فارسی
پنجشنبه 06 ارديبهشت 1403 - الخميس 15 شوال 1445
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

والحاصل فكما أن الله سبحانه وتعالى موصوف بوفور العفو واللطف والكرم وهذا هو مظهر الرجاء والامل، فإن حريمه ايضاً محفوف بجنود القهر والسطوة , لذا فأن الخوف والرجاء عند العباد يجب ان يكونا على حد سواء, ولايرجح كفة ميزان احدهما على الاخر, فكما جاء في الرواية:

يا بني خف الله خوفا لو أتيت القيامة ببر الثقلين خفت ان يعذبك وارج الله رجاءا لو وافيت القيامة باثم الثقلين رجوت أن يغفر لك.

فقال له ابنه يا أبت وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نورين نورا للخوف ونورا للرجاء لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة([237]).

وكلما ازداد معرفة العبد بربه فأن خوفه يزداد، فالخوف والرجاء هما بمثابة جناحين ايمان المؤمن يطير بهما نحو الرضوان، والامل والخوف هما عينا العقل وبهما يستطيع ان يشاهد وعد و وعيد الحق بعنى البشارة بالجنة والانذار بالنار. الامل يدعو كل عبد الى الكرم ويبعث الحياة في القلب وينجي القلب من الاكتئاب والخوف يكون سبب موت الشهوات والاهواء النفسانية .


قالَ رَسولُ اللّهِ صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله : اَلْمُؤْمِنُ بَيْنَ خَوْفَيْنِ ، خَوْفِ ما مَضى وَخَوْفِ مابَقىَ .

وَبِمَوْتِ النَّفْسِ تَكونُ حَياةُ الْقَلْبِ وَبِحياةِ الْقَلْبِ الْبُلوغُ اِلى الاِْسْتِقامَةِ . وَمَنْ عَبَدَ اللّهَ عَلى ميزانِ الْخَوفِ وَالرَّجاءِ لايَضِلُّ وَيَصِلُ اِلى مَأْمولِهِ .

وَكَيْفَ لا يَخافُ الْعَبْدُ وَهُوَ غَيْرُ عالِمٍ بِما يُخْتَمُ صَحيفَتُهُ وَلا لَهُ عَمَلٌ يَتَوَصَّلُ بِهِ اِسْتِحْقاقاً وَلا قُدْرَةَ لَهُ عَلى شَىْ‏ءٍ وَلا مَفَرَّ ، وَكَيْفَ لا يَرْجُو وَهُوَ يَعْرِفُ نَفْسَهُ بِالْعَجْزِ وَهُوَ غَريقٌ فى بَحْرِ آلاءِ اللّهِ وَنَعْمائِهِ مِنْ حَيْثُ لا تُحْصى وَلا تُعَدُّ .

فَالْمُحِبُّ يَعْبُدُ رَبَّهُ عَلَى الرَّجاءِ بِمُشاهَدَةِ اَحْوالِهِ بِعَيْنِ سَهَرٍ([238])، وَالزّاهِدُ يَعْبُدُ عَلَى الْخَوْفِ . قالَ اُوَيْسٌ لِهَرِمِ بْنِ حَيّانَ : قَدْ عَمِلَ النّاسُ عَلَى الرَّجاءِ ، تَعالَ: نَعْمَلْ عَلَى الْخَوْفِ .

خوف المؤمن

يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

يكون المؤمن بين خوفين: خوف من ما مضى ان يكون ليس في رضا الله سبحانه وتعالى، وخوف من مستقبل يُقضى في الاهواء النفسانية والشهوات وتكون ثمراته ليس مرضياً لحضرة الحبيب.

فبموت النفس الامارة يحيى القلب والحياة بسبب بحياة القلب تكون أكثر قوة وقدرة في مسير العمل والاخلاق .

ومن عبد الله سبحانه وتعالى في خوف ورجاء على حد سواء فإنه لن يضل، ويصل الى رحمة الله الواسعة لأن الامل الكثير يوصل الانسان الى الامن من مكر الله سبحانه وتعالى والخوف الكثير يوصل العبد الى اليأس وزيادة ونقصان احدهما على الاخر يكون خطراً عظيماً.

فلم لايخاف العبد؟ في الوقت الذي لايعرف عاقبته أتختم بالسعادة ام بالشقاوة؟ ومن ناحية أخرى فليس لديه عمل يتكئ عليه وبه يستحق الثواب الجميل، لأن كل توفيق لعمل إنما هي بعنايته سبحانه وتعالى، وَلا قُدْرَةَ لَهُ عَلى شَىْ‏ءٍ وَلا مَفَرَّ ، وَكَيْفَ لا يَرْجُو وَهُوَ يَعْرِفُ نَفْسَهُ بِالْعَجْزِ وَهُوَ غَريقٌ فى بَحْرِ آلاءِ اللّهِ وَنَعْمائِهِ مِنْ حَيْثُ لا تُحْصى وَلا تُعَدُّ .

فَالْمُحِبُّ يَعْبُدُ رَبَّهُ عَلَى الرَّجاءِ بِمُشاهَدَةِ اَحْوالِهِ بِعَيْنِ سَهَرٍ، وَالزّاهِدُ يَعْبُدُ عَلَى الْخَوْفِ . قالَ اُوَيْسٌ لِهَرِمِ بْنِ حَيّانَ : قَدْ عَمِلَ النّاسُ عَلَى الرَّجاءِ ، تَعالَ: نَعْمَلْ عَلَى الْخَوْفِ .


قالَ اُوَيْسٌ لِهَرِمِ بْنِ حَيّانَ : قَدْ عَمِلَ النّاسُ عَلَى الرَّجاءِ ، تَعالَ: نَعْمَلْ عَلَى الْخَوْفِ .

وَالْخَوْفُ خَوْفانِ ثابِتٌ وَمُعارِضٌ . فَالثّابِتُ مِنَ الْخَوْفِ يورِثُ الرَّجاءَ وَالْمُعارِضُ مِنْهُ يورِثُ خَوْفاً ثابِتاً .

وَالرَّجاءُ رَجاءانِ عاكِفٌ وَبادٍ . فَالْعاكِفُ مِنْهُ يُقَوّى نِسْبَةَ الْمَحَبَّةِ ، وَالْبادى مِنْهُ يُصَحِّحُ اَصْلَ الْعَجْزِ وَالتَّقْصيرِ وَالْحَياءِ .

نصيحة أويس القرني حول الخوف

قال أويس القرني ـ الذي كان من كبار القوم ومن خواص أمير المؤمنين عليه السلام ومن العرفاء العشاق ـ لهرم بن حيان:

إن الناس قد يسروا عمل العبادة على أنفسهم، فهم يعبدون الله سبحانه وتعالى على الرجاء، تعال نعمل على الخوف وهو أقرب إلى الدين.

الخوف خوفان:

1ـ الخوف الثابت.

2ـ الخوف المعارض.

الخوف الثابت هو من الطبع وبمقتضاهِ يتم إتيان الأوامر واجتناب النواهي والمسامحة التي هي من توابع الرجاء لا يصدر منه وبسبب مخالفة الخوف مع الرجاء لا يحدث بينهما اضطراب أو تزلزل فمثل هذا الخوف هو عامل المغفرة دون شك.

الخوف المعارض هو الخوف الذي يتعارض بعض الأوقات مع الأمل وبسبب المعارضة في أساس الخوف فأنه يكون متزلزلاً، ولكن عندما يلاحظ مرجحات الخوف فإنه يرجع إلى الخوف الثابت فمثل الخوف الثابت يكون سبباً للنجاة.

الأمل أملان:

1ـ الأمل الثابت.

2ـ الأمل المسافر

الأمثل الثابت يكون لصاحب الأمل موهبة فطرية وصفه راسخة وهذا الأمل يكون سبباً لتقوية العشق والحب لحضرة المحبوب.

الأمل المسافر أو الغير الثابت يكون في الوقت الحاضر ولم يصل بعد إلى مرحلة الرسوخ وهذا الأمل هو مصحح العجز والتقصير والحياء بمعنى أن مالكه يعرف عجزه وتقصيره ويعلم أن كفاية جميع المهمات فقط بيد الله سبحانه وتعالى، فالله المتعال عندما يعامل عبده في هذه الدنيا بالحسن فمن الأولى أن يتعامل معه بالآخرة بأحسن وأفضل.


باب 89

في مسألة الرضا


قالَ الصّادِقُ عليه ‏السلام :

صِفَةُ الرِّضا اَنْ يَرْضَى الْمَحْبوبَ وَالْمَكْروهَ .

وَالرِّضا شُعاعُ نورِ الْمَعْرِفَةِ ، وَالرّاضى فانٍ عَنْ جْميعِ اخْتيارِهِ ، وَالرّاضى حَقيقَةً هُوَ الْمَرْضِىُّ عَنْهُ . وَالرِّضَا اسْمٌ يَجْتَمِعُ فيهِ مَعانِى الْعُبُودِيَّةِ .

سَمِعْتُ اَبى مُحَمَّداً الْباقِرَ عليه‏السلام يَقولُ : تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِالْمَوْجُودِ شِرْكٌ وَبِالْمَفْقُودِ كُفْرٌ وَهُما خارِجانِ عَنْ سُنَّةِ الرِّضا . وَاَعْجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِى الْعُبُودِيَّةَ لِلّهِ كَيْفَ يُنازِعُهُ فى مَقْدُوراتِهِ ؟ حاشا الرّاضينَ الْعارِفينَ .


صِفَةُ الرِّضا اَنْ يَرْضَى الْمَحْبوبَ وَالْمَكْروهَ .

الرضا عن حضرة الحق سبحانه

إننا قد أشرنا في المجلدات السابقة وبمناسبات عديدة إلى مسألة رضا العبد من المعبود والعاشق من المعشوق ولكن لكثرة أهمية هذه المسألة رأينا من اللازم في هذه الفصل أن نتطرق أكثر إلى شرح موضوع الرضا.

يجب علينا أن نعلم أن الرضا من الله سبحانه وتعالى هو فرع من المعرفة بوجوده المقدس وشؤونه وقضاءه وقدره ورجائه مصلحة العبد.

إذا كان الرضا مع المعرفة فهو رضا إرادي ويحتل مكانة مرموقة ويورث أجر عظيم وإلا فليس هناك ما يترتب عليه أجر، فالذي يكون محروماً من نور المعرفة ويقول عندما يواجه المشاكل والحوادث: إذا لم أكون راضياً فماذا أفعل؟ أو يقول: ليس أمامي إلا الرضا والتسليم، فهذا النوع من التسليم والرضا إنما يكون خارج من ميدان الشوق والعشق والحب والمعرفة، وليس له ثمن أو قيمة ولن تناله عناية الله سبحانه وتعالى.

فعلى العبد أن يكون راضياً من المقررات الشرعية والإلهية والتكاليف الأخلاقية والعملية لأن هذه القوانين إنما وضعت لصالح دنيا وآخرة العبد إذن، يجب أن يؤديها بكل شوق وذوق.

ويجب على العبد أن يكون راضياً من مقدرات الله سبحانه وتعالى في باب خلقه وتصويره وحياته فالرسام الازلي خلقه في عين الحكمة والعدل واللطف والرحمة.

ويجب على العبد ان يكون راضيا ومستسلما وشاكرا بما يكسبه عن طريق العمل الحلال.

يجب على العبد ان يكون راضيا بما قسمه الله سبحانه وتعالى له من الازواج والاولاد والوالدين والاخوات والاخوان وان يتحملهم كل حسب حالته ويسعى بجانب العيش معهم ان يحصل على درجات الكمال ويجتهد بالصبر والاستقامة ان يصل الى مقام الرضا . فعندما يواجه العبد كل مايصل اليه من الله سبحانه وتعالى من الصحة والعافية والمرض والنقاهة والفقر والغنى والمصيبة والبلاء ومن السعادة والامن والحزن والسرور بصورة صحيحة فإنه يصل الى الرشد والكمال والرضا والراحة , وعموما كل مايصل اليه من حضرة الحبيب سواء كان حلواً اومرّاً في الظاهريجب عليه ان يكون راضيا ومستسلماً لذلك من اعماق قلبه .

وليس للعبد اي دور في احوال الخلق والحوادث والابتلاءات وجميع الافراح والصعوبات، إنما هنالك حالة واحدة التي على اساسها تصرخ جميع اعماقه وتقول :

ارضى بما رضي الله سبحانه وتعالى لي

يقول إلهي قمشه اى؛ ذلك الرجل الطاهر وطائر حريم الاسرار:

اي متى تشكو وتقول ياالهي من هذا العالم*** كن سعيداَ لان الله سلطانه.

واذا كان رسم قبيح الى هذا الوقت *** فأنظر بعين العرفان جميلا.

وفي عين العاشق العالم جنة*** وشوكة تنمو في صحرائه.

الله سبحانه وتعالى علم الجميع كتاب العشق***في مدرسته الكون الكبيرة.

وليس عجيب ان تذكرنا*** هذا الطفل الصغير الجاهل.

