قبل فهرست بعد

الآباء الضالون ومسؤولية الابناء

ربما يتوفّر في عائلة ما أبٌ يأنف عن قبول التربية الدينية ، ويتقاعس عن تنفيذ التعاليم الالهية ، ولا يُبدي اي رغبةً ازاء الحقائق ، ويفتقد لقابلية الاذعان للحقائق الالهية ، حينها يترتب على أولاده ممن بلغ منهم شأواً من الفطنة دعوته نحو الحقيقة وذلك من خلال سلوك الرفق والطيب من الأخلاق وانقاذه من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اما إذا أبى فعليهم العيش إلى جانبه والمحافظة على الحياة من ان تتلوث بسببه .
وعليهم ان يتخذوا من مصعب بن عمير ذلك الشاب المؤمن المجاهد الذي نال وسام الشهادة في معركة احد وهو في عز شبابه .
لقد كان أبواه مشركين وكان مصعب يكنّ لهما شديد المحبّة وقد آمن بالرسول ((صلى الله عليه وآله)) استجابة لفطرته وقبل ان يفرض الله على رسوله الهجرة فقد هاجر مصعب إلى المدينة للتبليغ بناء على طلب اهلها ، فمهّد السبيل لهداية الكثير من الناس إلى الاسلام وبجهوده اصبحت المدينة على استعداد لقبول رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فهاجر ((صلى الله عليه وآله)) الى المدينة ولما أقبل مصعب على رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وعليه إهاب كبش قال ((صلى الله عليه وآله)) انظروا يا ايّها الشباب ، يا من يحيا آباؤكم بعيداً عن الحياة المعنوية ، ولا يريدون لكم ان تصبحوا من اصحاب المعنويات وان تتخلقوا بالطيب من الأخلاق ، وكل همهم ينصب على ان تتسلقوا سلَّم العلوم المادية أو تتشبثون من أجل جمع الاموال ، عليكم التعامل معهم بلطف وعدم التشاجر معهم ، اذ التنازع معهم خلاف لله ولرسوله ، وما عليكم الاّ عدم التشبّه بهم ولا تتخلوا عن الله سبحانه ورسوله والأئمة الطاهرين والمعاد ازاء دعواتهم الباطلة المنحرفة ، وعليكم على هذا الصعيد ان تتخذوا من محمد بن أبي بكر ذلك الشاب المؤمن المجاهد قدوةً لكم ، وان تحيوا مثله حيث عاش محباً لعلي ((عليه السلام)) عاملاً بالقرآن وسنّة نبي الله فكانت عاقبته الشهادة في سبيل الله وثباته على دينه ، وان تجعلوا من افعالكم وتصرفاتكم منسجمة مع التعاليم الالهية .

والدٌ فاضل

اثناء زيارتي لمدينة مهرجرد لغرض التبليغ والتي استمرت ليلتين او ثلاث حكى لي ابن خالة آية الله العظمى الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة .
ان والد الشيخ بقي بلا طفل لمدة خمسة عشر عاماً ، فكان يتألم كثيراً ، وكان يعمل قصاباً ، وهذا العمل لم يكن يريحه نوعاً ما ، وذات مرة قالت له زوجته لعل العلة في عدم الانجاب تكمن فيَّ ، ولا طاقة لي على تحمل ما تعانيه من آلام ، كما لا قدرة لي على الاجابة فيما لو سُئلت يوم القيامة عن أسباب شقائك ، فلا مانع من ناحيتي في أن تتزوج كي تصبح اباً ، بل أنا التي سأبحث لك عن زوجة تلائمك .
وبعد مدة عن الزمن عثرت على ارملة تقطن في منطقة تبعد بضعة فراسخ عن محل سكناه ، واقترحت على زوجها الزواج من هذه الارملة .
وقع الزواج ، وفي ليلة الزفاف وضع العريسان يداً بيد ـ كما هو المألوف سابقاًـ ، وكانت للعروس من زوجها السابق طفلة في الثالثة من العمر ابت الافتراق عن امها فتناولتها خالتها كي تأخذها معها ، الاّ ان صراخ الطفلة أخذ يتصاعد ، فهزَّ المنظر هذا الرجل الكريم فقال للمرأة : لا طاقة لي على تحمّل بكاء اليتيم ، بالاضافة إلى ان حياتي معك واحتمال انجابك لطفل مني قد يؤذي هذه اليتيمة فإنّي انصرف عن هذا الزواج ، فبذل لها صداقها وقفل عائدا إلى مهرجرد ليلاً ، وفي تلك واقع زوجته الاولى فانعقدت نطفة الشيخ عبدالكريم الحائري كرامة له على كرمه وايثاره ، فولد لهما مؤسس الحوزة العلمية في قم ، ذلك الاستاذ الذي تخرّج على يديه ما يناهز الالف عالم ممن جمع شروط الاجتهاد ، وتولى تربية من خلفه من المراجع ، وكان من بين الذين ربّاهم الامام الخميني ((رحمه الله)) الذي تبلورت على يديه الثورة الاسلامية في ايران وامتدت آثارها شرقاً وغرباً ، وحفظ الاسلام من ان يخبو نجمه ، وانطلق في حركته لبسط حكومة الاسلام على العالم .
لقد كان الامام الخميني ((رحمه الله)) ثمرة من ثمار الشيخ الحائري والشيخ ثمرة وجود القصاب الفاضل ، الرجل الالهي النوراني المخلص ، فايُّ نعمة سينعم بها هذا الاب الفاضل يوم القيامة حين يقف إلى جانب ولده وتلاميذه ؟ الله وحده يعلم بذلك .

