جولة حول ما رواه العلمان :
قد تعرفت على أكثر ما رواه الطبري والسيوطي في تفسيرهما، وتركنا بعض ما نقلاه في ذلك المجال عن أعلام التابعين، وما رويناه ينتهي اسناده إلى
1 . لاحظ للوقوف على مصادر هذه الروايات تفسير الطبري: 22| 5 ـ 7، والدر المنثور: 5|198 ـ 199.
[ 30 ]
أقطاب الحديث من الصحابة وعيون الاَثر ، وهم:
1. أبو سعيد الخدري.
2. أنس بن مالك.
3. ابن عباس.
4. أبو هريرة الدوسي.
5. سعد بن أبي وقاص.
6. واثلة بن الاَسقع.
7. أبو الحمراء، أعني: هلال بن الحارث.
8. أُمّهات الموَمنين: عائشة وأُم سلمة.
أيصح بعد هذا لمناقش أن يشك في صحة نزولها في حق العترة الطاهرة؟! وليس الطبري والسيوطي فريدين في نقل تلك المأثورة، بل سبقهما، أصحاب الصحاح والمسانيد فنقلوا نزول الآية في حقهم صريحاً أو كناية، ولا بأس بنقل ما جاء في خصوص الصحاح حتى يعضد بعضه بعضاً فنقول:
30. أخرج الترمذي: عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي اللّه عنه ـ ، قال: لمّا نزلت هذه الآية : (فَقُلْ تَعالَوا نَدعُ أبناءَنا وأبناءَكُمْ ونساءَنا ونساءَكُمْ ) (1)الآية، دعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: «اللّهم هوَلاء أهلي».
1 . آل عمران: 61.
[ 31 ]
31. أخرج الترمذي: عن أُم سلمة رضي اللّه عنها قالت : إنّ هذه الآية نزلت في بيتي (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) قالت: وأنا جالسة عند الباب فقلت: يا رسول اللّه ألست من أهل البيت؟ فقال: «إنّك إلى خير، أنت من أزواج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) »، قالت: وفي البيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين، فجلّلهم بكسائه وقال: «اللّهم هوَلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».
وفي رواية انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة ثم قال: «اللّهم هوَلاء أهل بيتي وحامَّتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». قالت أُم سلمة: وأنا معهم يا رسول اللّه ؟ قال: «إنّك إلى خير ».
32. أخرج الترمذي: عن عمر بن أبي سلمة قال: نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) في بيت أُم سلمة، فدعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساء، وعليٌّ خلف ظهره، ثم قال: «اللّهم هوَلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». قالت أُم سلمة: وأنا معهم يا نبي اللّه؟ قال: «أنت على مكانك وأنت على خير ».
33. أخرج الترمذي: عن أنس بن مالك: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمرُّ بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية قريباً من ستة أشهر يقول: الصلاة أهل البيت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) .
34. أخرج مسلم: عن عائشة قالت: خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه مِرط مُرَحَّل أسود، فجاءه الحسن فأدخله، ثم جاءه الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة
[ 32 ]
فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس ) الآية.
35. أخرج مسلم: عن زيد بن أرقم: قال يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: يا ابن أخي، واللّه لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فما حدثتكم فاقبلوا ومالا فلا تكلّفونيه، ثم قال: قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى: خماً، بين مكة والمدينة، فحمد اللّه وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: «أمّا بعد: ألا أيّـها الناس، إنّما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربّـي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما: كتاب اللّه فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب اللّه، واستمسكوا به، فحث على كتاب اللّه ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساوَه من أهل بيته؟ قال: نساوَه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم؟ قال: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هوَلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم ، زاد في رواية «كتاب اللّه فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل».
وفي أُخرى نحوه: غير أنّه قال: «وإنّـي تارك فيكم ثقلين أحدهما: كتاب اللّه وهو حبل اللّه فمن اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة، وفيها فقلنا: من أهل بيته؟ نساوَه قال: لا وأيم اللّه انّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا
[ 33 ]
الصدقة بعده . (1)
هذا ما رواه أصحاب الصحاح حول نزول الآية في حق العترة الطاهرة وتركنا ما رواه الاِمام أحمد في مسنده روماً للاختصار، وفي هذا غنى وكفاية لمن رام الحق واتبعه وعرف الباطل فاجتنبه، ومن أراد التوسع فعليه الرجوع إلى المصادر التالية:
1. العمدة للمحدث الحافظ يحيى بن سعيد المتوفّـى عام 600 هـ الطبعة الحديثة. (2)
2. بحار الاَنوار : 35|206 ـ 226.
3. غاية المرام: 287و 294، فقد أورد فيه واحداً وأربعين حديثاً من كتب أهل السنّة، وأربعاً وثلاثين من كتب الشيعة.
4. تفسير البرهان: 3|309 ـ 325، فقد أورد فيه خمساً وستين حديثاً.
5. نور الثقلين: 4|270 ـ 277، أورد فيه خمسة وعشرين حديثاً.
6. إحقاق الحق: 2|502 ـ 544، فقد نقل نزول الآية في حق العترة الطاهرة عن كتب أهل السنة حديثاً وتفسيراً، ثم استدرك ما فاته في الجزء التاسع والرابع عشر.
