عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام

يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام

تنزيه يعقوب عن ايقاع التحاسد بين بنيه :

( مسألة ) فان قيل : فما معنى تفضيل يعقوب عليه السلام ليوسف ( ع ) على اخوته في البر والتقريب والمحبة ، حتى اوقع ذلك التحاسد بينهم وبينه وأفضى إلى الحال المكروهة التي نطق بها القرآن ، حتى قالوا على ما حكاه الله تعالى عنهم : ( ليوسف واخوه احب إلى ابينا منا ونحن عصبة ان أبانا لفي ضلال مبين ) ( 1 ) فنسبوه إلى الضلال والخطأ . وليس لكم ان تقولوا ان يعقوب ( ع ) لم يعلم بذلك من حالهم قبل ان يكون منه التفضيل ليوسف ( ع ) . لان ذلك لابد من ان يكون معلوما منه من حيث كان في طباع البشر من التنافس والتحاسد .
( الجواب ) : قيل ليس فيما نطق به القرآن ما يدل على ان يعقوب عليه السلام فضله بشئ من فعله وواقع من جهته ، لان المحبة التي هي ميل الطباع ليست مما يكتسبه الانسان ويختاره ، وإنما ذلك موقوف على فعل الله تعالى فيه . ولهذا ربما يكون للرجل عدة اولاد فيحب احدهم دون غيره ، وربما يكون المحبوب دونهم في الجمال والكمال . وقد قال الله تعالى : ( ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) ( 2 ) وإنما أراد ما بيناه من ميل النفس الذي لايمكن الانسان ان يعدل فيه بين نسائه ، لان ماعدا ذلك من البر والعطاء والتقريب ومااشبهه ، يستطيع الانسان ان يعدل بين النساء .
فإن قيل فكأنكم قد نفيتم عن يعقوب عليه السلام القبيح والاستفساد واضفتموهما إلى الله تعالى فما الجواب عن المسألة من هذا الوجه ؟ . قلنا : عنها جوابان : احدهما لا يمتنع ان يكون الله تعالى علم ان اخوة يوسف عليه السلام سيكون بينهم ذلك التحاسد والفعل القبيح على كل حال ، وان لم يفضل يوسف ( ع ) عليهم في محبة ابيه له ، وإنما يكون ذلك استفسادا اذا وقع عنده الفساد وارتفع عند ارتفاعه ، ولم يكن تمكينا . والجواب الآخر أن يكون ذلك جاريا مجرى التمكين ( الامتحان ) والتكليف الشاق ، لان هؤلاء الاخوة متى امتنعوا من حسد اخيهم والبغي عليه والاضرار به وهو غير مفضل عليهم ولا مقدم ولا يستحقونه من الثواب ما يستحقونه اذا امتنعوا من ذلك مع التقديم والتفضيل ، فأراد الله تعالى منهم ان يمتنعوا على هذا الوجه الشاق . واذا كان مكلفا على هذا الوجه فلا استفساد في تمييله بطباع ابيهم إلى محبة يوسف ( ع ) ، لان بذلك ينتظم هذا التكليف ويجري هذا الباب مجرى خلق إبليس ، مع علمه تعالى بضلال من ضل عند خلقه ، ممن لو لم يخلقه لم يكن ضالا . ومجرى زيادة الشهوة فيمن يعلم منه تعالى هذه الزيادة انه يفعل قبيحا لولاها لم يفعله .
ووجه آخر في الجواب عن أصل المسألة : وهو أنه يجوز ان يكون يعقوب كان مفضلا ليوسف ( ع ) في العطاء والتقريب والترحيب والبر الذي يصل اليه من جهته ، وليس ذلك بقبيح لانه لا يمتنع ان يكون يعقوب ( ع ) لم يعلم ان ذلك يؤدى إلى ما ادى اليه ، ويجوز ان يكون رأى من سيرة اخوته وسدادهم وجميل ظاهرهم ما غلب في ظنه معهم أنهم لا يحسدونه ، وان فضله عليهم . فإن الحسد وإن كان كثيرا ما يكون في الطباع ، فإن كثيرا من الناس يتنزهون عنه ويتجنبونه ، ويظهر من احوالهم امارات يظن معها بهم ما ذكرناه . وليس التفضيل لبعض الاولاد على بعض في العطاء محاباة ، لان المحاباة هي المفاعلة من الحباء ، ومعناها ان تحبو غيرك ليحبوك . وهذا خارج عن معنى التفضيل بالبر ، الذي لايقصد به اذا ما ذكرناه . فاما قولهم : ان ابانا لفي ضلال مبين . فلم يريدوا به الضلال عن الدين . وانما ارادوا به الذهاب عن التسوية بينهم في العطية ، لانهم رأوا ان ذلك اصوب في تدبيرهم . وأصل الضلال هو العدول . وكل من عدل عن شئ وذهب عنه فقد ضل . ويجوز ايضا ان يريدوا بذلك الضلال عن الدين ، لانهم خبروا عن اعتقادهم . ويجوز ان يعتقدوا في الصواب الخطأ .
فإن قيل : كيف يجوز أن يقع من اخوة يوسف ( ع ) هذا الخطأ العظيم والفعل القبيح وقد كانوا انبياء في الحال ؟ فإن قلتم لم يكونوا انبياء في تلك الحال ، قيل لكم وأي منفعة في ذلك لكم وانتم تذهبون إلى ان الانبياء عليهم السلام لا يوقعون القبائح قبل النبوة ولا بعدها ؟ .
قلنا : لم تقم الحجة بأن اخوة يوسف ( ع ) الذين فعلوا به ما فعلوه كانوا انبياء في حال من الاحوال ، وإذا لم تقم بذلك حجة جاز على هؤلاء الاخوة من فعل القبيح ما يجوز على كل مكلف لم تقم حجة بعصمته ، وليس لاحد ان يقول كيف تدفعون نبوتهم . والظاهر أن الاسباط من بني يعقوب كانوا انبياء ، لانه لا يمتنع ان يكون الاسباط الذين كانوا انبياء غير هؤلاء الاخوة الذين فعلوا بيوسف ( ع ) ما قصه الله تعالى عنهم . وليس في ظاهر الكتاب ان جميع اخوة يوسف ( ع ) وما ساير اسباط يعقوب ( ع ) كادوا يوسف ( ع ) بما حكاه الله تعالى من الكيد . وقد قيل ان هؤلاء الاخوة في تلك الاحوال لم يكونوا بلغوا الحلم ولا توجه اليهم التكليف . وقد يقع ممن قارب البلوغ من الغلمان مثل هذه الافعال ، وقد يلزمهم بعض العقاب واللوم والذم ، فإن ثبت هذا الوجه سقطت المسألة ايضا ، مع تسليم ان هؤلاء الاخوة كانوا انبياء في المستقبل .

