قبل فهرست بعد

استقلالية الرجل والمرأة في الزواج

على الآباء والامهات الالتفات إلى ان اختيار الزوج ـ على ضوء ما اقره الاسلام ـ انما هو حقّ للابناء ، فلا يحق لهم فرض الزوجة التي لا يرتضيها الابن واجباره على الاقتران منها ، كما لا يحق لهم فرض الزوج الذي لا تقتنع به البنت واجبارها على الزواج منه ، بل ان الله سبحانه منحهما الحرية والاستقلال في اختيار شريك الحياة .
في رواية عن ابن أبي يعفور قال فيها :
قلت لابي عبدالله ((عليه السلام)) :
اني اريد أن اتزوج إمرأةً وانَّ ابويَّ ارادا غيرها ، قال ((عليه السلام)) : « تزوج التي هويتَ ودَعِ التي هوى ابواك »(1) .
ونقرأ في الرسائل العملية لمراجع الشيعة في باب الزواج :
« من ارادت الزواج ممن هو كفؤٌ لها شرعاً وعرفاً واعترض الوالدان فلا يلزم الحصول على اجازتهما ولها ان تتزوج منه »(2) .
على الآباء والامهات الكف عن ممارسة الاهواء والمآرب والنعرات القبلية في قضية زواج ابنائهم وبناتهم ، اذ ان الاسلام حرّم التسلّط والخضوع له .
والرجل والمرأة احرارٌ في اختيار العمل المشروع أيضاً ، وما يدرّه عليهما من دخل فهو ملك لهما وملكيتهما له مشروعة ، ولا يحق للمرأة التصرف باموال الرجل الاّ باذنه ، والعكس صحيح ، وعلينا الالتفات إلى ان استقلال كلٍّ من الرجل والمرأة يجب أن يصان في جميع مرافق الحياة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 13.html/235 .
2 ـ توضيح المسائل لآية الله فاضل اللنكراني ص 418 المسألة 2236 .
( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آل عمران / 42

منزلة المرأة في القرآن

دين الله

منزلة المرأة في القرآن   
ثمة فوارق اساسية وجوهرية بين الدين الاسلامي وسائر الاديان في اغلب المجالات .
وهنالك تباين بين المذهب الشيعي ـ وهو الاسلام الذي ترجمه أئمة أهل البيت أوصياء رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ـ وبين سائر المذاهب والمدارس في نظرته ورؤيته للتوحيد والمعاد والملائكة والنبوة والامامة والقرآن ، وبشأن الفرد والمجتمع والجوانب المادية والمعنوية والشؤون الاخلاقية والتطبيقية ، والمرأة والرجل والذرية والعمل والتكسب والتربية والسياسية والحكم و . . . الخ .
ان ما يطرحه الاسلام على هذا الصعيد يمثّل عين الحقيقة ، وهو المعيار المنسجم مع المصاديق الواقعية لظاهر الامور وباطنها ، وخلاصة القول مطابقٌ للحقائق والوقائع المكنونة في علم الله وفي عالم الخلق .
وما قدّمه المفسرون عن الدين الاسلامي ما هو الاّ ثمرة عليهم المبارك ورؤيتهم الالهية ونابعٌ من صميم آيات القرآن الكريم .
وقد انطلقت تفريعات هذا الدين من صلب القرآن الكريم الذي يبتدىء بصفات الذات الالهية المقدسة كالرحمانية والرحيمية والربوبية ، وانطلقت ترجمة هذه الحقائق من قلب رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) واستمرت عن طريق احاديث الائمة المعصومين بدءً من الامام علي بن أبي طالب ((عليه السلام)) وانتهاءً بالامام الحجة بن الحسن العسكري (عج) .
الرحمن ، من الاسماء الخاصة بالله سبحانه ولا تستخدم بشأن غيره ، أما الرحيم فهو وصفٌ يطلق على من سواه أيضاً ، وكلا الصفتين اصلهما من الرحمة .
يقول طائفة من المفسرين : الرحمن اشارة إلى الرحمة الالهية العامة التي تشمل العباد كافة مؤمنهم وكافرهم ، والرحيم اشارة إلى الرحمة الخاصة التي تصيب الصالحين من الخلق ، والدنيا موضع تجلي الرحمانية ، والآخرة محل تجلّي الرحيمية ، الاّ ان شيئاً من هذا التباين لا يُلاحظ في القرآن الكريم ، إذ يقول تعالى :
( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء )(1) .
ويمكن مشاهدة تجليات هذه الصفة في خلق المخلوقات ورزقها وخلاصها من طوارق الاحداث .
ان الاستعانة به تعالى من خلال هاتين الصفتين تبعث في النفس حالة من العرفان والمعنويات والحيوية التي تكون ثمرتها رعاية وعنايه من الله بعبده .
ورد في المأثور ما مفاده : ان الله عزوجلّ قال : إني لاستحي ان يدعوني عبدي برحمتي ولا اجبه .
ان خلق البشر ورزقهم يعدّ تجسيداً لرحمانية الله ، وهدايتهم وفلاحهم ثمرة الرحيمية ، وقد وصف تعالى نفسه بالرحمة في القرآن الكريم باسلوب بخر فيقول : خير الراحمين ، أرحم الراحمين ، ذوالرحمة ، ومن أجل تقريب المفهوم إلى الاذهان فقد بيّنها رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) للناس بما يتناسب وفهمهم ، والاّ فلا جدوى من العد والاحصاء على هذا الصعيد .
ان لله مائة درجة من الرحمة أفاض بواحدة منها على السموات السبع والارضين السبع واعطى خلقه جميعهم ما يحتاجونه منها ، ومنها يترحم الخلق بعضهم على بعض ، واحتفظ بتسع وتسعين درجة لنفسه حتى تقوم الساعة فيجمع تلك الدرجة إلى هذه الدرجات ويعطيها إلى من آمن واطاع ! !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الاعراف : 156 .
والرب ، تعني المالك الذي تمتد مالكيته لتشمل جميع المخلوقات في عالم الوجود وهي ملكية حقيقية لا يمكن سلبها ، وهو تعالى المالك الذي يمسك بزمام تدبير وادارة جميع الكائنات .
وحيث ان ارتباط مالكيته وتدبيره بجميع ذرات عالم الوجود ارتباط حقيقي وأزلي وذاتي فلا معنى في أن يتخذ الانسان ربّاً يناوىء ربوبيته تعالى ويتخذ مالكاً ومدبراً سواه ويرتضي قانوناً غير قانونه .
ان تجلي التوحيد في جميع شؤون الحياة يتمثل في ان يستظل المرء بكل كيانه في ظل مالكية الله وتدبيره ويرفض كل مدَّع للمالكية وكل ثقافة أو مذهب يحاول تولّي تدبير حياة الانسان ظلماً وخلافاً لما يريده الله سبحانه ، وليس ثمة معنىً لكلمة « لا اله الاّ الله » الاّ ذاك .
نعم ، ان رحمة الله وربوبيته هي التي تلبي كافة متطلبات الانسان ظاهرها وباطنها ، ورحمة الله ورأفته وفضله تضمن سعادة الانسان في الدنيا والآخرة .