لاتيأس فان الامل تفتح*** في فكرك المشوش.

والله لايستطيعوا ان يغلقو بابه*** الذي هو جعله مفتوحا من لطفه.

حتى عبده الذي يكون لديه اعداء كثيرون***يكون في امان عندما يكون الله حافظه.

الرضا من وجهة نظر العرفان

يقول لاهيجي الذي كانت لديه قدرة عالية في توضيح المسائل العرفانية حول هذا البيت من الشعر :

بارادتي انضم الى رضا الحق***حتى اصبح مثل موسى اذهب الى باب اعظم.

يقول: إن ارادة واختيار السالك تسير مع جانب الحق, وتنضم مع رضا الحق, ولن يطلب شيئا الا رضا الله سبحانه وتعالى ويغض البصر عن آماله وتكون اقواله وافعاله لاجل رضا الله سبحانه وتعالى وليس من اجل حظ النفس وتنمزج ارادته ورضاه في ارادة ورضا الحق ويصبح ملكوتي.

يقول الله سبحانه وتعالى :

{ارجعي الى ربك راضية مرضية}([239]).

وهو اشارة الى بشارة بأن السير الرجوعي مشروط برضاه ومع انتفاء الشرط من اللازم أن ينتفي المشروط, وكأنه يريد ان يقول بأن طريق الرجوع الى الله سبحانه وتعالى لايمكن الا برضاه مثل نبي الله موسى عليه السلام حينما رجع الى الباب الاعظم, بمعنى أنه عندما ينظم ارادته مع رضا الله سبحانه وتعالى فأنه يصبح مثل نبي الله موسى عليه السلام في الباب الاعظم أي يرجع الى الله سبحانه وتعالى.

قال عدة من المشايخ الكبار:

الرضا باب الله الاعظم وجنته الدنيا.

وتحقق مقام الرضا لنبي الله موسى عليه السلام وقصته، إنّما تدل على هذا المعنى انه من البداية حتى النهاية كان في رضا اليد والبيضاء وهذا الاية تدل على ذلك :

{وما اعجلك عن قومك ياموسى * قال هم اولاء على آثري وعجلت اليك رب لترضى}([240]).

وحقيقة الرضا هو الخروج من رضا العبد والدخول الى رضا حضرة المحبوب والرضا بما قسمه الله سبحانه وتعالى بحيث لاتوجد اي ارادة او داعية خلاف ارادة الله سبحانه وتعالى.

{وما تشاؤون الا ان يشاء الله}([241]).

وسئلوا من عارف : ماذا تريد ؟ قال : اريد ان لا اريد .

ويمكن القول ان الراضي من الحق هو الذي ليس لديه اي اعتراض على تقديرات الله سبحانه وتعالى. سئلوا من عارف: متى يصل العبد الى مقام الرضا؟ فقال : عندما ينتابه شعور من الفرح والسرور في حالة البلاء والمصيبة مثلما تنتابه في حالة النعمة والسرور .

يقول ابي محمد رويم: الرضا هو ان تستقبل الاحكام الالهية بالفرح والسرور وان لاتجعل بين المكروه والمرغوب فرق.

قال عارف:

الرضا رفع الاختيار .

وقيل للإمام الحسن عليه السلام أن أبا ذر يقول الفقر أحب إلى من الغنى ، والسقم أحب إلى من الصحة ، فقال : رحم الله أبا ذر ، أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أنه فى غير الحالة التى اختار الله له([242]).

ويقول الشيخ ابو تراب نور بخشي: لايصل المرء الى مقام الرضا وفي قلبه حب الدنيا ولو بمقدار حبة من خردل.

وينقل في ليلة ما ان عتبة الغلام وقف حتى الصباح وكان يقول الهي: اذا عذبتني اظل احبك واذا رحمتني اظل احبك.

يا من جفائه احلى من السلطنة*** وانتقامه احب من الروح.

فانا عاشق لطفه وغضبه*** والعجيب انا عاشق الضدين([243]).

وعلامة رضا الله سبحانه وتعالى عن العبد هو ان يكون العبد راضيا من الله سبحانه وتعالى

{ورضى الله عنهم ورضوا عنه}([244]).

العلم بالرضا

يقولون :

ان تلميذا سئل معلمه: هل يعلم العبد ان الله سبحانه وتعالى راضي عنه ام ساخطا ؟ فقال: لايعلم , لان رضا الله جل وعلا امر غيبي , فقال التلميذ: بل إن العبد يعلم برضا الله جل وعلا عنه. فقال الاستاذ: وكيف ذلك؟ فقال التلميذ: متى ما شعر العبد انه راضي من الله سبحانه وتعالى يعلم ان الله سبحانه وتعالى راض عنه , فقال الاستاذ , احسنت ياغلام .

ومقام الرضا الذي هو عبارة عن رفع اختيار العبد وتساوي النعمة والبلاء والشدة والرخاء ومعروف بباب الله الاعظم وذلك لأنه مفتاح مغالق الابواب لباقي المقامات وفي الحقيقة هو من اشق منازل السالكين .

يقول عارف المعارف الالهية , العاشق الهائم حاجي سبزواري :

عطاشى فمك مساكين ماذا يعملون *** ونائمين ترابك روضة الراضون ماذا يعملون.

ومساكين ترابك هم من أهل القلب *** ومتى يزورون عرش سليمان ماذا يعملون.

والذي طاف حول حرم أهل الصفاء *** فلن يطوف حول الصحراء ماذا يعملون.

ولنفرض بأن ذلك الملك أجاز لنا الحضور من لطفهِ*** والقلب المظلم يستوجب الحرمان ماذا يعملون.

والرضا هي السعادة وثمرتها المحبة ويقتضي عدم الانكسار سواء كان في الظاهر أو الباطن والقلب أو القول أو العمل.

والمطلوب لأهل الظاهر أن يرضى الله عنهم حتى يأمنوا من الغضب الالهي والعقاب.

والمطلوب لأهل الحقيقة أن يرضوا من الله سبحانه وتعالى وأن لا يخالفوا الله في أي حال من الأحوال المختلفة كالموت، والحياة، والبقاء والفناء، والعذاب والراحة والسعادة والسلامة والمرض والمشقة والفناء والفقر وأن لا يرجحوا أحد على الآخر لذا فهم لا يطلبون المزيد ويرضون بما يقع لهم.

ما دام المرء يعترض على أمر من الأمور الحادثة، كائناً من كان أو خطر على باله فإنه سيكون محروم من نصيب الرضا.

وصاحب مرتبة الرضا يكون دائماً مرتاح البال، سواء كان يحب أو لا يحب بل كل ما يحبه ولا يحبه يصبح {ورضوان من الله أكبر}([245]) فحارس الجنة اسمهُ رضوان.

والراضي ينظر إلى كل شيء بنور رحمة الله.

المؤمن ينظر بنور الله.

ولأن الله سبحانه وتعالى الذي هو خالق كل الموجودات إذا أنكر أمر من الأمور فذلك الأمر يعتبر محال؛ وإذا لم ينكر أي شيء فهو راضي عن كل شيء، فيجب على الإنسان أن لا يتأسف على شيء مضى أو يبتهج لشيء آت.

{إن ذلك من عزم الأمور}([246]).

ويكون الرضا في قلبٍ لا يوجد فيه غبار النفاق والرضا هو السرور عند مرارة القضاء وترك الاختيار قبل حدوث القضاء، وعدم كدورة الخاطر بعد القضاء وازدياد المحبة في وجود البلاء.

الرضا يعني عدم الاختيار، وان يحسب البلاء نعمة، يجب أن تصل إلى حالة من الرضا إلى درجة أنه عندما يضعون نار سبع طبقات جهنم في عينك اليمنى؛ لا تسأل لماذا وضعوا النار على عيني، الرضا يعني الشعور بالراحة عند أداء الأحكام.

هيهات لا تطرق باب غير باب الجنة *** ولا تذهب بعيداً عن خيمته.

ولن تستطيع الركوب على فارس أحلامك *** إلا أن تصل إلى باب الرضا.

يجب على الراضي أن يترك الماضي والمستقبل وأن يعيش وقت الحال وأن يرى كل ما يحصل له هو من حضرة المحبوب فكل ما يعمل المحبوب هو مثله.

والرضا يعني الخروج من رضا النفس والدخول إلى رضا الله سبحانه وتعالى والتسليم لأحكامه الأزلية وتفويض جميع الأمور الكلية والجزئية إلى حضرة مقدر التقدير والمدبر الأبدي دون اعتراض أو إعراض.

وأعلم أن الرضا هو بترك الاعتراض لأفعال وأقوال المحبوب مع طهارة الروح بالقضاء والقدر.

الرضا في الروايات

عَنْ اَبى عَبْدِاللّهِ عليه ‏السلام قالَ : رَأْسُ طاعَةِ اللّهِ الصَّبْرُ وَالرِّضا عَنِ اللّهِ فيما اَحَبَّ الْعَبْدُ اَوْ كَرِهَ وَلا يَرْضا عَبْدٌ عَنِ اللّهِ فيما اَحَبَّ اَوْ كَرِهَ اِلاّ كانَ خَيْراً لَهُ فيما اَحَبَّ اَوْ كَرِهَ([247]).

وَعَنْهُ عليه ‏السلام قالَ : اِنَّ اَعْلَمَ النّاسِ بِاللّهِ اَرْضاهُمْ بِقَضاءِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ([248]).

وينقل الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: قال الله عز وجل:

إن من عبادي المؤمنين عبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالغنى والسعة والصحة في البدن فأبلوهم بالغنى والسعة وصحة البدن فيصلح عليهم أمر دينهم، وإن من عبادي المؤمنين لعبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فيصلح عليهم أمر دينهم، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين. وإن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين، نظرا مني إليه وإبقاء عليه، فينام حتى يصبح، فيقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها، ولو اخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك، فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه حتى يظن انه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حد التقصير، فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي. فلا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي، فانهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي، والنعيم في جناتي، ورفيع درجات العلى في جواري ولكن فبرحمتي فليثقوا، وبفضلي فليفرحوا، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا فان رحمتي عند ذلك تداركهم، ومني يبلغهم رضواني، ومغفرتي تلبسهم عفوي فاني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت([249]).

يقول الإمام الصادق عليه السلام:

فيما أوحى الله جل وعز إلى موسى بن عمران : يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، وإني إنما ابتليته لما هو خير له ، واعافيه لما هو خير له ، وأنا أعلم بما يصلح عبدي عليه، فليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي، وليرض بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضائي وأطاع أمري([250]).

عَنْ اَبى عَبدِاللّهِ عليه‏السلام قالَ : لَقِىَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ عليهماالسلام عَبْدَاللّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَقالَ : يا عَبْدَاللّهِ كَيْفَ يَكونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً وَهُوَ يَسْخَطُ قِسْمَهُ وَيُحَقِّرُ مَنْزِلَتَهُ وَالْحاكِمُ عَلَيْهِ اللّهُ وَاَنَا الضّامِنُ لِمَنْ لَمْ يَهْجِسْ فى قَلْبِهِ اِلاّ الرِّضا اَنْ يَدْعُوَ اللّهَ فَيُسْتَجابَ لَهُ([251]).

عَنْ اَبى عَبْدِاللّهِ عليه‏السلام قالَ : قُلْتُ لَهُ : بِاَىِّ شَىْ‏ءٍ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِاَنَّهُ مُؤْمِنٌ؟ قالَ :

بِالتَّسْليمُ لِلّهِ وَالرِّضا فيما وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ سُرورٍ اَوْ سَخَطٍ([252]).

هذه هي مسألة الرضا عن الله سبحانه وتعالى التي وردت في الآيات والروايات وفي الكلمات الحكيمة لأصحاب العشق.


صِفَةُ الرِّضا اَنْ يَرْضَى الْمَحْبوبَ وَالْمَكْروهَ .وَالرِّضا شُعاعُ نورِ الْمَعْرِفَةِ ، وَالرّاضى فانٍ عَنْ جْميعِ اخْتيارِهِ ، وَالرّاضى حَقيقَةً هُوَ الْمَرْضِىُّ عَنْهُ . وَالرِّضَا اسْمٌ يَجْتَمِعُ فيهِ مَعانِى الْعُبُودِيَّةِ .سَمِعْتُ اَبى مُحَمَّداً الْباقِرَ عليه‏السلام يَقولُ : تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِالْمَوْجُودِ شِرْكٌ وَبِالْمَفْقُودِ كُفْرٌ وَهُما خارِجانِ عَنْ سُنَّةِ الرِّضا . وَاَعْجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِى الْعُبُودِيَّةَ لِلّهِ كَيْفَ يُنازِعُهُ فى مَقْدُوراتِهِ ؟ حاشا الرّاضينَ الْعارِفينَ .

الرضا بالمحبوب والمكروه

الرضا يعني أن يرضى الإنسان بالمحبوب والمكروه الذي يحصل له عن طريق المحبوب وذلك لإصلاحه. والرضا هو شعاع نور المعرفة والعقيدة، والشخص الراضي دائماً يغض البصر عن آماله وأمنياته الشخصية ويفنيها في سبيل حضرة المحبوب. فالشخص الراضي عن الله في الحقيقة إن الله راض عنهُ.