تنزيه يعقوب عن التغرير بولده :

( مسألة ) فإن قيل : فلم ارسل يعقوب ( ع ) يوسف مع اخوته ، مع خوفه عليه منهم ، وقوله : ( واخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون ) ( 3 ) وهل هذا إلا تغرير به ومخاطرة ؟ .
( الجواب ) : قيل له : ليس يمتنع ان يكون يعقوب ( ع ) لما رأى من بنيه ما رأى من الايمان والعهود والاجتهاد في الحفظ والرعاية لاخيهم ، ظن مع ذلك السلامة وغلبة النجاة ، بعد أن كان خائفا مغلبا لغير السلامة . وقوي في نفسه أن يرسله معهم اشفاقا من ايقاع الوحشة والعداوة بينهم ، لانه اذا لم يرسله مع الطلب منهم والحرص ، علموا ان سبب ذلك هو التهمة لهم والخوف من ناحيتهم فأستوحشوا منه ومن يوسف ( ع ) ، وانضاف هذا الداعي إلى ما ظنه من السلامة والنجاة ، فأرسله .

تنزيه يعقوب عن تكذيب الصادق :

( مسألة ) : فان قالوا : فما معنى قولهم ليعقوب ( ع ) : ( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) ( 4 ) وكيف يجوز ان ينسبوه إلى انه لا يصدق الصادق ويكذبه ؟ .
( الجواب ) : انهم لما علموا على مرور الايام بشدة تهمة ابيهم لهم وخوفه على اخيهم منهم لما كان يظهر منهم من امارات الحسد والمنافسة ، ايقنوا بأنه ( ع ) يكذبهم فيما اخبروا به من أكل الذئب اخاهم ، فقالوا له إنك لاتصدقنا في هذا الخبر لما سبق إلى قلبك من تهمتنا وان كنا صادقين . وقد يفعل مثل ذلك المخادع المماكر اذا اراد ان يوقع في قلب من يخبره بالشئ صدقه ، لان القتل من أفظع مصائب الدنيا ، فيقول انا اعلم انك لا تصدقني في كذا وكذا . وان كنت صادقا ، وهذا بين .