توسل الانبياء بربوبية الله ورحمته

لقد توسل الانبياء ـ وهم الذين لم يعرفوا رباً ومالكاً ومدبراً ومراداً غير الله ولم يتصوروا رحمةً ولطفاً غير رحمته ولطفه واعتبروا انفسهم ملكاً ومربوباً وعباداً له تعالى وقارعوا الارباب المتفرقة ومن ادعى الربوبية زيفاً بكل ما اوتوا من قوة حتى ان بعضهم قضى قتيلاً في ميادين هذا الصراع من أجل التمسك بمالكية الله وتعاليمه ورحمته ـ خلال تعرضهم للحوادث والابتلاءات أو عند شعورهم بالحاجة ، برحمة الله وربوبيته ، فقد دعا آدم ((عليه السلام)) :
( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِن لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )(1) .
وقال نوح ((عليه السلام)) في معرض دعائه من أجل نجاته ونجاة المؤمنين واهلاك الظالمين :
( رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً )(2) .
وكان ابراهيم ((عليه السلام)) يقول في دعائه :
( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوَاد غَيْرِ ذِي زَرْع عِندَ بَيْتِكَ الْمفـحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ )(3) .
وتوجه موسى ((عليه السلام)) عند شدته على ابواب مدينَ بالدعاء قائلاً :
( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِيرٌ )(4) .
ودعا يوسف ((عليه السلام)) قائلاً :
( رَبِّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الاَْحَاديثِ فَاطِرَ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ أَنتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )(5) .
ودعا زكريا ((عليه السلام)) :
( رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ )(6) .
وقد علَّم تعالى نبيه ((صلى الله عليه وآله)) بأن يقول في دعائه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الاعراف : 23 .
2 ـ نوح : 26 .
3 ـ ابراهيم : 37 .
4 ـ القصص : 24 .
5 ـ يوسف : 11.html .
6 ـ الانبياء : 89 .
( رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ )(1) .
وينقل تعالى في كتابه الكريم ما يردده أولياؤه واحباؤه وهم يحيون الليل قياماً وقعوداً متفكرين في خلق الله :
( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً )(2) .
وقد تكررت كلمة « رب » في الادعية الواردة عن الائمة المعصومين ((عليهم السلام)) لا سيما دعاء كميل وابي حمزة الثمالي وعرفة والمناجاة الخمسة عشر للامام السجاد ((عليه السلام)) ، وانّ توسل الانبياء ((عليهم السلام)) بهذا المقام الربّاني وتكرار هذه الكلمة في الادعية ليلٌ على عظمة الربوبية وتجليها في مفاصل حياة الانسان وجوانبها ، ولم يكتف الداعون بالتوسل بهذا المقام الرباني اثناء الادعية ، بل ان ربوبية الحق تعالى تتجلى عملياً ونظرياً في اجواء حياتهم ومعتقداتهم وافعالهم واخلاقهم .

