عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

سائر الخصوصيات السياسية للمنافقين

سائر الخصوصيات السياسية للمنافقين

الانتهازية

من وجهة نظر القرآن، فإنّ من خصوصيات المنافقين السياسية هي الانتهازية. وما يُعدّ مهماً بالنسبة لهم هي منافعهم وحسب، وهذا هو السّر في تعاطيهم للنفاق.

والمصداق البارز للانتهازية لديهم والّذي صرّح به القرآن في عدد من الموارد، هو انتهازهم للفرصة في كسب الغنائم، والفرار من ساحات المعركة. ففي كل معرکةٍ ينتصر فيها المسلمون فإنّهم يُظهرون أنفسهم مباشرة إلىٰ جانب المسلمين، كي يفوزوا بغنائم المعركة. ولمّا يتعرض المسلمون إلىٰ خسارة، فإنّهم كانوا وعلى الفور يقولون لإعداء المسلمين: أما قلنا لكم ان دولة الاسلام ما هي إلّا دولة طارئة، وسيكون النصر من حليفكم؟! فادفعوا لنا أيضاً سهمنا!

يصف القرآن انتهازية المنافقين قائلاً:

{ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا ألَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإنْ كَانَ لِلْكافِرينَ نَصِيبٌ قَالُوا ألَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعٌكٌمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا } ([1]).

إنّ الانتهازيين لا يُصاحِبون المؤمنين إبّان الأزمات والمصاعب، إلّا أنّه إذا ما تراءىٰ الفتح والنصر، فتراهم يتهافتون، وبكل وقاحة يطالبون بدفع سهمهم.

إنّ الآية الکريمة التالية، تُبيِّن انتهازية المنافقين وبشكلٍ أوضح:

{ أشِّحَةً عَلَيْكُمْ فَإذا جَاءَ الْخَوْفُ رَأيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى مِنَ الْمَوْتِ فَإذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِألْسِنَةٍ حِدادٍ أشِحَّةٍ عَلَى الْخَيْرِ}([2]).

وفي الآية 20 من سورة الأحزاب إشارة إلیٰ تصوير هروبهم من المواجهات العصيبة واللحظات الحساسة والمتأزمة بالشكل الّذي تجدهم فيه:

{ يَحْسَبُونَ الأحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإنْ يَأتِ الأحْزابٌ يَوَدُّوا لَوْ أنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرابِ يَسْألُونَ عَنْ أنْبائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إلاَ قَلِيلاً } ([3]).

يُستفاد من الآيتين أعلاه أنّ المنافقين بخلاء ـ فوق حدود التصور ـ مع المسلمين، وهم غير مستعدين لإبداء أيّ تعاونٍ مع المسلمين أو مساندة لهم، فلا يساعدون مالياً، ولا يمدّون بالأنفس، ولا يسهمون بالمساعدة الفكرية، وبالكامل فهم أعداء. ففي الوقت الّذي يدور فيه الحديث عن الإيثار والشهادة، فهم فوق حدود التصور جبناء، كما لو أنّهم شارفوا على الموت من شدّة الخوف، ولكن حين يزول الخطر يدخلون إلىٰ الساحة بغطرسة، ويطلبون الغنائم([4]).

اُولئك يحبون أن يقفوا وعلى الدوام موقف المتفرج، وبتعبير آخر: يكونون على جانب من مشارف العمق. فهم لا يرغبون في دخول الميدان إلّا إذا کانوا في اطمئنانٍ کاملٍ بأنّه ليس هنالک من خطر يهدّدهم، واذا كان الكلام يدور يدور حول الغنائم فقط، فسيدخلون عندها لجمع الغنائم.

ينقلون في التاريخ أنّ الرسول الأكرم قال أثناء معركة خيبر: غنائم خيبر تختصّ باُناسٍ قد اشتركوا في صلح الحديبية (بشروطها الصعبة). فالمنافقون كانوا قد أعرضوا عن الحضور في الحديبية، ولکن لديهم رغبة أن يشتركوا في هذه المعركة ـ الّتي كانوا قد تنبّؤوا فيها بأنَّ المسلمين سوف يغنمون الغنائم الكثيرة فيها ـ كي يحصلوا على الغنائم منها، فالرسول وبهذا الأمر كان قد حدّ من انتهازيتهم. ولو أن المنافقين كانوا قد احتجوا على الرسول والمسلمين واتهموهم بالحسد. ولقد نزلت الآية التالية في هذا الأمر:

{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إذا انْطَلَقْتًمْ إلى مَغَانِمَ لِتَأخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعكُمْ يُرِيدُونَ أنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولَونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ إلاَّ قَلِيلاً }([5]).

إذا راجعنا تاريخ صدر الإسلام حتى يومنا هذا فإنّنا سوف نحيط بهذه النقطة، وهي أن أكثر الضربات التي تلقّاها المسلمون وعلى مدى تاريخ الإسلام، كان مصدرها نفوذ الانتهازيين بين صفوف المسلمين.

و هكذا كان بنواُميّة الّذين توالى حكمهم على اُمة الإسلام ولألف شهر، والجنايات والفجائع التي ارتكبوها في تاريخ حكمهم المشين، فهم نموذج لنفوذ الحالة الانتهازية في الإسلام. فأبو سفيان لم يكن له من حلّ سوى أن يسلم، ولم يدخل الإيمان في قلبه أبداً، حيث نفذ منتهزاً الفرصة وبسرعة إلىٰ أعلى المناصب في الحكومة، إلى الحدّ الّذي بلغ به إبّان حكومة عثمان إعتلاء سلطة كبيرة وحتى قبل خلافة عثمان، فإنّ حكومة الشام كانت بين أيدي أولاده وبالكامل.