الآباء الطالحون والابناء الصالحون

لقد كان الحجاج بن يوسف الثقفي رجلاً لئيماً ظالماً قاتلاً وموجوداً طالحاً ، وكانت ذريته مذمومةً ، بيد ان رجلاً من نسله يدعى أبو عبدالله الكاتب ظهر في عصر السيد المرتضى فكان انساناً عظيماً فاضلاً وشاعراً صالحاً وحكيماً كريماً محباً لأهل البيت ((عليهم السلام)) مادحاً لائمة الهدى لا سيما أميرالمؤمنين وأبي عبدالله الحسين ((عليهما السلام)) .
لقد كان منقطعاً عن ما اتصف به آباؤه ، فقد تنعّم بالعقل والنور والفطرة فاستجاب للحق واصطبع به ، فحظي برعاية اهل البيت ((عليهم السلام)) حتى نقل صاحب رياض العلماء الميرزا عبدالله الافندي : ان السيد المرتضى قد عنّفه ذات مرّة ، فجاءه رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) والأئمة ((عليهم السلام)) في المنام فسلَّم عليهم ، فقابله الرسول الاكرم ((صلى الله عليه وآله)) ببرود فقال له السيد : ما الذي ارتكبته ؟ قال ((صلى الله عليه وآله)) : لقد اسات إلى محبّنا وشاعرنا فاذهب واعتذر منه ، فما ان طلعت شمس ذلك اليوم حتى ذهب السيد بنفسه إلى منزل أبي عبدالله الكاتب ليعتذر منه ويرضيه .
فيا ايّها الشباب ، انها القدرة الالهية التي منحتكم الاستقلال ، وان لا تنتقل اليكم عدوى التلوث عمن تلوثوا وان كانوا أباءكم ، فعليكم ان لا تتطبعوا بطبائعهم ، التزموا الصراط المستقيم ، وكونوا معهم ولكن حافظوا على استقامتكم .

والدٌ كريم

لقد كان صدر المتألهين الشيرازي فيلسوفاً قلّ نظيره وحكيماً عالماً وعارفاً بارزاً احدث ثورةً جبارة في الفسلفة وصنّف افضل الكتب في هذا المجال ، وهو ابن ثريٍّ مشهور في مدينة شيراز يعمل بائعاً للتحفيات وتاجراً للؤلؤ والمرجان ، ويتبوء مركزاً حكومياً رفيعاً .
وقد استحوذت محبة الابن على الولد بحيث انه كان يرغب في ان يعمل ابنه معه في تجارة اللؤلؤ والمرجان ، فعمل مع أبيه مدة من الزمن ، كما انه اقام في مدينة بوشهر لمواصلة عمل والده ، واقام مدةً في البصيرة ، وبعد سنة او سنتين عاد إلى شيراز فاقترح على أبيه بكل ادب ان يترك العمل والالتحاق بالحوزة العلمية في شيراز فقال له والده ، انني على استعداد لقبول ما تراه صالحاً لك ، فالتحق بالحوزة تاركاً الثروة والمتجر ، متجاهلاً البيت والسعادة المادية ، ولم تمض سوى مدة قصيرة حتى اصبح في ظل رعاية ابيه ومحبته وهو في سن الشباب عالماً معروفاً ، ولم يعثر في حوزة شيراز على من يغذيه من الناحية العلمية ، فاستأذن اباه بالتوجه إلى اصفهان ، فقوبل بالموافقة ، فشدّ الرحال إلى اصفهان فحضر دروس الشيخ البهائي والمير داماد والمير فندرسك ، بعد مدة صار صدر المتألهين .
نعم ، فقد بلغت به اخلاق الوالد ورفق رب الاسرة وادراكه ورؤيته الثاقبة إلى ان يتحول من عامل في متجر للتحفيات إلى استاذ للفلاسفة والحكماء .
فأيَّ ثمرة طيبة يهديها الاب الكريم البصير الحريص والحكيم إلى البشرية وعالم المعرفة ؟ !