مقام العبادة والعبودية

ان الانسان رجلاً كان أم امرأة ذو ماهية واحدة وجوهر واحد وليس هنالك تباين بين الجنسين في سلوكهما لطريق التكامل وفي تجلي آثاره الانسانية وبلوغ المقامات والمراتب المعنوية السامية ، وإذا ما اقرّا بربوبية الحق تعالى استجابة لدوافعهما الذاتية وفطرتهما مستعينين بالعقل ومسترشدين بهدى النبوة والامامة وارشادات المعلمين والمربين وارتضوا مالكية رب العالمين في جميع المجالات حينها سيكونان في أمن وأمان من الانزلاق في مستنقع عبودية الطاغوت وهوى النفس ، وينعقان من الثقافات والافكار الشيطانية ، وسينالان المراتب الشامخة والمنازل الملكوتية بفضل شعورهم بالتبعية للمالك الحقيقي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ المؤمنون : 118 .
2 ـ آل عمران : 191 .
المرأة والرجل مظهرٌ لتجلّي رحمانية الباري عزوجل ورحيميته وربوبيته ، وهذه الحقيقة مستقاه من صريح الآيات القرآنية ولا مجال فيها للانكار والتردد .
فالمرأة انسانٌ وتتمتع بالقابليات والقوى المعنوية ، وهي على حدٍّ سواء مع الرجل في الحقيقة والجوهر بحكم المنطق القرآني ، وهي تمثل الرحمة الالهية ورمزاً لربوبية الحق تعالى ، وان احتقارها والتجاوز عليها والتطاول على حقوقها ومصادرة تطلعاتها المشروعة واستضعافها وطلاقها اللامبرر والتمييز بينها وبين الرجل ، كل ذلك من الآثار التي خلّفها الذين يدّعون ربوبيتهم على البشر وفراعنة التاريخ ومن مخلّفات الثقافات السلطوية الجائرة .
ففي ايطاليا عندما كان الرجل يرزق بنتاً يكاد يطير فرحاً لان شيئاً جديداً قد اضيف إلى ممتلكاته ، وبعد ثلاث عشرة أو اربع عشرة سنة يأخذها إلى السوق ليبيعها ويرتزق بثمنها ! !
وعندما كانوا يغضبون على البنت في بعض الاحيان فإنّهم يضعونها في قدر ملىء بزيت الزيتون المغلي للقضاء عليها ، وكانوا يسخّرونها كخادمة او جارية أو اداة لقضاء حوائجهم ، ولم تزل لحد الآن في عصر حقوق الانسان تعيش الحرمان من اغلب حقوقها المشروعة .
بيد انّها تعتبر في نظر الدين الاسلامي الحنيف والمنطق القرآني مخلوقاً رفيعاً ومعيناً لاينضب من الكمالات المعنوية وعالماً زاخراً بالقابليات وطاقة الهية .
وإذا ما عرفت المرأة قدرها وعملت على صيانة مكانتها الانسانية واستلهمت من التعاليم الاسلامية ما وسعها من أجل تكاملها وتربية شخصيتها ، ستتصف آنذاك بما اتصفت به مريم العذراء وخديجة الكبرى وزينب الحوراء ، والاّ فإنّها ستنال خزي الدنيا والآخرة وتلاحقها اللعنة الابدية شأن من انكر نعمَ الله من الرجال وكفروا بانعمه ولوّوا رؤوسهم ازاء هداية رب العالمين .

المرأة في المنطق القرآني

جاء في تفسير مجمع البيان :
لما رجعت اسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب ، دخلت على نساء رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فقالت : هل فينا شيء من القرآن ؟ قلنَ : لا ، فاتت رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فقالت : يا رسول الله ! ان النساء لفي خيبة وخسارا ، فقال ((صلى الله عليه وآله)) : وممّ ذلك ؟ قالت : لانهن لا يذكرنَ بخير كما يُذكر الرجال ، فأنزل الله :
( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )(1) .
ففي صريح الآية الكريمة ان النساء شأنهن شأن الرجال بوسعهن بلوغ عشر مراتب ملكوتية ومعنوية سامية وعن طريق ذلك نيل مغفرة الله والاجر الاخروي العظيم ، والمراتب عبارة عن :
1 ـ الاسلام ، 2 ـ الايمان ، 3 ـ الطاعة ، 4 ـ الصدق ، 5 ـ الصبر والثبات في مواجهة الاحداث ، 6 ـ التواضع والخشية من عظمة وعقابه ، 7 ـ الكرم وثمرته الصدقة ، 8 ـ الصوم ، 9 ـ ضبط النفس والتحكم بالشهوات ، 10 ـ الذكر .
يروي ان اسماء بنت زيد الانصارية أتت النبي ((صلى الله عليه وآله)) وهو بين اصحابه فقالت : بابي انت واُمي ! اني وافدة النساء اليك ، واعلم نفسي لك الفداء انّه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي ، ان الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء ، فآمنّا بك وبالهك الذي ارسلك ، وإنا معاشر النساء محصورات مقصورات ، قواعد بيوتكم ، ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم ، وانكم معاشر الرجال فُضِّلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج ، وافضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وان الرجل منكم إذا خرج حاجاً او معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم ثيابكم وربّينا لكم اموالكم فما نشارككم من الاجر يا رسول الله ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ مجمع البيان : 8/358 ; الاحزاب : 35 .
فالتفت النبي ((صلى الله عليه وآله)) إلى اصحابه بوجهه كلّه ثم قال : هل سمعتم مقالة قط احسن من مساءلتها من امر دينها من هذه ؟ فقالوا : يا رسول الله ما ظنّنا ان امرأة تهتدي إلى مثل هذا ! فالتفت النبي ((صلى الله عليه وآله)) اليها ثم قال : انصرفي ايتها المرأة وأعلمي مَنْ خلفك من النساء ان حسنَ تبعل احداكنّ لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ، فادبرت المرأة وهي تهلل وتكبّر استبشاراً(1) .
في رواية عن الامام الرضا ((عليه السلام)) عن ابائه عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) انّه قال :
« مثل المؤمن عندالله كمثل ملك مقرّب ، وان المؤمن عندالله عزوجل اعظم من المَلَك ، وليس شيي أحبُّ إلى الله مؤمن تائب او مؤمنة تائبة » .

