نعيش اليوم في مرحلة الانتظار للإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه)، وقد تكون هذه المرحلة أطول مرحلة في تاريخ الإسلام؛ فما هو الانتظار؟
في ضوء ما تعطيه اللغة العربية لمعنى الانتظار حيث تحدده بالترقب والتوقع والرصد.. قد يتصور بعض الناس خطأ أنّ علينا أن نعيش في مرحلة الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) مترقبين للظهور وعلاماته ولليوم الموعود الذي يبدؤه الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) بالقضاء على الكفر والانحراف والفساد وبالقيام بتطبيق الإسلام، من دون أن يكون لنا دور في الإعداد والتمهيد والقيام بمسؤولية تحكيم الإسلام في حياتنا وفي كُلّ مجالاتها وخاصة في مجالها السياسي بحجة أنّ مسؤولية تحيكم الإسلام وتطبيق تشريعاته في كُلّ مجالات الحياة هي وظيفة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) في مرحلة زمنية مقبلة وليس من وظيفتنا الآن. إلاّ أنّ هذا الفهم السلبي للانتظار يتنافى تمام المنافاة مع مفاهيم الإسلام وأحكامه وتشريعاته العامة التي يجب على المسلمين تطبيقها في كُلّ عصر وزمان.
يقول الشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله) في كتابه القيم عقائد الإمامية: (ومما يجدر أن نعرفه في هذا الصدد: ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ المهدي (عجّل الله تعالى فرجه)، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحقّ من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
بل المسلم أبداً مكلف بالعمل بما أُنزل من الأحكام الشرعية وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته). ولا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرد الانتظار للمصلح المهدي والمبشر الهادي، فإنّ هذا لا يسقط تكليفاً ولا يؤجل عملاً، ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم.
ويقول الشيخ الصافي الكلبايكاني في كتابه منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (عجّل الله تعالى فرجه): (وليعلم أنّ معنى الانتظار ليس تخلية سبيل الكفار والأشرار، وتسليم الأمور إليهم، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاقدامات الإصلاحية. فإنّه كيف يجوز إيكال الأمور إلى الأشرار مع التمكن من دفعهم عن ذلك، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من المعاصي التي دلّ َ عليها العقل والنقل وإجماع المسلمين.
ولم يقل أحد من العلماء وغيرهم بإسقاط التكاليف قبل ظهوره (يعني الإمام المنتظر)، ولا يرى منه عين ولا أثر في الأخبار.. نعم.. تدلّ الآيات والأحاديث الكثيرة على خلاف ذلك، بل تدلّ على تأكد الواجبات والتكاليف والترغيب إلى مزيد الاهتمام في العمل بالوظائف الدينية كلها في عصر الغيبة. فهذا توهم لا يتوهّمه إلاَّ من لم يكن له قليل من البصيرة والعلم بالأحاديث والروايات).
فإذن ما هو التفسير الصحيح للانتظار؟
إنّ الذي يستفاد من الروايات والأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المجال، هو أنّ المراد من الانتظار هو: وجوب التمهيد والتوطئة والإعداد لظهور الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه).
فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (يخرج رجل يوطئ (أو قال: يمكّن) لآل محمد، كما مكّنت قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وجب على كُلّ مؤمن نصره (أو قال: إجابته)..).
وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً:(يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً: (يأتي قوم من قبل المشرق، ومعهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوه، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً، كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم؛ ولو حبواً على الثلج).
ويستفاد من الروايات وكلمات الإمام الخميني رحمهم الله: إنّ التوطئة والتمهيد لظهور الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) والتأسيس لمشروعه الإلهي العالمي، يكون عبر خطوات كثيرة منها:
1- الالتزام بتعاليم الإسلام وأحكامه وقيمه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله ضدّ الأعداء ومواجهة الظالمين والمستكبرين.
2- العمل على نشر الإسلام وتعريف الناس به وتقديمه لشعوب العالم كطرح بديل ومنقذ وكخيار وحيد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتقديم صورة مشرقة نقية وصافية وأصيلة عن الإسلام للعالم من خلال سلوكنا ومواقفنا وجهادنا.
3- السعي لإقامة الحكومة الإسلامية التي تمثل القاعدة التي تحكم بالإسلام.
4- إعداد جيل مؤمن واعٍ مخلص ومضحٍ وبحجم المسؤولية يتولى نصرة الإمام (عجّل الله تعالى فرجه) والإعداد لظهوره وعياً وإيماناً وتنظيماً وقوةً.
