الدليل العقلي على غيبة الحجّة :
السؤال : هل توجد أدلّة عقلية تكشف عن أسباب غيبة الإمام المنتظر (أرواحنا لمقدمه الفداء) ؟
الجواب : إنّ الله تعالى وعد ـ ووعده الحقّ ـ بأن يُظهر دين الإسلام على وجه الكرة الأرضية بقولـه : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } (1) .
وهذا الوعد لم يتحقّق في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ولا في زمن الأئمّة (عليهم السلام) ، فهنا العقل يحكم بأنّ مثل هذا المشرّع الحكيم لابدّ وأن يجعل للثاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام) أمراً يحقّق به ما وعد ، وبما أن الإمام الثاني عشر كان مطالباً من قبل الحكم الجائر في زمانه ليقتل ـ ولا يتحقّق وعد الله تعالى ـ فالله تعالى كان مخيّراً بين أمرين : بين أن يميته ثمّ يحييه حياة ثانية في الدنيا ، وبين أن يطيل عمره ، وحيث أنّ الإمامة الإلهية ليست فائدتها منحصرة في بيان الأحكام ، بل إنّ وجود الإمام (عليه السلام) واسطة لنزول الرحمة الإلهية على الخلق ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن تكون لهذا الإمام حياة طويلة في الغيبة ، حتّى لا يبتلى بما ابتلي به آباؤه الطاهرون ، من تعقيب وسجن ، ثمّ استشهاد على يد الظالم ، وأن هذه
____________
1- التوبة : 33 .
|
الصفحة 459 |
|
الحياة في الغيبة تمتد إلى حين يأذن الله تعالى بحكمه ولطفه أن يظهره بعد غيبته ، وبه يظهر دينه على الدين كُلّه ، وهذا كُلّه ممّا يدركه العقل .
( ... . الكويت . ... )
كيفية الانتفاع بالإمام المهدي في غيبته :
السؤال : أرجو من سماحتكم توضيح هذه النقطة : كيف يكون مولانا المهدي (عليه السلام) حجّة الله على الخلق ؟ وهو غائب ، وأدام الله التوفيق لكم .
الجواب : قد سُئل النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن كيفية الانتفاع بالإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته فقال : " إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس ، وإن تجلّلها السحاب " (1) .
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) ـ بعد أن سُئل عن كيفية انتفاع الناس بالحجّة الغائب المستور ـ : " كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب " (2) .
وروي أنّه خرج من الناحية المقدّسة إلى إسحاق بن يعقوب ، على يد محمّد بن عثمان : " وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب " (3) .
فيمكن أن يقال : إنّ الشبه بين الإمام المهدي (عليه السلام) وبين الشمس المجلّلة بالسحاب ، من عدّة وجوه :
1ـ الإمام المهدي (عليه السلام) كالشمس في عموم النفع ، فنور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه .
____________
1- كمال الدين وتمام النعمة : 253 ، كفاية الأثر : 54 .
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 253 ، كمال الدين وتمام النعمة : 207 .
3- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الاحتجاج 2 / 284 .
|
الصفحة 460 |
|
2ـ إنّ منكر وجوده (عليه السلام) كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار .
3ـ إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كُلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته (عليه السلام) ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كُلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه .
4ـ إنّ الشمس قد تخرج من السحاب على البعض دون الآخر ، فكذلك يمكن أن يظهر في غيبته لبعض الخلق دون البعض .
5ـ إنّ شعاع الشمس يدخل البيوت بقدر ما فيها من النوافذ ، وبقدر ما يرتفع عنها الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ، من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية ، والالتزام بأوامر الله ، والتجنّب عن معاصيه ، إلى أن ينتهي الأمر حيث يكون بمنزلة مَن هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب .
جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولايتهم ، ورفع عنّا وعنكم كُلّ شكّ وشبهة .
( كميل . عمان . 22 سنة . طالب جامعة )
الحيرة الموجودة لا تنفي وجود حكمتها :
السؤال : حينما نستدلّ على الإمامة نقول : بأنّهم وجدوا لحفظ الأُمّة الإسلامية من التيه ، إذ لولا وجودهم لما عرفنا التفسير الصحيح للقرآن ، ولا الأحكام ، والعقائد الصحيحة .
السؤال هو : كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين غيبة الإمام الحجّة (عليه السلام) ؟ إذ أنّ الغيبة جعلتنا نحتار بين الحلال والحرام ، وليس هناك من يمحو هذه
|
الصفحة 461 |
|
الحيرة مائة بالمائة ؟ فالنتيجة هي : أنّ الحكمة من وجودهم (عليهم السلام) ليست لرفع الحيرة ، وإنّما لشيء آخر ، فكيف تحلّون هذا الإشكال ؟
الجواب : إنّ مصلحة وجود الأئمّة (عليهم السلام) لا تنحصر في الجانب التشريعي ، بل وإنّهم بما لديهم من قدرات وصلاحيّات ، لهم التصرّف في الجانب التكويني أيضاً ، فعليه فحكمة وجود الإمام الغائب ترتبط إلى حدّ كبير بمقام وساطته في الفيض الإلهي للوجود ـ كما قرّر في محلّه ـ .
