قبل فهرست بعد

المرتكزات المعنوية للاسرة

النعم المعنوية

المرتكزات المعنوية للاسرة   
لقد منَّ الله سبحانه على الانسان بنعم لا يقوى على معرفة قدرها واهميتها احدٌ سواه جلّت قدرته ، وذلك كي يحيا الانسان طاهراً زاكياً نقياً .
وبعض هذه النعم يتمثل في العقل والكتاب والنبوة والامامة والعلماء ومجموعة الآثار المترتبة على هذه المناهل وتتجلى بصورة مجموعة من المسائل العقائدية العملية والأخلاقية .
ولغرض ان يتعرف القرّاء الكرام على مفهوم كلٍّ منها لا بأس بالتطريق اليها على نمو الاجمال :

العقل

والمراد منه قوة الادراك ، حيث انّه يتولى ادراك الحق والباطل في الأمور النظرية ، والخير والشر والمضار والمنافع في الأمور العملية .
وهو مجهز بحواس ظاهرة يدرك من خلالها ظواهر الأشياء ، وحواس باطنة يدرك من خلالها المعنويات والروحيات كالارادة والحب والبغض والرجاء والخوف ونحو ذلك ، وهو يستخدم كلاً من هذه الحواس على ضوء ما يقتضيه الوضع والزمان ، وله حكمٌ نظريّ في النظريات وحكمٌ عملي في العمليات .
والعقل فعالٌ ما دامت له الغلبة في كيان الانسان وكانت جميع قوى الانسان رعيةً له ، اما إذا تغلبت قوةٌ ما في كيان الانسان على العقل آنذاك يصاب العقل بالضعف والشلل وينحرف الانسان عن صراط الاعتدال وينحدر إلى اودية الافراط والتفريط .
فالذين هوَوْا في الافراط أو التفريط في حياتهم انما ذلك نتيجة لغلبة شهوتهم وغضبهم وحرصهم وطمعهم على عقلهم .
ان اطلاق العنان للشهوات والغرائز ، ومعاشرة اهل البدع والمعاصي ، وانكار الحقائق ، هي من العوامل التي تُضعف العقل وتوهنه ، وتشل هذه الموهبة الالهية ، وإذا ما عُطل العقل عن العمل حينذاك يصعب بل يتعذر تشخيص الحق والباطل ومعرفة الحقائق ، وعندها يستحق الانسان خزي الدنيا وعذاب الآخرة وان تشبث بألف وسيلة من المكر والخداع لبلوغ الخير المادي وأمن الشر الظاهري(1) .
وهذا ما يؤكده خطاب خزنة جهنم لاهلها :
( . . .أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ«8» * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِن شَيء إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَل كَبِير * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ )(2) .
والتعقل ممكنٌ ما لم تكن قوةٌ اخرى هي صاحبة الكلام في وجود الانسان ، فإذا كانت الشهوة هي صاحبة الكلام حينها يفقد العقل قدرته على هداية الانسان .
سُئل الامام الصادق ((عليه السلام)) عن العقل ، قال :
« ما عُبد به الرحمن واكتُسب به الجنان »(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ موجز عن حديث طويل في الميزان ج 2/247 ـ 251 .
2 ـ الملك : 10 .
3 ـ البحار : 1/131 .
فقيل له : فالذي كان في معاوية ؟ فقال : تلك النكراء ، تلك الشيطنة ، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل .
فايُّ نعمة عظيمة هذه حيث يغدو الانسان في ظلها عبداً حقيقياً لله سبحانه ينال على أثرها الجنّة .
قال أمير المؤمنين ((عليه السلام)) :
« همَّةُ العقل ترك الذنوب واصلاح العيوب »(1) .
ونور هذه النعمة من القوة بمكان بحيث ان أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) يقول :
« لو لم ينهَ الله سبحانه عن محارمه لوجب ان يتجنبها العاقل »(2) .
وما يقصده ((عليه السلام)) هو ان هذه القوة المعنوية تتمتع بعظيم الادراك .