وقضية بني العبّاس أيضاً هي الاُخریٰ تعتبر قضية مثيرة للعبرة والجدل لكلّ المخلصين للثورة. فهم ثاروا عبر الاستفادة من محبوبية اهل البيت^ وباسم الرضا من آل محمد^، فجمعوا الناس حولهم، وفي النهاية عندما انتصروا ووصلوا إلیٰ سدّة الحکم، ظلموا أهل البيت كما فعل بنو اُميّة. وتقريباً فإنّ بني اُميّة قد استشهد علیٰ ايديهم نصف عدد الأئمة^، والنصف الآخر منهم كان علیٰ يد بني العبّاس. والإمام الصادق× كان ومنذ البداية يعلم بقضية الانتهازية. فعندما كتب أبو مسلم الخراساني رسالة إليه، وقال: استعدّ، فنحن حاضرون لتسليمكم الخلافة، فقال الإمام:

«مَا أنْتَ مِنْ رِجالِي وَلاَ الزَّمانُ زَمانِي»([6]).

وعندما كتب (أبو سلمة الخلّال) وهو من أتباع بني العباس رسالةً إلى الإمام بمثل هذا المضمون، فإن الإمام أحرق رسالته، وقال:

«مَا لِي وَلأبي سَلَمَة هُوَ شِيعَةٌ لِغَيْرِي»([7]).

في التاريخ المعاصر أيضاً، تمثلت الانتهازية في الانتفاضة الدستورية واُعتبرت من الحوادث الأليمة في التاريخ. فتلك الحركة قد مهّد لها رجال كبار، نظير الآخوند الخراساني، الحاج الشيخ عبد الله المازندراني والشيخ فضل الله النوري. فهم كانوا من علماء الدين، ومرّوا بمراحل صعبة، حيث كان لهم حضورهم الفاعل في الساحة، وعندما تراءت علامات النصر طلع أذناب الغرب عبر شعار الحرية، ونفي الاستبداد. ومن خلال توجيه التهم الطائلة إلى العلماء، عملوا على تحريف الحركة الدستورية عن مسارها وصولاً إلىٰ أن أصبح الحاصل من الدستورية حكومة دكتاتورية مستبدّة، تداول الحكم عليها ولخمسين عاماً اثنان من الأسرة البهلوية. لقد كان الشيخ فضل الله النوري من المؤسسين للدستورية، وبجريمة مناوءته للدستورية تم اعدامه ظلماً، وحتى بعد شهادته، فإنّهم تجاسروا على جسده الطاهر، بحيث إنّ القلم ليخجل من تكرار الحديث في ذلك ([8]).

ولقد اقتادوا الشيخ الخراساني وباقي زعماء الانتفاضة إلىٰ الشهادة وبطريقة خفيّة، واستغلوا الانتفاضة لمنفعتهم.

و في انتفاضة تأميم صناعة النفط، فإنّ المرحوم آية الله الكاشاني اقتحم ميدان المواجهة، واستطاع من خلال استحصاله للفتاوى من الفقهاء العظام، مثل آية الله محمد تقي الخوانساري وآية الله السيد محمود الروحاني، أن يحصل على الدعم الشعبي لمثل هذه الانتفاضة.

ولكن بعد الانتصار وتأميم النفط انتهز الوطنيون الفرصة وجلسوا على المائدة، وبدلاً من التوجّه بالشكر فإنّهم جحدوا الفضل ووجهوا أقبح الإهانات إلىٰ المرحوم آية الله الكاشاني، وعملوا على انزوائه.

 كما أنَّ الشهيد نواب الصفوي وأنصاره، كان لهم الحظّ الأكبر من السعي في هذه الانتفاضة، ولكن بعد أن امتلك مصدّق زمام الأمر كان نصيبهم السجن.

وفي نطاق نفوذ الانتهازيين في الانتفاضات المختلفة، فللشهيد آية الله مرتضى المطهري نكات جامعة، وبعيدة الغور والتي يعتبر نقلها هنا في غاية الأهميّة:

إنّ نفوذ الأشخاص الانتهازيين في انتفاضةٍ ما واختراقهم لها، يُعدّ من الآفات الكبيرة لكلّ انتفاضة، فالواجب العظيم للقادة الأساسيين هو أن يسدوا الطريق أمام نفوذ أمثال هؤلاء الأشخاص، وأن يمنعوهم من اختراقهم. فكلّ انتفاضة طالما أنّها تطوي المراحل الأولية العصيبة، فإنَّ ثقلها سيقع على أكتاف الأفراد المؤمنين والمخلصين من المضحين. إلّا أنّها وحالما تضع أوزارها، أو أنّها وعلى أقلّ تقدير تمخضت عن محتوياتها وبصورة ظاهرة، وتفتحت براعم شجرتها، تخرج رؤوس الانتهازيين وتلوح في الأفق. ويوماً بعد يوم تتضاءل العراقيل، وموعد جني الثمار يقترب، فيعمل الانتهازيون على التمسك براية الانتفاضة عبر الضرب على الصدور بكل حماسة وقوة، وصولاً إلىٰ إخراج الثوريّين المؤمنين والمضحّين الأوائل تدريجياً من الساحة.

وتأخذ هذه القضية طابعاً كلّيا بحيث يقولون: (الثورة تأكل أبناءها)! كما لو كانت خاصية الثورة أن يصل بها الأمر إلىٰ هذه النتيجة، وذلك بأن تدمّر أبناءها الواحد تلو الآخر. لكنّ الثورة ليست بآكلة لأبنائها، بل إنَّ الغفلة عن نفوذ الانتهازيين واختراقهم ينجم عنه كارثة.