العقل والشهوة ملاك السعادة والشقاوة

العقل : هو القوة التي يتمّ عن طريقها ادراك الحقائق وفهم الواقع ، وهو المخطط لبلوغ السعادة والصلاح ومدبّر الجوانب الايجابية في حياة الانسان .
وقد عبّر عن هذه الجوهرة النفيسة في اصول الكافي نقلاً عن الروايات الواردة عن أهل البيت ((عليهم السلام)) بالنبي الباطني .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 9/96 .
والشهوة بمجراها الطبيعي تعتبر نعمة الهية وسبيلاً للاستمتاع بالحياة المادية ودافعاً يملأ الانسان حركةً وعملاً ونشاطاً نحو الحياة الدنيوية وربما الاخروية .
وإذا ما استنارت الشهوة بنور العقل واصبحت تابعة لهذا المنار المعنوي ، حينها ستصبح اجواء الحياة اجواء صالحة ، ويكون عالم الوجود بمثابة مائدة تطغى عليها الرحمة الالهية ، ويغدو وجود الانسان مصداقاً للانسانية ويسمو شأنه على الملائكة ! !
أما إذا وقع العقل اسيراً للشهوة وحيلَ بينه وبين افاضاته النورانية ، وهيمنت الشهوات الطائشة على حياة الانسان ، وأطلق العنان للمآرب ، وعُميت العين الظاهرية والباطنية الاّ عن الماديات نتيجة لاستحكام الشهوة ، واصبحت حياة الانسان لا تتعدى الطن والفرج ، حينها ستندثر المعالم الانسانية ويغدو الانسان اسوء حالاً من الحيوانات والبهائم .
يقول عبدالله بن سنان : سألت ابا عبدالله الصادق ((عليه السلام)) ايهما افضل الملائكة أم بني آدم ، فقال ((عليه السلام)) : قال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« ان الله عزوجل ركَّبَ في الملائكة عقلاً بلا شهوة ، وركّب في البهائم شهوةً بلا عقل ، وركّب في بني آدم كلتيهما ، فمن غلب عقله شهوته فهو خيرٌ من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله فهو شرٌّ من البهائم »(1) .
وهذه الحقيقة إذا تجلّت في كيان المرأة كما في الرجل فلا شك في أن شأنها سيسمو فوق الملائكة ، اما إذا تخلّت عن عقلها وتنكّرت لهذا النبي الباطني والنور الذاتي وصبّت جلّ همها مظاهر على الزينة واقتناء الجواهر واللهاث وراء اسباب الابتذال والتجميل وارضاء الشهوات ولتبرج امام الآخرين والابتعاد عن الله عزّوجلّ ، فهي والحالة هذه اسوء حالاً من الحيوان شأنها شأن المفسدين والكافرين من الرجال الذين تنكروا لأنعم الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الحبار : 57/299 .

حديث المعراج بشأن النساء

يروي عبدالعظيم الحسني ـ وهو من أكابر علماء الطائفة الشيعية وزعمائها ومن الثقاة في الرواية ، وكما يقول الامام الهادي ((عليه السلام)) من زاره فقد زار الحسين ((عليه السلام)) ـ عن الامام الجواد ((عليه السلام)) عن آبائه عن أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) انّه قال : دخلتُ أنا وفاطمة على رسول الله فوجدته يبكي بكاءً شديداً ، فقلتُ : فداك ابي وامي يا رسول الله ما الذي يبكيك ؟ فقال : يا علي ! ليلة أسري بي إلى السماء رأيتُ نساءً من امتي في عذاب شديد فأنكرت شأنهنَّ لما رأيتُ من شدة عذابهن :
ورأيتُ امرأة معلّقة بشعرها يغلي دماغ رأسها .
ورأيتُ امرأة معلّقة بلسانها والحميم يُصبُّ في حلقها .
ورأيتُ امرأة معلّقة بثدييها .
ورأيت امرأة تأكل لحم جسدها والنار توقد من تحتها .
ورأيت امرأة شُدَّ رجلاها إلى يديها وقد سُلِّط عليها الحيّات والعقارب .
ورأيت امرأة صمّاء عمياء خرساء في تابوت من نار يخرج دماغ رأسها من منخرها وبدنها متقطع من الجذام والبرص .
ورأيت امرأةً معلّقة برجلها في تنور من نار .
روأيت امرأةً يحرقُ وجهها ويداها وهي تأكل امعاءها .
ورأيت إمرأة رأسها رأس خنزير وبدنها بدن الحمار وعليها الف ألف لون من العذاب .
ورأيتُ امرأة على صورة الكلب والنار تدخل في دبرها وتخرج من فيها والملائكة يضربون رأسها وبدنها بمقامع من نار .
فقالت فاطمة : حبيبي وقرة عيني أخبرني ما كان عملهنّ ؟ فقال :
أما المعلقة بشعرها فإنّها كانت لا تغطي شعرها عن الرجال .
وأما المعلقة بلسانها فإنّها كانت تؤذي زوجها .
وأما المعلقة بثدييها فإنّها كانت ترضع أولاد غير زوجها بغير اذنه .
وأما المعلّقة برجليها فإنّها كنت تخرج من بيتها بغير اذن زوجها .
وأما التي كانت تأكل لحم جسدها فإنّها كنت تزيّن بدنها للناس .
وأما التي تُشد يداها إلى رجليها وتُسلّط عليها الحيات والعقارب فإنّها كانت قذرة الوضوء والثياب وكانت لا تغتسل من الجنابة والحيض ولا تتنظف وكانت تستهين بالصلاة .
وأما العمياء الصمّاء الخرساء فإنّها كانت تلد من الزنا فتعلقه في عنق زوجها .
وأما التي كانت تقرض لحمها بالمقاريض فإنّها كانت تعرض نفسها على الرجال .
وأما التي كانت تحرق وجهها وبدنها وهي تجرّ امعاءها فإنّها كانت قوّادة .
وأما التي كان رأسها رأس خنزير وبدنها بدن الحمار فإنّها كانت نمامّة كذّابة .
وأما التي على صورة الكلب والنار تدخل من دبرها وتخرج من فيها فإنّها كانت قينة ( مغنية ) نوّامة حاسدة .
ثم قال ((عليه السلام)) : « ويلٌ لامرأة اغضب زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها »(1) .
على اية حال ، فالمرأة وانطلاقاً من المنطق القرآني بامكانها تسلّق اسمى المراتب والمنازل المعنوية والوصول إلى ما وصلت إليه مريم العذراء ((عليها السلام)) ، أما في حالة تجاهلها للتعاليم الالهية واستهانتها بشخصيتها الانسانية فإنّها ستتسافل إلى أدنى الدرجات وتصبح ادنى شأناً من البهائم وهذا ما قد يبلغه الرجال أيضاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 100/245 الطبعة الثانية مؤسسة الوفاء .
( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البقرة / 185