ثمّ إنّ الغيبة بما هي معلولة لعدم التجاوب المطلوب من جانب الناس لخطّ الإمامة ، فكافّة آثارها السلبية ـ إن وجدت ـ فهي حصيلة هذا التخاذل والقعود عن الحقّ .
وبعبارة أوضح : إنّ الحيرة الموجودة لا تنفي وجود الحكمة في الأصل ، بل وإنّ كُلّ الآثار السيّئة في هذه الفترة ترجع بالنتيجة إلى الناس أنفسهم ، كضوء الشمس المستتر أحياناً بالغيم ، إذ إنّ وجود الضوء ومصلحته لا يخالجه أيّ شكّ ، وأمّا عدم وصوله إلينا فعلّته وجود الغيم ، وهنا لا يصحّ لنا أن ننكر حكمة وجود الشمس الممتنعة الضوء بالغيم ، بل وإنكارنا يجب أن ينصب دائماً على المانع في جميع المجالات .
مضافاً إلى أنّ الله تعالى ومن منطلق محبّته لعباده ، وإيصال المنافع لهم دائماً ، قد رتّب مصالح في هذه الغيبة ، حتّى لا يخسر المؤمنون في هذه الفترة بالمرّة ، فمنها : توطيد المحبّة الولائية في نفوسهم ، حتّى يتمهّد الطريق في المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ لحكم الإمام (عليه السلام) .
ومنها : اجتياز المراحل الصعبة في الامتحان الإلهي ، وثمّ إعطاء درجات الإيمان لهم .
ومنها : ترويضهم في هذه الفترة لمواجهة المشاكل والأُمور الصعاب بأنفسهم ، حتّى تترقّى قابلياتهم ، ويؤهّلوا لمرحلة تثبيت الحكم الإسلامي ، إلى
|
الصفحة 462 |
|
آخر ما هنالك من مصالح كُلّية وجزئية جاءت جابرة إلى حدّ ما خسارة الناس من غيبة إمامهم (عليه السلام) .
( منصور جواد . البحرين . 19 سنة . طالب جامعة )
عدم خلو الأرض من حجّة لا تناقض الغيبة :
السؤال : لقد ورد في كثير من الروايات : عدم خلو الأرض من حجّة ، وأنّه لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها .
وسؤالي هو : ألا يعتبر غياب الإمام المهدي هو تناقض صريح مع ما ورد ؟
الجواب : لا تناقض بين الحديث وغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) ، لأنّ معنى الحديث : أنّ الأرض لا تخلو من وجود حجّة لله تعالى ، ولولا وجوده لساخت الأرض ، ومن المعلوم أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) موجود حيّ يعيش على الأرض ، لكنّه غائب عن أنظارنا ، وعدم ظهوره لا يدلّ على عدم وجوده .
( عبد الأمير . البحرين . ... )
السؤال : ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) ؟
الجواب : إنّ غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابه (عليه السلام) :
1ـ الخوف عليه من العباسيين :
لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن ـ رجالاً ونساءً ـ هي لأجل التعرّف
|
الصفحة 463 |
|
على ولادة الإمام المنتظر (عليه السلام) لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأنّه هو الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام (عليه السلام) ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن .
فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام (عليه السلام) ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : " إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره " ، قلت : ولَمِ ؟ فقال (عليه السلام) : " يخاف " ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل (1) .
ويقول الشيخ الطوسي : " لا علّة تمنع من ظهوره (عليه السلام) إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ لـه الاستتار " (2) .
2ـ الامتحان والاختبار :
وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمام (عليه السلام) ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : " أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه " (3) .
ولقد جرت سنّة الله تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ
____________
1- علل الشرائع 1 / 246 ، كمال الدين وتمام النعمة : 481 .
2- الغيبة للشيخ الطوسي : 329 .
3- الإمامة والتبصرة : 125 ، الكافي 1 / 336 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 191 .
|
الصفحة 464 |
|
عَمَلاً } (1) ، وقال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } (2) .
وغيبة الإمام (عليه السلام) من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد الله تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها .
3ـ الغيبة من أسرار الله تعالى :
وعُلّلت غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) بأنّها من أسرار الله تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : " إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة " (3) .
4ـ عدم بيعته لظالم :
ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام (عليه السلام) أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال : " كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه " ، قلت لـه : ولم ذلك يا بن رسول الله ؟ قال (عليه السلام) : " لأنّ إمامهم يغيب عنهم " ، فقلت : ولِمَ ؟ " لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف " (4) .
____________
1- الملك : 2 .
2- العنكبوت : 2 .
3- كفاية الأثر : 168 و 250 ، ينابيع المودّة 3 / 310 .
4- علل الشرائع 1 / 245 ، عيون أخبار الرضا 2 / 247 .
|
الصفحة 465 |
|
وأعلن الإمام المهدي (عليه السلام) ذلك بقولـه : " إنّه لم يكن لأحد من آبائي (عليهم السلام) إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي " (1) .
هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) ، وأكبر الظنّ أنّ الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهوره (عليه السلام) .
( فاطمة حسن . ... . ... )