لا نذهب مكاناً قصياً، فمَن هم الأشخاص الّذين بلغوا بالثورة الدستورية في إيران مبلغها المثمر؟ وبعد مبلغها ذلك فما هي الوجوه التي احتلّت المقاعد والمناصب؟ وكنتيجة نهائية ما الذي حصل؟

لقد اُلقي بالزعماء والقادة الوطنيين وسائر الأبطال المنادين بالحرية إلى زاوية معينة، حتى لفّهم النسيان هناك، وكانت عاقبتهم أن أصبحوا جياعاً حتى ماتوا وهم مجهولو الهوية. أمّا أزلام السلطة، والذين كانوا وإلىٰ الأمس يقفون تحت راية الاستبداد يحاربون الثوريين، ويلقون الحبال في أعناق مؤيدي الدستورية، فهم قد بلغوا مبلغ الصدارة العليا، بينما تمخّضت النتيجة النهائية عن فرض الاستبداد بصيغة دستورية.

لقد أثّرت الانتهازية تأثيرها المشؤوم في عصرِ صدر الإسلام. ففي عهد عثمان استحلّ الانتهازيون موقع الشخصيات المؤمنة بالإسلام والأهداف الإسلامية. فالطُلقاء أصبحوا وزراء، وكعب الأحبار أصبح مستشاراً، وأمّا أمثال أبي ذرّ وعمّار فإنّهم إمّا اُرسلوا إلىٰ المنفى، أو خَمُدت أنفاسهم تحت الركل والتعذيب. 

 لماذا يفرّق القرآن بين الإنفاق والجهاد قبل فتح مكة وبين الإنفاق والجهاد من بعده؟ وفي الحقيقة لماذا يفرّق القرآن بين المؤمن المنفِق من قبل الفتح، وبين المؤمن المنفِق من بعده؟:

{ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أولئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }([9]).

تفسير المطلب واضح، فقبل فتح مكة ومهما كان فإنّه كان يمثل صعوبة وتحمّل للمشقة، فكان مجمل الإيمان أكثر خلوصاً، والإنفاق والجهاد لا تعتريهما شائبة، وبعيداً عن روح الانتهازية. على العكس من الإنفاق والجهاد من بعد الفتح، فهو لم يكن على تلك الدرجة من الخلوص...

فالانتفاضة يفجّرها المصلح، وليس الانتهازي، كما أنّ بمقدور المصلح المؤمن أن يواصل الثورة والانتفاضة حتى الى حين بلوغ النصر، لا أن يقوم الانتهازي الذي يحرص على تحقيق منافعه الشخصية.

وعلى كلِّ حال فالتصدّي لنفوذ واختراق الانتهازيين ـ على الرغم من تظاهرهم المخادع ـ هو أحد الشروط الأساسية لاستمرار انتفاضة معينة في مسيرتها الأصلية([10]).

لقد حذّر معمار الثورة الإسلاميّة ومؤسّسها الکبير السّيد الإمام الخميني+، وعبر التفاته إلىٰ هذا الخطر وما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار مما كان من التاريخ الماضي قائلاً:

«اقعدوا على الدوام في مكمنٍ لرصد المستغلّين والانتهازيين، ولا تسمحوا أن تقع قيادة سفينة الثورة، وعرصاتها الصغيرة والكبيرة بيدهم».

و وصية الإمام إلىٰ الأجيال اللاحقة هي:

«أن أكون بينكم أو لا أكون كذلك فإنّي اُوصيكم أجمعين، وأنصحكم أن لا تسمحوا لهذه الثورة أن تقع بيد غير أهلها وغير الحريصين عليها» ([11]).  

كما تعرّض الإمام كذلك إلىٰ ضرورة استلهام العبرة من قضية الدستورية، وقال:

«إذا ما ضعف الروحانيون والشعب والخطباء والعلماء والكتاب والمفكرون الذين يشعرون بالمسؤولية، ولا يستلهمون العبرة من قضايا الدستورية المبدئية، فإنّه سوف يلحق بثورتهم ما لحق بالثورة الدستورية» ([12]).

احتقار المؤمنين الغيورين على الدين

من خصوصيات السلوك السياسي لأعداء الأنبياء والمؤمنين وعلى مرّ التاريخ، هي احتقار الغيورين على الدين.

فأعداء النبيّ نوحٍ× كانوا يستصغرون أتباعه، ويحتقرونهم ويعدّونهم ضيِّقي النظرة: {وَمَا نَراكَ اتَّبَعَكَ إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أرَاذِلُنا بَادِئَ الرَّأيِ }([13]).

فهم يتذرعون في عدم اتّباعهم للنبيّ نوح× بهذه العلة التي يعرضونها، وهي أنَّ أنصاره ما هم إلّا أراذل، ونحن سوف لا نضع أنفسنا في منزلتهم:

{ قَالُوا أنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ }([14]).

ففي تاريخ الإسلام يلاحظ ما يشابه هذه القضية أيضاً، فأكابر قريش وحسب الاعتقادات الجاهلية كانوا يعدّون الجلوس إلىٰ جانب المؤمنين المستضعفين مدعاة للعار بالنسبة لهم. فاقترحوا علىٰ الرسول الأكرم أن يقصي هؤلاء الأشخاص عنه، كي ننضمّ إليكَ ونستفيد من مجالستك، فبعد هذا الاقتراح نزلت الآية التالية تأمر الرسول بالرفض القاطع لمقترح الكافرين:

{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أمْرُهُ فُرُطاً}([15]).

لم يختصَّ الاحتقار والاتّهام بالسفاهة بأنصار الأنبياء فقط، بل إنَّ الرسل الکرام^ أيضاً كانوا قد اتُّهِموا بالسفاهة ومن قبل الأعداء. فقوم عاد كانوا يعدّون هوداً سفيهاً وبصراحة مع التأكيد:

{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إنّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ}([16]).

والمنافقون كذلك والّذين يمثلون قسماً من أعداء الأنبياء والمؤمنين كانوا يستخدمون هاتين الصيغتين، فكما كانوا يقومون باحتقار الرسول الأكرم، كانوا أيضاً يستصغرون المؤمنين، فكانوا يعدّون الرسول الأكرم بأنّه مغفّل وسريع التصديق([17]).

وكانوا يعتبرون المؤمنين أيضاً سفهاء:

{وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ألاَ إنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ }([18]).  