وجاء في باب العقل من كتاب غرر الحكم ، عن أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) انّه قال :
« العاقل من غلب هواه ولم يبع اخرته بدنياه ، العاقل من عصى هواه في طاعة ربِّه ، العاقل من يملك نفسه إذا غضب وإذا رغب وإذا رهب ، شيمة العقلاء قلةُ الشهوة وقلة الغفلة »(3) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« انّما يدرك الخير كلُّه بالعقل ، ولا دين لمن لا عقل له »(4) .
وقد ورد في الكثير من الروايات ان عقاب الانسان يوم القيامة منوط بالعقل فهو ملاك المسؤولية والتكليف(5) ، والانسان هو الذي يجب عليه استثمار العقل للتفريق بين الحق والباطل والخير والشر ، والاقبال نحو الحقائق ، وان تعطيل العقل انما هو ذنبٌ لا يغتفر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 6/419 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ غرر الحكم ، باب العقل .
4 ـ البحار : 77/157 .
5 ـ الكافي : 1/26 .
يتعين على رب الاُسرة صيانة العقل من جموح الشهوات والغرائز والمفاسد وذلك كي يتنعم بعقله الذي يعدّ مصباح الهداية والحجة الباطنية ومصدر ادراك الحق والباطل والخير والشر ، وان لا يدع عقله يقع اسيراً للشهوات والأهواء النفسية وكذا يفعل مع افراد اسرته ، اذ ان تعطيل العقل عن ممارسة دوره يجعل الانسان ينحدر من صف الأدمية إلى حضيرة الحيوانية .
وعلى هذا الصعيد ، لا بد من الحؤول دون تردد المفسدين واهل البدع إلى البيت والاتصال بالعائلة ، وعدم التردد على بيوتهم ، وان تخضع الزيارات والمعاشرات والضيافات للقواعد الاسلامية .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
قال عيسى بن مريم للحواريين : تحبّبوا الى الله وتقرّبوا اليه ، قالوا : يا روح الله بماذا تحب الى الله ونتقرّب ؟ قال : ببغض أهل المعاصي والتمسوا رضى الله بسخطهم ، قالوا : يا روح الله فمن نجالسُ اذن ؟ قال : مَن يذكّركم الله رؤيته ، ويزيد في عملكم منطقه ، ويرغبكم في الآخرة عمله(1) .
وقال الامام علي بن الحسين ((عليه السلام)) :
« مجالسة الصالحين واعيةٌ إلى الاصلاح »(2) .
وقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 77/147 .
2 ـ البحار : 78/141 .
لا تجلسوا إلاّ عند كلّ عالم يدعوكم من خمس الى خمس : من الشك الى اليقين ، ومن الرياء الى الاخلاص ، ومن الرغبة الى الرهبة ، ومن الكبر الى التواضع ، ومن الغش الى
النصيحة(1) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« لا يأمن مجالس الأشرار غوائل البلاء »(2) .
وقال الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله)) :
« اياكم ومجالسة الموتى ، قيل يا رسول الله منِ الموتى ؟ قال : كلُّ غنيٍّ أطغاه غناه »(3) .
وعن علي ((عليه السلام)) :
« جانبوا الأشرار وجالسوا الأخيار »(4) .
فإذا ما اردتم ان يسود العقل في حياتكم ، جنّبوا انفسكم واهليكم مصاحبة الأشرار ومعاشرة المفسدين ، وغلبة الشهوات .
وفي عصرنا الراهن تعتبر اشرطة الفيديو واللاقطات الفضائية من جملة الأشرار التي تلف البشرية قاطبة ، فالجلوس امام مصدري الشر هذين يفسد العقل ويدمّر الأخلاق ويطيح بصرح الانسانية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 78/141 .
2 ـ البحار : 74/189 .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ نفس المصدر .

