وكان «(رحمه الله)» يكرر بانه كان يهتم بحفظ القرآن الكريم اثناء اوقات فراغه فاستطاع خلال فترة وجوده في اصفهان حفظ القرآن من اوله إلى آخر سورة التوبة وواظب على حفظه حتى آخر عمره المبارك ، واستمر في المواظبة على حفظ القرآن وتلاوته .
وكان العلامة الطباطبائي «(رحمه الله)» صاحب تفسير الميزان يرى ان جانباً مما بلغه من كمال ورقىٍّ علمي ومعنوي مرهون لزوجته الكريمة .
نعم ، ان الزواج يعد سبباً في الراحة والامان وقاعدة لتحقق الكمال وتنامي القابليات .

السعي من أجل العيال عبادة

ان الزواج والعناية بالعيال يهب الانسان معطيات معنويةً عجيبة بالاضافة إلى الآثار الدنيوية البنّاءة .
فالعمل والسعي لتأمين متطلبات المرأة والعيال يعد في نظر الشرع الاسلامي المقدس عبادة لا تضاهى تعدل في درجاتها الجهاد في سبيل الله ، وقد روي عن المعصوم .
« والكالدّ على عياله من حلٍّ كالمجاهد في سبيل الله »(1) .
ولما كان اداء حق الزوجة والأولاد والاهتمام بشؤونهم الروحية ، ومراعاة حق الزوج من قبل الزوجة ، وحق الأولاد من قبل الام يعد امراً صعباً ومضنياً وهو في حقيقته استجابة لما أمر الله به شأنه شأن الاهتمام باُمورهم المادية فقد عُدَّ عبادة وسبباً في الحصول على الاجر والثواب الاخروي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 11.html/72 .
ان تربية الذرية الصالحة واعداد الابناء اللائقين والمحسنين هو عملٌ عظيم يؤدي إلى نيل رضوان الله جل وعلا .
ومن أهم الاُمور وافضل العبادات هو المحافظة على الدار وأهلها بعيداً عن الفساد والافساد وتوفير الارضية اللازمة لتكامل الزوجة والابناء وتربيتهم .
على اية حال ، فالمجتمع هو ثمرة البيت ، والبيت والاُسرة هما المنطلق الذي منه النائب في البرلمان الوزير ورئيس الدولة وكوادر الشعب ، والبيت وارباب البيوت هم المصدر الحقيقي في تربيتهم وتبلور شخصياتهم ، والبيت كالارض ، فإن كانت الارض بمعزل عن الحق والحقيقة فهي ارض جدباء قاحلة لا تثمر سنابلاً أو زهوراً ، وإذا كانت مرتبطة بالحق والحقيقة فمن العقول والمنطقي ان نتوقع منها السنابل والزهور .
ان سعادة المرء أو شقاءه تنتقل اليه من ابويه بالدرجة الاولى ، فاذا ما سعى الابوان لتحقيق سعادة ولدهما فإنهما بذلك يؤديان عبادة عظيمة وحينها سينهلان من معطيات الزواج إلى الابد ، أما إذا اصبحا عامل شقاء فانهما لن ينتفعا من شجرة الزواج الطيبة بل يبسطان بايديهما مائدة خسرانهما .
من هنا جاء في الروايات عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) انه قال :
« الشقي مَنْ شقيَ في بطن اُمه والسعيد مَنْ سَعُدَ في بطن امه »(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 5/175 .