وبالطبع فلأن المنافقين أنفسهم كانوا يتظاهرون بالإيمان والتديّن كانوا قليلاً ما يجرؤون على الرسول الأكرم بالنيل من نبّوته، أو أن يجرؤوا على تكذيبه. بل إنَّهم كانوا يعيبون على أكثر سلوكيات الرسول وخصائصه الأخلاقية. كما أنّهم كانوا يقومون باحتقار المؤمنين عبر نقد أعمالهم ونشاطاتهم الدينية والسياسية أكثر مما كانوا يهتمون باحتقارهم والسخرية منهم، بسببٍ الإيمان.

وإنّ المنافقين كانوا يتعرضون بالسوء وبشكل معيّن إلىٰ الأشخاص الذين كانت لهم خدمة أكبر في الجبهة، وإلى الأشخاص الّذين كانت لهم خدمة أقل، بسببٍ تدنّي مقدرتهم وبشكل آخر، كانوا يتعرضون لهم بالسوء.

{ألَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ}([19]).

إنّ الهدف الأساسي للمنافقين هو استصغار المؤمنين، وتضعيف الغيرة الدينية، وإثارة الحسّاسيات لدى المؤمنين عند أداء التكاليف الدينية. وأصبح واضحاً أمام الكلّ، أنّه طالما يوجد هناك شعور بالتديّن وبصورة جادّة بين المسلمين، وأنّهم يعكسون حساسيةً تجاه هتك القيم الإسلامية، فإنّه لا يكون بوسع المنافقين أن يبلغوا هدفهم النهائي وهو نسف السلطة الدينية. فالمنافقون ومن خلال احتقار المؤمنين ومظاهرهم الدينية، يسعون إلى خفض مستوى الحساسيات، وتحديد الدين والقيم الإسلامية بمستوى السلوكيات الفردية والشخصية، كي يتمكنوا وعبر هذا الطريق من القيام بمسخ الدين، والاستيلاء على الحكومة الإسلامية. وعلى هذا الأساس كان للمنافقين ارتباط وثيق بأعداء الدين، ولديهم علاقات ودّية معهم. أمّا مع أبناء جلدتهم والمؤمنين فإنّهم يتعاملون تعاملاً قاسياً ومستبّداً، وبالضبط على عكس الصفة التي يصف الله بها المؤمنين.

يعرّف الله تعالى المؤمنين بأنّهم {أشِدّاءُ عَلَى الْكُفّار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}([20])، أمّا المنافقون فإنّهم بالنسبة إلىٰ المؤمنين (أشدّاء)، وبالنسبة إلىٰ أعداءالدين فهم (رُحماء) .

التشكّل والترابط

من خصوصيات السلوك السياسي للمنافقين التلاحُم والترابط فيما بينهم ؛ وذلك من أجل توجيه الضربة إلىٰ الإسلام وسلطة النظام الإسلامي، فإنّهم ولكي يستمكنوا الإسلام، ويعملوا على إضعاف السلطة الدينية، فإنّهم يتخلّون عن اختلافاتهم ويتّحدون ضد الإسلام:

{ ألْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقَاتِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ}([21]).

ومن أهداف هذا التلاحم هو تشکيل قاعدة للتآمر، يعقدون فيها الاجتماعات السرية لأجل تفعيل العمل ضد الإسلام.

تتخذ قواعد التآمر وفي كل زمان شكلها المناسب، ولقد تمثّلت إحدى نماذجها في بناء مسجد ضرار الذي سبقت الإشارة إليه في القرآن الکريم فكان هدفهم الاستفادة من هذا المسجد تحت عنوان (الطابور الخامس) من أجل زرع الفرقة بين المؤمنين، والتجسس لصالح الأعداء، وتوجيه ضربة إلى المسلمين، وترويج الكفر.

ويستفاد من هذا المنوال، من حيث إنّ المنافقين يعملون ـ ووفقاً لبرامجهم المعدّة مُسبقاً ـ على الإفادة من كل آلية لتوظيفها ضد الدين، وعلى استغلاله أيضاً عندما يرون الظرف مناسباً، كي يستثمروا ذلك في مواجهة الدين الحقيقي. كما أرادوا من بناء المسجد إعادة نشاطهم فيه حتى ينهضوا لمحاربة الرسول.

كان أحد أعمالهم الموحدة عقد الاجتماعات المختلفة لأجل النيل من الإسلام.

يصرّح القرآن بإنّ المنافقين كانوا في النهار يستمعون إلى كلام الرسول ويظهرون له الطاعة، ولكنّهم في الليالي كانوا يعقدون اجتماعاتهم التآمرية، حيث كانوا يناقشون الطرق الكفيلة لمواجهة إرشادات الرسول:

{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ }([22]).

عقد ذات مرّة اجتماع في بيت سويلم، بمناسبة معركة تبوك لأجل مناقشة الطرق الكفيلة بمنع الناس من الاشتراك في المعركة. وهو واحد من آلاف الاجتماعات التآمرية التي عقدها المنافقون([23]).

فهذا نموذج واحد من مخطّطات المنافقين السياسية التي کانوا يقومون بها من خلال ارتباطهم وعقد الاجتماعات والتخطيط الدقيق لأجل التصدي للإسلام. ومن أجل التصدي لهم ومواجهتهم يجب التلاحم بين المؤمنين أيضاً والترابط والتخطيط لذلك. التلاحم هو الذي يكون الهدف منه القيام بالواجب والتصدي للمؤامرات. فالتشكيلات يجب أن تكون ممهدة للوحدة وائتلاف المجتمع الإسلامي من أجل إحباط مؤامرات الأعداء. وليس أن تتبدّل التشكيلات، فتعبّر عن صنميّة جديدة وحديثة، وتكون عاملاً للتفرقة والاختلاف([24]).

