عربي
Friday 10th of January 2025
0
نفر 0

دراسة في أسباب الفشل وعوامل النجاح

معاهد الخطابة الحسينية

العوائق والمنطلقات

دراسة في أسباب الفشل وعوامل النجاح

المقدمة

إنّ من الأمور الهامّة التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار هي أن لا نجامل على حساب الحقيقة ؛ وإلاّ لن نتقدّم شبراً في خدمة الإسلام .

والحقيقة وصحة الفكرة ، وصواب الرأي ليست من الأمور الخاصّة بالكبار ( كبار السن ، أو كبار العلم ) ؛ فإنّ ما يكتبه الشاب بصدق ومعاناة يكون في الغالب أقرب إلى كبد الحقيقة ممّا يكتبه الكبار ، الذين كثيراً ما تشوّش المداراة ، وكثرة الحسابات والاعتبارات رؤيتهم ، وتعقل ألسنتهم .

تمهيد

من الواضح إنّ تجربة إنشاء المعاهد والمدارس التي تُعنى بشؤون الخطابة الحسينية وإعداد الخطيب في النجف الأشرف تجربةٌ جديدة ؛ لذا فهي بحسب طبيعة أي عمل جديد يكتنفها الكثير من المصاعب والعقبات ، وعدم الوضوح في الرؤية ؛ لقلّة الخبرة أوّلاً ، وعدم وجود نماذج ناجحة من هذه المعاهد ثانياً ، ولأسباب أخرى عديدة . بل وإنّ المعاهد التي أُنشأت لهذا الغرض في أماكن أخرى ، حيث توجد الحوزات العلمية لم تحقق النجاح المطلوب ، ولم تجن الثمرة المرجوة منها ، ممّا يشير ذلك إلى وجود خلل أو ربّما مجموعة كبيرة من الأسباب تقف كعقبات في الطريق ، وهي تؤدّي بالتالي إلى فشل هذه المحاولات وجعلها عديمة الجدوى ، أو عقيمة عن الإنتاج في أغلب الأحيان .

أوّلاً : أسباب الفشل

يعود فشل المعاهد ومدارس الخطابة الحسينية ، وعدم تحقق المأمول منها إلى عدّة أسباب نذكرها تباعاً .

ا ـ المناهج

إنّ المناهج الدراسية المعتمدة في هذه المعاهد والمدارس تفتقر إلى الموضوعية . وأقصد بها الواقعية ، أي إنّها لم تأخذ حاجة الخطيب الفعلية في مناهجها .

ومردّ ذلك هو إنّها غير موضوعة على أساس علمي سليم ، نابع من ملاحظة حاجة الخطباء للمواد الدراسية ، كما إنّها لم تأخذ بنظر الاعتبار الهدف والغاية من الخطابة ؛ فإنّ الغاية والهدف من ممارسة الخطابة هي إقناع الجمهور بما يلقيه الخطيب على مسامعهم ، واستمالتهم إلى قبول تلك الآراء والأفكار ، وتبنّيها من قبل الجمهور ، ومن ثم العمل على طبقها .


الصفحة (2)

ويمكن إن يتحقق ذلك بوضع المناهج على أساس علمي من خلال القيام بدراسات إجرائيه ، واستطلاع لآراء الطلبة الراغبين بالانضمام إلى هذه المعاهد ، وبالخصوص آراء الخطباء ذوي الكفاءة والمستوى العلمي والثقافي الجيد ، والذين يتمتّعون بمستوى جيد من الوعي .

ثمّ تُجمع هذه الآراء وتدرس دراسة جيدة ، وتنقّح بنظرة فاحصة ، وبموضوعية وواقعية شاملة ، بحيث تلاحظ في هذه المواد الدراسية ظروف الزمان والمكان والثقافة الاجتماعية المعاصرة .

إنّ مناهجنا بشكلها وصورتها الحالية أخذت بنظر الاعتبار النجاحات التي حققتها الأجيال السابقة من الخطباء ، وهذه النظرة قد لا تكون صحيحة ؛ لأنّ شروط النجاح وعواملة قد تختلف من حال إلى حال ، ومن زمان إلى آخر .

كما يمكن إن يتحقق النجاح لهذه المناهج بحيث تكون نافعة من الناحية العملية والنظرية للخطيب ، بأن نستفيد ثانياً من مناهج بعض المعاهد والمدارس التي تشترك في بعض جوانبها مع مدارس الخطابة .

