قبل فهرست بعد

صحة الفم والاسنان

تعتبر سلامة الفم والاسنان من اهم الامور في عصرنا الراهن ، إذ يقول المختصون ان سلامة اغلب اعضاء الجسم لا سيما جهاز المعدة الحساس ترتبط بسلامة الفم والاسنان .
ان الاسنان التي منّ الله بها على الانسان تعتبر نعمة لا تضاهى وعاملاً بالغ الاهمية من عوامل المحافظة على صحته .
فعملية الهضم انما تجري بواسطة الاسنان وإذا ما جرت هذه العملية بالنحو المطلوب فذلك يضمن استمرار المعدة في عملها الطبيعي وبالتالي فإنّه يعد عاملاً في دوام سلامة الانسان .
ومن بين الامور التي تزعج الآخرين وتثير اشمئزازهم هي رائحة الفم الكريهة ـ التي قد تبلغ حداً لا يطاق ـ وهي نتاج لاهمال الفم والاسنان ونتيجة لتجمع بقايا الطعام بين الاسنان وتحت اللثة .
ان التسوس الذي يعد من الامراض الخطيرة والذي يفتك بالاسنان واللثة وهو مصدر للكثير من الامراض ومنها مرض القلب ، انما هو من مخلّفات عدم الاهتمام بسلامة الفم والاسنان .
وإذا ما خصص الناس قليلاً من أوقاتهم لتنظيف الفم بعد تناول كل وجبة من الطعام وتنظيف الاسنان بالمسواك والمضمضة بقليل من الماء والملح فانهم حينذاك سيساهمون في المحافظة على سلامة الفم والاسنان والبلعوم من جهة ، والوقاية من تكاليف العلاج الباهضة التي تُصرف من أجل استعادة سلامة الاسنان التي تُفقد إذا ما اهمل هذا الجانب من جهة اخرى وبوسعهم التنعم باسنانهم سنوات طويلة بل مدى عمرهم .
وبالرغم من بزوغ فجر الاسلام في ارض قاحلة غير ذي زرع وفي مجتمع يخلو ممن يعرف القراءة والكتابة ، الاّ انّه طرح من الأحكام والمقررات التي تصون سلامة المجتمع من الناحية الصحية وعلى كافة الاصعدة لا سيما صحة الفم والاسنان ما يكشف عن عظمة هذا الدين وهذه المدرسة ، ويبرهن على ان المبشر بهذا الدين قد بُعث من قبل الحق تعالى لهداية الناس وارشادهم وانّه تعالى قد اجتبى الائمة الاثني عشر ((عليهم السلام)) .
تأملوا هذه الطائفة من الأحكام الصادرة عن قادة ديننا فيما يتعلق بسلامة الفم والاسنان :
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« لولا ان اشقَّ على امتي لأمرتهم بالسواك مع كلِّ صلاة »(1) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« من اخلاق الانبياء السواك »(2) .
وقال الباقر ((عليه السلام)) :
« لو يعلم الناس ما في السواك لأباتوه معهم في لحاف »(3) .
وقيل للصادق ((عليه السلام)) :
« اترى هذا الخلق كلّه من الناس ؟ فقال : القِ منهم التارك للسواك »(4) .
عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خفتُ أنْ أدْرَدَ »(5) .
وفي كلام آخر قال ((صلى الله عليه وآله)) :
« ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى ظننتُ انّه سيجعله فريضة »(6) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) : « في السواك اثنتا عشرة خصلة : هو من السُنَّة ، وهو مطهرة للفم ومجلاة للبصر ويرضي الرحمن ويبيض الاسنان ويذهب بالحفر ويشدّ اللثة ويشهّي الطعام ويذهب بالبلغم ويزيد في الحفظ ويضاعف الحسنات ويفرّح الملائكة »(7) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 4/596 .
2 ـ البحار : 76/131 .
3 ـ ميزان الحكمة : 4/597 .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ ميزان الحكمة : 4/597 .
6 ـ نفس المصدر .
7 ـ البحار : 76/129 .
وفيما يتعلق بطريقة السواك ـ حيث يؤكد الاطباء والمختصون بأمراض الفم والاسنان على أن يكون السواك عرضياً وبتؤده لعدة دقائق ـ ثمة رواية مهمة عن الرسول الاكرم ((صلى الله عليه وآله)) لابد من الاعتراف بانها من معاجزه العلمية نظراً لتقدم بعثته ((صلى الله عليه وآله)) في التاريخ ، إذ يقول ((صلى الله عليه وآله)) :
« استاكوا عرْضاً ولا تستاكوا طولاً »(1) .
وكان النبي ((صلى الله عليه وآله)) يستاك كل ليلة ثلاث مرات : مرة قبل نومه ، ومرة إذا قام من نومه إلى ورده ومرّة قبل خروجه إلى صلاة الصبح ، وكان يستاك بالاراك أمره بذلك جبرئيل(2) .