1 . راجع للوقوف على هذه المأثورات جامع الا َُصول لابن الاَثير: 10| 100 ـ 103، وصحيح مسلم: 7|122 ـ 123.
2 . حُقّق تحقيقاً أنيقاً ونشر من قبل موَسسة الاِمام الصادق (عليه السلام) في عام 1412 هـ .
[ 34 ]
7. آية التطهير في حديث الفريقين فقد استقصى في جزء خاص الاَحاديث الواردة حول الموضوع من طريق الفريقين شكر اللّه مساعي الجميع.
وبعد هذا، حان حين البحث عن دلائل القول الآخر : وهو نزول الآية في نسائه.
نزولها في نسائه عليه الصلاة والسلام :
قد تعرفت على دلائل القول وقرائنه وموَيداته وأحاديثه المتواترة التي أطبق على نقلها تسع وأربعون (1) صحابياً وصحابية من أُمهات الموَمنين، وقد تلقته الا َُمّة بالقبول في القرون الماضية، وأمّا القول الثاني أعني نزولها في نسائه وزوجاته ص فقد نسب إلى أشخاص نقل عنهم، منهم:
1. ابن عباس.
2. عكرمة.
3. عروة بن الزبير .
4. مقاتل بن سليمان.
أمّا الاَوّل: فقد نقل عنه تارة، عن طريق سعيد بن جبير، وأُخرى عن طريق عكرمة، قال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج ابن أبي حاتم، وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس عن قوله: (إنّما يريد اللّه ... ) قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وقال أيضاً: أخرج ابن مردويه عن طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
1 . سيوافيك مصدره.
[ 35 ]
وأمّا الثاني: أعني عكرمة، فقد نقله عنه الطبري، عن طريق «علقمة» وانّ عكرمة كان ينادي في السوق: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس ... ) نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ونقل في الدر المنثور : أخرج ابن جرير وابن مردويه، عن عكرمة في قوله: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم... ) إنّه قال ليس بالذي تذهبون إليه إنّما هو نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وأمّا الثالث: أعني: عروة بن الزبير، فقال السيوطي: وأخرج ابن سعد عن عروة بن الزبير انّه قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) قال: أزواج النبي نزلت في بيت عائشة.
وأمّا الرابع: فقد نقل عنه في أسباب النزول . (1)
تحليل هذه النقول :
أمّا نقله عن ابن عباس فليس بثابت، بل نقل عنه خلاف ذلك، فقد نقل السيوطي في «الدر المنثور » قال: وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس قال: شهدنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول: «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته أهل البيت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ».
وليس ابن مردويه فريداً في هذا النقل، فقد نقله عنه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل (2) بسند ينتهي إلى أبي صالح، عن ابن عباس: إنّما يريد اللّه
1 . تفسير الطبري: 22|7 و 8؛ والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي: 5|198؛ وأسباب النزول للواحدي: 204.
2 . شواهد التنزيل: 2|30.
[ 36 ]
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) نزلت في رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين. والرجس: الشك .
كما نقله الحافظ الحسين بن الحكم الحبري في «تنزيل الآيات» عن أبي صالح بمثل ما سبق. (1)
وممن رواه عن ابن عباس صاحب أرجح المطالب ص 54 طبع لاهور، والعلاّمة إسماعيل النقشبندي «في مناقب العترة» .
أضف إلى ذلك أنّ من البعيد أن يخفى على ابن عباس حبر الا َُمّة ما اطّلع عليه عيون الصحابة وأُمّهات الموَمنين، وقد أنهى بعض الفضلاء السادة (2) عدد رواة الحديث من الصحابة إلى تسعة وأربعين صحابياً. وجمعها من مصادر الفريقين في الفضائل والمناقب.
وأمّا عكرمة :
فقد ثبت تقوّله بذلك كما عرفت، لكنّ في نفس كلامه دليلاً واضحاً على أنّ الرأي العام يوم ذاك في شأن نزول الا َُمّة هو نزولها في حق فاطمة، وانّما تفرّد هو بذلك، ولاَجله رفع عقيرته في السوق بقوله: ليس بالذي تذهبون إليه وإنّما هو نساء النبي. أضف إلى ذلك: انّ تخصيص هذه الآية بالنداء في السوق وانّها نزلت في نساء النبي يعرب عن موقفه الخاص بالنسبة إلى من اشتهر نزول الآية في حقهم، وإلاّ فالمتعارف بين الناس أن الجهر بالحقيقة بشكل معقول لا بهذه
1 . تنزيل الآيات: 24 «مخطوط» منه نسخة في جامعة طهران. لاحظ إحقاق الحق: 14|53.
2 . آية التطهير في حديث الفريقين.
[ 37 ]
الصورة المعربة عن الانحراف عنهم.
هذا كله حول ما نقل عنه، وأمّا تحليل شخصيته وموقفه من الاَمانة والوثاقة، وانحرافه عن علي وانحيازه إلى الخوارج وطمعه الشديد بما في أيدي الا َُمراء فحدث عنه ولا حرج، ولاَجل إيقاف القارىَ على قليل مما ذكره أئمّة الجرح والتعديل في حقه نأتي ببعض ما ذكره الاِمام شمس الدين الذهبي نقّاد الفن في كتابيه: «تذكرة الحفاظ»، و «سير أعلام النبلاء»، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتب الجرح والتعديل.