فالخطابة عمل إعلامي من دون شك ، فالمفروض حينئذ أن نطّلع على مناهج المعاهد والكليات الإعلامية ـ إن صح التعبير ـ ؛ لنرى ما ينفعنا منها في مجال عملنا ، أي وضع المناهج لمدارس الخطابة .

وهكذا نتفحّص كلّ ما له صلة بالخطابة من قريب أو بعيد ؛ لنستثمره في اختيارنا للمناهج الدراسية ، وهذا هو أحد جوانب الخلل في مناهجنا ؛ إذ إنّ موادنا الدراسية في معاهد الخطابة ومدارسها لا تتجاوز ما هو مألوف ومعروف عندنا تدريسه في الحوزة العلمية .

وإذا تجاورنا هذه النظرة قليلاً سعينا لوضع مواد دراسية أخرى تفتقدها الحوزة ، مثل علوم القرآن والتاريخ ، وكل ما هو موجود أمام أعيننا ، وأمّا ما غاب عن أذهاننا ، أو لم نألف تدريسه فهو غير مأخوذ بالحسبان .

إنّ الخلل في اختيار المناهج الدراسية ، وانتقاءها بشكل عشوائي وغير سليم ، بالشكل الذي وصفت قبل قليل خلّف مشكلة مع المتقدّمين للدراسة في هذه المدارس أو المعاهد .

 وتتلخّص : في أنّ الطالب الذي ينتمي إلى هذه المعاهد لا يجد ما يريد من الدروس ، والذي يكون هو بحاجه ماسّة إليها غالباً ، وأمّا ما لا يريده من المواد الدراسية كأن يكون قد درسها في الحوزة ، أو إنّه قادر على اكتسابها خارج نطاق هذه المعاهد اعتماداً على المطالعة الخارجية ، كعلوم القرآن ، والإسلام يقود الحياة .......إلخ .

فهذه المواد التي لا يرغب الطالب في دراستها يجدها أمامه ، وتُفرض عليه دراستها في هذه المعاهد .


الصفحة (3)

وأنا هنا لا أتحدّث عن الطلبة ذوي المستويات العلمية والثقافية والفكرية المتواضعة ؛ فإنّ هؤلاء لا يميّزون أصلاً بين ما ينفعهم وبين ما لا ينفعهم .

فلو ألقيت على مسامعه حديثاً ثم كتبه وذهب ليلقيه على مسامع الناس تصوّر إنّ هذا هو النجاح الذي ما بعده نجاح ، فأنا لا أتحدّث على هؤلاء أبداً .

ثمّ على فرض قبول الطالب بهذه المواد الدراسية وهذه المناهج ، وإبداء الرغبة في دراستها ، إلاّ إنّه لا تنفعه في الغالب ؛ لأنّها علوم تلقينية يزق بها الطالب زقاً ، فهو كوعاء للحفظ فقط ، إن أُعطي شيئاً حفظ بعضه وأهمل الكثير منه .

وما لم يُدرّس من العلوم في هذه المعاهد فهو غير قادر على تحصيلها من منافذ أخرى ؛ لأسباب منها : 

عدم الالتفات لأهمية ذلك العلم أو الفن . أو لضعف الإدراك عنده ، أو لضعف الهمّة والنشاط أو غير ذلك ، ممّا يجعله بالتالي ، وبتعبير جريء ، يتخرّج من هذه المعاهد أو المدارس ببغاءً يردد ما ألقيناه على مسامعه .

إنّ المهم في المناهج أن تكون ممّا يحرّك فكر الطالب ، وينمّي فيه روح الإبداع ، وتولّد لديه القدرة على التفكير والاستدلال ، والابتكار والتفنن على المستوى النظري ، أي عند إعداد الخطبة والمستوى العملي ، أي حال الإلقاء ، وليس المهم في المنهج أن يكون حشواً يُملأ به رأس الطالب .

وثمّة خلل آخر في هذه المناهج ، وهو إنّها لم تأخذ التفاوت العقلي ، ولا المستوى الدراسي للطلاب في نظر الاعتبار ، فالذكي يقرن مع الأقل ذكاءً في مادةٍ واحدة ، وطالب المقدّمات مع طالب البحث الخارج .

ولقد خلق هذا الخلل في التنظيم ، وتوزيع المواد الدراسية مشكلة أخرى ، وهي شعور الطالب ذي المستوى الجيد والعقلية الناضجة بالإحباط وخيبة الأمل ؛ لقرنه مع تلاميذ تلاميذه في درسٍ واحد .