ليكن هدفكم من الزواج هدفاً سامياً

يجب ان يكون هدف الانسان من الزواج هدفاً معنوياً مقدساً وطاهراً ،
وينبغي ان يقع الزواج طاعةً لما أمر الله به واتباعاً لسنن الأنبياء ((عليهم السلام)) وتوفير السعادة للزوج وتربية الأولاد تربية الهية صالحة .
على الزوجين ان يتأهبا عن طريق الزواج للدخول في عبادة كبرى ، وان يستهدفا من زواجهما بلوغ رضى الله ، ويعلما انهما يحملان أمانة الهية تتمثل بما يضمه صلب الرجل ورحم المرأة .
عليهما ان يعلما ان ولدهما بمثابة الامانة الالهية ، وهو ضيف في صلب ابيه لفترة وجيزة ثم يحل ضيفاً في رحم الام لفترة تتراوح ما بين ستة إلى تسعة شهور ، وخلال كلتا المرحلتين يكتسب بلا ارادة منه كل ما لدى الابوين من طبائع ومزايا وذلك من خلال ما وهبه الله من قوة استلام دقيقة .
يُروى ان رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ، كان يأذن احياناً للنساء الحوامل بالذهاب لمشاهدة مواقع القتال ضد الكفار كي يشاهدن صور الجهاد الرائعة والمبارزة بالسيف ويستمعن لما يردده المجاهدون من شعارات كي يقمن بتغذية ما في ارحامهن عن طريق السمع والبصر حتى يصبح الطلفل وهو في رحم امه مخلوقاً ماهراً يتربى على الشجاعة والهمّة العالية وينمو محاطاً بالنداء الملكوتي .
ألم تسمعوا ان النبي ((صلى الله عليه وآله)) اُمر بالصوم لمدة اربعين يوماً قبل تبلور وجود فاطمة ((عليها السلام)) في صلبه وفي الليلة الاخيرة افطر بطعام من الجنة ثم انتقلت نطفة تلك البضعة الكريمة إلى رحم الام ؟ !
لا تكن العين هي الوسيط بينكم وبين الزواج ، ولا تكن الشهوة الدليل الذي يقودكم نحو الزواج ، ولا تكن الغاية من الزواج الحصول على المال والثروة والجاه عن طريق العائلة المقابلة ، ولا يكن الغرض من هذا العمل الظفر بوجه جميل وظاهر خادع ، فقد اثبتت هذه الاُمور لحد الآن سوء عاقبتها وضآلة ثمارها .
اجعلو الله هو الغاية من الزواج وضعوا نصب اعينكم الجوانب المعنوية والعبادية والسعي لاداء حق الزوج وتربية الذرية الصالحة ، وخلاصة القول نيل رضى الباري تعالى ليكون هذا الزواج ذا منافع ابدية وخالدة ، ولتكن اللذة والمتعة والشهوة المحلّلة تابعة لهذه الغايات السامية كي تكتمل اللذة والمتعة ومن خلالها تنالون الاجر الاخروي .
فإن كان الزواج الهياً لا يؤول إلى الطلاق إذا ان الارتباط الالهي والملكوتي دائمي وابدي .
ان مَنْ يتزوج قربة لوجه الله يرعى حق الزوج بكل وجوده ولا يصدر منه ادنى إذىً تجاه شريك حياته .
والمحافظة على شخصية الزوج امام الأولاد والأقارب يعد واجباً شرعياً ، كما ان احتقار الزوج للزوجة والزوجة للزوج يعتبر حراماً .
على الرجال والنساء من المسلمين التأسي بزواج أميرالمؤمنين وفاطمة الزهرا ((عليها السلام)) ، ذلك الزواج الذي جرى قربة إلى الله وقد لوحظت فيه الغايات الالهية ، فكانت ثمارة ذرية طاهرة ربانية ، وفي روايات الشيعة جرى تأويل الآيات التالية إلى هذا الزواج الطاهر ، إذ يقول تعالى :
( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَان) .
فالمراد من البحرين ، أميرالمؤنين ، وفاطمة الزهراء ، فهما بحران من المعرفة والبصيرة والحلم والصبر والايمان ، والمراد من البرزخ هو رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ، ومعنى اللؤلؤ والمرجان الامامان الحسن والحسين ((عليهما السلام))(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نور الثقلين : 5/191 ح 19 .
يجب ان يكون نظام الاُسرة نظاماً اسلامياً والهياً بكل معنى الكلمة كي يستقطب رحمة الله سبحانه وفضله .
ان عدم اجتناب السنن الذميمة والعادات المنافية للاحكام الالهية ، والاجواء الشيطانية والثقافة الجاهلية التي أمر رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) باماتتها بقوله :
« أمتْ أمر الجاهلية الاّ ما سنّه الاسلام »(1) .
يكشف عن ما في الوجه من قبائح وستكون الثمار التي تعطيها هذه الشجرة فاسدة .