تنزيه يعقوب عن الحزن المكروه :

( مسألة ) فان قيل : فلم اسرف يعقوب ( ع ) في الحزن والتهالك وترك التماسك حتى ابيضت عيناه من البكاء والحزن ، ومن شأن الانبياء عليهم السلام التجلد والتصبر وتحمل الاثقال ، ولولا هذه الحال ما عظمت منازلهم وارتفعت درجاتهم ؟
الجواب : قيل له ان يعقوب عليه السلام بلي وامتحن في ابنه بما لم يمتحن به احد قبله ، لان الله تعالى رزقه مثل يوسف عليه السلام احسن الناس واجملهم واكملهم عقلا وفضلا وادبا وعفافا ثم اصيب به اعجب مصيبة واطرفها ، لانه لم يمرض بين يديه مرضا يؤول إلى الموت فيسليه عنه تمريضه له ثم يأسه منه بالموت ، بل فقده فقدا لا يقطع معه على الهلاك فييأس منه ، ولايجد إمارة على حياته وسلامته ، فيرجو ويطمع . وكان متردد الفكر بين يأس وطمع ، وهذا اغلظ ما يكون على الانسان وانكأ لقلبه ، وقد يرد على الانسان من الحزن ما لا يملك رده ولا يقوى على دفعه . ولهذا لم لا يكون احدنا منهيا عن مجرد الحزن والبكاء ، وانما نهي عن اللطم والنوح ، وان يطلق لسانه فيما يسخط ربه وقد بكى نبينا صلى الله عليه وآله على ابنه ابراهيم عند وفاته . وقال : العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول ما يسخط الرب ، وهو القدرة في جميع الآداب والفضائل على ان يعقوب ( ع ) انما ابدى من حزنه يسيرا من كثير ، وكان ما يخفيه ويتصبر عليه ويغالبه اكثر وأوسع مما اظهره . وبعد ، فإن التجلد على المصائب وكظم الغيظ والحزن من المندوب اليه ، وليس بواجب ولا لازم ، وقد يعدل الانبياء عن كثير من المندوبات الشاقة ، وان كانوا يفعلون من ذلك الكثير .

حول الرؤيا التي رآها يوسف ( ع ) :

( مسألة ) فان قيل : كيف لم يتسل يعقوب ( ع ) ويخفف عنه الحزن ما يحققه من رؤيا ابنه يوسف ، ورؤيا الانبياء ( ع ) لا تكون إلا صادقة ؟ .
( الجواب ) قيل له في ذلك جوابان : احدهما ان يوسف ( ع ) رأى تلك الرؤيا وهو صبي غير نبي ولا موحى اليه ، فلا وجه في تلك الحال للقطع على صدقها وصحتها . والآخر ان اكثر ما في هذا الباب ان يكون يعقوب ( ع ) قاطعا على بقاء ابنه ، وان الامر سيؤول فيه إلى ما تضمنته الرؤيا ، وهذا لا يوجب نفي الحزن والجزع ، لانا نعلم ان طول المفارقة واستمرار الغيبة يقتضيان الحزن ، مع القطع على ان المفارق باق يجوز أن يؤول حال إلى القدوم ؟ وقد جزع الانبياء عليهم السلام ومن جرى مجراهم من المؤمنين المطهرين من مفارقة اولادهم واحبائهم ، مع يقينهم بالالتقاء بهم في الآخرة والحصول معهم في الجنة . والوجه في ذلك ما ذكرناه .


( 1 ) يوسف الآية 8
( 2 ) النساء الآية 129
( 3 ) يوسف الآية 13
( 4 ) يوسف الآية 17

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الموت ليس إبطالاً للشخصية
أدلّة جمع القرآن القرآن في زمان الرسول ...
التجسيم عند ابن تيمية وأتباعه ق (2)
أصل فى بيان الغرض من ايجاد الخلق
بعض اقوال علماء اهل السنة والجماعة في يزيد ابن ...
مساءلة منكر ونكير
أصحاب الخمس هم أصحاب الفيء
اسلوب التفسير بالرأي
الشهادة الثالثة وجوب ام استحباب
هذا هو الرِّفْق في الإسلام

 
user comment