وإذا ما راعى الأستاذ حال الأدون في المستوى الفكري والعلمي في عرض مادته على الطلاب ، فلا شك إنّه قد غمط حقّ ذي الكفاءة الجيدة .

وإن راعى حال الطلبة الأذكياء والمتقدّمين في المستوى العلمي ، خرج الأقل كفاءة من دون فائدة ، والسبب في ذلك واضح .

فهو إمّا لضعف استيعابه ، أو لعدم توفّره على المقدّمات اللازمة ؛ ليكون قادراً على الفهم والاستيعاب .

إنّ البناء يفترض أن يبدأ من الأساس ، ثمّ توضع فوقه اللبنات العليا .


الصفحة (4)

لكنّنا نرى في معاهدنا العكس ، حيث تقوم مناهجنا بتشييد البناء العلوي وتدع الركائز التي ينبغي إن يُعتمد عليها .

ولزيادة هذه الفقرة شرحاً وتوضيحاً لابد من بسط الكلام فيها ؛ لتنجلّى حقيقة الأمر ، ونكتشف الخلل الكبير في المناهج الدراسية في معاهد ومدارس الخطابة .

فنقول : لا شك إنّ الخطابة علمٌ وفن . فالقواعد والأصول تمثّل الجنبة العلمية منها ، وتطبيق هذه القواعد ومراعاتها تمثّل الجانب الفنّي في ممارسة الخطابة .

فقواعد وأصول الخطابة تُعدّ البناء الأساسي في سلّم مواد المنهج الأساسي ، ومتى ما وجدنا فراغاً في بحثٍ من بحوث هذا الفن ، أو كان البحث غير مستوفٍ لكل جوانب الموضوع يجب أن نقوم حينذاك بسدّ هذا الفراغ ، بوضع مادة دراسية واسعة ومستوفية ؛ لتغطية ذلك النقص .

 مثلاً : يذكر في كتب فن الخطابة بحث كيفية إعداد الخطبة ، إلاّ إنّ هذا البحث ليس بكافٍ ولا وافٍ ، بحيث ينتفع الخطيب منه بشكل كامل ، فلابد حينئذٍ بسدّ هذا النقص ، بوضع مادةٍ دراسية تستوفي كلّ جوانب إعداد الخطبة ، أو كتابة موضوعها .

وهنا تجب الاستعانة بمناهج البحث العلمي أو الأدبي ؛ لسد هذا النقص ، وإعطاء التصوّر الكامل للخطيب في كيفية إعداد موضوع خطبته .

وهكذا باقي المواد الدراسية ، إلاّ إنّ هذه المادة الرئيسية الهامّة ( فن الخطابة ) مغفولٌ عنها تماماً في معاهدنا ، وإن عوّضت بشيء فهو لا يسمن ولا يغني عن جوع .

إنّ الكتب التي وضعت عن فن الخطابة وأصولها إذا لاحظتها فستجد إنّها غالباً تبحث في المواضيع التالية :

تعريف الخطابة ، وبيان أهميتها ، ونبذة تأريخية عنها ، وأقسام الخطب ... إلخ .

وفي هذه المعلومات نفع للطالب ؛ إذ هي تثري ثقافته في المهنة التي يمارسها ، إلاّ إنّ المهمّ غير هذا ، بل المهمّ فيها هو أركان الخطابة الثلاثة ، وهي :

أوّلاً : الخطيب

وينبغي أن تتوفّر في الخطيب سماتٌ ثلاثة :

الأولى : تكوينية

أي ما يرتبط بشخصية الخطيب من ناحية الصوت ، وصحة النطق بالألفاظ ـ أي سلامة اللسان من العيوب ـ والفطنة والذكاء ، والمظهر الخارجي له بعامّه .

ويجب أن تراعى هذه الأمور في اختبارات الشخصية ، والمقابلات التي تسبق قبول الطالب في هذه المعاهد ؛ ليُعرف توفّره على هذه السمات أم لا .


الصفحة (5)

إلاّ إنّ معاهدنا لا تنظر إلى هذا الجانب في شخصية الخطيب أصلاً ، بل المدارس الدينية والحوزوية عامّة لا تنظر إلى هذا الجانب ، ولا تعير المقابلات الشخصية أيّ أهمية ؛ لذا تجد الكثير بين طلاب العلوم الدينية مَنْ لا يجد القراءة والكتابة ، فضلاً عن مراعاة درجة الذكاء والنباهة .