والرضا اسم يجمع جميع منازل العبودية والعبادة أمام حضرة الحق سبحانه وتعالى.

سمعت عن أبي محمد الباقر عليه السلام يقول:

تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِالْمَوْجُودِ شِرْكٌ وَبِالْمَفْقُودِ كُفْرٌ وَهُما خارِجانِ عَنْ سُنَّةِ الرِّضا . وَاَعْجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِى الْعُبُودِيَّةَ لِلّهِ كَيْفَ يُنازِعُهُ فى مَقْدُوراتِهِ ؟ حاشا الرّاضينَ الْعارِفينَ.

إذا أنت رجل فأصبح مثل سالكيه *** اخفيه ذلك عن الناس.

انظر كيف عاشوا *** وإذا أنت سالك فأصبح مثلهم.

أكسر سجن نفسك *** واسجنه في نصيب الآخرين.

أفني نفسك عن هذا الفناء *** وأحيى حياة خالدة.

وإذا أردت لقاء الحبيب *** وبدون اذن ادخل.

وفي لحظة واحدة أملك هذه الدنيا*** وتلك الدنيا وعش في هذا العالم.

عطار لا يدَّعي*** أعزل الناس وعش بينهم([253]).


الباب 90

في البلاء


قالَ الصّادِقُ عليه‏ السلام :

اَلْبَلاءُ زَيْنُ الْمُؤْمِنِ وَكَرامَةٌ لِمَنْ عَقَلَ لاَِنَّ فى مُباشَرَتِهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالثَّباتِ عِنْدَهُ تَصْحيحَ نِسْبَةِ الاْيمانِ .

قالَ النَّبِىُّ صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله: نَحْنُ مَعاشِرَ الاَْنْبِياءِ اَشَدُّ النّاسِ بَلاءً وَالْمُؤْمِنونَ اَلاَْمْثَلَ فَالاَْمْثَلَ . وَمَنْ ذاقَ طَعْمَ الْبَلاءِ تَحْتَ سِرِّ حِفْظِ اللّهِ تَعالى لَهُ تَلَذَّذَ بِهِ اَكْثَرَ مِنْ تَلَذُّذِهِ بِالنِّعْمَةِ وَاشْتاقَ اِلَيْهِ اِذا فَقَدَهُ لاَِنَّ تَحْتَ نيرانِ الْبَلاءِ وَالْمِحْنَةِ اَنْوارَ النِّعْمَةِ وَتَحْتَ اَنْوارِ النِّعْمَةِ نيرانَ الْبَلاءِ وَالْمِحْنَةِ وَقَدْ يَنْجُو مِنَ الْبَلاءِ كَثيرٌ وَقَدْ يَهْلِكُ مِنَ النِّعْمَةِ كَثيرٌ . وَما اَثْنَى اللّهُ تَعالى عَلى عَبْدٍ مِنْ عِبادِهِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ عليه‏السلام اِلى مُحَمَّدٍ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله اِلاّ بَعْدَ ابْتِلائِهِ وَوَفاءِ حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ فيه. فَكراماتُ اللّهِ تَعالى فِى الْحَقيقَةِ نَهاياتٌ بِداياتُهَا الْبَلاءُ وَبِداياتٌ نِهاياتُهَا الْبَلاءُ .

وَمَنْ خَرَجَ مِنْ شَبَكَةِ الْبَلْوى جُعِلَ سَراجَ الْمُؤْمِنينَ وَمونِسَ الْمُقَرَّبينَ وَدَليلَ الْقاصِدينَ وَلا خَيْرَ فى عَبْدٍ شَكا مِنْ مِحْنَةٍ تَقَدَّمَها آلافُ نِعْمَةِ وَاتَّبَعَها آلافُ راحَةٍ . وَمَنْ لا يَقْضى حَقَّ الصَّبْرِ فِى الْبَلاءِ حُرِمَ قَضاءَ الشُّكْرِ فِى النَّعْماءِ كَذلِكَ مَنْ لا يُؤَدّى حَقَّ الشُّكْرِ فِى النَّعْماءِ يُحْرَمُ قَضاءَ الصَّبْرِ فِى الْبَلاءِ ، وَمَنْ حُرِمَهُما فَهُوَ مِنَ الْمَطْرودينَ .

وَقالَ اَيّوبُ فى دُعائِهِ: اَللّهُمَّ قَدْ اَتى عَلَىَّ سَبْعُونَ فِى الرَّخاءِ وَاَتى عَلَىَّ سَبْعُونَ فِى الْبَلاءِ . وَقالَ وَهَبٌ: اَلْبَلاءُ لِلْمُؤْمِنِ كَالشِّكالِ لِلدّابَّةِ وَالْعِقالِ لِلاِْبِلِ وَقالَ اَميرُالْمُؤْمنِينَ عليه ‏السلام: اَلصَّبْرُ مِنَ الاْيمانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ . وَرَأْسُ الصَّبْرِ الْبَلاءُ ، وَما يَعْقِلُها اِلاّ الْعالِمُونَ .


اَلْبَلاءُ زَيْنُ الْمُؤْمِنِ وَكَرامَةٌ لِمَنْ عَقَلَ لاَِنَّ فى مُباشَرَتِهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالثَّباتِ عِنْدَهُ تَصْحيحَ نِسْبَةِ الاْيمانِ .

قالَ النَّبِىُّ صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله: نَحْنُ مَعاشِرَ الاَْنْبِياءِ اَشَدُّ النّاسِ بَلاءً وَالْمُؤْمِنونَ اَلاَْمْثَلَ فَالاَْمْثَلَ . وَمَنْ ذاقَ طَعْمَ الْبَلاءِ تَحْتَ سِرِّ حِفْظِ اللّهِ تَعالى لَهُ تَلَذَّذَ بِهِ اَكْثَرَ مِنْ تَلَذُّذِهِ بِالنِّعْمَةِ وَاشْتاقَ اِلَيْهِ اِذا فَقَدَهُ لاَِنَّ تَحْتَ نيرانِ الْبَلاءِ وَالْمِحْنَةِ اَنْوارَ النِّعْمَةِ وَتَحْتَ اَنْوارِ النِّعْمَةِ نيرانَ الْبَلاءِ وَالْمِحْنَةِ وَقَدْ يَنْجُو مِنَ الْبَلاءِ كَثيرٌ وَقَدْ يَهْلِكُ مِنَ النِّعْمَةِ كَثيرٌ .

الابتلاء والامتحان

في هذا الفصل يشير الإمام الصادق عليه السلام إلى حقيقة تحت عنوان البلاء والامتحان ويقول أن الكل لابد أن يواجهها في حياته.

ويكون الامتحان الإلهي بوسائل عدة مثل المال والكرامة، والشخصية، والعلم، والمصيبة، والولد، والمصيبة الجسمية، والفقر، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكثير من الأمور الأخرى التي تحدث للإنسان من أجل نمو وارتقاء مواهبه وكسب الفضائل والابتعاد عن الرذائل.

فقد اشار القرآن الكريم والروايات والأخبار إلى هذه المسألة المهمة بأن الله سبحانه وتعالى لم يستثني أحد من هذه الامتحانات والابتلاءات وليس صحيحاً أن يدعوا الله سبحانه وتعالى بأن لا يمتحنهم، بل عليهم أن يسألوا الله سبحانه وتعالى أن يفتح عليهم سبيل النصر في طريقهم.

يجب على الإنسان أن يعلم بأن كل أمر من الأمور التي تحدث له من جانب الله جل وعلا إنما هو امتحان وبلاء من الله جل وعلا، وعليه أن يسعى وفق الأحوال الإلهية الباطنية له وضمن الإرشادات الربانية التي هي موجودة في القرآن الكريم وهدى الأنبياء والأئمة عليهم السلام وفي الروايات، أن يتغلب في الامتحان والبلاء، حتى يبتعد عن الشقاوة والهلاك ويصل إلى السعادة الأبدية والخلود الدائم.

وبما أنه قد تم ذكر رؤوس وأمهات مسائل الابتلاء والامتحان في المجلد السادس، فإننا هنا نكتفي فقط بترجمة الرواية.

الابتلاء والامتحان والمشاكل التي تصل من جانب حضرة الحبيب للمؤمن هي زينة ولأهل العقل والتدبير تكون كرامة، لأنه عندما يواجه المرء الامتحان بالصبر والثبات فهي في الحقيقة وسيلة لتحكيم الإيمان وتنوير الباطن.

يقول أشرف الموجودات صلى الله عليه وآله وسلم: نحن معاشر ألانبياء أشد الناس بلاء والمؤمنون فالأمثل فالأمثل.

فالذي ذاق طعم الابتلاء تحت ظل التوجه والعناية الربانية، فهو في الحقيقة يستلذ ويسعد أكثر من الناس المتنعمين باللذات المادية، وطريقة استمتاعهم عند مواجهة الامتحان هي أنهم يحبون ويشتاقون إلى الابتلاء والامتحان.

نعم فتحت ظل الابتلاءات الإلهية والصعوبات تكون أنوار النعمة والرحمة وافرة وبالعكس، فبجانب أنوار النعمة وكثرة الماديات هنالك نيران الابتلاءات وما اقل الناجين في هذين المرحلتين الذين يصلون إلى مرادهم.


وَما اَثْنَى اللّهُ تَعالى عَلى عَبْدٍ مِنْ عِبادِهِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ عليه‏السلام اِلى مُحَمَّدٍ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله اِلاّ بَعْدَ ابْتِلائِهِ وَوَفاءِ حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ فيه. فَكراماتُ اللّهِ تَعالى فِى الْحَقيقَةِ نَهاياتٌ بِداياتُهَا الْبَلاءُ وَبِداياتٌ نِهاياتُهَا الْبَلاءُ .

وَمَنْ خَرَجَ مِنْ شَبَكَةِ الْبَلْوى جُعِلَ سَراجَ الْمُؤْمِنينَ وَمونِسَ الْمُقَرَّبينَ وَدَليلَ الْقاصِدينَ وَلا خَيْرَ فى عَبْدٍ شَكا مِنْ مِحْنَةٍ تَقَدَّمَها آلافُ نِعْمَةِ وَاتَّبَعَها آلافُ راحَةٍ . وَمَنْ لا يَقْضى حَقَّ الصَّبْرِ فِى الْبَلاءِ حُرِمَ قَضاءَ الشُّكْرِ فِى النَّعْماءِ كَذلِكَ مَنْ لا يُؤَدّى حَقَّ الشُّكْرِ فِى النَّعْماءِ يُحْرَمُ قَضاءَ الصَّبْرِ فِى الْبَلاءِ ، وَمَنْ حُرِمَهُما فَهُوَ مِنَ الْمَطْرودينَ .

حمد الله سبحانه بعد الابتلاء

إن الله الرحمن لم يمدح عبداً من عباده من آدم عليه السلام إلى الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد أن ابتلائه وامتحنه بالصعوبات ووفّى العبد بعمله ووظائفه العبودية لذا فالمقامات والكرامات التي تصل للعبد من جانب حضرة الحبيب هي نتيجة وآثار الامتحانات والابتلائات، وتكون هي البدايات ونهاياتها هي الابتلاءات والصعوبات.

الإنسان المؤمن الذي يخرج منتصراً من ميدان الامتحانات يصبح سراج المؤمنين ورفيق وأنيس عباد الله المقربين ودليلاً للذين يقصدون السفر والسلوك المعنوي والوصول إلى المنزل الأخير.

لا خير في عبد شكى من محنة، محنة كانت قبلها الاف رحمة ونعمة وتكون بعدها أيضاً آلاف رحمة ونعمة تصلهُ.

الذي لا يصبر ولا يستقيم أثناء الامتحان فإنه لا يستطيع أن يؤدي حق الشكر حتى أثناء النعمة، بالطبع فإن الذي لا يؤدي حق الشكر في النعمة فإنه يحرم الصبر في البلاء، ومن حُرمها فهو من المطرودين.


وَقالَ اَيّوبُ فى دُعائِهِ: اَللّهُمَّ قَدْ اَتى عَلَىَّ سَبْعُونَ فِى الرَّخاءِ وَاَتى عَلَىَّ سَبْعُونَ فِى الْبَلاءِ . وَقالَ وَهَبٌ: اَلْبَلاءُ لِلْمُؤْمِنِ كَالشِّكالِ لِلدّابَّةِ وَالْعِقالِ لِلاِْبِلِ وَقالَ اَميرُالْمُؤْمنِينَ عليه ‏السلام: اَلصَّبْرُ مِنَ الاْيمانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ . وَرَأْسُ الصَّبْرِ الْبَلاءُ ، وَما يَعْقِلُها اِلاّ الْعالِمُونَ .