القرآن

القرآن هو كتاب الله ، ومنار الهدى ، وشفاء لما في صدور ، ودليل نحو حياة افضل ، وفيه ذكر الله ، وهو منظمٌ لشؤون البشرية ومنهلٌ للمواعظ والعبر ومنبع المعرفة والبصيرة وفيه علاجٌ لعمى القلوب ، وهو الصراط المستقيم والفرقان بين الحق والباطل ومبيّنٌ لفضائل الأخلاق وتفصيل لحياة الصادقين والأبرار ، وحجة الله يوم القيامة .
والرجل والمرأة مسؤولان امام هذه النعمة الالهية ، ومسؤوليتهما تتمثل في تعلم القرآن والعمل بمضمون آياته على كافة الأصعدة الحياتية .
ان هجران كتاب الله يعدّ ذنباً عظيماً ومعصيةً لا تغتفر ، فالقرآن رسالة من الله إلى عبده يتوجب على العبد الاجابة عليها ، والاجابة تكون من القلب وتتمثل بالايمان بالعقائد الحقّة ، ومن النفس وتكون بالالتزام بفضائل الأخلاق ، ومن البدن وتكون بالانهماك في صالح الأعمال .
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافعٌ مشفَّعٌ وما حلٌّ مصدق ، ومن جعله امامه قادة إلى الجنّة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدلُّ على خير سبيل »(1) .
قال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« أفضل الذكر القرآن به تُشرح الصدور ، وتستنير السرائر »(2) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« مَنْ لم يعرف الحقَّ من القرآن لم يتنكَّب الفتن »(3) .
وعن علي ((عليه السلام)) :
«ان احسن القصص وابلغ الموعظة وانفع التذكر كتاب الله عزوجل »(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 93/17 .
2 ـ ميزان الحكمة : 8/67 ـ 69 .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ نفس المصدر .
وعنه ((عليه السلام)) أيضاً :
« ان فيه شفاءً من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيُّ والضلال »(1) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« القرآن غنىً لا غنى دونه ولا فقر بعده »(2) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« ينبغي للمؤمن ان لا يموت حتّى يتعلّم القرآن أو يكون في تعلّمه »(3) .
وعن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« خيارُكم مَنْ تعلّم القرآن وعلّمه » .
على ضوء هذه الروايات المهمة تتضح اكثر عظمة المسؤولية الملقاة على عاتق رب الاُسرة .
فعلى رب الاُسرة ان يتعلم القرآن ويوفر الأجواء من اجل ان يتعلمه اهله أيضاً ، ومن ثم يبادرون جميعاً للعمل بتعاليم كتاب الله ، كي تتطهر ربوع الحياة من الخبائث وتغدو زاكيةً طاهرةً ، وبالتالي تتحول الدار والعائلة إلى نفحة من نفحات الجنّة الأخروية .
انها دارٌ خلت من الظلم والعدوان ، وتتنعم بالبر والتقوى ، وتتعطر اجواؤها بالامن والاستقرار والصدق والأمانة .
وهي الدار التي لجأ اهلها إلى القرآن ومنه ينالون كمالهم العقلي والفكري ، اذا ان اتساق العقل مع القرآن يجعل منه عقلاً ملكوتياً ومنهلاً الهياً ، تكون معطياته عبادة الحق تعالى وبلوغ جنّة الخلد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نهج البلاغة : الخطبة 176 .
2 ـ البحار : 92/19 .
3 ـ نفس المصدر .