وعلى الإجمال : فإنّ هذا الجانب ـ السمات التكوينية ـ مغفولٌ عنها تماماً .

وبالبداهة فإنّ أيّ شخص ينظمّ إلى هذه المعاهد وهو فاقد لهذه الصفات كلاًّ أو بعضاً ، فإنّه محكوم عليه بالفشل لا محالة .

 وإن أجرت بعض المعاهد الدينية مقابلات شخصية للمتقدّمين فغالباً ما يكون ذلك على أيدي أُناس غير متخصّصين .

الثانية : سمات أخلاقية

وليس المقصود هنا أن توضع في المناهج المعتمدة في معاهد الخطابة ومدارسها كتب الأخلاق المتعارفة ؛ لتدرّس للطالب ، فهذه الأخلاقيات العامّة ـ إن صحت التسمية ـ ينبغي أن يتحلّى بها كل مسلم .

لكن المفروض أن يدرس الطالب أخلاقيات العمل التبليغي والدعوي ، وأخلاقيات وأبجديات العمل الاجتماعي ؛ ليعرف كيفيّة التعامل مع المجتمع ، وبتعبير جامع الأخلاقيات الخاصّة بالخطيب والمبلغ .

وإذا جئنا لكتب فن الخطابة فسنجدها مفتقرة لهذا الجانب من شخصية الخطيب ، وحينئذٍ يتوجّب علينا سدّ هذا الفراغ ، بوضع مادةٍ دراسيةٍ في الأخلاق .

إلاّ إنّ معاهدنا عندما تقوم بتدريس مادة الأخلاق تهتمّ بتدريس الأخلاقيات العامّة ، أي إنّها تهتمّ بما هو موجود وعلى مرمى البصر .

والمشكلة إنّ مكتباتنا العامّة والخاصة مليئة بهذا النوع من الكتب ، ككتاب ( الأربعون حديثاّ ) ، و( مكارم الأخلاق ) ، و( أخلاق أهل البيت ) وغيرها العشرات .

وهذه الكتب متوفّرة وفي متناول أيدي الطلبة أوّلاً ، كما إنّها ليست كتباً معدّة كمنهج للتدريس ثانياً ، والخطيب قد لا يحتاج إلى دراستها ؛ لأنّه تكفيه مطالعتها كلّها أو بعضها .

 وعلى أثر ذلك غدت هذه المادة الدراسية للأسف حجر عثرة ومصدر قلق وإرهاق للطالب ؛ لأنّها تحصيل حاصل كما يُقال ، خصوصاً للطالب الحوزوي المُجد .

نعم ، هذه يمكن أن تدرّس للخطيب غير المنخرط في صفوف الحوزة ، أمّا الحوزوي وعلى مستوى اللمعة فتدريسه لمثل هذه الكتب إهدار لوقته .

الثالثة : سمات علمية

 العلوم التي يحتاجها الخطيب قسمان :


الصفحة (6)

القسم الأول : مجموعة من العلوم والمعلومات ، بعامة التي تدخل بشكل مباشر في صياغة مادته الخطابية ، أي تدخل في تكوين وإعداد الخطبة ( المحاضرة ) .

إذ ينبغي أن يكون الخطيب واسع الاطّلاع ، ملمّاً بكثير من العلوم والمعلومات في المجالات المختلفة ، كالتفسير والعقائد ، والتاريخ وسير الرجال ، والأخلاق والفلسفة ، والرجال والفقه .

وإجمالاً : أن يكون ذا ثقافة عالية ملمّاً بعدد وافر من العلوم والفنون والآداب ؛ ليكون موفّقاً في إعداد ، أو تأليف محاضرات ترضي ذوق الجمهور ، وحاجته العلمية والثقافية ، ومأخوذة من منابع سليمة صافية .

والملاحظ إنّ معاهدنا الخطابية تركّز على هذا القسم من العلوم فقط ، وتضع بيضها كلّه في هذه السلة ، بل وتنحى بعض المدارس منحى متطرّفاً عندما تقوم بتدريس دورة تفسير ، أو تضع ضمن مناهجها شرح كتاب نهج البلاغة ، إضافة إلى الرجال والفقه ، والعقائد والأخلاق ، و... و... إلى ما شاء الله .