مشاكل الزواج ومعوقاته

التزمت في أمر الزواج

مشاكل الزواج ومعوقاته   
ان حاجة كلٍّ من الرجل والمرأة إلى الزواج حاجة طبيعية ورغبة ذاتية ، ومن الصعب عليهما الصمود امام هجوم الشهوة والغريزة طويلاً .
فربما يؤدي طول الفترة إلى الفساد وانحراف من هو بحاجة إلى الزواج .
وربما يدفع جموح الغرائز إلى وقوع الافراد في مستنقع الموبقات والمعاصي .
وربما يتسبب الحؤول دون زواج الأبناء والبنات إلى وقوعهم في المشاكل واصابتهم بمختلف العقد .
وقد تؤدي الرغبة في الزواج من جهة وما يعترضها من عراقيل من جهة اخرى ، إلى قيام علاقات غير مشروعة وبالتالي تؤدي إلى تلوث النفوس الطاهرة وجرّ الشباب الذين يعدّون ثروة البلاد إلى الانتحار .
ان البعض من الآباء والاُمهات إذا ما بلغ اولادهم سنّ الزواج وفاتحوا الوالدين حول الزواج فإنّ الوالدين ينظران إلى ابنائهما بعين الاستصغار ، ويرون ان افصاحهم عن الرغبة في الزواج ينمّ عن الوقاحة وانعدام الحياء ، ويتحاملان عليهم ويبادران إلى تأنيبهم وتوبيخهم ، ويبلغ بهما التعامل مع ابنائهما بحيث يشعر هؤلاء الأبناء بالمهانة ، وإذا لم يتمتعوا بايمان راسخ فإنّهم يسلكون طريقاً منحرفاً .
وبعض الآباء والاُمهات يطرحون شروطاً تعتبر إعجازية أو مستحيلة بالنسبة للطرف المقابل ويصرّون على شروطهم حتى يمضي الوقت المناسب لزواج ابنائهم أو بناتهم وحينها تذبل زهرة حياتهم .
وقد يتوجه الشاب لخطبة شابة ما فيواجه بعنف وخشونة من قبل اسرتها فيتراجع عن فكرة الزواج ، وبذلك تصبح البنت جليسة الدار ويفوتها قطار الزواج ، وقد تحصل مثل هذه الحالة من قبل اسرة الشاب ايضاً .
وقد يتردد الشباب من الأبناء والبنات عن المبادرة إلى الزواج نتيجة ما يعانون من قيود في اتخاذ القرار وما يسود المنزل من اجواء استبدادية يفرضها آباؤهم وامهاتهم ، وبذلك يتعرضون لمختلف من الصدمات .
وقد يحول الأبناء والبنات انفسهم دون تحقق الزواج بما يطرحونه من شروط مرهقة على الطرف المقابل .
ان الاسلام العزيز يرى في هذا لتشدد منافياً للانصاف والمروة وبعيداً عن الاخلاق الانسانية ومتناقضاً مع الشرع الحنيف ، ويوجه تحذيره لمن يتشدد بهذا الأمر بأن عواقب هذا التصرف ستحيق بهم في الدنيا والآخرة ، ويصرّح بان الله آلى على نفسه التساهل مع المتسامحين والتشدد مع المتعنتين في الدنيا والآخرة .
فالتعنت بهذا الجانب بمثابة اعلان الحرب على الغرائز والتطلعات والآمال الطبيعية و الانسانية لدى كلٍّ من الأبناء البنات ، وحقيقٌ على رب العالمين ان يأخذ المتشددين بالشدّة ويحرمهم من لطفه ورحمته .
في رواية عن حماد بن عثمان يقول فيها :
دخل رجلٌ على أبي جعفر بن محمد ((عليه السلام)) عقال له ابوعبدالله : ما لفلان يشكوك ؟ قال : طالبته بحقيى ، فقال ابوعبدالله ((عليه السلام)) : وترى انك إذا استقصيت عليه لم تسيء به ؟ ارى
الذي حكى الله عزوجل في قوله : ( وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ )(1) .

يخافون ان يجور الله عليهم ، والله ما خافوا ذلك ولكنهم خافوا الاستقصاء فسمّاه الله سوء الحساب .
فيا ايها الآباء والاُمهات ، ويا ايها الأبناء والبنات احذروا التزمت في جميع الامور لاسيما الزواج ، وتجنبوا هذا التصرف المنافي للانسانية ، ومهّدوا السبيل لتحقق الزواج وتساهلوا فيما تفرضونه من شروط ، واعملوا على الحد من اتساع رقعة الفساد والمعاصي وذلك عن طريق التسامح في فرض الشروط والتزويج باسهل السبل وابسطها .