الأنبياء

وهم هداة البشرية إلى الصراط المستقيم ، والدعاة للتوحيد وهم الكاشفون عن الحقائق الظاهرية والباطنية .
والأنبياء هم الدعاة لعباده الله سبحانه والمنذرون من عبادة الطاغوت ، وهم الذين يوضحون السبيل لان يحيا الانسان حياةً طيبة ، ويلتزم المعروف وينأى عن المنكر .
ودعوة الأنبياء انما هي دعوة الحق التي ان اجيبت فإنّ نتيجتها الحياة الطيبة .
قال علي ((عليه السلام)) بشأن نبوة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته ، ومن طاعة الشيطان إلى طاعته »(1) .
فقد بعث رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ليتلو على الناس آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وليخرجهم من الظلمات إلى النور .
وما جاء إلاّ ليأمر بالعمروف وينهى عن المنكر ، ويحلُّ الطيبات ويحرِّم الخبائث ، ويضع عن الناس ما حُمِّلوا من أوزار والاغلال التي كبَّلت اعناقهم .
وان الذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا القرآن الذي جاء به هم المفلحون(2) .
انّه جاء ليتم الحجة على الناس جميعاً لئلا يقول الضالون يوم القيامة لو كان فينا رسول لما وقعنا في الشقاء والغواية .
لقد جعل الله سبحانه من سيرة الأنبياء حجةً على جميع العباد وعبّر عنهم بالقدوة والأسوة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نهج البلاغة : الخطبة 147 .
2 ـ موجز الآيات المتعلقة بالنبوة في القرآن الكريم .
فالاحسان والجود والصبر وقضاء حاجة المؤمن والطهارة والبُشر وحب النساء واقامة الصلاة والتعطّر ، كلها من أخلاق الأنبياء .
وقد دعا الأنبياء الناس إلى التقوى والطهارة والأمانة والصدق والشجاعة والوفاء والصلاح والتكامل والرأفة والعطف والاحسان ، وانذروهم من ارتكاب قبائح الأعمال .
والأنبياء هم ميزان الاعمال يوم القيامة وبهم يقاس الناس فإن كان الناس على ما هو عليه الأنبياء نجوا والاّ فالعذاب مصيرهم .

الأئمة

لقد اجتبى الباري تعالى اتماماً لنعمته واكمالاً لدينه أميرالمؤمنين الامام علي بن أبي طالب ((عليه السلام)) وأحد عشر اماماً من ولده كي يثبت الناس من بعد رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) على الصراط المستقيم مستنيرين بكتاب الله وعترة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وينجون من الضلالة إلى الأبد .
وبالرغم مما تعرض له الأئمة ((عليهم السلام)) من قبل الأشرار والحكومات الطاغوتية التي عاصرتهم الاّ انهم لم يتوانوا لحظة واحدة عن بيان الحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعن الأدعية التي تعتبر تبياناً للمعارف الالهية لغرض تربية الناس ، وبذلك اتموا الحجة على الناس من خلال فعلهم وقولهم وشهادتهم .
والأئمة شأنهم شأن الأنبياء يعتبرون ميزاناً يوم القيامة ، فإذا وافقت حياة البشر ما كان عليه الأئمة نجوا والاّ فالعذاب موئلهم .