إنّ اختلاف السلائق وتلاقُح الآراء في نطاق القيم الإسلامية يُعدّ أساس النمّو. أمّا إذا حلّت الدكتاتورية والإهانة والهتك والاتهام محلّ الاُخوّة في الله وسعة الصدر وتحمل الواحد للآخر، فإنَّ العدو هو الشخص الوحيد الذي سيستفيد، والنتيجة المباشرة لذلك هو التشتّت ووقوع الفرقة في المجتمع، وإضعاف الحكم الإسلامي والتي هي من الطموحات الأساسية للأعداء.

بعد تطاول أحد أذناب معاوية على مدينة الأنبار، قال الإمام عليّ× بعد أن رأى ضعف الناس في دفع تجاوز المنافقين:

«فَيَا عَجَباً! عَجَباً وَاللهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيجْلِبُ الْهَمَّ مِنْ اجْتِماعِ هؤلاءِ الْقَوْمِ عَلى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ»([25]).

يعد التذكير بهذه النقطة ضرورياً، والتي تعبر عن أنّ وحدة المنافقين وترابطهم كان مؤقتاً، من أجل الإطاحة بالنظام الإسلامي. إلّا أنّه وعندما يصلون إلىٰ أهدافهم، وحتى أنّه حالما تُشاهد أقل علامة للنصر، فإنّهم يتجهون الى التفرق والانفصال. لأنّ محور وحدتهم باطل، ومثل هکذا وحدة لم يکن لها أن تقاوم في أي وقت. ولهذا السبب فإنّ الباطل يرافقه وعلى الدوام الضعف وعدم الثبات، وما يبقى هو الحق فقط.

إثارة الفتنة

من خصوصيات سلوك المنافقين السياسي والتي يذكرها القرآن بصراحة هي إثارة الفتنة. فهم بصدد إيجاد الفتنة في المجتمع الإسلامي، فيهدفون وعبر هذا الطريق في أن يصلوا إلىٰ أهدافهم المشؤومة.

لقد ذكرت عدة معانٍ للفظة «الفتنة»، هذا مع التوجه إلىٰ القرائن التي جاءت في الآيات الکريمة في وصف المنافقين، فإنَّ هناک احتمالين لمعنيين من المعاني التي ورد ذكرها في القرآن الکريم يوضّحان مفهوم إثارة الفتنة من قبل المنافقين([26]).

الاحتمال الاوّل: هو أن يكون المقصود من إثارة الفتنة هم المنافقون، الذين يسعون إلیٰ ايجاد الاختلاف في المجتمع وبين المسلمين.

والإحتمال الثاني: هو أن يكون المقصود من إثارة الفتنة هو ترويج الشرك وعدم الإيمان. فيلاحظ استعمال الفتنة بمعنى الشرك في الآية التالية:

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لاّ تّكُونّ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كلُّهُ لِلّهِ}([27]).

في هذه الآية التي تكررت مرتين في القرآن، والّتي عبرت عن الفتنة بمعنى الشرك، توجهت بالأمر إلى المؤمنين بأن يواصلوا قتالهم حتى يتم اقتلاع أساس الشرك وعبادة الأصنام.

اتّفقت أقوال أكثر المفسرين على الاحتمال الأوّل في معنى إثارة المنافقين للفتنة، ورأوا أنّ الفتنة هي بمعنى تفريق الكلمة، وإيجاد التشتت بين المسلمين. ولو أنّه يبدو للنظر إمكانية الجمع بين كلا الاحتمالين. وبهذا الإيضاح يتبين أنّ المنافقين وعبر إيجاد الاختلاف، وتفتيت وحدة المسلمين يقصدون إضعاف النظام الإسلامي والإطاحة به ورواج الشرك وحكومة الطاغوت ؛ لأنّه ليس بعد حاكمية الإسلام والحق من شيءٍ يبقى، سوى الطاغوت والباطل:

{فَمَاذا بَعْدَ الْحَقِّ إلاّ الضَّلالِ}([28]).

وعلیٰ أيةحالٍ فإنّ تكتيك (فَرِّق تَسُد) هو اُسلوب سلوكي لكلِّ أعداء الأنبياء والمؤمنين، وهو دَيدَن المستعمرين علىٰ طول التاريخ ، ففرعون كان من الأشخاص الذين يستخدمون هذا الاُسلوب:

{إنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعاً}([29]).

وكذلك المنافقون كانوا يتّبعون هذا الاُسلوب، حيث كانوا وعلى الدوام يعملون على إيجاد الاختلاف، كي يَدَعُوا الكفر يحكم من جديد:

{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلاّ خَبالاً وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ }([30]).

 يستفاد من الآية أعلاه أنّ حضور المنافقين في جبهة الجهاد يمثّل عاملاً لإضعاف المعنويات وثارة الفِرقة والتردد. فإنّهم وبحضورهم السريع وإثارتهم الشديدة للفتنة، يکون بوسعهم أن يؤثّروا على بعض المسلمين وبسرعة، ممن لا يمتلكون وعياً عميقاً، ولا يدركون خطرهم، وبهذا العمل فإنّهم يوقعون الخلاف بين أفراد الجيش الواحد.

ففي قضية مسجد ضرار أيضاً كان هدفهم إثارة الفتنة، فكما يزرعون الفِرقة بين المؤمنين فإنّهم يروّجون للكفر([31]).

يضيف الله تعالى في بقية الآية 48 من سورة التوبة التي قدمت صورة عن إثارة المنافقين للفتنة في معركة تبوك، هذه النقطة أيضاً، إثارة المنافقين للفتنة وسلوكهم الدائم، حيث يعدون من أصحاب السوابق في هذا المضمار. فكانوا يتقصدون إعمال التفرقة في معركة الأحزاب أيضاً، والتي لم يتوفقوا فيها:

{ لَقَدِ ابْتَغَوا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأمُورَ حَتّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}([32]).

