لماذا صالح معاوية ولم يثأر كأخيه الحسين :
السؤال : لقد قام الإمام الحسن (عليه السلام) بمصالحة معاوية بن أبي سفيان ، بينما ثار الإمام الحسين (عليه السلام) ضدّ يزيد بن معاوية ؟
فلماذا صالح الحسن (عليه السلام) ؟ بينما ثار الحسين (عليه السلام) ؟ وهل يعتبر هذان العملان متناقضان ؟ ونحن نعلم أنّ الأئمّة معصومون ، وشكراً لكم .
الجواب : لا تناقض بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسين (عليهما السلام) ؛ حيث إن حركة أهل البيت لنصرة الدين وحفظة حركة تكاملية ، فكل إمام يبدأ من حيث انتهى الإمام الذي قبله ، وذلك باختلاف الظروف في الأزمنة المختلفة ، بل تجد المعصوم الواحد تتعدد مواقفه بتعدد الظروف ، فالنبي (صلى الله عليه وآله) الذي جاهد المشركين في بدر وأُحد وغيرهما تراه يصالحهم في الحديبية ، فالنبي هو النبي إلا أن الظروف تختلف ، كذلك أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي صبر وفي العين قذى وفي الحلق شجى على ما جرى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تراه يقاتل أعداء الله في عدّة مواطن ، فعلي هو علي إلا أنّ الظروف تختلف .
فالنبي وأهل بيته الأطهار لكلٍّ أفعلهم وتصرفاتهم تنصبّ في السعي لحفظ الدين ، فلو اقتضى ذلك المصالحة ولو مع المشركين تراهم يصالحون ولو اقتضى الأمر الجهاد تراهم في أعلى مراتب الشجاعة والتضحية فالحسين كان مع أخيه الحسن (عليهما السلام) في الصلح بل وبعد أخيه الحسن لما يزيد على العشر سنين ولم يقم بالثورة حتى تحققت الظروف المناسبة ، فكانت تلك الثورة العظيمة ، ولو كان الإمام الحسن (عليه السلام) موجوداً في تلك الظروف لما اختلف موقفه عن موقف الإمام الحسين (عليه السلام) . فتأمل .
ويظهر ذلك جليّاً من مراجعة كلمات الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) . فكما ورد عن الإمام الحسين أنه قال عند خروجه على يزيد : " وإنّما خرجت
|
الصفحة 175 |
|
لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي " (1) ورد عن الإمام الحسن نفس هذا الأمر . وإليك بعض هذه النصوص :
1ـ قال له رجل : بايعت معاوية ، ومعك أربعون ألفاً ، ولم تأخذ لنفسك وثيقة، وعهداً ظاهراً ؟
فقال له : " إنّي لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر منّي عند اللقاء ، ولا اثبت عند الحرب منّي ، ولكنّي أردت صلاحكم ... " (2) .
2ـ وقال له رجل آخر : يا ابن رسول الله ، لوددت أن أموت قبل ما رأيت أخرجتنا من العدل إلى الجور ... .
فقال له الإمام (عليه السلام) : " إنّي رأيت هوى معظم الناس في الصلح ، وكرهوا الحرب ، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون ، فصالحت ... " (3) .
3ـ وقال له ثالث : لم هادنت معاوية وصالحته وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه ، وأنّ معاوية ضالّ باغ ؟
فأجابه الإمام (عليه السلام) : " علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبني ضمرة ، وبني أشجع ، ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية ، أُولئك كفّار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل ... " (4) .
4ـ وقال له رجل : لماذا صالحت ؟
فأجابه (عليه السلام) : " إنّي خشيت أن يجتث المسلمون على وجه الأرض ، فأردت أن يكون للدين ناع " .
____________
1- لواعج الأشجان : 30 .
2- شرح نهج البلاغة 16 / 15 .
3- الأخبار الطوال : 220 .