العلماء

والفقهاء المختصون بالمعارف الالهية والمتبحرون بعلوم القرآن والأحاديث هم حجج الله على خلقه ايضاً بعد الأنبياء والائمة ، وعلى الناس اتباعهم ، اذ ان اتباع العالم الجامع للشرائط بمثابة اتباع النبي أو الامام وذلك مدعاة للنجاة والفلاح .
على رب الاُسرة ان يعي هذه الحقيقة وهي وجوب ان يخصص جانباً من وقته لتعلم القرآن ومعرفة الأنبياء والأئمة وولاية الفقيه ، وان يبادر إلى تعريف عائلته بهذه الحقائق أو يتولى ذلك مَنْ له اختصاص بها ، اذ ان التزود العملي من كتاب الله والأنبياء والائمة وقيادة العلماء الجامعين للشروط يعدّ موجباً لبلوغ خير الدنيا والآخرة واشراقة الحياة الطيبة .
ان التخلّي عن العقل والابتعاد عن القرآن والغفلة عن الأنبياء والأئمة وتجاهل العالم الرباني ما هو الاّ خسرانٌ وهلاك ومبعث لحلول الخزي في الدنيا والآخرة .
وعلى افراد الاُسرة اعانة رب الاُسرة في هذا المجال ، وان يقدّروا له ما يقوم به من اعمال صالحة ومفيدة ويتعرفوا على التعاليم الالهية بما وسعهم ، وهذا هو معنى التعاون على البر والتقوى ليس الاّ .
وإذا ما اصيب رب الاُسرة بالوهن في هذا الجانب ، عى زوجته واولاده تشجيعه وترغيبه وحثه على توفير الأرضية اللازمة لتجلّي هذه الحقائق ، اما إذا ابدى عناداً فعليهم عدم الانصياع له ولكن بالتزام الأدب والرصانة ويبادرون بانفسهم من اجل تعلّم القرآن ومعرفة النبي والامام والعالم الرباني كي ينالوا السعادة نتيجة ما توفر لديهم من ارادة .
على رب الاُسرة ان يُعطّر اجواء الدار بقراءة القرآن والدعاء والمناجاة والتضرع وذكر الله لا سيما الصلاة كي تتسق دنياهم مع دينهم وبذلك ينال اهل الدار حسن العاقبة .

الصلاة

ان الصلاة بشكل صحيح وبحضور قلب ليست الواجب الوحيد الذي يتحمله رب الاُسرة ، بل ان القرآن الكريم يرى بأن الله تعالى قد وضع مسؤولية تعليم ابناء الاُسرة على عاتقه ايضاً ، ويتعين عليه الأخذ بيد عياله نحو رحاب الصلاة باسلوب لطيف وتشجيهم لاداء هذه الفريضة الساميه .
قال تعالى :
( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )(1) .
ونقرأ في القرآن الكريم ان مما امتاز به اسماعيل ((عليه السلام)) أمره اهله بالصلاة .
وكان يأمر أهله بالصلاة . . .(2)
كما نقرأ ان ابراهيم ((عليه السلام)) دعا الله سبحانه ان يجعله وذريته ممن اقام الصلاة .
( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي )(3) .
وفي روايات عديدة عبّر رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) عن الصلاة بانها قرة عينه(4) .
وقال الامام الصادق ((عليه السلام)) :
« . . . ما من شيء بعد المعرفة يعد هذه الصلاة »(5) .
وقال علي ((عليه السلام)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ طه : 132 .
2 ـ مريم : 55 .
3 ـ ابراهيم : 40 .
4 ـ البحار : 77/77 .
5 ـ البحار : 69/406 .
« اوصيكم بالصلاة وحفظها فإنّها خير العمل وهي عمود دينكم »(1) .
وقد وصف القرآن الكريم الصلاة بانها تنهى عنها القبائح ظاهرها وباطنها :
( إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ )(2) .
وقال الامام الباقر ((عليه السلام)) :
« انّ أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها » .
ان تضييع الصلاة والاستخفاف بها او ترك هذه العبادة الكبرى أحد اسباب الحرمان من شفاعة النبي ((صلى الله عليه وآله)) والخزي يوم القيامة وحلول اللعنة الالهية والحرمان من دخول الجنّة(3) .
علينا الاهتمام بصلاتنا وصلاة اهلينا لئلا يشكونا إلى الله في المحشر ويضجون إلى الله قائلين : لو كنا قد دعينا إلى الصلاة لأجبنا ، فخلو صحائفنا من الصلاة انما هو تقصير الأزواج والآباء أولاً ، ومن بعده وقع التقصير منا ، الهنا فخذ بحقنا منهم وادخلهم في لعنتك واذقهم ضعفين من العذاب لانهم هم الذين صدّونا عن الصلاة نتيجة غفلتهم عنها ! !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 82/209 .
2 ـ العنكبوت : 45 .
3 ـ البحار : 83/9 ـ 19 .
ان الأطفال يعدّون مصورين ماهرين ، اذ انهم يقلّدون كل ما يمارسه الكبار من تصرفات وأخلاق وحركات ، فإذا ما اقمتم الصلاة وصمتم وقرأتم القرآن وتحليتم بدماثة الأخلاق والمودة وابديتم الوقار والتأديب ، فإنّهم يقلدونكم في ورد في رواية : مرّ عيسى بن مريم ((عليها السلام)) بقبر يعذَّب صاحبه ثم مرّ به من قابل فإذا هو ليس يعذّب ، فقال : يا رب مررت بهذا القبر عام أول وهو يعذب ، ومررت به العام وهو ليس يعذّب ، فاوحى الله جل جلاله اليه : يا روح الله قد ادرك له ولد صالح فاصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه(1) .
فيا ايّها الأحبّة ! ان تربية الذرية الصالحة الذين يصبحون من أهل العبادة والبر لا تدرّ المنفعة في الدنيا فحسب بل ان منافعها تمتد إلى البرزخ ويوم القيامة ، فلا تغفلوا عن هذه التجارة الرابحة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 16/338 طبعة آل البيت .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التحريم / 6