توجد شواهد تاريخية كثيرة في مجال سعي المنافقين لإيجاد الاختلاف وتبديد وحدة الكلمة بين المؤمنين، حيث نشير هنا إلىٰ موردين فقط:

أحدهما: في معركة اُحُد إذ انفصل عبدالله بن اُبَي - الذي كان من كبار حزب النفاق - عن جيش الرسول، وتغنىٰ بالعودة إلى المدينة. ولقد نصحه أفراد مثل عبدالله جابر الأنصاري، الذي كان من كبار قبيلة الخزرج. ولكن لم يكن نصحه بذي فائدة. لقد كانت ذريعة عبدالله بن اُبي في الانسحاب من جيش الرسول هي أنّ الرسول قبل برأي الشباب والأشخاص الذين لا رأي لهم في الحرب، وتحرك باتجاه اُحُد.

أراد عبدالله بن اُبَي بقوله هذا أن يحرّك إحاسيس زعماء القبائل، ليمنعهم من المشاركة في خوض القتال في اُحد، فلم يتوفق([33]).

والمورد الثاني هو: أنّه قد وقع شجار بين أحد الأشخاص من المهاجرين اسمه (جهجاه)، وبين شخص آخر من الأنصار اسمه (سنان)، وذلك في أثناء استقاء الماء من البئر. فلطم المهاجر الرجل الأنصاري، وفي هذا الحال استغاث كلٌّ منهما ـ وطبقاً للعرف الجاهلي ـ بأقربائه وأفراد قبيلته لمساعدته، ومباشرة حضرت مجموعة من الأنصار ومجموعة من المهاجرين في محلّ النزاع بسيوف مسلولة، وكادت أن تقع معركة دامية، فدخل الرسول الأكرم بنفسه ميدان الصراع، لأجل إخماد نار الفتنة، فقال: هذا النزاع والقتال ومثل هذه الاستغاثة منفّرة.

 أراد حزب النفاق أن يستثمر هذه القضية، ويعمل على زرع التفرقة عبر إشعال العصبيات القبلية. ولکنّه تم إحباط مؤامرتهم بواسطة تدبير الرسول([34]).

يجب استلهام العبرة من هذه الحوادث والوقائع المشابهة، والتعلّم منها هذه النقطة وهي أنَّ الأعداء في تقصٍّ متواصل لخلق جوٍّ مليء بالحقد، والعداوة والخلاف الجاهلي. هذا ليس سلوك اُسلوب المنافقين بالأمسِ، بل هو سلوكهم اليوم، وغداً وما يليه.

يقول الإمام عليّ× بصدد ما يتعلّق بأساليب التفرقة، والأخطار الناجمة عن إثارة المنافقين للفتن:

«وَأيْمُ اللهِ، مَا اخْتَلَفَتْ اُمَّةٌ قَطُّ بَعْدَ نَبِيِّها إلاّ ظَهَرَ أهْلُ بَاطِلِها عَلى أهْلِ حَقِّها إلاّ مَا شاءَ الله»([35]).

فنتيجة تفرق أهل الحقّ هي استعادة أهل الباطل لأنفاسهم وسيطرتهم وتسلّطهم، ولهذا السبب فإن حزب النفاق يسعى وبشدة من أجل إيجاد الفِرقة بين أهل الحقّ وبذرائع مختلفة، حيث يستفيد من تشتّتهم.

في عهد خلافة أمير المؤمنين× استطاع معاوية ومَن حوله من المنافقين أن يثيروا التفرقة بين أصحاب وقادة جيش الإمام، عبر نشر الفتنة وتأجيج الاختلافات بينهم. وطالما غدت الاُمة متفرقة، وأصبحت مجموعات عدّة، فإنّ قائدها حتى ولو كان من أفاضل الناس، فإنّ حزب النفاق يستطيع أن يتغلب عليها، ويعمل في كل يوم على حصر حكومة الإمام في دائرة أضيق.

فبعد اطلاع الإمام عليّ× على ظهور (بُسر بن أرطأة) على اليمن وبجرائمه، فقال مخاطباً أهل الكوفة: إنّي والله كنت لأعلم وعبر اتخاذكم هذا السبيل، ومن خلال الاختلاف الذي ساد بينكم، بأنه سوف يأتي يوم كهذا اليوم:

«إنِّي وَاللهِ لأظُنُّ أنّ هؤلاءِ الْقَومَ سَيُدالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِماعِهِمْ عَلى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ»([36]).

إيجاد الحرب النفسية

من جملة خصوصيات السلوك السياسي للمنافقين التي ذکرها القرآن هي إيجاد الحرب النفسية، فايجاد التزلزل والاضطراب، وإشاعة جوٍّ غير آمن، وبثّ ونشر الإشاعات الكاذبة، وغمر المجتمع بالتُهَم المختلفة، تمثّل جميعاً مجموعة من العناصر التي تشكّل حرباً نفسية. فهم يعملون دائماً ومن خلال الحرب النفسية على جرِّ المجتمع إلىٰ حالة من الفوضى، فيضعفون معنويتهم العامة، ويحكّمون فيه اليأس والرعب، كي لا يقوىٰ المؤمنون على اتخاذ القرار الصحيح، ولا يتحركون بالقدرة والوقت المناسبين.

 والهدف الآخر لاُولئك المنافقين، هو إشاعة الشك في المجتمع، فيما يتعلق بالمعلومات والأخبار الراهنة في البلاد، والعمل على سلب الثقة العامة الممنوحة لکيار قادة النظام الإسلامي والشخصيات البارزة، وذوي التأثير، لتسفر النتيجة عن اختلافٍ في المجتمع وإضعافٍ للحكومة.

وفي سبيل إيجاد الحرب النفسية فإنّ المنافقين يستخدمون طرقاً مختلفة للقيام بذلك.

فواحدة من أساليبهم تلک هي تعظيم العدو وتحقير قدرات المسلمين. فهم يسعون إلىٰ إلقاء الرعب والخوف في نفوس المؤمنين، ومنعهم من مواجهة العدو، عبر تهويل قدرات العدوّ القتالية کمّاً وکيفاً، والتقليل من شأن جيش المسلمين:

{وَإذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أهْلَ يَثْرِبَ لاَ مٌقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا }([37]).