ظانين إنّهم كلّما زقّوا الطالب بهذه العلوم والمعلومات تمكّن من ناحية الخطابة ، وأصبح فيما بعد خطيباً مصقعاً ، ولكن هذا خطأ فاحش ، وقعت وتقع فيه جلُّ معاهد ومدارس الخطابة تقريباً ؛ إذ مع عدم وجود الموهبة ، والقدرة على الابتكار والوعي ؛ للاستفادة من هذه العلوم والمعلومات في وقت الحاجة إليها لا تنفع ولو لقن الطالب ألف كتاب وكتاب .

فالطالب الفاقد للوعي أو قليل الذكاء لا تنفعه هذه العلوم والمعلومات على كثرتها ، وذو العقل والوعي يكفيه أقل القليل منها .

فما الفائدة إذن في تضييع الوقت والجهد على تحصيلها ؟

ومعظم الطلبة الجيدين ذوي المستويات العلمية والفكرية والثقافية الجيدة لا يرون وجهاً لتضييع وقتهم الثمين ، واستهلاك جهدهم في دراستها والتتلمذ عليها ؛ لإمكانية توفرهم عليها من غير الالتزام بحضور إلى الدرس .

 فيقتصر حينئذ حضور دروس المعاهد على الطلبة الذين يتميّزون بالكسل وحب الراحة ، وأخذ المعلومة الجاهزة ، وهؤلاء للأسف لا ينفعوننا بشيء حتى لو أمضينا أعمارنا في رعايتهم .

وتغيب عن هذا الحقل كمشكلة أخرى ، مفردات التثقيف العام ، والقضايا المعاصرة التي لها مساس مباشر بحياة الأمّة ، أو إنّ الحركة الثقافية في المجتمع تسير نحوها ، فالطالب يتخرّج وهو لا يعرف شيئاً عن العولمة مثلاً كمفردة من مفردات التثقيف العام ، الذي ينبغي أن تُطرح على صورة محاضرات تثقيفية ، ولا يعرف شيئاً كذلك عن الغزو الثقافي وكيفية مواجهته ، ولا مفردات القاموس السياسي أو الاجتماعي ، فلا شيء عن مفهوم الحرية أو التطرّف ، أو التعصّب أو وسائل التأثير في الرأي العام ، أو … أو ... إلخ .


الصفحة (7)

بل حتى المفاهيم الإسلامية غائبة لا تدرّس ، وإن أغلب طلبة حوزاتنا لا اطّلاع لهم على مثل هذه المعلومات والقضايا البتة .

القسم الثاني : مجموعة من العلوم التي لا تدخل في بناء المادة الخطابية الملقاة للجمهور بشكل مباشر ، بل تُعدّ من مكمّلات الخطابة ، وتدخل في تحسين المادة ( الموضوع ) ، وأداء الخطيب وكفائتة ، وزيادة قدرته على التأثير في الجمهور ، وعدم دخولها في موضوعات الخطابة مباشرةً لا يعني عدم أهميتها .

ومن بين هذه العلوم : النحو والصرف ، والبلاغة والأصول .

ومن المفترض أن يكون الطالب قد أتقنها عند دراسته في الحوزة الشريفة ، لكن للأسف في مجال التطبيق لا نجد لها أثراً إلاّ عند القليل منهم ؛ إذ يلاحظ اللحن عند أغلب الخطباء بشكل يخرم الأذن .

كذلك نرى الكثير منهم يفتقرون إلى أبسط الأساليب البلاغية ، ولا ينكر هذه الحقيقة إلاّ مكابر .

والمشكلة إنّ هذه العلوم التي يجب أن تركّز عليها معاهد الخطابة خصوصاً ، النحو والبلاغة ، وبالذات البلاغة الحديثة ، إلاّ إنّنا لا نجد في مواد مناهجها شيئاً من ذلك .

ويحتاج الخطيب في هذا القسم من العلوم أيضاً إلى معلومات وفنون أخرى تسهم في تعميق تأثيره في الجمهور ، وهي كثيرة وتستحق التأمّل والبحث عن أهميتها ، ودورها كمادة دراسية في مناهج معاهد الخطابة ، وأذكر منها ما يخطر ببالي الآن :

 أـ أساليب الدعوة والتبليغ

وللأسف فإنّا لا نرى لهذه المادة وتدريسها في معاهد الخطابة أثراً ، مع أهميتها من الوضوح بمكان ، وإمكانية وضع كتاب ، أو كتيب على الأقل في هذا المجال ، على إنّ هنالك محاولات كثيرة موجودة يمكن جمعها والاستفادة منها ، وتنقيحها ومطابقتها مع ما يطرحه القرآن الكريم من أساليب في الدعوة ، واستنباط أساليب أخرى من سيرة النبي (صلّى الله عليه) العطرة والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ؛ ليعرف الخطيب والمبلغ كيف كانوا يمارسون الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ) وتبليغ أحكامه .