التنظيم والالتزام والصحة في الأكل

ان المعدة والفم والاسنان ، والرغبة لتناول الماء والخبز وسائر النعم ، كل ذلك يعتبر من الالطاف الالهية على الانسان .
وقد وردت الكثير من الأحكام الهامة في القرآن الكريم والروايات فيما يتعلق باكتساب الارزاق المحللة وطريقة استهلاكها ، والاعمال التي لها كامل التأثير على سلامة البدن والعقل والروح وبالتالي سلامة الاسرة والمجتمع ، ويبدو ان الالتزام ببعضها يعد واجباً شرعياً والالتزام بالبعض الآخر واجباً أخلاقياً ، وبعضها مستحبّ مؤكّد ، وان التمرد على تلك التي في حكم الواجب الشرعي يعتبر حراماً يستوجب العذاب الاخروي ، والتهاون عن المستحبات يورث الخسران والندم وتصدع البدن فيصبح عندها عرضة للاصابة بالامراض .
ومن أهم الأحكام الواردة في القرآن الكريم وجوب استحصال المال والرزق لادامة الحياة وتوفير السكن والملبس والمأكل عن طريق الحلال . يقول تعالى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 4/599 .
2 ـ نفس المصدر .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )(1) .

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الاَْرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )(2) .
وقوله تعالى :
( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَيُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )(3) .
المطروح في هذه الاحكام وهو الطهارة والحلال واجتناب الاسراف ، فالواجب طهارة المأكل وحليته ، والحرام الاسراف في الاستهلاك .
ان عدم الاهتمام بحلّية المأكل وتناول المواد المحرّمة والخبيثة التي تخلو من الطهارة ، والسقوط في حبائل الاسراف ، كل ذلك يعتبر تمرداً على الحق تعالى وظلماً بحق النفس والآخرين ، وهو مما يؤدي إلى عذاب الله وعقوبته بلا شك ولا ترديد .
ويتعين على صاحب الدار ان يلمَّ بالتعاليم السامية التي يطرحها الاسلام في هذا المجال ويعمل على ان تأخذ طريقها إلى اهل الدار كي تحافظ الدار والعائلة على طهارتهما ، ويتسنى لاهل الدار طيّ سبيل الكمال والسمو ، وبذلك يتحولون إلى روافد خير وبركة بالنسبة لهم وللآخرين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البقرة : 168 .
2 ـ البقرة : 168 .
3 ـ الاعراف : 31 .

اضرار كثرة الأكل

قال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« كثرة الأكل والنوم يُفسدان النفس ويجلبان المضرّة »(1) .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
« مَنْ كثر اكلهُ قلَّت صحته وثَقُلت على نفسهِ مؤونتُه »(2) .
وعنه ((عليه السلام)) أيضاً :
« كثرة الأكل من الشره ، والشرهُ من العيوب »(3) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« ليس شيءٌ اضرَّ لقلب المؤمن من كثرة الأكل ، وهي مورثةٌ شيئين : قسوة القلب وهيجان الشهوة »(4) .
وقال تعالى مخاطباً بني اسرائيل :
« لا تكثروا الأكل فإنه من أكثر الأكل أكثر النوم ، ومن أكثر النوم اقلَّ الصلاة ، ومن أقلَّ الصلاة كُتِبَ من الغافلين »(5) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« اياكم والبطنة فانها مفسدةٌ للبدن ومورثةً للسقم ومكسلة عن العبادة »(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 1/117 .
2 ـ نفس الصمدر .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ ميزان الحكمة : 1/117 ـ 118 .
5 ـ ميزان الحكمة : 1/117 ـ 118 .
6 ـ نفس المصدر .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« ليس شيءٌ ابغضُ ألى الله من بطن ملآن »(1) .
وقال الامام موسى بن جعفر ((عليه السلام)) :
« لو أنَّ الناس قصدوا في الطعم لاعتدلت ابدانهم »(2) .
وثمة حكم عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بشأن الاكل حريٌّ بنا القول انّه من عجائب احكامه ((صلى الله عليه وآله)) ومن قواعد الطب أذ يقول ((صلى الله عليه وآله)) :
« كُل وانت تشتهي وأمسك وأنت تشتهي »(3) .
من المسلّم به ان الاكل على الشبع يعتبر مضراً للمعدة وتهديداً جدياً لصحة البدن ، وان الاكل عن جوع والامساك قبل الشبع يعتبر من أهم عوامل المحافظة على سلامة الجسم وحيويته وطول العمر وتمتع المرء بالذكاء والمهارة .