مسؤولية رب الاسرة

قوا انفسكم وأهليكم نار يوم القيامة

مسؤولية رب الاسرة   
في احدى آيات سورة التحريم يُلقي الله سبحانه وتعالى بمسؤولية ثقيلة على كاهل رب الاسرة ، وهذه المسؤولية رغم فداحتها إلاّ انها زاخرة بالمنافع الدنيوية والاخروية .
ولو التزم الناس جميعهم لا سيما مَنْ بعهدتهم عيالٌ بمضمون هذه الآية لحلّت نسبة عظيمة من المشكلات التي تعاني منها العوائل ، وازيحت الفوضى وحالة اللاستقرار واللاأمن من اجواء البيت وحلّت المشاكل ، يقول تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )(1) .
نعم ، انها مسؤولية عظيمة تقع على عاتق رب الاسرة تتمثل في الأخذ بيد أهل بيته نحو التوحيد والاعتقاد بالمعاد والخشية من العذاب والتزام التقوى ، وتأديبهم بالآداب والأخلاق الاسلامية ، وتوفير الارضية اللازمة للكمال والرقي وتربيتهم وتعليمهم ، وصيانتهم من عذاب يوم القيامة .
ان ما تؤكده الآية الكريمة بأن الانسان هو الذي يسعّر تلك النار لهو أمر في غاية الأهمية والظرافة .
اذ يستفاد من الآيات القرآنية بكل وضوح ان مادة العذاب يوم القيامة واصلة هي الذنوب والمعاصي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التحريم : 6 .
وفي واقع الأمر ، فإنّ الجرم والجزاء في الآخرة من سنخ واحد ، على العكس منهما في الدنيا ففيهما اختلاف ذاتي وسنخي ، فالذي يرتكب ما يخالف قوانين المرور كأن يسير بسيارته في الجانب الأيسر من الطريق ، أو يسير في طريق يمنع فيه السير يغرَّم مبلغاً من المال ، فالجريمة هنا عملية إنسانية ، اما الجزاء فهو مالي ، وهنالك اختلاف سنخي بين العمل والمال أما في النظام الكوني فإنّ الجريمة والجزاء من سنخ واحد ، بمعنى ان من ارتكب جريمة فإنّ هذه الجريمة تظهر يوم القيامة على شكل نار مندلعة منه .
فعند ما يصدر ذنبٌ عن الإنسان سواء على الصعيد العملي أو الأخلاقي مادياً ومعنوياً فإنّ ذلك يعني دخوله في النار الاّ ان ظهور هذه النار مؤجل إلى يوم القيامة .
هنالك الكثير ممن قضوا اعمارهم في شتى المعاصي ولم يبق منهم عضوٌ نزيه ، فهؤلاء في الحقيقة قد اختزنوا الكثير من النار في وجودهم حيث تتجلى هذه بهيئتها المادية يوم تنكشف الحجب وحينها تحيق بصاحبها إلى الأبد وفي هذا المجال تأملوا هاتين الآيتين من كتاب الله :
( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(1) .
( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً )(2) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البقرة : 174 .
2 ـ النساء : 10 .
ففي كلتا الآيتين اعتبر تعالى أكل الحرام أكلاً للنار ، ورغم انّه يتمثل اليوم بأكل لقمة لذيذة إلاّ انّه يتجلى يوم القيامة بصورته الحقيقة بصورة نار ملتهبة .
وهذا حديث ذلك الوجود المقدس الذي يعتبر الوجود والخلق بما فيهم الجن والملائكة والانس والعرش من نفحات ارادته .
فهو الذي يرى الذنب والمعصية ناراً ، وإن نظرنا إلى ذلك على انّه عملٌ شيقٌ ولقمة لذيذة ، وهو يشهد التهام النار حين ارتكاب المعصية ، وان خفي عنا ، ويرى لهيباً عجيباً لتلك النار رغم عدم شعورنا به .
غداً عند ما ينصرف الناس من الحساب تتصاعد النيران من أبصار البشر نتيجة نظرة الحرام ، ومن آذانهم نتيجة لسماع ما حرَّم الله ، ومن السنتهم لما ارتكبوه من غيبة وفحشاء وبهتان ، ومن بطونهم لأكلهم الحرام ، ومن غرائزهم لما ارتكبوه من زنا ولواط وممارستهم للعادة السرّية ، ومن ايديهم لما ارتكبوه من ظلم وجور وتزوير وشهادة زور وما خطت ايديهم من كلام مضلّل ومن ارجلهم لما سعوا إلى مجالس الحرام ، ويئن اصحاب تلك الاعضاء والجوارح في العذاب الاليم ولا مفرّ له من ذلك .
فيا الارباب الاسر ! حافظوا على انفسكم واهليكم من هذه النار الّتي هي حصيلة الذنب والمعصية ، والتزموا التقوى في جميع جوانب حياتكم ، ولا توقعوا انفسكم واهليكم في نار وقودها الانسان نفسه طمعاً في دنيا معدودة ايامها ولذة زائلة وثروة فانية .
ومن بين المواد التي تعدّ وقوداً للنار هو الفحم الحجري الذي يعرفه الجميع بالصلابة والقوة وارتفاع الحرارة وطول مدة الاحتراق .
هنالك كميات هائلة من الفحم الحجري والمواد الذائبة والمحترقة تغلي في بطن الارض وعلى مدى ملايين السنين ، وقد تخرج هذه المواد الذائبة من قمم الجبال على شكل براكين تحرق كل ما يصادفها وتقضي عليه ، وتتميز نيران هذه المواد بعدم نفادها بل انها ـ وكما يصرح القرآن الكريم ـ ستعم الكرة الارضية جميعها بحيث انها تحرق البحار جميعاً في المستقبل .
( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ )(1) .
وقد توقع العلماء المعاصرون بهذه الحقيقة ايضاً وهي أن الارض ستتبدل مستقبلاً إلى بركان من نار :
( يَوْمَ تُبَدُّلُ الاَْرْضُ غَيْرَ الاَْرْضِ )(2) .
على ضوء ما تستبطنه الارض من بحر عجيب من المواد الذائبة والوقود ، ونظراً لما ينتظر الارض من مستقبل تتحول فيه إلى بركان من نار . فإنّنا نذعن للروايات القائلة بأن جهنم وطبقاتها انما تكمن في هذه الارض .
ان وقود النار في ذلك اليوم الناس والحجارة ، فالانسان وقوده الذنب والمعصية ، والارض وقودها الحجارة المتجمعة في بطن الارض وخارجها ولا يخفى ان حجمها ووزنها ليس بالقليل بالاضافة إلى ديمومتها التي جاءت بناءً على الارادة الالهية ، كما ان خلود الانسان في ذلك العالم يأتي وفقاً لارادته جلّ وعلا .
بناءً على ذلك ، على رب الاسرة الاستماع أكثر فأكثر إلى هذا النداء الملكوتي :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )(3) .
ان مجادلة خزنة جهنم ـ وهم ملائكة غلاظ شداد ـ لا تتيسر لأيٍّ كان ، وان اهل النار ضعفاء واذلاء ولا مفر لهم منها ابداً ، ومَنْ خفَّ ميزانهم ولحقت بهم الذلّة يكون مستقرهم يوم القيامة مستقراً ذليلاً ومأواهم النار الكامنة تحت هذه الارض ، ووقودها الناس والحجارة ، وخزنتها غلاظٌ شداد ، وعذابها شاملٌ وأليم وابدي ، واهلها لاهم من الاحياء ولا هم من الاموات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التكوير : 6 .
2 ـ ابراهيم : 48 .
3 ـ التحريم : 6 .
( ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى )(1) .