4- علل الشرائع 1 / 211 ، الطرائف : 196 .
|
الصفحة 176 |
|
( ... . ... . ... )
السؤال : جاء في كتاب كشف الغمّة : ومن كلامه (عليه السلام) ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقرّ بينه وبين معاوية ... : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله ، وسنّة رسوله ، وسيرة الخلفاء الراشدين ، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً ، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين ... " (1) .
فما هو الردّ على أهل السنّة إذ إنّهم يستشهدون به .
الجواب : لقد ورد هذا المتن من الصلح في كتاب كشف الغمّة ، وفيه :
أوّلاً : إنّ مجرد نقل مؤلّف من الشيعة لموضوع لا يعني بالضرورة قبوله له ، أو قبول طائفته لذلك وتبنّيهم له .
ثانياً : إنّ ما ذكر هنا لم يرد عندهم مسنداً ، ولا عرف عنهم مثبتاً .
ثالثاً : إنّ المقصود من تعبير الخلفاء الراشدين ، هم أهل البيت (عليهم السلام) لا من غصب هذا العنوان ، وهذا نوع من التورية في الكلام ، فقد يكنّون عن أنفسهم بذلك تغطية ورمزاً ، وهذا كثير ، وإلاّ لقال له : والعمل بسنّة الشيخين ، كما قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الشورى .
رابعاً : لعلّ ما هنا هو من باب المماشاة نظير قول نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) ـ وهو سيّد الموحّدين ـ كما حكاه في الكتاب الكريم : { قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسئَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ } (2) .
خامساً : وهو المهمّ وعمدة ما في الباب : إنّ هناك قاعدة ثابتة عقلاً ومتعارفة عملاً ، ومتبعة سيرةً ، تعرف عندهم بقاعدة الإلزام ، يستعان بها في
____________
1- كشف الغمّة 2 / 193 .
2- الأنبياء : 62 ـ 63 .
|
الصفحة 177 |
|
مقام الاحتجاج وإلزام الخصم بما يلتزم به ، ويتظاهر بالاعتقاد به ، ولا يستطيع إنكاره ، بمعنى أنّ كلّ ما اعترف به الخصم واعتقد بصحّته صحّ الاستناد إليه وإلزامه به ، وليس معنى هذا اعتقاد القائل به بذلك أو التزامه به كما هو واضح .
وقد جاءت نصوص في الشريعة المقدّسة تؤيّد ما ذكرناه ، منها : ما جاء في التهذيب عن أبي الحسن (عليه السلام) أنّه قال : " ألزموهم بما ألزموا أنفسهم " (1) .
هذا ، ولعلّ فلسفة هذا العمل ، هو أنّ معاوية لم يلتزم حتّى بسيرة خلفائهم فضلاً عن غيرهم ، وقطعاً لو لم يشترط هذا الشرط لتظاهر الرجل بعدم الموافقة ، ولما تمّ الصلح الظاهري ، والله العالم .
( أحمد . البحرين . 42 سنة . طالب أكاديمي )
السؤال : هذا أحد حجج أهل السنّة على الشيعة فما قولكم فيه :
لقد تنازل الحسن بن علي لمعاوية وسالمه ، وفي وقت كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكنه من مواصلة القتال .
وخرج الحسين بن علي في قلّة من أصحابه في وقت كان يمكنه فيه الموادعة والمسالمة ، ولا يخلو أن يكون أحدهما على حقّ ، والآخر على باطل ، لأنّه إن كان تنازل الحسن مع تمكّنه من الحرب حقّاً كان خروج الحسين مجرّداً من القوّة مع تمكّنه من المسالمة باطلاً ، وهذا يضعكم في موقف لا تحسدون عليه، لأنّكم إن قلتم أنّهما جميعاً على حقّ جمعتم بين النقيضين ، وهذا القول يهدم أُصولكم .
الجواب : إنّ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) يتّفقان في الأهداف،
____________
1- تهذيب الأحكام 9 / 322 .
|
الصفحة 178 |
|
ويختلفان في كيفية التعامل مع الحكم السائد .