5- تربية الأمّة وخصوصاً شيعة الإمام على طاعته والالتزام بأوامره والتقيد التام بتوجيهاته، وقد ورد في صفات أنصار الإمام أنّهم أطوع للإمام من بنانه.
والحقيقة أنّ من أراد أن يكتشف مدى طاعته للإمام (عجّل الله تعالى فرجه) عندما يخرج فليكتشف الآن مدى طاعته لنائب الإمام الذي أمرنا بطاعته فإنّ المقياس في مرحلة الغيبة هو الطاعة لولي الأمر، ومن لا تساعده نفسه ولا دينه ولا عقله ولا شهواته ولا أهوائه ولا طموحاته ولا ميوله على طاعة نائب الإمام المهدي في زمن الغيبة فلن يكون مطيعاً للإمام حين الظهور.
وعلى أساس ما تقدّم ننتهي إلى النتيجة التالية وهي: أنّ الانتظار ليس هو الرصد السلبي للظهور وللأحداث المتوقعة من دون أن يكون لنا دور فيه سلباً أو إيجاباً.. كما نرصد خسوف القمر وكسوف الشمس.. وإنّما هو حركة وفعل وجهد وجهاد وعطاء وتضحية وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وهذا المفهوم الايجابي للانتظار هو الذي يستحقّ هذه القيمة الكبيرة التي تعطيها النصوص الإسلامية له كقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم): (أفضل أعمال أمتي الانتظار)، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم): (انتظار الفرج عبادة)، أو (المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه).
صفات جنود الإمام (عجّل الله تعالى فرجه):
إذا رجعنا إلى النصوص والروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والتي ذكرت المواصفات التي لا بدّ أن تتوافر في الشخصية الإنسانية اللائقة بصحبة الإمام (عجّل الله تعالى فرجه) نجد أنّها ركَّزت على الشروط والمواصفات التالية:
أولاً: الإيمان، وهو الممارسة الفعلية للعقيدة وهو درجة رفيعة لا تنال إلاَّ بالالتزام بكلّ ما أمر الله به والابتعاد عن كُلّ ما نهى الله عنه.
ثانياً: معرفة الله، فقد سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): ما رأس العلم، قال: (معرفة الله حقّ معرفته، فقيل: وما حقّ معرفته؟ قال: أن تعرفه بلا مثل ولا شبيه، وتعرفه إلهاً واحداً خالقاً قادراً أولاً و آخراً وظاهراً وباطناً، لا كفء له، ولا مثل له، فذاك معرفة الله حقّ معرفته).
ومن الضروري أن تكون معرفة الله بهذا المعنى، متوافرة في شخصية من يريد أن يكون من أصحابه (عجّل الله تعالى فرجه) وأنصاره، لأنّهم سيعكسون صورة الإنسان المسلم الحقيقي، بل وصورة الإمام (عجّل الله تعالى فرجه) في مجتمعاتهم، لأنّهم يؤدون دوراً تبليغياً إلى جانب الدور الجهادي الذي يمارسونه، ولا بدّ لهذه المعرفة من الاقتران بالتوفيق الإلهي الذي يحتاج إلى المثابرة على العبادة والدعاء والتهجد والمعاني الروحية.
ثالثاً: الشجاعة والاستعداد للتضحية، فقد ورد في الحديث: (ويلقي الله محبته لإمام الزمان (عجّل الله تعالى فرجه) في صدور الناس فيسير مع قوم أسد بالنهار، رهبان بالليل).
وفي حديث آخر: (يخرج إليه الأبدال أي الصالحين من الشام، وعصب أهل المشرق، وإنّ قلوبهم زبر الحديد، رهبان الليل ليوث النهار).
وفي حديث ثالث: (هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ...).
رابعاً: الارتباط بالإمام والانقياد له وطلب الشهادة في سبيل الله تعالى بين يديه: فقد ورد في حديث جامع عن مواصفات أنصار الإمام (عجّل الله تعالى فرجه) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (رجال كأنّ قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شكّ في ذات الله، أشدّ من الجمر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براية بلدة إلاّ خربوها، يتمسحون بسرج الإمام (عجّل الله تعالى فرجه) يطلبون بذلك البركة، ويحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد، فيهم رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار.
هم أطوع له من الأمَة لسيدها، كالمصابيح، كأنّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله. شعارهم: يا لثارات الحسين(عليه السلام) إذا ساروا سار الرعب أمامهم مسيرة شهر. بهم ينصر الله إمام الحق).
source : http://www.alhassanain.com/arabic/show_articles.php?articles_id=793&link_articles=holy_prophet_and_ahlul_bayt_library/imam_al_mahdi/fi_intedhar_alimam