آكل الحرام لا يربّي علي الأكبر

خلال أيام صباي كان في محلتنا رجلٌ طاعنٌ في السن جليل تقي منظم وكان يعمل دلالاً ونظراً لتدينه وادبه وصلاحه فقد كان التجار يثقون كثيراً بتجارته .
كان يحصر صلاة الجماعة في جميع أوقاتها ، ويتمتع باسلوب عجيب في جذب الصبيان إلى المسجد ، كنتُ من بين الذين يحبونه حتى انني كنت اؤدي صلاة الصبح جماعةً ، وكان يحكي لنا قصصاً مدهشة مما جرى على مدى ثمانين سنة من عمره حيث كانت مليئة بالعبر وبالدروس .
وكان مما قاله لنا : ان شاباً كان يعيش مع امه وابيه في منطقة ناصر خسرو ، وكان أبوه مهملاً للجوانب الشرعية ، في حين انه كان ممّن يجالس العلماء ويحضر المجالس الدينية فكان يتألم لما يلمسه من ابيه ، وكانت نصائحه التي تنمّ عن الحرص لا تؤثّر في أبيه ، فتوجه غاضباً إلى الري ليجاور مرقد عبداالعظيم الحسني ، فعمل هناك بائعاً لمدة سنة كانت يوضح المسائل الشرعية للبائعين في السوق ، وفي احدى ليالي عاشوراء جاء إلى طهران لزيارة والديه ، وكانا قد ذهبا لحضور مراسيم التعزية في منطقة دولت فتوجه إلى هناك فصادف انّ الذي يؤدي دور شمر بن ذي الجوشن قد مرض فلم يحضر مراسم التمثيل ، فلما راى المسؤول عن المراسيم ذلك الشاب ـ وحيث ان له معرفة سابقة به ـ طلب منه اداء الدور ، فقبل الشاب ، وارتدى الملابس ودخل ساحة العرض وادى الدور بمهارة ، وقد عرفه أبوه من بين حشود الحاضرين فاستاء لانه ادى دور الشمر ، وبعد نهاية المراسيم عادوا سويةً إلى البيت فسال الاب ابنه ، هل تناولت العشاء ؟ فأجابه : كلا ، فقال : في المطبخ جرّه حليب واناء فيه لبن فاجلبهما وكُل منهما ، فلما جاء إلى جرّه الحليب وجد فيها فاراً ميتاً فأكل لبناً لوحده ، واثناء تناوله اللبن سأله الأب لِمْ لا تأتِ بالحليب ؟ قال : وجدتُ فيه فأراً ميتاً وقد تنجّس وبالتالي فإنّ أكله حرام ، قال له أبوه باسلوب عنيف : الا تقلع عن هذه الاوهام ؟
وبعد دقائق من الصمت قال الاب : الآن وبعد عام عدت الينا وقمت باداء دور الشمر ، لِمْ لا تؤدي دور علي الاكبر ؟ فأجابه الابن باسلوب لطيف وظريف : يا أبه ! لا تتوقع ممن يأكل الحليب الذي وقع فيه الفأر ان تتبدل نطفته ليصبح علياً الاكبر ، فنتيجة لقمة الحرام هو الشمر ! !
فيا ايّها الشباب حاولوا ان تصبحوا آباءً يتوفرون على شروط الابوة ، كي يصبح ابناؤكم صالحين سالمين ، وإذا ما حدث لديكم نقصٌ من شأنه تدمير بنائكم الباطني فبادروا إلى اصلاحه ، إذ ان القيامة يوم مذهلٌ بالنسبة لجميع الخلائق .
قال على ((عليه السلام)) : « حق الولد على الوالد أن يُحسن اسمه ،
ويُحسن أدبه ، ويعلامه القرآن »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نهج البلاغة : الحكمة 399

حق الولد على والديه

طريق الخير

حق الولد على والديه   
في مستهل الكلام من الضروري ان نعرج على مقطع من كلام نفيس وحكيم شعَّ من قلب أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) لهداية الانسان والأخذ بيده نحو الخير ، إذ قال ((عليه السلام)) مجيباً مَنْ سأله عن الخير :
ليس الخير أن يكثُرَ مالُك وولدك ، ولكن الخير أنْ يكثُر علمُكَ ، وان يعظم حلمُك وأن تباهي الناس بعبادة ربِّك ، فإن احسنتَ حمدتَ الله ، وان اسأت استغفرت الله ولا خير في الدنيا الاّ لرجلين ، رجلٌ اذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة ، ورجلٌ يسارعُ في الخيرات ولا يقلُّ عملٌ مع التقوى وكيف يقلُّ ما يتقبل(1) .
لقد جرت الاشارة في هذه المقاطع إلى ثلاث حقائق هي : العلم والحلم وتسخيرهما لعبادة الله تعالى ، وفي نهايتها جرى التنبيه إلى ان العلم والحلم والاستفادة منهما يجب أن يقترن بالورع عن الذنوب والاحتراز عن المعاصي كي تحظى بالقبول من لدن الباري عزوجل .
فالعلم الذي يفتقد صاحبه للتقوى ، والحلم الذي لا يقترن بالورع عن المعاصي ، والعبادة التي لا حظّ للتقوى فيها ليس إلاّ مصدر للخسران والدمار وماء في غربال .
ان الذين تسلّقوا مدارج الرقي في هذه الدنيا انما كان وصولهم من خلال العلم والبصيرة والعبادة وتحلّيهم بالتوبة والتقوى والورع ، أما الجهلة والبلداء ومن ضاقت صدورهم وتدنت قابلياتهم فهم عبّاد الأهواء والمنغمسون في وحل المعاصي والناكصون عن البرِّ والاحسان ، والعاطلون من الناس ومصادر الدمار والخسران .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ شرح ابن أبي الحديد : 18/250 .
على أية حال ، فيما يتعلق بحقوق الولد على والديه ، يستفاد من هذه الجمل النورانية وجوب اطلاع الوالدين بادىء الأمر على مسؤولياتهم التي حدّدها الاسلام ازاء أولادهم ومن ثم التحلّي بالحلم والتحمل فيى تطبيقها والعمل بتلك التعاليم حيث يعدّ عبادةً عظيمة ، والتباهي بها في السرّ ، والتوجه إلى الله سبحانه بالحمد والثناء لما منّ به من توفيق للاهتمام بالاولاد واداء حقوقهم ، وطلب المغفرة منه تعالى إذا ما بدر منهم تقصيرٌ في هذا المجال ، والتزام التقوى على كافة الاصعدة ، كي لا تذهب جهودهم ادراج الرياح .
لا شك في ان الاهتمام بالحقوق المترتبة للولد على الانسان والاجتهاد لأداء هذه الحقوق يعتبر عبادة لا تضاهى وخيراً وفيراً يناله المرء في الدنيا والآخرة .