فبما أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان يواجه معاوية ومَكْرِه ونفاقه فاضطرّ إلى أن يكشف زيفه حتّى يتضّح للجميع عدم مشروعية الحكم الأمويّ ـ وإن كان واضحاً عند المؤمنين في واقعة صفّين وقبلها أو بعدها ـ فتبيّن من صلحه (عليه السلام) عدم التزام معاوية بمواعيده ، ومن ثمّ تنفيذ مخطّطاته الظالمة فور سيطرته على الحكم بدون منازع ، من قتل وتشريد المؤمنين ، وتنصيب ولاة الجور عليهم ، والاستمرار في سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر ، وأخذ البيعة ليزيد و ... ـ وهذا الأمر كلّه قد حصل بفضل صلحه (عليه السلام) .
وإلاّ فإنّ الاستمرار في الحرب مع معاوية كان لا ينتج هذه الثمرات كلّها أو بعضها ، كيف وقد رأى الإمام (عليه السلام) عدم قناعة أكثر جيشه باستمرار الحرب ، أو حتّى مؤامرة بعضهم لقتله أو أسره (عليه السلام) ، ففي هذه الظروف لم يكن للإمام (عليه السلام) أيّ خيار إلاّ أن ينتخب هذا الأسلوب ـ الصلح ـ لتستمر مواجهته مع العدوّ في شكلها الجديد .
ثمّ إنّ اتخاذه (عليه السلام) هذه الطريقة قد مهدّت ـ في نفس الوقت ـ الأرضية المناسبة لنهضة أخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، فتربّت الثلّة الواعية من المؤمنين في تلك الفترة ، وتحت الظروف القاسية ، فأصبحت فيما بعد أنصاراً أوفياء للإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء .
ومن جانب آخر فقد تمّت الحجّة على الجميع في معرفتهم الحكم الأمويّ ، الذي جاء في مستهلّه بثوب الرياء والتزوير ، وتظاهر بالإسلام ، فتعرّفوا عليه في شكله الحقيقيّ .
ثمّ جاء دور الإمام الحسين (عليه السلام) الذي كان متمّماً لدور أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) ، فقد استثمر الحالة الموجودة في المجتمع ، من عدم قناعتهم بمشروعية الدولة الأمويّة ـ وهذا قد نتج مسبقاً من صلح الإمام الحسن (عليه السلام) ـ وبما أنّ الحكم الأمويّ في عصره (عليه السلام) قد تمثّل في يزيد ـ وهو الذي كشف القناع عن وجهه ، بعدم
|
الصفحة 179 |
|
التزامه بالمبادئ ، والظواهر الإسلامية ـ فقام بالأمر وتصدّى للطاغية ، وإن أدّى ذلك إلى الشهادة ، فقد انتصر في كسر صولة الظالم ، وفتح الباب لمكافحة الغي الأمويّ ، وهذا ما نراه جليّاً في الحركات المتأخّرة عن واقعة كربلاء ، فكلّها جاءت متأثّرة من نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) .
وممّا ذكرنا يظهر لك أنّ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) ، ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كلاهما في خطّ واحد في سبيل النيل لهدف موحّد ، فلا كثرة الجيوش ولا قلّة الأنصار هو العامل الأوّل في اختيارهما لأسلوب المواجهة ، بل الظروف كانت تختلف ، وباختلافها تتنوّع الأساليب ، وإن كانت جميعها في إطار محاولة رفع الظلم وتثبيت العدل .
فلو كان الإمام الحسين (عليه السلام) في ظروف أخيه لأتّخذ نفس أسلوب الإمام الحسن (عليه السلام) في صلحه ، ولو كان الإمام الحسن (عليه السلام) يعيش في أيّام يزيد ، لانتهج أسلوب الكفاح والجهاد في وجه الأعداء ، فلا مغايرة في سيرتهما (عليهما السلام) .
( علي . الكويت . ... )