الصبر في البلاء

ابتلى الله سبحانه وتعالى نبيه أيوب عليه السلام بجميع الابتلاءات وخرج عليه السلام منها منتصراً منها وكان يقول في دعائه >اللهم عشت سبعون سنة في الراحة والرخاء حتى استطيع أن اتحمل سبعون سنة في البلاء واستطيع أن أعيش صابراً في الحياة<.

وقال وهب بن منبه:

البلاء للمؤمن كالشكال للدابة والعقال للإبل.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ورأس الصبر البلاء وما يعقلها إلا العالمون.

البلاء في كلام العرفاء

يقول العارف الإلهي الشيخ حسن مصطفوي في توضيح الابتلاء:

البلاء هي حوادث مخالفة وحزينة تحدث أثناء مسيرة الحياة، وبما أن بحثنا هو حول المباحث المرتبطة بالسالك للطريق الإلهي والعبد المؤمن فالمقصود من البلاء هنا >قهراً< هي الوقائع والحوادث التي نشاهدها في مسير السير والسلوك للإنسان التى ترى في طريق الروحانية، ولأن السالك للطريق الإلهي يسير في هذا المسير الذي تكون برامجه مخالفة للحياة المادية من ناحية الاتجاهات والأعمال والأفكار والأخلاق، فإنه شاء او أبى سيحصل اختلاف.

والسالك لصراط المعنوية يسير بخلاف من وجهتين: من ناحية المقتضيات النفسانية والاتجاهات المادية والشخصية والثاني من جهة الاتجاهات المادية للآخرين وبرامج الحياة الدنيوية لسائر الناس.

في المرحلة الأولى: يجب عليه أن يجتنب الاقتداء بقوة الشهوة، الغضب، الحرص، الطمع، الجهل، الغفلة، عبادة الهوى، التظاهر، الأنانية، إتباع الهوى، أعمال السوء، النيات السيئة، التشاؤم وجميع الأمور التي لها ارتباط بالأمور النفسانية والدنيوية، لذا فإن العدو اللدود للإنسان في مسير المعنوية الأولى هو من الداخل وهي نفسه الحيوانية التي دائماً تدعوه إلى أمانيها وتحارب بشدة البرامج الحياتية المعنوية له.

الإنسان بطبيعته يحب أن يتابع شهواته ويحب استخدام الظلم والقدرة وأن يتجاوز على حقوق الآخرين ويتبع هواه وأن يكون غارقاً في النوم وسائر الملذات المادية ويحب أن يصبح مشهوراً ويمتلك المقام والمال والثروة والقدرة وأن لا يتقيد بالحدود والأحكام، لذا فإن مخالفة هذه الاتجاهات والسلوكيات التي هي خلاف هذه البرامج أمرٌ صعب جداً ومتعب للغاية والعبور من هذه المراحل والمنازل لها عقبات وابتلاءات ومشاكل كبيرة.

في المرحلة الثانية: يجب علينا أن نختار العزلة من أغلب طبقات الناس وإذا رأينا مزاحمات أو مخالفات يجب علينا أن نتحمل وأن نسعى أن نستقيم في طريق سلوك المعنوية وأن لا نفكر بقلة العدد وكثرة العدو وأن لا نستوحش من عتاب الآخرين ومن عداوة الأفراد الماديين. وأن لا نتزلزل ولا نهن أمام التظاهرات والمظاهر الحياة المادية.

ان الابتلاءات والصعوبات التي نواجهها في هذه المرحلة هو أمر طبيعي وقهري وعلى أساس القاعدة وباقتضاء الجريان عادي وربما الأداء والعمل بالوظيفة هو دستور وحكم مخصوص، يدعوا السالك الروحاني بمخالفة وعداوة وإيذاء الناس الأمر الذي يحدث له مشاكل واختلافات شديدة ومجاهدات ومبارزات صعبة، وهذا النوع من الابتلاء في أغلب الأوقات إنما يكون للأنبياء والأئمة الذي يملكون قدرة التبليغ وهداية الآخرين وكلما كانت المسؤولية عميقة ووسيعة فإنه يحتاج إلى تحمل واستقامة ونشاط أكثر فإذا لم يكن هذا التحمل والاستقامة والثبات والصبر في المشاكل، فإن السالك لن يستوجب الكرامات الإلهية والمقامات المعنوية فيتبين لنا أن الكرامات والحصول على المقامات يستوجب تكاليف صعبة ووظائف شاقة وأدائها يحتاج إلى مبارزة شديدة واستقامة شديدة وطويلة.

فقط هدفي أن أشاهد وجهك ولا غير*** ولا أتمنى شيء إلا القاء ولا غير.

واستطيع أن أرى العالم بهذه العين *** ولكن مرادي هو فقط رؤيتك ولا غير.

وهذه الروح المشتاقة فقط لأجل زلفك *** في كل هذا العالم فقط أريدك.

حتى لحظة واحدة قلبي لا يستطع فارق غمك *** وكأنما لا رأي له إلا غمك.

فكل العالم وله بك*** ولكن ليس وله كمنتك.

وإن عشاقك كلهم حلو الحديث *** لكن العراقي ليس مثله حلو الحديث([254]).


باب 91

في الصبر


قالَ الصّادِقُ عليه ‏السلام :

اَلصَّبْرُ يُظْهِرُ ما فى بَواطِنِ الْعِبادِ مِنَ النّورِ وَالصَّفاءِ ، وَالْجَزَعُ يُظْهِرُ ما فى بَواطِنِهِمْ مِنَ الظُّلْمَةِ وَالْوَحْشَةِ .

وَالصَّبْرُ يَدَّعيهِ كُلُّ اَحَدٍ وَما يَثْبُتُ عِنْدَهُ اِلاَّ الْمُخْبِتونَ . وَالْجَزَعُ يُنْكِرُهُ كُلُّ اَحَدٍ وَهُوَ اَبْيَنُ عَلَى الْمُنافِقينَ لاَِنَّ نُزولَ الْمِحْنَةِ وَالْمُصيبَةِ يُخْبِرُ عَنِ الصّادِقِ وَالْكاذِبِ .

وَتَفْسيرُ الصَّبْرِ ما يَسْتَمِرُّ مَذاقُهُ ، وَما كانَ عَنِ اضْطِرابٍ لا يُسَمّى صَبْراً .

وَتَفْسيرُ الْجَزَعِ اضْطِرابُ الْقَلْبِ وَتَحَزُّنُ الشَّخْصِ وَتَغْييرِ اللَّوْنِ وَتَغْييرِ الْحالِ .

وَكُلُّ نازِلَةٍ خَلَتْ اَوائِلُها مِنَ الاِْخْباتِ وَالاِْنابَةِ وَالتَّضَرُّعِ اِلَى اللّهِ فَصاحِبُها جَزُوعٌ غَيْرُ صابِرٍ .

وَالصَّبْرُ ما اَوَّلُهُ مُرٌّ وَآخِرُهُ حُلْوٌ لِقَوْمٍ ، وَلِقَوْمٍ اَوَّلُهُ وَآخِرُهُ حُلْوٌ ، فَمَنْ دَخَلَهُ مِنْ اَواخِرِهِ فَقَدْ دَخَلَ ، وَمَنْ دَخَلَهُ مِنْ اَوائِلِهِ فَقَدْ خَرَجَ .

وَمَنْ عَرَفَ قَدْرَ الصَّبْرِ لا يَصْبِرُ عَمّا مِنْهُ الصَّبْرُ ، قالَ اللّهُ تَعالى فى قِصَّةِ موسى وَالْخِضْرِ عَلى نَبيِّنا وَعَلَيْهِمَا السَّلامُ : {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً}([255]).

فَمَنْ صَبَرَ كُرْهاً وَلَمْ يَشْكُ اِلَى الْخَلْقِ وَلَمْ يَجْزَعْ بِهَتْكِ سِتْرِهِ فَهُوَ مِنَ الْعامِّ وَنَصيبُهُ ما قالَ اللّهُ تَعالى : {وَبَشِّرِ الصّابِرينَ}([256]) اَىْ بِالْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ .

وَمَنِ اسْتَقْبَلَ الْبَلاءَ بِالرَّحْبِ وَصَبَرَ عَلى سَكينَةٍ وَوَقارٍ فَهُوَ مِنَ الْخاصِّ وَنَصيبُهُ ما قالَ اللّهُ تَعالى : {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}([257]).


اَلصَّبْرُ يُظْهِرُ ما فى بَواطِنِ الْعِبادِ مِنَ النّورِ وَالصَّفاءِ

حقيقة الصبر

يشير الإمام الصادق عليه السلام في هذا الفصل الى أهم المسائل الروحية التي تضمن الحفاظ على الفضائل والجهد العبادي للإنسان في سبيل الله وهو الصبر.

مع أن أعداء الإسلام وفي رأسهم المستعمرين منذ مئات السنين حاولوا أن يغيروا مفهوم هذه الحقيقة والكثير من الحقائق وأن يوجهوا من هذا الطريق ضربات قاضية للإسلام والمسلمين، ولا أتصور أن الإنسان عندما يتأمل قليلاً في آيات القرآن والروايات أن المعنى الحقيقي يبقى خافياً عليه.

واستعمل القرآن الكريم كلمة الصبر في آياته المتعلقة بالجهاد والعبادات وترك المحرمات وعند مهاجمة المصائب للإنسان والصعوبات ويعتبرها من أهم عوامل النجاح والنصر والسبب الحقيقي للحصول على التقوى الإلهي.

لذا، فالصبر يعني الثبات على سبيل الله من أجل الحفاظ على شخصية الإنسان والصمود أمام الأعداء من أجل استمرار الثقافة الدينية والوقوف بوجه الآمال والشهوات الخاطئة من أجل السنن الإلهية والصمود في كل عمل إيجابي يكون نافعاً للإنسان وعائلته ومجتمعه ويعني الصبر أيضاً التحمل أمام إيذاء الجاهلين مثل الأقرباء والأصدقاء وسائر الناس، حتى يستطيع عن هذا الطريق وبالأخص العفو عنهم من تأديبهم وتحليهم بأخلاق الأولياء.

يجب أن نقول: أننا نستطيع أن نرى آثار الصبر في جميع الطاعات والعبادات وترك المحرمات والذنوب وتحمل الشدائد التي تأتي من جانب حضرة الحق سبحانه وتعالى للإنسان لصقل شخصيته ونمو استعداده.

فالذي لا يمتلك الصبر والتحمل الروحي عند الطاعات وترك المحرمات وعند مواجهة الشدائد والمصائب فإنه محروم من الطاف الرحمن في الدنيا والآخر ومن الفيوضات الربانية والنفحات الإلهية .

يجب تعلم الصبر والصمود في جميع شؤون حياتنا من الأنبياء والأئمة عليهم السلام وأولياء الله لأن هؤلاء العظماء هم أفضل المعلمين والمرشدين في جميع فروع الحياة وبالأخص في مسألة الصبر.

فما يمكننا أن نشرحه في هذا المختصر من الصبر من وجهة نظر القرآن الكريم والروايات الشريفة والمباحث العرفانية سنوضحه، عسى ان يشملنا الفيض الإلهي نحن المهجورون وان نصل عن هذا الطريق الى أفضل عنايات والطاف حضرة المحبوب.

الصبر في القرآن الكريم

يقول القرآن الكريم:

كي نحصل على روح التحمل أمام الحوادث الصعبة وطوفان الحوادث المربكة للداخل والخارج والمصائب التي لا يمكن أن يتحملها الإنسان ومن كل شيء فيه ضرر بدينك وإيمانك وشخصيتك، يجب علينا أن نستعين بديننا وإيماننا وشخصيتنا، يجب علينا أن نستعين بالصبر والصلاة أو الصبر والتحمل أمام الطاعات والعبادات وترك المحرمات والحوادث فإنها توجد حالة قوية لدى الإنسان الى حد أنه يصبح كالجبل الراسخ وتصبغ الصلاة الروح والفكر والقلب بصفة ملكوتية وتبلغ بالإنسان الى معراج العشق والصفاء والوصال وتبتعده عن ميدان الفحشاء والمنكرات وتقتربه من أرض الفضائل والمعنويات حتى كأنه يسبح في بحر الحسنات.

{واستعينوا بالصبر والصلاة}([258]).

ويقول القرآن الكريم أيضاً:

إن الله الرحمن مع الصابرين في كل مكان وزمان وحال ومعية الحق هذه مع الصابرين في الحقيقة انها مسألة كبيرة وعظيمة ولا يستطيع أحداً أن يشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة.

{إن الله مع الصابرين}([259]).

نستفيد من مفهوم آيات الكتاب الكريم بأن أغلب المشكلات التي تواجه الصابرين وبالأخص في فترة الحرب ضد الأعداء هي الخوف، والجوع ونهب الأموال وزهق الأرواح.

في الآيات من (157) وما بعدها من سورة البقرة التي ذكرت المسائل المشار إليها في الأعلى، جاء البحث حول الصابرين كي يبشرهم ويعلمهم كيفية الصبر ويوضح المسألة الأصلية حول لزوم الصبر والجزاء العمومي للذي وضح لهم رحمة وهداية الله سبحانه وتعالى.