فتُجعل هذه الأساليب كقواعد وأصول في عملنا التبليغي ، ولا بأس من الاستفادة من مناهج معاهد أو كليات أخرى إن كانت تتوفّر على مثل هذه المادة الدراسية .

فلماذا يتكبّر بعضنا على بعض ؟ فإذا وضعت مدرسة ما مادة دراسية في مناهجها تركته المدرسة الأخرى تكبّراً واستعلاءً .

ب_ مرتكزات العمل الإعلامي وسمات الشخصية الإعلامية الناجحة


الصفحة (8)

وهذا اللون من المعلومات لا تجد له أثراً في معاهدنا ، رغم أهميتها التي لا أظنّ إنّها تخفى على أحد .

ج ـ علم النفس الاجتماعي

إنّ هذا العلم يدرس سلوك الإنسان من حيث تأثيره في الآخرين ، وحينئذ فمن الأهمية بمكان أن يطّلع الخطيب ولو على بعض الأبواب الهامّة فيه ، كالرأي العام ووسائل التأثير فيه ، والاتجاهات والدعاية ، والحرب النفسية ، والتجمّع وسماته ، وسايكلوجية الجمهور ؛ لأنّ سلوك الفرد يختلف عن سلوكه في الجماعة ، وبالتالي سلوك الجماعة يتباين ويختلف عن سلوك الأفراد .

فما هي خصائص الجماعة مثلاً ؟ ليمكن للخطيب أن يستثمر هذه الخصوصيات في تحقيق هدفه والوصول إلى غاياته .

د ـ مناهج البحث

إنّ الطالب يدخل معاهدنا بمناهجها الحالية ؛ لتُلقي على رأسه كوماً من الكتب والعلوم ، ولكن هلاّ يعلم كيف يستفيد منها ، وكيف يجمعها ، وكيف ينظّمها ؟ وما هي سمات التفكير العلمي ، ومن أين يأتي بفكرة الموضوع ؟ وما هي مقوّمات موضوع البحث ، وما هي آليّات البحث العلمي والأدبي ؟ … إلى غير ذلك .

 ومعاهدنا للأسف في غفلةٍ تامّة ، وجهلٍ مطبقٍ عن مناهج البحث .

هـ ـ علم النفس

ولا أقل باب العمليات العقلية منه . إنّ الطالب صحيح درس المنطق في الحوزة ، لكن ذلك ليس بكافٍ ؛ لأنّه لم يعرف به شيئاً عن طرق التفكير السليم ، ولا عوائق وموانع الاستدلال ، ولا شيئاً عن نظريات التعلّم ، ولا عن التذكّر والنسيان ، ولا عن الانتباه ومشتتاته مثلاً .. إلى غير ذلك العشرات من البحوث القيّمة .

والخلاصة : إنّ مثل هذه المعلومات والعلوم التي هي حاجة فعلية للخطيب ، ولا يتوفّر عليها الطالب بسهولة مفقودة في معاهد ومدارس إعداد الخطباء .

والعلوم والمعلومات التي يحصل عليها بيسر وسهولة يجدها حاضرة أمامه ويجبر على دراستها .

والطالب الذي يدرك جيداً إنّ مقدّماته الفكرية والعلمية تسمح له باستيعاب مطالب كتاب (علوم القرآن) مثلاً ، أو (الأربعون حديثاً) ، أو (المدرسة القرآنية) ... إلخ . يرى إنّه من العبث تضييع وقته في دخول دروس كهذه ؛ إذ هو قادر على تحصيلها من غير ارتباط بدرس .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عمر على فراش الموت
من تراث الامام الحسین(ع) [القسم الثاني]
بكاء النبي (ص) على الحسين بسند صحيح
وهذه‌ الثورة‌ المباركة‌ بداية‌ انعطاف‌ كبير ...
من رجع بعد الموت
فدك حق آخر
ولادة الإمام محمد الجواد(عليه السلام)
من معاجز الإمام الجواد عليه السّلام
الإمامة من خلال حديث الإمام الصادق(عليه السلام)
التوسل بأُم البنين عليها‌السلام

 
user comment