قصة فيها عبرة

يُروي ان احد الملوك بعث طبيباً حاذقاً إلى المدينة لمعالجة اهلها مجاناً ، فبقي فيها مدةً من الزمن دون ان يراجعه أحد أو راجعه القليل من الناس فتعجب لذلك ، فذهب إلى رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ليخبره بذلك فقال له : اني قد امرتهم ان لا يأكلوا الاّ وهم يشتهون ولا يُمسكوا الاّ وهم يشتهون ، فقال له الطيب : لقد اصبتَ الطب كلّه .
وهنالك وصيّة مهمة لأميرالمؤمنين ((عليه السلام)) للبدء في تناول الطعام ، إذ يقول((عليه السلام)):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ الوسائل : 16/406 .
3 ـ ميزان الحكمة : 1/123 .
« ابدأوا بالملح في اول طعامكم ، فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرَّب »(1) .
وقد نهى رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) عن أكل الحار حتى يبرد واعلن ان الله سبحانه وضع البركة في البارد ، كما نهى ((صلى الله عليه وآله)) عن ان يُنفخ في الطعام كي يبرد(2) .
كما ورد النهي المؤكد عن ان يأكل المرء وهنالك ذو روح ينظر اليه ولا يطعمه .
عن نجيح قال : رأيت الحسن بن علي ((عليهما السلام)) يأكل وبين يديه كلبٌ كلما أكل لقمةً طرح للكلب مثلها ، فقلت له : يابن رسول الله ؟ ألا ارجمُ هذا الكلب عن طعامك ؟ قال : دعه ، اني لاستحي من الله ان يكون ذو روح ينظر في وجهي وانا آكل ثم لا اُطعمه »(3) .
نعم ، لابد من الأكل وكذلك لابد من الاطعام ، فالأكل ضروري للبدن ، والاطعام تجسيد للاخلاق والكرم وحل لمشاكل المحتاجين ، ومدعاة لنزول الثواب والمغفرة ولطف الله ورحمته ، وان التقتير بهذا الشأن ازاء العيال والارحام وسائر الناس يعتبر عملاً منافياً للانصاف ومحاباة للشيطان .
يقول الامام المجتبى ((عليه السلام)) : « في المائدة اثنتي عشرة خصلة يجب على كل مسلم ان يعرفها : اربعٌ منها سنّة واربعٌ تأديب ، فاما الفرض : فالمعرفة والرضاء والتسمية والشكر ، وأما السنّة : فالوضوء قبل الطعام والجلوس على الجانب الايسر والأكل بثلاثة اصابع ولعق الاصابع واما التأديب : فالأكل مما يليك وتصغير اللقمة وتجويد المضغ وقلة النظر في وجوه الناس » (4).
وقال الامام الرضا ((عليه السلام)) : « من اراد ان يكون صالحاً خفيف الجسم فليقلل من عشائه بالليل »(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 16/125 .
2 ـ الوسائل : 16/518 .
3 ـ ميزان الحكمة : 1/125 .
4 ـ الوسائل : 16/539 .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : « مَنْ كثر تسبيحه وتمجيده وقلّ طعامه وشرابه ومنامه اشتاقته الملائكة »(2) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً : « إلبسوا وكلوا واشربوا في انصاف البطون فإنه جزءٌ من النبوة »(3) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« قلّة الغذاء كرمُ النفس وادوم للصحة »(4) .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
« إذ اراد الله سبحانه صلاح عبده الهمهُ قلة الكلام وقلّة الطعام وقلّة المنام »(5) .
وثمة امور اخرى يترتب على رب الاسرة الالتزام بها بجدية أولاً ومن ثم اهل الدار منها الاحتراز عن التبوغ من قبيل السيجارة والغليون والمخدرات ، فالتدخين على اختلاف انواعه يعدُ حراماً في نظر بعض فقهاء الشيعة ، لأنّه يمثل تهديداً لكيان الاُسرة وقد يجر إلى المفاسد الاخلاقية والاجتماعية .
ومن الامور الاخرى التي نهي عنها الاسلام هو الاشتراك بالمشط والمنديل والمسواك وسائر المستلزمات ذات الصبغة الشخصية .
ان الأمل يحدونا بأن تلتزم العوائل بأسرها لا سيما اربابها بهذه الجوانب حفاضاً على السلامة البدنية والروحية والاخلاقية بالنسبة للجميع ، لان الالتزام بهذه الأحكام يعد عبادة كالالتزام بالاحكام الشرعية وعصيانها ذنبٌ يستلزم العتاب والعقاب الالهيين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 62/324 .
2 ـ ميزان الحكمة : 1/116 .
3 ـ ميزان الحكمة : 1/116 .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ نفس الصمدر .

قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : « عليكم بحسن الخلق فإنّ حسنَ الخلق في الجنّة لا
محالة ، واياكم وسوء الخلق فإنّ سوء الخلق في
النار لا محالة » .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوسائل 10 / 29
قبل فهرست بعد