اجعلوا انفسكم ميزاناً بينكم وبين غيركم

على الآباء والاُمهات ان يتذكروا يوم كانوا شباباً تتأجج فيهم اللهفة للزواج يحدوهم الامل في ان يسارع آباؤهم وامهاتهم إلى تمهيد السبيل لزواجهم ويبسطوا مائدة الزواج في اجواء يسودها الصفاء ويؤطرها الحب والمودة بعيداً عن التعنت والشروط الصعبة ، وإذا ما رأوا من آبائهم وامهاتهم تصرفاً يعرقل هذه السنّة الالهية أو يثبطها أو ان موقف آبائهم وامهاتهم يتسبب في اثارة الموانع في هذا السبيل ، فإنهم يصابون بالاحباط وتضطرب اوضاعهم النفسية ويستحوذ عليهم التشاؤم ازاء والديهم وبالتالي تتولد لديهم حالة من الحقد تجاههم .
واليوم اذ يرومون تزويج ابنهم أو ابنتهم عليهم ان يضعوا انفسهم مكانهما ويتصوروا الآمال والطموحات التي يعيشانها وما يواجهان من اضطرام نيران الغريزة فيهما ، والرغبة في بناء الحياة الجديدة ، لان ذلك من شأنه العدول عن التعنت ، وتهميد الارضية لتزويج الابن أو البنت بسهولة ويسر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الرعد : 21 .
في رواية عن أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) يشير فيها إلى هذا الأمر المهم قائلاً :
« اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك ، واحب لغيرك ما تحبّ لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، لاتظلم كما لاتحب أن تُظلم ، وأحسنْ كما تحبّ آن يُحسن اليك ، واستقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك وارضَ من الناس ما ترضى لهم منك »(1) .
وقال الامام الحسن المجتبى ((عليه السلام)) :
« صاحبِ الناسَ مثل ما تحب أن يصاحبوك به »(2) .
هذه هي دعوة الاسلام لجميع البشر ، وهذه هي تعاليم الدين الحنيف ، وهذا هو المنهج القويم الذي يسيّر الحياة مع الآخرين ويقف أمام اكتساح الموبقات لحريم الحياة ، ويملأ الحياة نوراً وصفاءً ومحبة ووفاءً ويجعلها زاخرة بالسلامة والاخلاص والبساطة واليسر .
أيُّها الآباء والاُمهات عليكم اليوم ان تحبّوا لأولادكم ما كنتم تحبّون لانفسكم أيام شبابهم فيما يتعلق بالزواج ، وذلك عبارة عن الاقتران بمن يناسب شأنكم ، وان تتجنب كلتا الاسرتين الشروط الباهضة والمرهقة ، وان يسارعوا إلى تمهيد السبيل لتحقق الزواج ، والابتعاد عن التكاليف التي تقصم الظهر ، وتجنب القيل والقال .
ان السعي في أمر الزواج يستتبعه الاجر الجزيل من قبل الباري تعالى ، فيا ايها الآباء والأمهات سارعوا وكونوا سبباً في تزويج أولادكم ، وسيروا في هذا الطريق حتى النهاية بروح ملؤها الحب والمودة والكرم .
يقول رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 77/203 .
2 ـ ميزان الحكمة : 6/216 .
« مَنْ عمل في تزويج بين المؤمنين حتى يجمع الله بينهما زوَّجه الله الف امرأة من الحور العين وكان له بكل خطوة خطاها أو بكل كلمة تكلّم بها في ذلك عملُ سنةً » .
فأيّ أجر عظيم يُحرم منه اولئك الذين يتشددون في أمر الزواج مع قدرتهم على توفير الظروف الملائمة لتحققه بيسر وبساطة ؟ !
بمَ يجيب هؤلاء ابناءهم حين تقام محكمة العدل الالهية في يوم القيامة إذا ما وقع هؤلاء الأبناء فريسة للفساد أ اصيبوا بصدمة عقلية أو جسدية أو تعرضوا لازمة نفسية ؟ !
قال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« واعظم الخطايا اقتطاع مال امرء مسلم ، وأفضل الشفاعات مَنّ تشفّع بين اثنين في نكاح حتى يجمع لله شملهما » .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« مَنْ زوّج عزباً كان ممن ينظر الله اليه يوم القيامة » .
وعنه ((عليه السلام)) أيضاً :
« أربعة ينظر الله اليهم يوم القيامة : مَنْ اقال نادماً ، أو اغاث لهفاناً ، أو اعتق نسمةً ، أو زوّج عزباً » .
من أراد أن يعيق زواج رجل بامرأة ، أو أن يفرّق بينهما فسينال غضب الله تعالى وعذابه في الدنيا والآخرة ، ويمطره الله تعالى بألف حجر من النار .
ومن سعى في تفريق امرأة ورجل ولم يبلغ مرامه يبتليه الله تعالى في الدنيا والآخرة ، ويحرمه لقاءه تعالى .
ليت جميع الآباء والاُمهات يطّلعون على هذه المفاهيم كي يطبقوا ما فيها ، وبذلك ينالون الاجر العظيم من لدن رب العالمين ، وليت الذين يعرفونها يخلون عن ما يعتريهم من تكبّر في تطبيق هذه التعاليم لئلا يشملهم الغضب واللعنة الالهية يوم يقوم الناس لرب العالمين .