في البداية يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبشر الصابرين، ولكن بأي شيء يبشرهم؟ لم يذكر هذا المعنى في الآية ولكن تطرقت إليها على وجه العموم، كي يبين عظمتهم أكثر، ذلك لأن كل شيء هو من الله سبحانه وتعالى، إذن كله حسن وجميل وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى وعدهم بها، بعد ذلك وصفهم الله الصابرين بأنهم عند نزول المصائب يقولون:

{إنا لله وإنا إليه راجعون}([260]).

من البديهي أن المقصود ليسس أنهم يرددون هذه الجملة فقط أو تعبر في خواطرهم، بل إن المقصود أنهم يتحلون بحقيقة معنى هذه الآية وذللك بأن يؤمن الإنسان بأنه مملوك لله الواحد الأحد وأن رجوعه الى الله سبحانه وتعالى فالذي يؤمن بهاتين الحقيقتين فإنه أدرك دون شك أعلى درجات الصر أمام مواجهة الحوادث ويكون الجزع والعجلة والغفلة قد ذهبت من قلبه.

{أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ}([261]).

{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ}([262]).

{ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}([263]).

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}([264]).

{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا}([265]).

{فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}([266]).

{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُـحْسِنِينَ}([267]).

{أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}([268]).

الصبر في الروايات

إذا أردنا أن نذكر جميع الروايات التي تخص موضوع الصبر الواردة في كتب الروايات، فإننا في الحقيقة سنحتاج الى كتابة مجلد لكل موضوع خاص في باب الصبر، ولكن في هذا الفصل سنكتفي بذكر بعض الروايات التي عسى أن تنور لنا طريقنا في الحياة وترشدنا في السير والسلوك. ويمكن مراجعة الروايات التي تخص باب الصبر في كتب (الكافي)، و(بحار الأنوار)، و(مستدرك الوسائل)، و(الوافي) للفيض كاشاني.

عَنْ اَبى عَبْدِ اللّهِ عليه ‏السلام قالَ : اَلصَّبْرُ رَأْسُ الاْيمانِ([269]).

وفي رواية أخرى يكمل الرواية هكذا:

الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الايمان([270]).

يقول أبو بصير:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

إن الحر حر على جميع أحواله، إن نابته نائبة صبرلها وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره وإن اسر وقهر واستبدل باليسر عسرا كما كان يوسف الصديق الامين صلوات الله عليه لم يضرر حريته أن استعبد وقهرواسر ولم تضرره ظلمة الجب و وحشته وما ناله أن من الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبد ا بعد إذكان [له] مالكا، فأرسله ورحم به امة وكذلك الصبر يعقب خيرا، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر توجروا([271]).

عَنْ اَبى جَعْفَرٍ عليه‏السلام قالَ : اَلْجَنَّةُ مَحْفوفَةٌ بِالْمَكارِهِ وَالصَّبْرِ ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمَكارِهِ فِى الدُّنْيا دَخَلَ الْجَنَّةَ . وَجَهَنَّمُ مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذّاتِ وَالشَّهَواتِ فَمَنْ اَعْطى نَفْسَها لَذَّتَها وَشَهْوَتَها دَخَلَ النّارَ([272]).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

دخل أمير المؤمنين صلوات الله عليه المسجد، فإذا هو برجل على باب المسجد، كئيب حزين، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): مالك؟ قال: يا أمير المؤمنين اصبت بأبي [وامي] وأخي وأخشى أن أكون قد وجلت، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام):

عليك بتقوى الله والصبر تقدم عليه غدا ; والصبر في الامور بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الامور فسدت الامور([273]).

قالَ اَميرُالْمُؤْمِنينَ عليه ‏السلام: اَلصَّبْرُ صَبْرانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصيبَةِ حَسَنٌ جَميلٌ، وَاَحْسَنُ مِنْ ذلِكَ الصَّبْرُ عِنْدَ ما حَرَّمَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ عَلَيْكَ . وَالذِّكْرُ ذِكْرانِ ذِكْرُ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ عِنْدَ الْمُصيبَةِ ، وَاَفْضَلُ مِنْ ذلِكَ ذِكْرُ اللّهِ عِنْدَما حَرَّمَ عَلَيْكَ فَيَكُونَ حاجِزاً([274]).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الارض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الارض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الارض إلى منتهى العرش([275]).

قالَ اَميرُالْمُؤْمِنينَ عليه ‏السلام: اِنَّ الصَّبْرَ وَحُسْنَ الْخُلْقِ وَالْبِرَّ وَالْحِلْمَ مِنْ اَخْلاقِ الاَْنْبياءِ([276]).

وَعَنْهُ عليه‏السلام : لا يَذوقُ الْمَرْءُ مِنْ حَقيقَةِ الاْيمانِ حَتّى يَكونَ فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ : اَلْفِقْهُ فِى الدّينِ ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَصائِبِ ، وَحُسْنُ التَّقْديرِ فِى الْمَعاشِ([277]).

وَعَنْهُ عليه ‏السلام: صَبْرُكَ عَلى مَحارِمِ اللّهِ اَيْسَرُ مِنْ صَبْرِكَ عَلى عَذابِ الْقَبْرِ، مَنْ صَبَرَ عَلَى اللّهِ وَصَلَ اِلَيْهِ([278]).

يا أيها القلب كن موافق لزلف العنبر المبعثر *** أمضي يومك في ظلام وكن قلق.

إذا لم تستطيع أن تداريهم فكن بلون الحبيب *** اذهب وتشبه به في عالم الظاهر.

واشتري بالروح وصل الحبيب *** وإلا ستظل الى الأبد تعيش حالة الهجران.

وإذا علمت في حياتك جميع الأعمال إلا العشق *** فإنك ستعيش طوال الحياة نادم.

الى متى تظل غلام عالم التركيب *** اكسر الطلسم وادخل عالم الروح

ولا يستطيع الأطباء أن يعالجوك***امش بدائك وكن قرير العين.

ولا نستطيع أن ننظر الى وسعة الحديقة *** فانظر الى الأشواك وكن مرتاح البال.

نصيب نبي الله خضر كان ماء الحياة *** فقل لسكندر الذي ركض ورائه متحيرا([279]).

الصبر من وجه العرفان:

يكون الصبر على ثلاثة أنواع:

الأول: الصبر العام ويكون جنسه من النفسِ، ويكون على سبيل اظهار التجلد والثبات في التحمل، حتى يصبح ظاهره قريب من العقلاء ويكون مرضياً أمام عموم الناس.

الثاني: صبر الزهاد والمتعبدين وأهل التقوى وأرباب الحلم من أجل الحصول على الثواب في الآخرة.

الثالث: صبر العرفاء، فبعضهم يتلذذون من ذلك بالمكروه كون انهم يتصورون بأن الله سبحانه وتعالى قد خصهم بذلك البلاء دون عباده.

علامة الصبر هو حبس النفس واستحكام الدرس والمدوامة على طلب الأنس والمحافظة على الطاعات والاستقصاء في الواجبات والصدق في المعاملات وطول القيام في المجاهدات واصلاح الذنوب وترك الشكوى والصبر على الأذى.

الصبر هو أن لا تفرق في حالة الشدة أو الرخاء وسكون النفس في البلاء وتحمل المصائب.

فعندما ينزل بك بلاء الكونين أو حينما تنزل عليك محنة العالمين عليك أن لا تتأوّه وان لا تبحث عن أي شيء آخر إلا الصبر وأن تكون حالتك في البلاء مثلما هي في حالة الرخاء.

{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُك إِلاَّ بِاللّهَ}([280]).

أقسام الصبر

يمكن تقسيم الصبر الى عدة أقسام على أساس حالات الصابرين وكيفية صبرهم:

1ـ الصبر لله: وهو حبس النفس من الجزع في حال وقوع أمر مكروه أو في حال فوات الأوان لأمر مهم.

2ـ الصبر في الله: وهو الثبات والاستقامة في سبيل الحق من أجل تحمل البليات وترك اللذات ودفع الموانع.

3ـ الصبر مع الله: وهو صبر أهل المعرفة والبصيرة وتظهر عندهم هذه الحالة عند بروز الموانع وظهور آثار النفس.

4ـ الصبر عن الله: ينقسم هذا الصبر الى قسمين، فالأول يختص بالفساق والآخر بالعشاق، في الأول يحكي لنا عن البعد والابتعاد، وفي الثاني يحكي لنا عن القرب، في الحالة الأولى كلما ازداد الفاسق في صبره على فسوقه كلما ازداد حالته سوءاً، وفي الحالة الثانية كلما ازداد العاشق في صبره كلما ازداد قرباً، فالصبر في الأول يرتبط بأهل الجفاء والغفلة، وفي الثاني يرتبط بأهل المعرفة والبصيرة.

5ـ الصبر بالله: وهو صبر الموحدين وصبر أهل التمكين في مقام الاستقامة في أمر الله سبحانه وتعالى.

درجات الصبر

يقول الخواجه: الصبر عبارة عن حبس النفس عن الجزع واظهاره يدل على الشكوى والتذمر. الصبر لعامة الناس أصعب منزلة ولأهل المحبة هو أخوف مقام وللموحدين هو أدنى موقف، ويكون على ثلاث درجة:

1ـ الدرجة الأولى من الصبر: الصبر عن المعصية لأجل الحفاظ على الإيمان واجتناب العذاب ويحصل مع مطالعة الوعد الإلهي. في هذا المقام إذا كانت عوامل الصبر هي الغضب والندم والحياء من الله سبحانه وتعالى وكانت سبباً لأن يبتعد السالك عن المعاصي، فهذا الصبر هو أفضل الصبر.

2ـ الدرجة الثانية من الصبر: الصبر على الطاعة ويحصل بالمحافظة والدوام على الطاعة وتقسيمها.

3ـ الدرجة الثالثة من الصبر: الصبر على البلايا والمصائب للحصول على الثواب الإلهي، فتحمل هذا الصبر مع انتظار الفرج من الله سبحانه وتعالى يصبح سهل وبسيط. فالمصائب تسهل وتهون مع ذكر الله سبحانه وتعالى، فالذي يذكر الله جل وعلا فإنه لا يشعر بالتعب([281]).

اَلصَّبْرُ يُظْهِرُ ما فى بَواطِنِ الْعِبادِ مِنَ النّورِ وَالصَّفاءِ ، وَالْجَزَعُ يُظْهِرُ ما فى بَواطِنِهِمْ مِنَ الظُّلْمَةِ وَالْوَحْشَةِ . وَالصَّبْرُ يَدَّعيهِ كُلُّ اَحَدٍ وَما يَثْبُتُ عِنْدَهُ اِلاَّ الْمُخْبِتونَ . وَالْجَزَعُ يُنْكِرُهُ كُلُّ اَحَدٍ وَهُوَ اَبْيَنُ عَلَى الْمُنافِقينَ لاَِنَّ نُزولَ الْمِحْنَةِ وَالْمُصيبَةِ يُخْبِرُ عَنِ الصّادِقِ وَالْكاذِبِ . وَتَفْسيرُ الصَّبْرِ ما يَسْتَمِرُّ مَذاقُهُ ، وَما كانَ عَنِ اضْطِرابٍ لا يُسَمّى صَبْراً . وَتَفْسيرُ الْجَزَعِ اضْطِرابُ الْقَلْبِ وَتَحَزُّنُ الشَّخْصِ وَتَغْييرِ اللَّوْنِ وَتَغْييرِ الْحالِ . وَكُلُّ نازِلَةٍ خَلَتْ اَوائِلُها مِنَ الاِْخْباتِ وَالاِْنابَةِ وَالتَّضَرُّعِ اِلَى اللّهِ فَصاحِبُها جَزُوعٌ غَيْرُ صابِرٍ.

معنى الصبر والجزع

يقوم الإمام الصادق عليه السلام:

الصبر يظهر لنا خفايا الإنسان من الصفات الحسنة والنور والصفاء والجزع يفشي لنا ما في قلب الإنسان من الضعف والظلام والاضطراب والخوف.

فالجميع يدعي بانهم صابرون نافين الجزع والخوف عن أنفسهم، لكن الصابر هو الذي يطيع الله جل وعلا في اوامره. يمكن مشاهدة مفهوم الجزع عند المنافقين، ذلك أنهم عند الابتلاء ينتابهم حالة من الاضطراب والشك والخوف والظلام وتظهر حقائق باطنهم، وفي الخطوة الأولى يخسرون الإيمان والاستقامة ويظهر كذب ادعائهم.

حقيقة الصبر هو أن يكون المرء راسخ العقيدة عند نزول المصائب، لذا فإن حدود الصعوبة وقبولها في مفهوم الصبر مأخوذ بعين الاعتبار. ففي حالة أن الأمر لم يكن فجيعاً، أو أنه يصر على أمر في حالة اضطراب وغضب فإن ذلك خارج عن مفهوم الصبر.

الجزع هو عكس الصبر، فهو إدامة أمر أو حالة مع الاضطراب والحسرة وعدم ارتياح القلب وتغيير الحالة الظاهرية للإنسان من لونه وسيماه.