حق الولد على والديه

قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« حقُّ الولد على والده ان يعلّمه الكتابة والسباحة والرعاية وان لا يرزقه إلاّ طيباً »(1) .
وبطبيعة الحال ، ليس من الضروري التدخل مباشرة في بعض الشؤون . فبمجرد ان يرسل الاب ولده إلى المدرسة والمراكز التي يتعلّم فيها السباحة والرماية فإنّه يكون قد ادّى حقه ، أما في مسألة توفير الرزق الحلال الطيب وهي قضيّة صعبة ، فلا بد من التزام الدقة قدر الامكان في اداء هذه المهمة تلافياً لوقوع الاشكال الذي يفسد الدنيا والاخرة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 10/720 .
كم هو جميلٌ ان يتوفر النادي والمسجد إلى جانب مدارسناكي يتوجه ابناؤنا بعد فترة الدرس إلى النادي الرياضي لتعلّم السباحة والرماية ومن ثمَّ يعرجون نحو المساجد لتعلّم المسائل الشرعية والعبادية ، كي ينالوا كمالهم البدني والفكري إلى جانب الكمال الروحي والتربوي .
ان القراءة والكتابة أو العلم بمعناه الشامل ، والسباحة والرماية ، والرزق الطيب تمثّل اربعة مصادر قوة لأبناء البلد بامكانهم التحصن ازاء الكثير من الاخطار من خلال التسلح بهذه القدرات المهمة ، فالانشغال بها يملأ اوقات الشباب والفتيان ، وهو ذو أثر بالغ في تهذيب قابلياتهم الذاتية لا سيما الغرائز .
ينقل الشيخ البهائي ((رحمه الله)) في كتابه ، المخلاة ، عن أحد الاعاظم ويدعى حسن ـ ولا ادري أيَّ حسن يريد ـ قوله : لو وقع بيدي رغيف خبز من الحلال لجففته وطحنته حتى اجعله دقيقاً واحفظه ثم اعطي جزءاً منه لمن يراجعني من المرضى ممن يصعب علاجه كي يشفى من مرضه بتناوله للحلال .

آثار الحلال والحرام

نقل لي أحد كبار العلماء ممن اسدوا خدمة للدين والشعب : خلال أيام دراستي عند الامام الخميني ((رحمه الله)) في قم كنتُ اسافر إلى المدن والنواحي للتبليغ اثناء العشرة الاولى في شهر محرم .
وذات مرّة وعلى اعتاب شهر محرّم حضرتُ عند الامام ((رحمه الله)) وقلت له : لقد دُعيتُ إلى منطقة جديدة هذا العام فارجو منك الدعاء والأذن لي بالذهاب ، فدعا لي الامام واسدى نصائحه فيما يتعلق بالتعامل مع الناس والتبليغ .
وتوجهت إلى المنطقة التي اريدها ـ وهي منطقة لم يكن عدد سكانها يزيد على 2000 ـ 3000 نسمة ـ وعند وصولي اليها صادفني مزارعٌ نيِّرُ الوجه يحمل مجرفته على كتفه فسألني عمّا كان مجيئي من أجل التبليغ ، فأجابته بالايجاب ، فقال : لا تتكلم هنا الاّ عن الحلال والحرام ، لان حاجة ابناء هذه المنطقة إلى هذه المسائل أكثر من حاجتهم إلى غيرها واكثرهم لا يهتم بالحلال والحرام ، ثم قال : لا تذهب إلى أىِّ بيت في هذه القرية غير بيتي ، إذ انني دائب الاهتمام بالحلال والحرام وبكل دقة ، وان تناولك لما اعدّه لك من حلال سينير قلبك وييسر حديثك .
فتوجهت إلى منزله فكان كما سمعت منه ، إذ كنت ارتقي المنبر والقي أحاديثي بيسر وراحة دون تلكؤ .
لقد كان يتوجه إلى مزرعته مبكراً ويحضر إلى المسجد عند صلاة المغرب ثم نعود معاً إلى منزله بعد المحاضرة .
وفي أحد الأيام ذهبتُ ـ دون علم منه ـ في ضيافة أحد الاشخاص ، فشعرت في تلك الليلة بصعوبة بالغة وضعف في الالقاء وبيان المطالب اثناء المحاضرة ، وان لم ينتبه المستمعون إلى ذلك ، غير انني شعرتُ بحرج في القاء مطالبي ، فنظر لي ذلك القروي مرتين أو ثلاث نظرة غاضبة وكنت اقرأ في نظراته احتجاجاً عليَّ ، وبعد انتهاء المجلس عدنا إلى بيته فقال لي بنبرة حادة : ليتك طُعنت بسكين ، من المؤكد انك ذهبتَ إلى بيت آخر ، لقد فهمتُ ذلك من خلال وضعك اثناء المحاضرة ، من الآن فصاعداً لا يحق لك الذهاب إلى أيّ مكان آخر ، وعليك التفحص جيداً بطعامك وترددك على بيوت الناس مادمت حيّاً ، إذ ان الحلال يجلب النورانية والحرام نتيجته الظلمة .
تامّلوا ثانية بحديث رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فيما يتعلق بالرزق الطيب وآداب ادخاله إلى البيت :
« وان لا يرزقه إلاّ طيِّباً » .