جنّة المأوى

إذا ما بادر رب الاسرة إلى المحافظة على نفسه واهليه من النار ، أي نهاهم عن المعاصي بابعادها البدنية والمالية والأخلاقية ، وحثَّهم على أداء الفرائض والقيام بصالح الاعمال فهو يكون بذلك قد مهَّد السبيل لنفسه واهله نحو الجنّة ، الجنّة التي هي عند سدرة المنتهي وعرضها السموات والارض :
( عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى )(2) .
من الواضح هنا ان سدرة المنتهى عالمٌ فسيحٌ بحيث ان الجنة التي عرضها السموات والارض تكمن فيه ! !
والقرآن يدعو الجميع إلى المسارعة نحو الجنّة وذلك من خلال التحلّي بالايمان والقيام بالعمل الصالح والتزام فضائل الأخلاق :
( سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُهَا السَّماوَاتُ وَالاَْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )(3) .
ايها الاحبّة ! ان زاد جهنم المعصية والذنب ، وزاد الجنّة الايمان والتعبد وخدمة عباد الرحمن ، فحافظوا على انفسكم وأهليكم من التزود لجهنم ، وتزودوا للجنّة ، حيث ان مسؤوليتكم الآن وانتم تتحملون اعباء عوائلكم عظيمة جداً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الاعلى : 13 .
2 ـ النجم : 14 ـ 15 .
3 ـ آل عمران : 133 .
اتخذوا من رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) قدوةً لكم في تصرفه مع افراد اسرته بدءً من الزوجة والاولاد وانتهاءً بالخادمة ، كي تأمنوا عذاب القيامة وتبلغوا النعيم الابدي أي جنة المأوى .
فقد فاق ((صلى الله عليه وآله)) جميع من في الأرض في ادائه لحق المرأة وجهد في اداء حق أولاده .
ولم يكن ((صلى الله عليه وآله)) من أهل الافراط والتفريط ، بل التزم الاعتدال في حبّه ورأفته بعياله وفي اخلاقه وممارساته ، ورغم رفقه ورقّته مع عياله فهو لم يغفل عن حثِّهم على التعبّد وتخديرهم من عذاب يوم المحشر .
وكان ((صلى الله عليه وآله)) يتعامل داخل الدار مع المرأة على انها امرأة ويتصابى للصبي ، فقد كان ((صلى الله عليه وآله)) نموذجاً للادب واسوة في الفضيلة وقدوةً في الأخلاق ، وعَلماً في توحيد الباري جلّ وعلا ، ومثالاً في العبودية ، ومناراً للهداية .

أربع واجبات مهمّة

لقد جرت الاشارة في التفاسير التي تعتمد تفسير القرآن بالروايات ، خلال توضيح الاية الكريمة :
( قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً . . . ) .
الى بعض الامور المهمة على انها مسؤولية تقع على رب الاسرة يتسنى من خلالها وقاية العيال من عذاب يوم القيامة .

1 ـ بدعائهم الى طاعة الله

على رب الاسرة ان يدعو أهله ـ مادام حياً ـ الى طاعة الله وامتثال تعاليمه التي تضمن صلاح الانسان في الدنيا والاخرة ، وتكون هذه الدعوة بنحو لاتصعب فيه تلبيتها ، اي تكون مقرونة بالرفق والتودد والقول الحسن وطلاقة الوجه والوقار ، دعوة بالقول والفعل بشكل يندفع العيال نحو طاعة الله بكل شغف واشتياق ، ويجعلوها في طليعة واجباتهم .
وقد جربت ذلك في بيتي فوجدته مفيداً ، فجربوه أنتم ستجدونه مفيداً .
واذا ما اندفع الاطفال نحو طاعة الله ، شوقوهم وقدموا لهم الهدايا وقبلوهم احتضنوهم كي تترسخ الطاعة في كيانهم .
وعلى النساء أن يتقبلن من ازواجهن اذا دعونهن الى طاعة رب العالمين كي تتألف آثار استجابتهن في وجود الأبناء .

2 ـ وتعاليمهم الفرائض

على رب الاسرة ان يعلّم اسرته ـ بما امكنه ـ ما عليهم من الفرائض ، وبعض هذه الفرائض مذكور في الرساءل العملية ، وبعضها الآخر في الكتب الأخلاقية والفقهية .
اما اذا لم يفلح فعليه توفير السبيل لتعليمهم من خلال اصطحابهم الى المساجد والمجالس الدينية أو استدعاء العالم الى البيت كي يعلمهم الواجبات الشرعية .
ربما يصعب على البعض فهم الرسائل العملية أو يتعذر فهمها حينها يقتضي ادخال الاولاد من الذكور والاناث في حلقات الدرس الخاصة بذلك كي يدركوا واجباتهم الشرعية قبيل بلوغهم سن التكليف .

3 ـ ونهيهم عن القبائح

يجب على الاسرة نهي عياله عن القبائح وتحذيرهم من عواقب المعاصي والموبقات ، وازالة الاجواء التي من شأنها اثارة المعاصي داخل المنزل .