التكبر من خصال ابليس

اليوم حيث اصبح البلوغ هماً مضافاً إلى هموم الناس ، وغدا الغزو الثقافي الذي يشنّه الاجانب معاناة اخرى تضاف إلى مسلسل العناء ، وتحتل وسائل الاعلام المسموعة والمرئية التي تهيمن عليها قوي الكفر العالمي ارواح وعقول الناس لا سيما الشباب ، وانتشرت الافلام المبتذلة في جميع ارجاء المعمورة ، وكل ذلك لا طائل منه سوى هياج الشهوات وتاجج اوار الغرائز ، يصبح من الواجب الشرعي والأخلاقي على الآباء والاُمهات والأقارب والأغنياء والدولة الاسلامية بل الامة بكاملها العمل بكل ما اوتوا من قوة لتذليل الصعاب امام زواج الشباب وتجاوز العادات والتقاليد الخاطئة ، ونبذ المناهج الغربية والكف عن فرض الشروط المرهقة من أجل المحافظة على ما لدى الشباب ذكوراً واناثاً من ايمان واخلاق وسلوك انساني ، وتصان هذه الزهور من الذبول والوقوع في وحل الرذيلة .
فلا تتكبروا عن تطبيق الاوامر الالهية وتعاليم الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله)) والأئمّة المعصومين ((عليهم السلام)) .
ومما يبعث على الاسف ان البعض من الآباء والاُمهات ـ كما يُشاهدون في مجالس الخطوبة ـ يتصرفون وكأنهم ملوكاً وابنهم ولي العهد ، ويمارسون افعالاً فرعونية ، ويطرحون شروطاً وقيوداً تُجعز الطرف المقابل وتؤدي إلى انصراف ابنائهم عن التفكير بالزواج وبناء بيت الزوجية ، مما يدفعهم بالتالي إلى ممارسة العلاقات غير المشروعة والانغماس بشتى الرذائل الجنسية ارضاءً لشهواتهم ! !
يقول تعالى واصفاً التكبر بأنه من صفات ابليس :
( فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )(1) .
وقال تعالى :
( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ )(2) .
وقال علي ((عليه السلام)) :
« إياك والكبر فإنّه اعظم الذنوب والأمُ العيوب وهو حلية ابليس »(3) .
وعنه ((عليه السلام)) أيضاً :
« احذر الكبر فإنّه رأس الطغيان ومعصية الرحمن »(4) .
« أقبح الخُلق التكبر »(5) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« اجتنبوا الكبر فإنّ العبد لا يزال يتكبر حتى يقول الله عزوجل اكتبوا عبدي هذا في الجبارين »(6) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) لأبي ذر :
« يا أباذر مَنْ مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة الاّ ان يتوب قبل ذلك »(7) .
أنّى للمخلوق من نطفة ولا حول له ولا قوة ويعجز عن الوقوف ازاء مختلف الاحداث ولا قدرة له على ادارة ادنى شيء في هذا الكون ، ان يتكبر على بارئه وعلى ابناء جلدته ، ويرى لنفسه التفوق على الآخرين ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ص : 73 ـ 74 .
2 ـ الاعراف : 13 .
3 ـ ميزان الحكمة : 8/298 .
4 ـ ميزان الحكمة : 8/300 ـ 302 .
5 ـ نفس المصدر .
6 ـ نفس المصدر .
7 ـ نفس المصدر .
ورد في رواية عن الامام الصادق ((عليه السلام)) عن آبائه ((عليهم السلام)) قال :
وقع بين سلمان الفارسي ((رحمه الله)) وبين رجل كلامٌ وخصومة فقال الرجل : من أنت يا سلمان ؟ فقال سلمان : أما أولاي وأولاك فنطفة قذرة ، واما اُخراي واُخراك فجيفة نتنة ، فاذا كن يوم القيامة وضعت الموازين فمن ثقل ميزانه فهو الكريم ومن خفت ميزانه فهو اللئيم(1) .
يقول العلامة المجلسي «(رحمه الله)» بشأن علاج هذا المرض الخطير :
وأما معالجة الكبر واكتساب التواضع فهو علميٌ وعملي ، أما العلمي فهو ان يعرف نفسه وربّه ويكفيه ذلك في ازالته ، فإنّه مهما عرف نفسه حقَّ المعرفة علم انّه اذلّ من كل ذليل ، واقل من كل قليل بذاته ، وانّه لا يليق به الاّ التواضع والذلّة والمهانة ، وإذا عرف ربه علم انّه لا يليق العظمة والكبرياء الاّ بالله .
اما العلاج العملي فهو التواضع بالفعل لله تعالى وسائر الخلق بالمواظبة على اخلاق المتواضعين وما وصل إليه من أحوال الصالحين ومن أحوال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) حتى انّه كان يأكل على الأرض ، ويقول : انما أنا عبدٌ آكل كما يأكل العبد(2) .
في ضوء هذه المفاهيم عليكم التواضع لاولادكم ذكوراً كانوا ام اناثاً ، والتواضع يتمثل فقط بالنظر لهم وقد بلغوا ذروة تطلعاتهم وطموحاتهم ورغباتهم الطبيعية ، وليس إلى ما درجتم عليه من عادات وتقاليد واعراف ، والتسامح فيما تطرحونه من شروط ، والقناعة بالحد الادنى مما تطمحون به من الطرف المقابل كي يكون الزواج مباركاً مضمون الدوام ويتسنى لكلٍّ من الفتى والفتاة العيش معاً باطمئنان بعد الاقتران .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 73/231 .
2 ـ البحار : 73/201 ـ 205 .