نظام الاُسرة في الغرب

ان نظام الاُسرة في امريكا واوربا نظام خاطىء يفتقد للقاعدة والمضمون ، وتقليده يعدّ عبثاً وتمهيداً لأن تنغمس الحياة في وحل الشقاء .
انهم لا يصبون من خلال الزواج إلى هدف مقدس وطاهر ، فالدليل الذي يأخذ بايدي الرجل والمرأة عندهم هي الشهوة وارضاء الغرائز ، ويندر لديهم الصالحون من الرجال والنساء ، من هنا فإن الفساد ينهمر على امريكا واوربا كانهمار مطر الربيع .
وغالباً ما يتزوج الغربيون بعد قضاء وطراً من الفساد والعلاقات غير المشروعة ، ثم يسلّمون فلذات اكبادهم بعد الولادة مباشرة إلى دور الحضانة ليستلموهم بعد مدة فاقدين لعطف الاب وحنان الام مفتقرين للعواطف والمشاعر ويجلسونهم على موائد الفساد ، عندها يُدخلونهم المدرسة لطيّ مراحل التربية الظاهرية والتعرف على بعض المصطلحات ، وفي الثامنة عشر من العمر يبعدونهم عنهم ويتركونهم على ذمة البيئة والمجتمع !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 77/128 ح 32 « ب » 6 .
وإذا ما علّموا ابناءهم الاخلاق ـ سواء في البيت أو المدرسة ـ فانهم يعلمونهم الاخلاق على الطريقة الجنتلمانية والاخلاق الاقتصادية والمنافع المادية دون الاهتمام بجذور الباطن وحقيقته ، فهم عاجزون عن تربية الانسان تربيةً مقبولة .
الا ترون انهم حين يبنون مجتمعاً ويقيمون حكماً ، يكون مجتمعهم مصدراً للفساد وحكومتهم مصدراً لاستعمار المستضعفين في الارض .
ان الجرائم التي ارتكبها خريجو البيوتات والمدارس والجامعات الغربية مما لا يمكن تلافيه إلى يوم القيامة .
وإذا ما اتصفوا بالوقار والهدوء والرصانة في بعض الاحيان ، وظهروا ملتزمين بالآداب فلأنهم لم يعثروا على فريسة ولم يقع نظرهم على لقمة دسمة وسائغة ، وقصتهم تشبه قصة الذي قال لصديق له انه ادب قطته وهذّبها بحيث يعطيها شمعةً تحملها قرب مائدة تعجُ بانواع الطعام ليستمتع الضيوف بما في تلك المائدة على ضوء تلك الشمعة ، فاجابه صديقه : لا يمكن الوثوق بهذه الخصلة لدى القطة وإذا دعوتني سوف اثبت لك ذلك عند المائدة ، فدعاه فنظر إلى القطّة وهي واقفة تمسك بالشمعة لاضاءة الغرفة للضيف لا طمع لها في الطعام ولا تنوي الهجوم على المائدة ، وبينما هم يتناولون الطعام اخرج الضيف فاراً من جيبه ووضعه وسط المائدة فحاول الفار الهروب وهنا القت القطة بالشمعة جانباً وقفزت كالاسد الغاضب إلى وسط المائدة واطاحت بتنظيم المائدة من أجل الامساك بالفار فعكّرت الاجواء على صاحب الدار وضيفه !
أجل ، ان التربية في أوربا والغرب كتربية القطة ، فهم مؤدبون ووادعون ما داموا لم يعثروا على طعامهم الخاص وما ان تقع أعينهم على الذهب والنفط واما إلى ذلك من معادن الشعوب الضعيفة حتى يلقوا مصباح التربية جانباً من أجل نهب حقوق الآخرين ويهجمون كالحيوانانت المفترسة لابتلاع جميع الاعتبارات المادية والمعنوية للشعوب الضعيفة ويعبرون انهاراً من دماء الابرياء لتحقيق مآربهم المادية .
ان تفشي الفساد وغلبة النزوات المحرّمة ورذائل الأخلاق والقتل والنهب والفحشاء والمنكرات بين شعوب الغرب هو نتيجة للدمار الذي ضرب نظام البيت والاُسرة .
لو كانت البيوت في اوربا وامريكا قد تمتعت بالسو وزخرت بذكر الله وبيوتاً يُسبَّح الله فيها ، لكانت ثمارها اناساً يتصفون بالسمو والكرامة والرشاد مفعمين بالعاطفة متخلقين باخلاق الله ، غير ان ثمارها قد تعفنت واصبحت كريهة الطعم والرائحة بسبب ابتعادها عن الحق والحقيقة ، ومثل هذا النظام المنهار ليس جديراً ان يكون قدوةً ، ومن يتبعهم سيصبح اسوء منهم لا محالة .
قال الصادق ((عليه السلام)) : « أكثر الخير في النساء »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسائل الشيعة : 14/11
قبل فهرست بعد