الشيخ الزاهد

كان في طهران عالمٌ جليلٌ يسمى الشيخ محمد حسين الزاهد ، وكان مفهوم الزهد متجسداً عملياً فيه .
لقد استقطب الكثير من الشباب إلى المسجد والمجالس الدينية ودفعهم إلى التحلّي بالآداب الدينية .
حدّثنا : دُعيت ذات مرّة إلى مكان كان عليَّ ان لا اجيب غير انني ذهبتُ جاهلاً ، فتناولتُ ـ مُكرهاً ـ قطعة من المرطبات ، فلما نهضت لصلاة الليل وفي طريقي للوضوء سقطت من السلّم فشقت جبهتي ، فهبّت زوجتي لعلاج الجرح وربطه ولم استطع مواصلة عبادتي لشدة الألم ، ولما وضعتُ رأسي على الوسادة أخذتني غفوة فسمعت في عالم الرؤيا هذه العبارة ايّها الشيخ ! ما انت وهذه المرطبات ؟ فاستيقظت وأيقنتُ ان جرح رأسي ما هو الاّ عقابٌ لي على تلك الجناية !
قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويزوِّجه إذا ادرك ويعلِّمه الكتابة »(1) .
وسأل رجل رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) عن حق ولده عليه فقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« حَسِّنْ اسمَهُ وادِّبْهُ وتضعهُ موضعاً حسناً »(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 10/720 .
2 ـ نفس المصدر .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« من بلغ ولده النكاح وعنه ما ينكحه فلم ينكحه ثم احدث حدثا فالاثم عليه »(1) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
« حقُّ الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن ادبه ، ويعلمه القرآن »(2) .
وقال رجلٌ من الانصار لابي عبدالله الصادق ((عليه السلام)) :
« من ابرُّ ؟ قال : والديك ، قال : قد مضينا ، قال : برَّ ولدك ؟ »(3) .
وقال النبي ((صلى الله عليه وآله)) :
« ادِّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبِّ نبيّكم وحُبِّ أهل بيته وقراءة القرآن »(4) .
ان تعريف الاولاد برسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وأهل بيته ((عليهم السلام)) انما هي مسؤولية الآباء ، ومن الواجب ان يعرف الولد منذ طفولته رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) والأئمة المعصومين ((عليهم السلام)) ويعيش محبتهم ، كي ينمو ويكبر على معرفتم ومحبتهم ، ويتطبع باطباعهم ويحذو حذوهم في مرافق الحياة كافة ، ولا يتخذ قدوة واسوة سواهم ، إذ ان افضل الخير بالنسبة للانسان محبة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وائمة الهدى ((عليهم السلام)) والاقتداء بهم .

ذكرى طيبة

لمّا دُعيت للتبليغ لاول مرة في تبريز اشترطتُ على من دعاني ان يُسكنني في محلة فقيرة وفي بيت بسيط ، فقبل ذلك ، فلما وصلت إلى تبريز نفّذ ما كان متفق عليه فكان البيت عادياً في محلة متوسطة المستوى ، والبيت يتكون من طبقتين ، احداهما مخصصة لعائلته والاُخرى تتخذ طابع الحسينية ، وكان مكسب صاحب الدار عادياً ودخله بسيطاً فيما كان هو عابداً ملتزماً بصلاته ، مثيراً للعجب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ البحار : 14.html/98 .
4 ـ ميزان الحكمة : 10/721 .
قال لي : هل تعلم ما الذي جاء بك إلى هذه الدار ؟ قلت : لقد اشترطت ذلك على من دعاني في طهران ، فقال : كلا فالأمر ليس مرتبطاً بك ، بل انني قد شاركت في مراسيم دعاء عرفة في مشهد وكنت أنت تتولى قراءة الدعاء ، وبعد ان انتهى الدعاء ، توجهتُ عند الغروب إلى ضريح الامام الرضا ((عليه السلام)) وبكيت عنده وقلت : إذا جاء هذا الرجل إلى تبريز يوماً فإنني اريده ان يأتي إلى داري ، فإن هذه العملية قد رُتِّبت من قبل الامام الرضا ((عليه السلام)) ، وانك قد أتيت إلى داري مدعواً من قبله ((عليه السلام)) ، فهذه الدار ومن فيها محبّون لاهل البيت ((عليهم السلام)) وهم بمثابة الخدّام لمن يخدم أهل البيت ((عليهم السلام)) ثم نقل لي أمراً عجيباً عن والده فقال : لقد كان والدي مواظباً على صلاة الليل والتهجد مدى حياته ، كما انّه كان يوقظتي لصلاة الليل بكل لطف وتودد منذ ان كنت في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة ، ويقول : يا بني ان الناس نيام والوقت مناسبٌ جداً ، هلُّمَ بنا لننتحي جانباً ونبكي على سيد الشهداء ((عليه السلام)) لقد كنا حسينيين وخُلقنا حسينيين ولن نتخلى عن الحسين كي نكون عنده يوم القيامة !
قال الصادق ((عليه السلام)) :
« الغلام يلعب سبع سنين ، ويتعلّم الكتاب سبع سنين ، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين »(1) .
وقال أميرالمؤمنين ((عليه السلام)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 10/222 .
« مُرُوا أولادكم بطلب العلم »(1) .
وقال ((عليه السلام)) أيضاً :
« علِّموا أولادكم الصلاة وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم »(2) .
وجاء في ثلاث روايات عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« يلزم الوالدين من عقوق الولد ما يلزم الولد لهما من العقوق » .
« عن السكوني عن الصادق عن آبائه قال : قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« يلزم من العقوق لولدهما إذا كان الولد صالحاً ـ ما يلزم الولد لهما » .
يلزم الوالد من الحقوق لولده ما يلزم الولد من الحقوق لوالده »(3) .