فقد علمنا أن الصبر الممدوح بدايته تكون مقترنة بالخضوع والخشوع والالتفات الى الله سبحانه وتعالى ثم الاستمرار بالعادة الروحية، فعندما تفقد هذه الحدود فإنه يصبح جزعاً.


وَالصَّبْرُ ما اَوَّلُهُ مُرٌّ وَآخِرُهُ حُلْوٌ لِقَوْمٍ ، وَلِقَوْمٍ اَوَّلُهُ وَآخِرُهُ حُلْوٌ ، فَمَنْ دَخَلَهُ مِنْ اَواخِرِهِ فَقَدْ دَخَلَ ، وَمَنْ دَخَلَهُ مِنْ اَوائِلِهِ فَقَدْ خَرَجَ . وَمَنْ عَرَفَ قَدْرَ الصَّبْرِ لا يَصْبِرُ عَمّا مِنْهُ الصَّبْرُ ، قالَ اللّهُ تَعالى فى قِصَّةِ موسى وَالْخِضْرِ عَلى نَبيِّنا وَعَلَيْهِمَا السَّلامُ :{وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً}([282]). فَمَنْ صَبَرَ كُرْهاً وَلَمْ يَشْكُ اِلَى الْخَلْقِ وَلَمْ يَجْزَعْ بِهَتْكِ سِتْرِهِ فَهُوَ مِنَ الْعامِّ وَنَصيبُهُ ما قالَ اللّهُ تَعالى: {وَبَشِّرِ الصّابِرينَ}([283]) اَىْ بِالْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ . وَمَنِ اسْتَقْبَلَ الْبَلاءَ بِالرَّحْبِ وَصَبَرَ عَلى سَكينَةٍ وَوَقارٍ فَهُوَ مِنَ الْخاصِّ وَنَصيبُهُ ما قالَ اللّهُ تَعالى :{إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}([284]).

الصابرون الحقيقيون

تكون بداية الصبر لمجموعة ما بداية مرّة ونهايته حلوة، ولمجموعة أخرى تكون بداية مرّة ونهاية مرّة أيضاً، فالذي يدخل طريق الصبر ويأخذ في الاعتبار نتائجها فهو من الصابرين بشكل مسلّم ويتوفق لرؤية النتيجة المطلوبة لصبره.

الذي ينظر الى بداية مرارة الصبر فإنه لا يملك مصداق الصابر والصبر بينما الذي عرف منزلة ومقام هذا العمل فإنه لا يرضى أن يكون هناك وقف وتسامح في عوامل الصبر أو يكون غير مهيئ لذلك.

يقول الله سبحانه وتعالى في قصة نبي الله موسى والخضر عليهما السلام:

كيف تصبر على مالم تحط به علماً؟

لذا فإن الذي يصبر عن طريق الإكراه في الوقت الذي يسعى فيه أن لا يشكي أو يشتكي أو يظهر باطنه بالاضطراب والجزع فإنه من عموم الصابرين، وتشمله الآية الشريفة من جهة النصيب والحظ:

وبشر الصابرين.

أما إذا ذهب لاستقبال البلاء من أعمقاق قلبه وصبر ولم يظهر أقل جزع أو فزع و اظهر الوقار والثبات بكل راحة بال واطمئنان قلب فإنه يعتبر من خواص الصابرين ويشمله قول الله سبحانه وتعالى:

{إن الله مع الصابرين}([285]).

صبر امرأةٍ لله سبحانه وتعالى

ينقل عن أحد الفضلاء:

كنت أمر من احد القبور، فرأيت أمرة جالسة بين القبور تردد هذه الأشعار وكانت بهذا المضمون:

صبرت في الوقت الذي أعلم أن عاقبته حسنة، فهل الجزع يليق بي؟

جبرت على أمر إذا نزلت بعض منه على الجبال لتزلزلت

فدمعت عيناني وبعدها استرددت الدموع لعيني وأنا باكيه بقلبي.

يقول رجل الدين ذلك: فسألت تلك المرآة عما أصابها وأي مصيبة نزلت بها، وقلت لها: انك تقولين صبرت على أمر لا يستطيع أي مرء أن يصبر عليه فما هو ؟

فأجابت: ذبح زوجي خروفاً لأطفالي في يوم من الأيام، وبعدما انتهى من ذبحه رمى السكين في إحدى زوايا البيت وخرج من المنزل فقام ابني الكبير بتقليد ابيه وربط يدي وورجلي أخيه الصغير وطرحه أرضاً، وقال:

أريد يا أخي أن أريك كيف ذبح والدي الخروف. بعدها قام الأخ الكبير، بذح الأخ الصغير وعرفت ذلك عند فات الأوان، فغضبت على ولدي الكبير فأردت أن أضربه، فهرب الى الصحراء وعندما رجع زوجي الى البيت علم بالأمر، فذهب يبحث عن الولد، فوجده ميتاً قد هاجمته حيوانات الصحراء فحمل جنازته بصعوبة الى البيت وفارق الحياة من شدة العطش والتعب، فبادرت بسرعة كي أصل الى جنازة زوجي و ولدي، وفي هذه الأثناء أوصل طفلي الرضيع نفسه إلى قدر فيه ماء يغلي، فانقلب عليه القدر ومات في الحال. وعلى أية حال فأنا في يوم واحد فقدت جميع أعضاء عائلتي وفي هذه الاثناء فكرت في نفسي إني إن صبرت على هذه المصائب والبلايا، فإن الله سبحانه وتعالى سيجازيني خيراً عليها.

ثم تمتمت بأشعار بهذا المضمون:

جميع الأمور من الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وليس لنا من أمرنا شيء([286]).


الباب 92

في الحزن والغم


قالَ الصّادِقُ عليه ‏السلام :

اَلْحُزْنُ مِنْ شِعارِ الْعارِفينَ لِكَثْرَةِ وارِداتِ الْغَيْبِ عَلى اَسْرارِهِمْ وَطولِ مُباهاتِهِمْ تَحْتَ سِرِّ الْكِبْرياءِ .

وَالْمَحْزُونُ ظاهِرُهُ قَبْضٌ وَباطِنُهُ بَسْطٌ ، يَعيشُ مَعَ الْخَلْقِ عَيْشَ الْمَرْضى وَمَعَ اللّهِ عَيْشَ الْقُرْبى .

وَالْمَحْزُونُ غَيْرُ الْمُتَفَكِّرِ لاَِنَّ الْمُتَفَكِّرَ مُتَكَلِّفٌ وَالْمَحْزونُ مَطْبوعٌ ، وَالْحُزْنُ يَبْدُو مِنَ الْباطِنِ وَالْفِكْرُ يَبْدُو مِنْ رُؤْيَةِ الْمُحْدَثاتِ وَبَيْنَهُما فَرْقٌ . قالَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ فى قِصَّةِ يَعْقوبَ عليه‏السلام: {إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}([287]) وَقيلَ لِرَبيعِ بْنِ خُثَيْمٍ : ما لَكَ مَهْمُوماً ؟ قالَ : لاَِنّى مَطْلوبٌ . وَيَمينُ الْحُزْنِ الاِْنْكِسارُ وَشِمالُهُ الصَّمْتُ ، وَالْحُزْنُ يَخْتَصُّ بِهِ الْعارِفونَ لِلّهِ تَعالى ، وَالتَّفَكُّرُ يَشْتَرِكُ فيهِ الْخاصُّ وَالْعامُّ .

وَلَوْ حُجِبَ الْحُزْنُ عَنْ قُلوبِ الْعارِفينَ ساعَةً لاَسْتَغاثُوا ، وَلَوْ وُضِعَ فى قُلوبِ غَيْرِهِمْ لاَسْتَنْكَرُوهُ ، فَالْحُزْنُ اَوَّلُ ثانيهِ الاَْمْنُ وَالْبِشارَةُ وَالتَّفَكُّرُ ثانٍ اَوَّلُهُ تَصْحيحُ الاْيمانِ وَثالِثُهُ الاِْفْتِقارُ اِلَى اللّهِ تَعالى بِطَلَبِ النَّجاةِ .

وَالْحَزينُ مُتَفَكِّرٌ وَالْمُتَفَكِّرُ مُعْتَبِرٌ . وَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما حالٌ وَعِلْمٌ وَطريقٌ وَعِلْمٌ وَمَشْرَبٌ .


اَلْحُزْنُ مِنْ شِعارِ الْعارِفينَ لِكَثْرَةِ وارِداتِ الْغَيْبِ عَلى اَسْرارِهِمْ وَطولِ مُباهاتِهِمْ تَحْتَ سِرِّ الْكِبْرياءِ .

وَالْمَحْزُونُ ظاهِرُهُ قَبْضٌ وَباطِنُهُ بَسْطٌ ، يَعيشُ مَعَ الْخَلْقِ عَيْشَ الْمَرْضى وَمَعَ اللّهِ عَيْشَ الْقُرْبى .

وَالْمَحْزُونُ غَيْرُ الْمُتَفَكِّرِ لاَِنَّ الْمُتَفَكِّرَ مُتَكَلِّفٌ وَالْمَحْزونُ مَطْبوعٌ ، وَالْحُزْنُ يَبْدُو مِنَ الْباطِنِ وَالْفِكْرُ يَبْدُو مِنْ رُؤْيَةِ الْمُحْدَثاتِ وَبَيْنَهُما فَرْقٌ . قالَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ فى قِصَّةِ يَعْقوبَ عليه‏السلام: {إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}([288]).

الحزن شعار العرفاء

إذا كان الحزن من أجل فوات أمور ظاهرية ومسائل مادية فإن هكذا حزن هو مردود ولا تشمله الفيوضات الربانية من وجهة نطر القرآن المجيد.

المقصود من هذا الحزن والغم في هذه الرواية هو الحزن الذي ينتاب الإنسان عندما ينظر إلى صغره أمام عظمة حضرة الحق سبحانه وتعالى، وهو الحزن الذي يصيبه على أثر الوصول الى مقام الشهود بالنسبة الى الواقعيات وأنه لماذا هذا الإنسان على الرغم من كل هذا الإيمان والعمل، يبقى حقيرا وفقيرا وهو الحزن الذي يشعر به الإنسان عندما يفكر في أهوال يوم القيامة من حسابها وكتابها، وهذا الحزن الذي يكون السبب في تسريع حركة السير والسلوك للإنسان الى الله سبحانه وتعالى، هو ممدوح ومحمود ومن أوصاف العارفين بالله.

تحدثنا ما أتاحت لنا الفرصة في كل مناسبة في أكثر المجلدات السابقة حول هذا الموضوع، ولا نرى هنا حاجة الى شرح مفصل لها بل نكتفي بتوضيح أصل الرواية فقط.

يقول الإمام الصادق عليه السلام:

اَلْحُزْنُ مِنْ شِعارِ الْعارِفينَ لِكَثْرَةِ وارِداتِ الْغَيْبِ عَلى اَسْرارِهِمْ وَطولِ مُباهاتِهِمْ تَحْتَ سِرِّ الْكِبْرياءِ .

وَالْمَحْزُونُ ظاهِرُهُ قَبْضٌ وَباطِنُهُ بَسْطٌ ، يَعيشُ مَعَ الْخَلْقِ عَيْشَ الْمَرْضى وَمَعَ اللّهِ عَيْشَ الْقُرْبى .

وَالْمَحْزُونُ غَيْرُ الْمُتَفَكِّرِ لاَِنَّ الْمُتَفَكِّرَ مُتَكَلِّفٌ وَالْمَحْزونُ مَطْبوعٌ ، وَالْحُزْنُ يَبْدُو مِنَ الْباطِنِ وَالْفِكْرُ يَبْدُو مِنْ رُؤْيَةِ الْمُحْدَثاتِ وَبَيْنَهُما فَرْقٌ . قالَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ فى قِصَّةِ يَعْقوبَ عليه‏السلام: {إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}([289]).


وَقيلَ لِرَبيعِ بْنِ خُثَيْمٍ : ما لَكَ مَهْمُوماً ؟ قالَ : لاَِنّى مَطْلوبٌ .وَيَمينُ الْحُزْنِ الاِْنْكِسارُ وَشِمالُهُ الصَّمْتُ ، وَالْحُزْنُ يَخْتَصُّ بِهِ الْعارِفونَ لِلّهِ تَعالى ، وَالتَّفَكُّرُ يَشْتَرِكُ فيهِ الْخاصُّ وَالْعامُّ . وَلَوْ حُجِبَ الْحُزْنُ عَنْ قُلوبِ الْعارِفينَ ساعَةً لاَسْتَغاثُوا ، وَلَوْ وُضِعَ فى قُلوبِ غَيْرِهِمْ لاَسْتَنْكَرُوهُ ، فَالْحُزْنُ اَوَّلُ ثانيهِ الاَْمْنُ وَالْبِشارَةُ وَالتَّفَكُّرُ ثانٍ اَوَّلُهُ تَصْحيحُ الاْيمانِ وَثالِثُهُ الاِْفْتِقارُ اِلَى اللّهِ تَعالى بِطَلَبِ النَّجاةِ . وَالْحَزينُ مُتَفَكِّرٌ وَالْمُتَفَكِّرُ مُعْتَبِرٌ . وَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما حالٌ وَعِلْمٌ وَطريقٌ وَعِلْمٌ وَمَشْرَبٌ

حزن العرفاء

قيل لربيع بن خثيم: مالك محزون ومهموم؟ فقال: لأن لدى مسؤولية كبيرة على عاتقي، وأنا مسائل ومطلوب دائما.