4 ـ وحثِّهم على أفعال الخير

وعلى رب الاسرة حثّ اهل بيته وتشجيعهم على افعال الخير من قبيل الانفاق في سبيل الله ، والتواضع للاخرين ، واحترام الكبير ومداراة الصغير ، وخلق اجواء السلم والوئام بين الناس ، وقول الحق والدعوة اليه ، وباختصار ، كل فعل خير .
ان انجاز هذه الواجبات الاربعة يعتبر ـ استناداً إلى ما اكده الامام الصادق ((عليه السلام)) ـ تجسيداً لقوله تعالى : ( قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً . . . ) .
ان السعي لهداية عبادالله فيه من الثواب ما لا يعلمه الاّ الله سبحانه ، اذ قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) لأميرالمؤمنين ((عليه السلام)) حين بعثه إلى أهل اليمن :
« وايمُ الله لَئِنْ يهديَ الله على يديك رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس وغربتْ . . . »(1) .
أيُّ تجارة رابحة هذه ؟ فطوبى للذين بنوا حياتهم الزوجية واصبحوا خير معلمين لعوائلهم ليصيبهم من الثواب الجزيل ما صرّح به رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) لأميرالمؤمنين ((عليه السلام)) بما يقومون به لهداية كل واحد منهم ، وهو غير الثواب المترتب على السعي لكسب الحلال من أجل ادارة شؤون الحياة ، اذ ان للسعي من أجل توفير الجوانب المادية لغرض تمشية حياة الزوجة والاطفال أجراً ، وللسعي من أجل الجوانب المعنوية لغرض هدايتهم أجراً آخر ، ومثل هؤلاء من ارباب الاسر يعيشون في بحبوحة من الأجر والرحمة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 21/361 .

( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النساء / 13

حقوق الزوج والزوجة في الاسلام

صورة عن الحقوق الاسرية

حقوق الزوج والزوجة في الاسلام   
لقد ذكرت الحقوق الزوجية بالتفصيل في القرآن والاحاديث ، ولم يُهمل شيءٌ على هذا الصعيد ، وإذا ما استقرء المرء هذه الحقوق يجد انها من معاجزالدين الاسلامي الحنيف .
فلم تجدر الاشارة في اي دين وثقافة إلى حقوق الزوجين بهذا النحو ، وليس بوسع أي دين تقديم ما هو افضل منها حتى قيام الساعة .
ان بعض هذه الحقوق تعدّ بحكم الواجب وبعضها الآخر مستحبٌ ، وترك الواجب منها دون رضى الطرف المقابل يعتبر سبباً في حلول العذاب ، اما ترك المستحب فهو مدعاة لفتور الحياة .
وقد ذُكرت حقوق الزوجين ببعديها الواجب والمستحب في الاجزاء 20 و22 و23 من كتاب وسائل الشيعة ( طبعة مؤسسة آل البيت ) ، حيث انقل هنا مورد الحاجة منها ، وادعو القرّاء الكرام إلى مطالعة تفاصيلها في ذلك الكتاب .
في البداية نتبرك بطائفة من آيات القرآن الكريم مما ترتبط بهذه الأمر ثم نتطرق إلى الاحاديث .
( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )(1) .
( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )(2) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النساء : 19 .
2 ـ البقرة : 228 .
( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ )(1) .
عن اسحاق بن عمار قال : سألت جعفر بن محمد ((صلى الله عليه وآله)) :
« ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً ؟ قال يشبعها ويكسوها ، وان جهلت غفرَ لها ، وقال أبوعبدالله ، كانت امرأةٌ عند أبي تُؤذيه فيغفر لها » .
وعن الصادق ((عليه السلام)) قال : قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننتُ أنّه لا ينبغي طلاقها الاّ من فاحشة مبيِّنة » .
وعنه ((عليه السلام)) أيضاً :
« رَحِمَ الله عبداً احسنَ فيما بينه وبين زوجته فإنّ الله عزّوجلَّ قد ملّكهُ ناصيتها وجعله القيِّمَ عليها » .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ملعونٌ ملعونٌ مَنْ ضيَّعَ مَنْ يعول » .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) :
« خيرُكُمْ خيرُكُمْ لاهلهِ وأنا خيركُم لأهلي » .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) : أيضاً :
« عيالُ الرجل اسراؤه واحبُّ إلى الله عزّوجلَّ أحسنُهُمْ صُنعاً إلى اسرائه » .

حقوق الزوجة على الزوج

1 ـ توفير مستلزمات الحياة

قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الاحزاب : 50 .
« فعليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف » .
وقال الامام السجاد ((عليه السلام)) :
« لئنْ ادخُل السوق ومعيَ درهمٌ أبتاعُ به لحماً لعيالي وقد قرنوا اليه احبُّ اليَّ من أن اعتقَ نسمةً » .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« من سعادة الرجل ان يكونَ القيِّم على عياله » .

2 ـ المباشرة

سُئل الامام الرضا ((عليه السلام)) عن الرجل يكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الاشهر والسنة ولا يقربها ليس يريد الاضرار بها ، يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثماً قال ((عليه السلام)) إذا تركها اربعة اشهر كان آثماً بعد ذلك .
وقد ورد في التعاليم الاسلامية : ان على الرجل ان يكون عند زوجته كل اربع ليال ليلة واحدة ليجامعها .
قبل فهرست بعد