إلى الآباء والامهات

قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« من قبَّل ولده كتب الله له حسنةً ، ومَنْ فرَّحه فرَّحه الله يوم القيامة ، ومن علَّمه القرآن دُعي بالابوين فيُكسيان حلَّتينِ يضيءُ من نورهما وجوه أهل الجنّة »(4) .
وقال ((صلى الله عليه وآله)) :
« مَن كان عنده صبيٌ فليتصابَّ له »(5) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ البحار : 74/70 ، ميزان الحكمة : 10/723 .
4 ـ فروع الكافي : 6/49 .
5 ـ الوسائل : 15/203 .
« مَن كانت له ابنةٌ فادَّبها واحسن ادبها ، وعلّمها فاحسنَ تعليمها ، فاوسع عليها من نَعمِ الله التي اسبغ عليه ، كانت له منعةً وستراً من النار »(1) .
ولرسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وصايا فيما يتعلق بالاولاد :
« اتقوا الله واعدلوا في أولادكم »(2) .
« اعدلوا بين أولادكم في النُحْل كما تحبّون ان يعدلوا بينكم في البر واللطف »(3) .
« ان الله يحبُّ ان تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبل »(4) .
« ابصر رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) رجلاً له ولدان فقبَّل احدهما وترك الآخر ، فقال ((صلى الله عليه وآله)) : فهلاَّ واسيت بينهما »(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ميزان الحكمة : 10/705 ـ 707 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ نفس المصدر .
( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاسراء / 23

حقوق الوالدين على الأولاد   

ان اداء حقوق الوالدين من الصعوبة والدقة ، والحاجة إلى التحمل والقابلية الاستثنائية ما لم يستطع عليها الاّ المؤمن الحقيقي الذي آمن بالله واليوم الآخر ، وأيُّ مؤمن ؟ انّه المؤمن الذي جرى توضيح مواصفاته في كتاب الله :
( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهَ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنَا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )(1) .
والآن تعالوا وانظروا الأمر الالهي فيما يتعلق بحقوق الوالدين والذي جاء في سورة الاسراء :
( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً )(2) .
لقد ورد تفسير هذه الآية الكريمة التي أردفت حقوق الوالدين بعد حقِّ الله عزوجل وبيانها في الصفحة 157 من الجزء الثاني من كتاب الكافي نقلاً عن الامام جعفر بن محمد الصادق ((عليه السلام)) ، وهذا التسلسل دليلٌ على عظمة الأمر .
نظراً إلى ان مؤلف اصول الكافي الشيخ الكليني ((رحمه الله)) قد عاش في زمن الغيبة الصغرى ، وان روايات هذا الكتاب ومضامينه قد اُخذت عن رواة عاشوا على مقربة من عصر المعصوم ، ونظراً لما فيه من تنظيم وترتيب ، وما حظي به من اهتمام منذ تصنيفه وحتى الآن ، ولمجرد كونه من المصادر المهمة لاصول الدين وفقه أهل البيت ((عليهم السلام)) فإنّها يحظى بمنزلة خاصة تفتقد اليها سائر الكتب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النور : 51 ـ 52 .
2 ـ الاسراء : 23 ـ 24 .
وبعد هذا التفسير للآية الذي جاء على لسان الامام الصادق ((عليه السلام)) ونُقل في كتاب اصول الكافي لا اعتقد ان ثمة عذر أزاء حقوق الوالدين .
يقول الراوي : سألت أبا عبدالله ((عليه السلام)) عن قول الله عزوجل : ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )ما هذا الاحسان ؟ فقال : الاحسان أن تُحسن صحبتهما وان لا تكلِّفهما أن يسألان شيئاً مما يحتاجان اليه وإن كانا مستغنين أليس يقول الله عزوجل : ( لَن تَنَالُوا البِّرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) .