ويمين الحزن التواضع أمام الله سبحانه وتعالى وشماله الصمت ولا يتسير حقيقة الحزن بدون هاتين الصفتين.

والحزن صفة مخصوصة لأهل العرفان ولكن التفكر يشترك فيه العارف والعام.

ولو سلب الله جل وعلا الحزن عن قلوب العارفين فإنهم يستغيثون ويتضرعون إليه في كل لحظة ولو وضع الله هذه الصفة في قلوب الآخرين لفقدانها لاستنكروها.

والحزن في الحقيقة مقام تكون نتائجه الأمن من قهر وغضب الله جل وعلا ومبشره بالجنة والرحمة والفيوضات الربانية.

يحصل الإنسان على التفكر بعد الإيمان والاعتقاد الراسخ ونتيجة التفكر هو الشعور بالحاجة والفقر الى الله سبحانه وتعالى وطلب النجاة والخلاص منه وكل امرء حزين فهو متفكر قهراً وكل متفكر معتبر.

لكل واحد من هذين الحالتين، حالات مخصوصة ومعارف وعلوم وطريقة خاصة.

الأحوال التي تختص الحزين هي:

1ـ وصوله الى مرتبة اليقين.

2ـ معاينة أحوال يوم القيامة من سؤال وكتاب ونشر وحشر.

3ـ علم صاحب الحزين أنها العلة إلى المعلول، وانها من الحق إلى العبد.

4ـ يكون علم الحزين تارة موهبة من الله سبحانه وتعالى.

5ـ مشرب الحزين هو الحزن والتألم والافتقار الى الله جل وعلا.


الباب 93

في الحياء


قالَ الصّادِقُ عليه ‏السلام :

اَلْحَياءُ نورٌ جَوْهَرُهُ صَدْرُ الاْيمانِ وَتَفْسيرُهُ التَّثَبُّتُ عِنْدَ كُلِّ شَىْ‏ءٍ يُنْكِرُهُ التَّوْحيدُ وَالْمَعْرِفَةُ ، قالَ النَّبىُّ صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله :

اَلْحَياءُ مِنْ الاْيمانِ وَالاْيمانُ بِالْحَياءِ .

وَصاحِبُ الْحَياءِ خَيْرٌ كُلُّهُ ، وَمَنْ حُرِمَ الحَياءَ فَهُوَ شَرُّ كُلُّهُ وَاِنْ تَعَبَّدَ وَتَوَرَّعَ ، وَاِنَّ خُطْوَةً تَتَخَطَّاُ فى ساحاتِ هَيْبَةِ اللّهِ بِالحَياءِ مِنْهُ اِلَيْهِ خَيرٌ مِنْ عِبادَةِ سَبْعينَ سَنَةً . وَالْوَقاحَةُ صَدْرُ النِّفاقِ وَصَدْرُ النِّفاقِ الْكُفْرُ .

قالَ رَسولُ اللّهِ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله : اِذا لَمْ تَسْتَحِ فَاعْمَلْ ما شِئْتَ . اَىْ اِذا فارَقْتَ الْحياءَ فَكُلُّ ما عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَاَنْتَ بِهِ مُعاقَبٌ .

وَقُوَّةُ الْحَياءِ مِنَ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ . وَالْحَياءُ مَسْكَنُ الْخَشيَةِ وَالْحَياءُ اَوَّلُهُ الْهَيْبَةُ وَصاحِبُ الْحَياءِ مُشْتَغِلٌ بِشَأْنِهِ ، مُعْتَزِلٌ مِنَ النّاسِ مُزْدَجِرٌ عَمّا هُمْ فيهِ وَلَوْ تُرِكَ صاحِبُ الْحَياءِ ما جالَسَ اَحَداً . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى ‏الله‏ عليه‏ و‏آله : اِذا اَرادَ اللّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اَلْهاهُ عَنْ مَحاسِنِهِ وَجَعَلَ مَساوِيَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَكَرَّهَهُ مُجالَسَةَ الْمُعرِضينَ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ تَعالى . وَالْحَياءُ خَمْسَةُ اَنْواعٍ :

حَياءُ ذَنْبٍ ، وَحَياءُ تَقْصيرٍ وَحَياءُ كَرامَةٍ ، وَحَياءُ حُبٍّ ، وَحَياءُ هَيْبَةٍ ، وَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْ ذلكَ اَهْلٌ ، وَلاَِهْلِهِ مَرْتَبَةٌ عَلى حِدَةٍ .


اَلْحَياءُ نورٌ جَوْهَرُهُ صَدْرُ الاْيمانِ

حقيقة الحياء

الحياء حالة معنوية وملكوتية تظهر في الإنسان على اثر معرفة الإنسان لله سبحانه وتعالى والتوجه لاسمائه وصفاته ويكون الحياء سبباً في حفظ الانسان من ارتكاب المعاصي وعلة لحركة العبد نحو الطاعة والعبادة.

يتمتع أهل الحياء بالوقار والسكينة، والأدب والعظمة، والتربية والعبادة والخبرة والعلم والصفاء والعقيدة.

يملك أهل الحياء تجاه الحقائق عيوناً ذات بصيرة، وقلوباً واعية وأرواحاً سامية، واذا ما قطعوهم ارباً ارباً، فمن المستحيل أن يلوثوا انفسهم بالذنب أمام حضرة المحبوب والذي هم دائماً يعتقدون بحضروهم في حضرته المقدسة؛ أو يتساهلون بالعبادات والطاعة.

لقد أشرنا في المجلدات السابقة حول مسألة الحياء وبذلنا ما بوسعنا من جهد لشرح هذا الموضوع، وهنا فقط نكتفي بذكر بعض الروايات مع توضيحها.

الحياء في الروايات

عَنْ اَبى عَبْدِ اللّهِ عليه ‏السلام : اَلْحَياءُ مِنَ الاْيمانِ وَالاْيمانُ فِى الْجَنَّةِ([290]).

قالَ اَبوعَبْدِ اللّهِ عليه ‏السلام : اَلْحَياءُ وَالْعِفافُ وَالْعَىُّ ـ اَعْنى عَىَّ اللِّسانِ لا عَىَّ الْقَلْبِ ـ مِنَ الاْيمانِ([291]).

عَنْ اَحَدِهِما عليهما السلام قالَ : اَلْحَياءُ وَالاْيمانُ مَقْرونانِ فى قَرَنٍ فَاِذا ذَهَبَ اَحَدُهُما تَبِعَهُ صاحِبُهُ([292]).

عَنْ اَبى عَبْدِ اللّهِ عليه ‏السلام قالَ : لا ايمانَ لِمَنْ لا حَياءَ لَهُ([293]).

عَنْ اَبى عَبْدِ اللّهِ عليه ‏السلام قالَ: قالَ رَسولُ اللّهِ صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله : اَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ وَكانَ مِنْ قَرْنِهِ اِلى قَدَمِهِ ذُنوباً بَدَّلَهَا اللّهُ حَسَناتٍ : الصِّدْقُ وَالْحَياءُ وَحُسْنُ الْخُلْقِ وَالشُّكْرُ([294]).

تبديل السيئة بالحسنة:

يقول العلامة المجلسي:

وقد قيل في هذا التبديل وجوه: الاول أنه يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم، الثاني أنه يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة الثالث أنه تعالى يوفقه لاضداد ما سلف منه الرابع أنه يثبت له بدل كل عقاب ثوابا([295]).

ولقد ذكرنا قصصاً عديدة حول أهل الحياء في الفصول السابقة، تستطيع أن تراجعها.

من الضروري هنا أن نذكر، أن الحياء والعفة في الأمور الحسنة هي نوع من الحماقة وتعتبر ضربة قاضية لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وإنما يستفاد من الحياء في المعصية والطاعة وبعبارة أخرى عندما يتاح للإنسان فرصة لارتكاب المنكر والفحشاء، يجب على الإنسان أن يستحي من الله جل وعلا وأن يبتعد عن الذنب، وايضاً عندما تتهيئ له وقت العبادة عليه أن يستحي من ترك ذلك.

في رواية مهمة جداً تذكرها أكثر كتب الحديث ومنها (الكافي)، و(تحف العقول)، و(بحار الأنوار) أن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام يذكر أن الحياء من جنود العقل.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث نافع جداً:

أينما وجد العقل وجد الحياء والإيمان([296]).

عندما يقوم المرء تحت ظل معرفة الحق والمسائل الإلهية بتقوية العقل، عندها تنمو صفة الحياء والإيمان عنده كنتيجة لذلك، ويكون في ميدان الصفاء والطاعة والعبادة وخدمة الخلق وسيصنع من نفسه موجودا الهياً ذو بركة ويكون خير مصداقٍ حقيقي لكلمة خليفة الله ويصبح انساناً كاملاً وفي هذه الحالة يشتعل نار العشق والشوق لدى العقل والحياء ولا يقنع إلا بلقاء و وصال حضرة المحبوب سبحانه وتعالى.


اَلْحَياءُ نورٌ جَوْهَرُهُ صَدْرُ الاْيمانِ وَتَفْسيرُهُ التَّثَبُّتُ عِنْدَ كُلِّ شَىْ‏ءٍ يُنْكِرُهُ التَّوْحيدُ وَالْمَعْرِفَةُ، قالَ النَّبىُّ صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله: اَلْحَياءُ مِنْ الاْيمانِ وَالاْيمانُ بِالْحَياءِ. وَصاحِبُ الْحَياءِ خَيْرٌ كُلُّهُ ، وَمَنْ حُرِمَ الحَياءَ فَهُوَ شَرُّ كُلُّهُ وَاِنْ تَعَبَّدَ وَتَوَرَّعَ، وَاِنَّ خُطْوَةً تَتَخَطَّاُ فى ساحاتِ هَيْبَةِ اللّهِ بِالحَياءِ مِنْهُ اِلَيْهِ خَيرٌ مِنْ عِبادَةِ سَبْعينَ سَنَةً. وَالْوَقاحَةُ صَدْرُ النِّفاقِ وَصَدْرُ النِّفاقِ الْكُفْرُ .

قالَ رَسولُ اللّهِ صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله: اِذا لَمْ تَسْتَحِ فَاعْمَلْ ما شِئْتَ .اَىْ اِذا فارَقْتَ الْحياءَ فَكُلُّ ما عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَاَنْتَ بِهِ مُعاقَبٌ

الحياء جذور الإيمان

يقول الإمام الصادق عليه السلام حول الحياء في حديثه:

الحياء نور جوهره النور والحقيقة ذاتها الإيمان، وبعبارة أخرى ان أغلب أجزاء الإيمان يتكون من الحياء، والإيمان الكامل معلول لتلك الصفة المعنوية والملكوتية.

معنى الحياء هو اجتناب ارتكاب كل عمل ينافي التوحيد والمعرفة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

الحياء من الإيمان وتقوية الإيمان من الحياء.

كل إنسان ذو حياء، فهو مجمع لجميع الحسنات، وكل من حرم هذه الصفة فهو مجمع لجميع الصفات الرذيلة، وإن كان من أهل العبادة والورع.

خطوة يخطوها صاحب الحياء أمام الله سبحانه وتعالى، أفضل من عبادة سبعين سنة دون حياء.

عدم الحياء اساس النفاق، وأصل وجذور النفاق هو الكفر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا لم تمتلك صفة الحياء ـ الذي هو أفضل رادع لاجتناب الذنب ـ فاعمل ما شئت كأنك قد خرجت من إطار العبودية لله سبحانه وتعالى، والخير والشر بفقدان صفة الحياء توجب العقاب الإلهي.


وَقُوَّةُ الْحَياءِ مِنَ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ. وَالْحَياءُ مَسْكَنُ الْخَشيَةِ وَالْحَياءُ اَوَّلُهُ الْهَيْبَةُ وَصاحِبُ الْحَياءِ مُشْتَغِلٌ بِشَأْنِهِ ، مُعْتَزِلٌ مِنَ النّاسِ مُزْدَجِرٌ عَمّا هُمْ فيهِ وَلَوْ تُرِكَ صاحِبُ الْحَياءِ ما جالَسَ اَحَداً . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى ‏الله‏ عليه‏ و‏آله : اِذا اَرادَ اللّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اَلْهاهُ عَنْ مَحاسِنِهِ وَجَعَلَ مَساوِيَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَكَرَّهَهُ مُجالَسَةَ الْمُعرِضينَ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ تَعالى . وَالْحَياءُ خَمْسَةُ اَنْواعٍ :

حَياءُ ذَنْبٍ ، وَحَياءُ تَقْصيرٍ وَحَياءُ كَرامَةٍ ، وَحَياءُ حُبٍّ ، وَحَياءُ هَيْبَةٍ ، وَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْ ذلكَ اَهْلٌ ، وَلاَِهْلِهِ مَرْتَبَةٌ عَلى حِدَةٍ.