عدّ المنافقون نصر الأعداء عظيماً، بينما يحقرّون مكاسب المؤمنين، والتعبير عن انكسارات المشركين بأنّها دون طائل، ويصورون الضربات التي توجهت إلىٰ جيش المسلمين على أنّها ضربة في الصميم.

وبالطبع ففي بعض الأوقات أيضاً تنشر أخبار النصر في غير أوانها، مما يؤدي إلى ابتلاء المؤمنين بالغرور، أو بالإعلان غير الصحيح عن أخبار الهزيمة والأخطار الكامنة، فيصيب المؤمنين الرعب والخوف والفزع([38]).

{وَإذا جَاءَهُمْ أمْرٌ مِنَ الأمْنِ أوِ الْخَوْفِ أذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلى أولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }([39]).

يستفاد من الآية أعلاه أنّه لا يجب نشر الأخبار بمجرد وصولها، حتى ولو كان ثمة اطمئنان بصحتها، بل إنّه ومن بعد استشارة المسؤولين ومناقشة نتائج نشر الخبر، سيكون بالوسع الإقدام على إذاعته، فليس من الضروري أن يقوم الإنسان بالإعلان عن كل ما يعلم.

يقول الإمام عليّ× :

«لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمْ فَإنّ اللهَ فَرَضَ عَلى جَوارِحِكَ كُلَّها فَرائِضَ تَحْتَجُّ بِها عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([40]).

يشير الحديث إلىٰ أنّ إعلان بعض الكلام قد يقود إلىٰ إفشاء أسرار المؤمنين أو النظام الإسلامي، أو أن يؤدّي إلىٰ مفسدة. كما أنّه من الواضح أنّ المحدِّث بمثل هذا الكلام الذي يحمل في وراءَه النتائج السيئة، يجب أن يستحضر له جواباً بين يدي العدل الإلهي. ولذا فإنّه من اللازم وقبل النطق بالكلام أن يكون ثمة تفكر بنتائجه، وأنّه لا يجب التفوّه بأي كلام حتى لو كان ملؤه الصّدق.

ثاني أساليب المنافقين في إيجاد الحرب النفسية تلفيق وبَثّ الإشاعات، وإطلاقها في قلب المجتمع.

إنّ ما يُعدّ مهماً لدىٰ مروِّجي الإشاعات هو التأثير على المجتمع ولو بصورة مرحلية. كان بثّ الإشاعة يعتبر الصيغة العادية للمنافقين ولمّا تزل كذلك.

ففي زمان الرسول الأكرم، كانوا ينشطون في وقت الأزمات، وعبر بثّ إشاعات مفزعة، كانوا يثيرون الاضطراب في المجتمع الإسلامي. وأوّج هذا النشاط الشيطنة في المعركة، فإنَّ المحور الرئيسي لإشاعاتهم يتمثل في التقارير الكاذبة فيما يتعلق بأعداد العدوّ، وإشاعة قتل أو أسر الرسول.

ففي معركة الأحزاب، لم يكن المسلمون يحملون تلك الروح المعنوية المطلوبة، وذلك بسببٍ اتّحاد كلّ المجموعات المناوئة للإسلام من أجل الإطاحة بحكومة الرسول، والهجوم على المدينة، وفي خضمّ هذه الأحداث كان المنافقون يقومون ببثّ الإشاعات كي يُضعِفوا معنوية المسلمين أكثر. فالله تعالى وفي إطار كشفه لاُسلوبهم هذا فإنّه يهدّدهم في الآية التالية، إذا لم يكفّوا عن هذا الاُسلوب السَيّء، فإنّي سأفعل بحقّكم فعلةً لا يمکن بوسعكم بعدها البقاء في المدينة:

{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجاوِرُونَكَ فِيها إلاَّ قَلِيلاً }([41]).

إنَّ أفضل الطرق لمكافحة ترويج الإشاعات، هي:

أولاً: بعد استماع الأشخاص إلىٰ الإشاعة والخبر غير المؤكد عليهم أن يمتنعوا عن نشرها ويسعوا لإيقافها. إنّ بث الإشاعات وتكرارها يمثّل بحدّ ذاته أفضل طريق لمساعدة العدو للوصول إلىٰ أهدافه المشؤومة. ومما يؤسف له أنّ هناك من ينشغل بمثل ذلك في بعض المجالات في المجتمع الإسلامي.

يقول الإمام الصادق× في النهي عن نقل كل شيء يتناهىٰ إلىٰ سمع الإنسان:

«كَفى بِالْمَرْءِ كِذْباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا يَسْمَعْ»([42]).

ثانياً: ومن أجل كشف الحقائق وتفكيك الحق عن الباطل، وطرد الإشاعات فعليهم مراجعة المصادر الموثّقة ورفع الإبهام، كي لا يبلغ الأعداء مقصودهم في إضعاف معنوية وإيمان المسلمين، وانتزاع ثقة المسلمين بعضهم من البعض الآخر ومن زعمائهم.

 الاتّهام: هو ثالث وسيلة يستخدمها المنافقون من أجل إيجاد الحرب النفسية. فمن خصوصيات الاُسلوب السياسي للمنافقين من أجل خلق الحرب النفسية، هي تعريض کرامة وشرف وأرواح أبناء المجتمع الإسلامي إلىٰ الخطر. في ثقافة الإسلام تعدّ أرواح الناس وأموالهم وشرفهم وكرامتهم محترمة، وليس لأحدٍ الحقّ في أن يتعرض لأي واحدة منها. ولهذا السبب سُنَّ قانون القصاص، كحدّ السرقة وحدّ للقذف كي يتمّ استتباب مناحي الأمن المختلفة في المجتمع. فمن ضمن هذه الأنواع الثلاثة من الأمن، يحتل أمن وحرمة العِرض مكانة خاصة.