واما قول الله عزوجلّ :
( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ) قال : إن قال : اضجراك فلا تقل لهما افٍّ ولا تنهرهما إن ضرباك ، قال : ( وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً )قال : ان ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما ، فذلك منك قولٌ كريم ، ثم قال : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال : لا تملأ عينيك من النظر اليهما إلاّ برحمة ورقّة ولا ترفع صوتك فوق اصواتهما ولا يدك فوق ايديهما ولا تقدِّم قدامهما .
وادعُ لهما وقل : ( رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) .

وفي موضع آخر يقول تعالى :
( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(1) .

ملاحظة مهمة

لما بُعث موسى جاءه الأمر أن يواجه فرعون برفق ويكلّمه بلين ، فسأل عن السبب ، فسمع النداء انّه قد تحملك لمدة خمسة عشر عاماً ، وتجرع المصاعب والمشتقات لتربيتك مذ كنتَ رضيعاً حتى اصبحت شاباً ، من هنا فهو بمثابة الاب بالنسبة لك ، وعليك ان لا تتكلم معه بصوت عال أو تواجهه بعنف .
ورد بالمنهج في تفسير قوله تعالى :
( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )(2) .
ان الله سبحانه وتعالى اوحى إلى رسوله ((صلى الله عليه وآله)) : انني قد توفيتُ اباك وأنت في بطن امك ، وتوفيت امك وانت طفلاً ، لانهما لو بقيا على قيد الحياة لضاق وسعك عن تحمل اعباء النبوة واعباء اداء حقوق الوالدين .

روايات في حقوق الوالدين

سأل الراوي أبا عبدالله الصادق ((عليه السلام)) :
« ايُّ الأعمال افضل ؟ قال : الصلاة لوقتها ، وبرُّ الوالدين ، والجهاد في سبيل الله »(3) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« ما يمنع الرجل منكم أن يبرَّ والدية حيَّينِ وميِّتينِ ، يصلّي عنهما ويتصدّق عنهما ويحجّ عنهما ويصوم عنهما »(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ لقمان : 14 ـ 15 .
2 ـ الضحى : 6 .
3 ـ الكافي : 2/158 .

اسلام زكريا بن ابراهيم وخدمته لوالديه

عن زكريا بن ابراهيم قال : كنت نصرانياً فاسلمت وحججتُ ، فدخلت على أبي عبدالله ((عليه السلام)) فقلت : اني كنت على النصرانية واني اسلمتُ فقال : وأيّ شيء رايت في الاسلام ؟ قلتُ : قول الله عزوجل ( مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الاِْيمَانُ وَلكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ ) ، فقال : لقد هداك الله ثم قال : اللهم اهده ثلاثاً ، سل عمّا شئت يا بني ، فقلت ان أبي واُمي على النصرانية وأهل بيتي ، واُمي مكفوفة البصر فأكون معهم وآكل في آنيتهم ؟ فقال : يأكلون الخنزير ؟ فقلت : لاولا يمسونه ، فقال لا بأس فانظر امك فبرّ فاذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك ، كن أنت ، الذي تقوم بشأنها ولا تخبرنّ أحداً أنّك أتيتني حتى تأتيني بمنىً ان شاء الله ، قال : فأتيته بمنىً والناس حوله كأنّه معلم صبيان هذا يسأله وهذا يسأله .
فلما قدمتُ الكوفة ألطفتُ لاُمي وكنتُ اطعمها وافلّي ثوبها ورأسها واخدمها فقالت لي : يا بني ما كنتَ تصنع بي هذا وانت على ديني فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية ؟ فقلت : رجلٌ من ولد نبينا أمرني بهذا فقالت : هذا الرجل هو نبي ؟ فقلت : لا ولكنه ابنُ نبيٍّ ، فقالت : يا بني ان هذا نبيٌ ، ان هذه وصايا الأنبياء ، فقلت : يا اُمّه انّه ليس يكون بعد نبينا نبيّ ولكنه ابنه فقالت : يا بني دينك خيرُ دين اعرضه عليَّ فعرضته عليها فدخلت في الاسلام وعلّمتها فصلّت الظهر والعصر والمغرب والآخرة ، ثم عرض لها عارضٌ في الليل فقالت : يا بني أعد ما علَّمتني فأعدته عليها فأقرّت به وماتت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الوسائل : 21/491 .
فلّما اصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها وكنت أنا الذي صلّيت عليها ونزلت في قبرها(1) .
وعن جابر الجعفي قال : سمعت رجلاً يقول لأبي عبدالله ((عليه السلام)) انّ لي ابوين مخالفين ، فقال : برّهما كما تبرّ المسلمين ممن يتولانا(2) .
وعن أبي جعفر الباقر ((عليه السلام)) انّه قال :
ان العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ، ولا يستغفر لهما ، فيكتبه الله عزوجل عاقّاً ، وانّه ليكون عاقّاً لهما في حياتهما غير بارّ بهما فاذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عزوجل بارّاً(3) .
ويروي صاحب كتاب الامالي عن الامام الصادق ((عليه السلام)) انّه قال : بينا موسى بن عمران يناجي ربّه عزوجل إذ راى رجلاً تحت ظلِّ عرش الله عزوجل فقال : يا ربّ مَنْ هذا الذي قد اظلَّه عرشك ؟ فقال : هذا كان باراً بوالديه ولم يمش بالنميمة .
وعن جعفر بن محمد الصادق ((عليه السلام)) :
« من احبَّ ان يخفّف الله عزوجل عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً وبوالديه باراً فاذا كان كذلك هوَّن الله عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته فقرٌ ابداً » .
عن حجر المذري قال : قدمتُ مكة وبها أبوذر جندب بن جنادة ، وقدم في ذلك العام عمر بن الخطاب حاجاً ومعه طائفة من المهاجرين والأنصار فيهم علي بن أبي طالب ((عليه السلام)) فبينا انا في المسجد الحرام مع أبي ذر جالسٌ اذ مرَّ بنا علي ووقف يصلّي بازائنا فرماه أبوذر ببصره فقلت : رحمك الله يا أباذر إنك تنظر إلى علي ((عليه السلام)) فما تقلع عنه ، قال : أني افعل ذلك فقد سمعتُ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) يقول :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 74/53 .
2 ـ نفس المصدر .
3 ـ البحار : 74/59 .
النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة ، والنظر ألى الوالدين برأفة ورحمة عبادة والنظر في الصحيفة ـ صحيفة القرآن ـ عبادة ، والنظر إلى الكعبة عبادة .
عن أبي الحسن موسى ((عليه السلام)) قال : سأل رجلٌ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« ما حقّ الوالد على ولده ؟ قال ((صلى الله عليه وآله)) : لا يسمّيه باسمه ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسب له »(1) .
وقال الصادق ((عليه السلام)) :
« يجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء : شكرهما على كلِّ حال ، وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله ، ونصيحتهما في السرّ والعلانية »(2) .
وقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) :
« يقال للعاقّ : اعمل ما شئت فاني لا اغفر لك »(3) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) :
« اثنان يعجّلهما الله في الدنيا ، البغي وعقوق الوالدين »(4) .
وعنه ((صلى الله عليه وآله)) أيضاً :
« من احزن والديه فقد عقّهما »(5) .
وقال جعفر بن محمد الصادق ((عليه السلام)) :
« من العقوق ان ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر اليهما » .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 74/45 .
2 ـ تحف العقول : 238 .
3 ـ البحار : 74/61 ـ 74 .
4 ـ نفس المصدر .
5 ـ نفس المصدر .
جاء رجل إلى النبي ((صلى الله عليه وآله)) فقال : يا رسول الله : ما من قبيح الاّ قد عملتهُ فهل لي من توبة ؟ فقال له : رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) : فهل من والديك أحدٌ حيٌّ ؟ : قال : ابي ، قال : فاذهب فبرّه ، فلما ولّى ، قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) لو كانت امه(1) .
وقد طلب موسى ((عليه السلام)) من ربّه ان يوصيه فاوصاه مرتين باُمه ومرة بأبيه(2) .
وقال الباقر ((عليه السلام)) :
« ثلاث لم يجعل الله عزوجل لأحد فيهنّ رخصة : اداء الامانة إلى البر والفاجر والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين »(3) .