مراحل الحياء

إن الذي يكون حزنه وهمه على أعماله الماضية وتقصيره في العبودية وخوفه من العقاب والعذاب فإنه حيائه أكثر، والحياء مسكن الخشية وأوله تجلي الهيبة والعظمة في القلب.

صاحب الحياء مشغول بنفسه وبعبادته ولا يغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى ومعتزل عن الذين لا نفع فيهم من الناحية المعنوية ومكره للذين يعملون لغير الله جل وعلا ولو ترك صاحب الحياء ما جالس أحداً.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أراد الله بعبد خيراً أخفى محاسنه وعرض له سيئاته وكرّه له مجالسة أهل الغفلة.

الحياء على خمس مراحل:

1 ـ حياء يكون مانعاً عن ارتكاب الذنب وهو أدنى مرتبة في الحياء وهو حياء الناس عامة.

2ـ حياء التقصير: بمعنى أن يستحي من أن يرتكب عملاً يحمله على التقصير وإن كان تركه أولى.

3ـ حياء الكرامة: بمعنى أن كرامة وعزة حضرة المحبوب تمنعه من ارتكاب عملاً مخالفاً لرضاه.

4ـ حياء الحب: بمعنى أن أنوار محبة حضرته سبحانه تشع في وجوده بحيث لا تترك له مجالاً لمخالفته.

5ـ حياء الهيبة: وسببه الخشية كما أن حياء الحب يبعث على الأمل والرجاء في القلب.

كل واحد من هذه المراحل الخمس لها مقام، ونوكل شرحه إلى كتاب خاص.

الهي! بحق أنوار جلالك وأوصاف جمالك وذاتك التي هي متسجمعة لجميع صفات الكمال، ارزقنا بأن نتصف بهذه المراتب العالية من الحياء وأعف عن تقصيرنا وذنوبنا السابقة التي سببها الغفلة والجهل.


الباب 94

في الدعوى والإدعاء


قالَ الصّادِقُ عليه ‏السلام :

اَلدَّعْوى بِالْحَقيقَةِ لِلاَْنْبياءِ وَالاَْئِمَّةِ وَالصِّدّيقينَ وَامَّا الْمُدَّعى بِغَيْرِ واجِبٍ فَهُوَ كَاِبْليسَ اللَّعينِ ادَّعى النُّسُكَ وَهُوَ عَلَى الْحَقيقَةِ مُنازِعٌ لِرَبِّهِ مُخالِفٌ لاَِمْرِهِ ، فَمَنِ ادَّعى اَظْهَرَ الْكِذْبَ وَالْكاذِبُ لا يَكونُ اَميناً .

وَمَنِ ادَّعى فيما لا يَحِلُّ لَهُ فَتَحَ عَلَيْهِ اَبْوابَ الْبَلْوى .

وَالْمُدَّعى يُطالَبُ بِالْبَيِّنَةِ لا مَحالَةَ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَيَفْتَضِحُ وَالصّادِقُ لا يُقالُ لَهُ : لِمَ .

قالَ اَميرُالْمُؤْمِنينَ عليه ‏السلام : اَلصّادِقُ لا يَراهُ اَحَدٌ اِلاّ هابَهُ .


اَلدَّعْوى
بِالْحَقيقَةِ لِلاَْنْبياءِ وَالاَْئِمَّةِ وَالصِّدّيقينَ وَامَّا الْمُدَّعى بِغَيْرِ واجِبٍ فَهُوَ كَاِبْليسَ اللَّعينِ ادَّعى النُّسُكَ وَهُوَ عَلَى الْحَقيقَةِ مُنازِعٌ لِرَبِّهِ مُخالِفٌ لاَِمْرِهِ ، فَمَنِ ادَّعى اَظْهَرَ الْكِذْبَ وَالْكاذِبُ لا يَكونُ اَميناً .

مسألة الدعوى الكاذبة والصادقة

تم شرح حال أولئك الذين في طول التاريخ أدعو وتحملوا وزر ملايين الناس في الوقت الذي لم يكونوا صادقين في إدعائهم بشكل مفصل في المجلد الثاني من كتاب (العرفان الإسلامي) وكذلك تمت الإشارة إلى هذا الموضوع في المجلدات الأخرى، وتم إثبات هذه المقولة التي تقول إذا كان المجتمع الإنساني خالٍ من المدعين الكاذبين في جميع شؤون الحياة ولو أفسح المجال المدعون الماديون الكاذبون للمدعين الصادقين لم تكن البشرية تعاني من هذه المشكلات المختلفة، ولكن هؤلاء الذئاب الذين يظهرون بهيئة الأبرياء لم يعطوا المحقَ حقهُ وعاندوا المدعين الصادقين ورسل الله، وحاربوا وقتلوا وذبحوا أولئك العظماء وأصاحبهم، وعلى أساس ادعاتهم في الشرق و الغرب وجهت ضربات مهلكة لهذه الحياة.

هؤلاء دعوا الملايين الأشخاص إلى عبادة النار ومليار إنسان إلى عبادة الأصنام والأبقار وأغرقوا الكثير في عبادة التثليث والبوذية والهندية والشيوعية واللادينية ومنعوا عباد الله من أن تنمو مواهبهم في ميادين التوحيد والوحي والنبوة والإمامة. ما أعجب وضع هؤلاء المدعين الكاذبين في يوم القيامة وميدان المحشر وساعة قيام العدل!!

يقول الإمام الصادق عليه السلام:

لا يليق الإدعاء إلا للأنبياء والأئمة عليهم السلام والصديقين، والذي يدعي كذباً ويرفع منزلته عن الحقيقة فمثله كمثل إبليس اللعين الذي ادعى كثرة العبادة، وعصى الله سبحانه وتعالى لأنه خلق من نار واستحق بذلك العذاب الأبدي. ولأن هكذا إنسان هو كاذب في إدعائه فهو لن يستطيع أن يكون صاحب أمانة وديانة ولن يتخلص من الخداع وسوسة الشيطان.


وَمَنِ ادَّعى فيما لا يَحِلُّ لَهُ فَتَحَ عَلَيْهِ اَبْوابَ الْبَلْوى .

وَالْمُدَّعى يُطالَبُ بِالْبَيِّنَةِ لا مَحالَةَ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَيَفْتَضِحُ وَالصّادِقُ لا يُقالُ لَهُ : لِمَ .

قالَ اَميرُالْمُؤْمِنينَ عليه ‏السلام : اَلصّادِقُ لا يَراهُ اَحَدٌ اِلاّ هابَهُ .

المدعي الصادق

الذي يدعي فيما لا يحل له فقد فتح أبواب البلاء والعذاب بوجهه لأن الناس يطالبونه بالحجة والبرهان فيعجز عن ذلك فيفتضح أمره ولكن المدعى الصادق فالناس لا يطالبونه بالحجة لأنه منصف وصاحب ضمير وعقل وعلم وإن طالبوه بذلك فلن يعجز عن إظهار الدليل والبرهان.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام:

الصادق لا يراه أحد إلا هابه الناس في قلوبهم لدرجة انهم لا يسألونه عن ادعائه.

نعم، الإدعاء الكاذب يتعلق بالذين يعيشون في قيد الهوى والشهوات وقد عُبّر عنهم في المعارف الإلهية بقطاع طرق عباد الله سبحانه وتعالى.


الباب 95

في المعرفة


قالَ الصّادِقُ عليه ‏السلام :

اَلْعارِفُ شَخْصُهُ مَعَ الْخَلْقِ وَقَلْبُهُ مَعَ اللّهِ تَعالى ، وَلَوْ سَها قَلْبُهُ عَنِ اللّهِ تَعالى طَرْفَةَ عَيْنٍ لَماتَ شَوْقاً اِلَيْهِ ، وَالْعارِفُ اَمينُ وَدائِعِ اللّهِ تَعالى وَكَنْزُ اَسْرارِهِ وَمَعْدِنُ نُورِهِ وَدَليلُ رَحْمَتِهِ عَلى خَلْقِهِ وَمَطِيَّةُ عُلومِهِ وَميزانُ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ .

وَقَدْ غَنِىَ عَنِ الْخَلْقِ وَالْمُرادِ([297]) وَالدُّنْيا فَلا مُونِسَ لَهُ سِوَى اللّهِ وَلا نُطْقَ وَلا اِشارَةَ وَلا نَفَسَ اِلاّ بِاللّهِ تَعالى وِلِلّهِ وَمِنَ اللّهِ وَمَعَ اللّهِ فَهُوَ فى رِياضِ قُدْسِهِ مُتَرَدِّدُ وَمِنْ لَطائِفِ فَضْلِهِ مُتَزَوِّدٌ .وَالْمَعْرِفَةُ اَصْلٌ فَرْعُهُ الاْيمانُ .


اَلْعارِفُ شَخْصُهُ مَعَ الْخَلْقِ وَقَلْبُهُ مَعَ اللّهِ تَعالى ، وَلَوْ سَها قَلْبُهُ عَنِ اللّهِ تَعالى طَرْفَةَ عَيْنٍ لَماتَ شَوْقاً اِلَيْهِ ، وَالْعارِفُ اَمينُ وَدائِعِ اللّهِ تَعالى وَكَنْزُ اَسْرارِهِ وَمَعْدِنُ نُورِهِ وَدَليلُ رَحْمَتِهِ عَلى خَلْقِهِ وَمَطِيَّةُ عُلومِهِ وَميزانُ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ .

العرفان والمعرفة والعارف

بما ان الامام الصادق عليه السلام قد خص الحديث الاول من كتاب (مصباح الشريعة) لأوصاف العرفاء, نتطرق هنا الى ترجمة نص الرواية فقط وندعوكم كي تتعرفوا على اوصاف العارف الحقيقي بقراءة الحديث الاول من المجلد الاول لهذا الكتاب .

يقول الامام الصادق عليه السلام:

عارف المعارف يكون قلبه منوراً بنور معرفة الحق وشؤونه، الذي يحصل عليه عن طريق العلم والدين والمجاهدة ورياضة النفس, جسمه بين الناس، لكن قلبه مع الله, لايريد ولايقول ولايرى الا حضرة الحبيب وإن سهى قلبه لحظةَ عن المحبوب لمات شوقاَ اليه .

ياراحة كل روح مجروجة *** اعطف بلطفك على جرحي.

ارحم روحي المجورحة *** اجرح من كل مجروح.

ودائماَ اعيش غم الجرح *** وفي هذه اللحظة اصبحت اجرح.

ياحبيب لقد كسرغمك ظهرك *** وجهك جرح الجرح.

لاترمي بالحجارة على صدري *** ولانصبح ذليل اذا جرحتنا.

لقد وصل سهم غمك في قلبي *** واصاب سهمك كبدي.

وبدون لطفك لايستقيم اي شي *** ياايها الروح قلبي لقد انكسر.

لقد جاء الى بابك لرؤية وجهك *** وهل يحزن قلبي من ذلك.

وفي بيتك زهقت روحي *** ذلك الطائر الذي انكسر اجنحته.

وفي كل حال غلامك *** سواء كان لطفك او غضب([298]).

يعتبر رب العزة العارف امينه ويودع فيه علومه ومعارفه حتى يأخذ الناس العلوم منه ويستنيرون به, العارف هو كنز اسراره ومعدن نوره ودليل رحمته الواسعة ومطية علومه وميزان فضله وعدله.


وَقَدْ غَنِىَ عَنِ الْخَلْقِ وَالْمُرادِ([299]) وَالدُّنْيا فَلا مُونِسَ لَهُ سِوَى اللّهِ وَلا نُطْقَ وَلا اِشارَةَ وَلا نَفَسَ اِلاّ بِاللّهِ تَعالى وِلِلّهِ وَمِنَ اللّهِ وَمَعَ اللّهِ فَهُوَ فى رِياضِ قُدْسِهِ مُتَرَدِّدُ وَمِنْ لَطائِفِ فَضْلِهِ مُتَزَوِّدٌ .وَالْمَعْرِفَةُ اَصْلٌ فَرْعُهُ الاْيمانُ .

معنى المعرفة

العارف غني عن الخلق والمراد والدنيا ولامؤنس له الا الله ولاينطق ولايسمع ولا يشير ولا يتنفس الا لله سبحانه وتعالى وفي سبيله, فهو في رياض القدس متردد ومن لطائفه متزود .

نعم ان المعرفة هوجذر واساس الايمان، والايمان هو فرع وثمرة المعرفة .

قرأت في الماضي بعض الكتب فيها: أن كل حرف معرفة دليل على حقيقة.

م ـ تدل على مقت النفس بمعنى المبارزة مع الهوى الى حد الهلاك وهذه الحالة خطرة.

ع ـ تدل على عبادة الرب بإخلاص .

ر ـ تدل للرغبة إلى حضرة المحبوب سبحانه.




پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^