قصة عن التسامح في امر الزواج

كان للعلاّمة محمد تقي المجلسي«(رحمه الله)» ـ وهو فقيه وعالم قلّ نظيره ـ ثلاثة أبناء وأربع بنات ، وأكبر بناته اسمها آمنة ، وقصة زواجها من الملا صالح المازندراني وهو صاحب شرح اصول الكافي في اثني عشر جزءاً قصة عجيبة وشيّقة .
وحياة الملا صالح المازندراني ـ وهو من مشاهير علماء الشيعة ـ حافلة بالاحداث نجملها فيما يلي :
كان ابوه ـ وهو الملا أحمد ـ رجلاً فقيراً بحيث كان عاجزاً عن توفير مستلزمات الحياة لابنه ، لهذا قال له : عليك بتدبير امورك بنفسك لانني عاجزٌ عن توفير ما تحتاجه .
فتوجه محمد صالح ـ وكان يومها شاباً يافعاً ـ إلى اصفهان وانخرط في احدى مدارسها لتحصيل العلم ، ولهذه المدرسة اموالٌ موقوفة حيث يمنح كل طالب ما يتناسب ودرجته العلمية ، وحيث ان محمد صالح كان حديث العهد بالدراسة فقد كانت حصته قليلة لا تسد حاجته ، لهذا كان يعيش معاناة شديدة حتى انّه كان يضطر إلى المطالعة ليلاً تحت ضوء وسائل الانارة التي كانت تضاء في جوانب المدرسة .
الاّ انّه بما كان يتمتع به من جدٍّ ومثابرة وهمة عالية تغلب في نهاية المطاف على حياة الحرمان وتسلّق المراتب العلمية العالية حتى شق طريقة إلى درس العلامة محمد تقي المجلسي ، ولم يطل به المقام حتى استحوذ على اهتمام استاذه ولفت انتباهه بتفوقه على جميع اقرانه .
يقول مؤلف مرآة الاحوال : في غضون ذلك كان الملا صالح ـ ذلك العالم الشاب ـ يفكر بالزواج وقد عرف العلامة المجلسي بذلك أيضاً ، وذات يوم وبعد الفراغ من الدرس قال العلامة للملا صالح : اتسمح لي ان اختار لك زوجة ؟ فاطرق الملا برأسه ثم اعرب عن موافقته .
فنهض العلامة المجلسي من مكانه ودخل داره ودعا ابنته آمنة ـ وهي امرأة عالمة استوعبت العلوم غاية الاستيعاب ـ وقال لها : لقد اخترت لك زوجاً في غاية الفقر غير انّه في غاية الفضل والصلاح والكمال ، والأمر موكول إليك .
فاجابت تك الفاضلة العفيفة : يا أبه ! ان الفقر ليس من عيوب الرجال ، وبذلك عبّرت عن رغبتها الذاتية في بناء هذه العلقة ، ثمّ اُجري عقد القرآن وزُفَّت العروس إلى زوجها .
وفي ليلة الزفاف دخل العريس على زوجته ورفع عن وجهها الحجاب ، وحين رأى جمالها النادر توجه نحو احدى زوايا الغرفة حامداً ربّه وانهمك بالمطالعة .
وصادف ان حدثت مشكلة يصعب حلّها ففهمت آمنة بما تتحلى به من فراسة وفي اليوم التالي حيث خرج زوجها لغرض التدريس دوّنت حل المشكلة بالتفصيل ووضعت الورقة في مكانه ، وحينما وقع بصرُ الملا صالح في الليل على ما كتبته تلك السيدة الفاضلة ، وراى ان هذه المعضلة قد حُلَّت بأنامل هذه الفاضلة العالمة ، هوى إلى الأرض ساجداً شكراً لله واشتغل بالعبادة حتى الصباح ، وهكذا استمرت مقدمات الزواج مدة ثلاثة أيام ! !
ولما اطلع العلامة المجلسي على الأمر قال للملا صالح : إذا كانت هذه الزوجة لا تعجبك ولا تناسب شأنك فإنّا على استعداد لازوجك غيرها ، فقال الملا صالح : كلا ليس هذا هو السبب ، بل ان ابتعادي عنها كان من اجل ان اؤدي الشكر لله تعالى حيث منَّ عليَّ بمثل هذه النعمة التي اعجز عن اداء شكرها مهما حاولت .
وعند سماع العلامة المجلسي لهذا الكلام قال : الاقرار بالعجز عن اداء الشكر لله تعالى هو غاية الشكر .
لا حظوا ان العلامة المجلسي قام بثلاثة اُمور ، أولاً : توفير جميع مستلزمات التعليم لابنته لكسب العلوم على اعلى المستويات حتى بلغت اوج عظمتها العلمية ، وثانياً : انّه جعل منها بنتاً تمثل معدن العفة والطهارة والحياء ومثالاً للاخلاق الاسلامية والتواضع والقناعة ، وثالثاً : سلك في تزويجها اسهل الطرق وزوجها إلى من هو كفوء لها من حيث الايمان والأخلاق والسلوك بعيداً عن التعقيدات ، ورابعاً : لم يفرض عليها الزواج من الملا صالح ، ولم يُبدِ تكبراً بل أوكلَ امر اختيار الزوج إليها ، وهذا ما أرشدت المعارف الاسلامية الانسان إليه ، والأهم من ذلك انّه وبعد مرور ثلاثة أيام على وقوع الزواج وامتناع الملا صالح عن الاقتراب من زوجته لانشغاله باداء الشكر لله تعالى تصور العلامة ان هذا الرجل لا يرغب بها فعبّر عن استعداده لتزويجه غيرها ان لم ترق له ! !
هذه هي اولياء الله وعشاق الحقيقة والصالحين وخصال العفيفات من البنات المتحصنات بالعفّة والايمان ومن سمات العوائل الطاهرة ، ومثل هذا الزواج يطفح بالبركات الالهية وتسود اجواءه الرحمة والألطاف الالهية .
وقد رُزق الملا صالح من هذه السيدة العالمة ستة من الأبناء العلماء الفقهاء الادباء المتفوهين وبنتين فاضلتين ، احداهما زوجة ابي المعالي الكبير وهي أم المير ابي طالب وهذا وابوه كانا من مشاهير العلماء .
وكان السيد محمد البروجردي الجد الخامس لآية الله العظمى السيد البروجردي ـ وهو من احفاد المجلسي الاول عن طريق بناته ـ صهر المير ابي طالب ومن هنا فقد كان ابناؤه ينسبون أنفسهم إلى اسرة المجلسي ، والكريمة الثانية للملا صالح هي زوجة السيد عبدالكريم الطباطبائي الجد السادس لآية الله العظمى البروجردي ، وهي ام السيد محمد الطباطبائي .
روى عن الائمة المعصومين : « إن الله عزوجلّ لم يترك شيئاً مما يحتاج إليه وعلّمه نبيه ((صلى الله عليه وآله)) فكان من تعليمه إياه انه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : « ايها الناس ان جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال : ان الابكار بمنزلة الثمر على الشجر اذا ادرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس ، ونثرته الرياح ، وكذلك الابكار اذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة وإلاّ لم يؤمن عليهنّ الفساد لأنّهنّ بشر »(1) .
ينبغي على الوالدين الالتفات إلى هذه المسألة المهمة ، وهي توفير اسباب الزواج لابنتهم بكل يسر وبساطة حين بلوغها الوعي الضروري للزواج وبلغت السن المناسبة للاقتران بمن ترغب من الرجال ، وتمتعت بالقابلية التي تؤهلها للزواج ، وبهذا يكونون قد نفذوا ما أمر الله به وينالون بذلك الأجر الجزيل والثواب الجميل .
قبل فهرست بعد