الشيخ الانصاري وامه

وكان الشيخ الاعظم والفقيه الجليل خاتم المجتهدين الشيخ الانصاري يحمل امه على ظهره ويأخذها للحمام ثم يسلّمها لامرأة في الحمام وينتظرها حتى تفرغ ويعيدها إلى البيت ، وكان يستأذنها عندما يخرج صباحاً من البيت ولما يعود في المساء يقبّل يديها ، وبعد وفاتها كان يبكي بشدة ويقول انما بكائي لأنني حرمتُ من نعمة عظيمة وهي خدمة الاُم ، وكان يصلي عن والدته رغم مشاغله وازدحام دروسه والمراجعات ، مع ان امه كانت من أكثر النساء تديناً .

عاق الام

وروي أن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) حضر شابا عند وفاته فقال له : قل لا إله إلاّ الله فاعتقل لسانه مراراً فقال لامرأة عند رأسه : هل لهذا ام ؟ قالت ، نعم أنا أمه قال : افساخطة أنت عليه ؟ قالت نعم ما كلمته منذ ست حج قال لها : إرضي عنه قالت : رضى الله عنه برضاك يا رسول الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البحار : 74/82 .
2 ـ البحار : 13/330 .
3 ـ الوسائل : 21/490 .
فقال رسول الله : قل لا إله إلاّ الله فقالها(1) .
عن السجاد ((عليه السلام)) :
« اما حق امك فانك تعلم انها حملتك حيث لا يحتمل احدٌ احداً ، واعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحدٌ احداً ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحى وتظلّك ، وتهجر النوم لأجلك ، وقتك الحر والبرد ، لتكون لها ، فإنك لا تطيق شكرها الاّ بعون الله وتوفيقه »(2) .
عن الحكم قال : قلت لأبي عبدالله ((عليه السلام)) ان والدي تصدّق عليّ بدار ثم بدا له ان يرجع فيها ـ إلى ان قال : فقال : بئس ما صنع والدك فان أنت خاصمته فلا ترفع عليه صوتك وان رفع صوته فاخفض انت صوتك(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ منازل الاخرة : 23 .
2 ـ البحار : 74/6 .
3 ـ الوسائل : 18/224 .

( مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْر فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالاَْقْرَبِينَ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البقرة / 215
قبل فهرست بعد