يقول الرسول الأكرم:

«إنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِ دَمَهُ وَعِرْضَهُ وَأنْ يَظُنَّ بِهِ ظَنَّ السُّوءِ» ([43]).

فَلَشدّما حازت هذه المسألة على درجة من الأهمية من وجهة نظر الإسلام، بشكلٍ أنّه إذا ما اتهم شخص شخصاً آخر بالزنا أو اللواط ولم يستطع أن يثبت ذلك، فإنّه يُعاقَب بثمانين جَلدة. وإذا ما اتهم شخص آخر تهمة غير أخلاقية فإنّ بوسع الحاكم تعزير المُتَّهِم.

من أنواع الأساليب الدائمية التي كان يستخدمها أعداء الأنبياء تجاه المؤمنين هي التهمة والافتراء، خاصة التُهَم اللاأخلاقية. كما أنَّ مثل هذه القضية قد وقعت لرسول الله موسى× ولبعض أنبياء الله الآخرين .

ينقلون أنّ قارون، ولكي لا يصادق على قانون الزكاة ودفع اُعطيات البائسين في المجتمع دبّر مؤامرة، فامروا إلىٰ امرأة مومسة بأن تنهض في معشر جمع وتتوجه إلىٰ موسى× بتهمة إقامة علاقات غير مشروعة معها. وبلطف الله فما كان لهذه المؤامرة أن لا تؤثر تأثيرها وحسب، بل إنَّ تلك المرأة نفسها أقرّت بطهارة موسى× وأعلنت عن مؤامرة قارون.

لذا يوصي الله تعالى المسلمين عبر الإشارة إلىٰ هذه الحادثة، بأنّه لا ينبغي لكم أن تتصرفوا مثلما تصرّف قارون:

{يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأهُ اللهُ مِمّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً}([44]).

نسبوا إلىٰ نبي الله يوسف× بأنّه همّ بالزنا! واتّهموا نبيّ الله داود أنّه ومن أجل الحصول على زوجة أحد جنده ، أرسله الى الجبهة كي يُقتَل، فيتمكن من نكاح زوجته. واتّهموا مريم العذراء× بالتلطّخ بالعار، وبإقامة علاقات غير مشروعة مع الآخرين و..

يُستفاد من بعض آيات القرآن الكريم أنَّ المنافقين في المجتمع الإسلامي، يستخدمون نفس هذا الاُسلوب تجاه أولياء الله والمؤمنين وتعدّ قصّة الإفك نموذجاً له.

ولقد نُقِل الكلام في سبب نزول آية الإفك وأصل قصتها بطريقتين مختلفتين([45]).

يعكس الله تعالى في الآيات 11 الى 17 من سورة النور ـ وذلك ضمن توبيخه لاُسلوب المنافقين، واستهجانه لردّ فعل المسلمين أيضاً ـ الطريقة الصحيحة في التعامل مع مثل هذه الاتهامات، وننقل هنا الآيات:

{ إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ * لَوْلاَ إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتِ بِأنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذا إفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلاَ جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإنْ لَمْ يَأتُوا بِالشُّهَداءِ فَأولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ * إذْ تُلْقُونَهُ بِألْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلاَ إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحَانَكَ هَذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللهُ أنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أبَداً إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ *([46])

كان جهاز إعلام معاوية يستفيد في موارد كثيرة من حربة الاتّهام ضد الإمام أمير المؤمنين×، فكان أكبر اتهام نسبه معاوية إلىٰ الإمام هو مشاركته في قتل عثمان! هذا في الوقت الذي كان فيه الإمام هو الأكثر براءةً من الكلّ من دم عثمان.

لقد وجّه معاوية في الشام ضدّ الإمام اتهاماً آخر، وهو عدم الصلاة!! يقول هاشم بن عتبة: رأيت في جيش معاوية شابّاً كان يقاتل وبكلِّ نشاط! سألته: ما هو سرّ هذا النشاط؟ قال: اُريد أن أقتل الشخص الذي لا يصلّي والقاتل لعثمان([47])!

وبعد أن وصل خبر وقوع الضربة وشهادة الإمام عليّ× في مسجد الكوفة، قال عدد من الشاميين وبتعجّب: أوَكان عليٌّ يصلي؟!

ومن أسوء اتهامات معاوية التي وجّهها الى الإمام عليّ× هو اتهامه بالتخطيط لقتل الرسول([48]).

 وعلى كلِّ حالٍ، فإنَّ إحدى صيغ المنافقين من أجل إيجاد الأزمة في المجتمع هي حربة الاتهام! حيث اُشير إجمالياً في هذا المجال إلىٰ بعض أهدافهم.

والهدف الآخر الذي بإمكانه أن يمثل محطّ اهتمام المنافقين في اغتيال الشخصية، وتوجيه الاتّهام إلىٰ الأفراد هو إحاطة أنفسهم بحماية أمنية وتبرئتها، لأنّهم يخافون أن ينكشف ما في باطن أنفسهم، فيسعون وعبر توجيه الاتّهامات الى الآخرين إلىٰ إثارة التسلط الهمجي، ووضع المؤمنين في موضع الانفعال([49]).  



[1]. النساء: 141. النقطة الطريفة هي أنّه تم التعبير عن نصر المسلمين في هذه الآية بالفتح، هذا في الوقت الذي صار التعبير عن نصر الكفّار بالنصيب، إشارة إلىٰ أنّه إذا كانت الانتصارات من نصيبهم فهي مؤقتة وغير دائمية، بينما أنّ الفتح والنصر النهائيين هو حليف المؤمنين. وفي ذيل هذه الآية تم التصريح بأنّ الكافرين سوف لا يكون لهم تسلّط على المؤمنين.

[2]. الأحزاب: الآية 19.

[3]. الأحزاب: الآية 20.

[4]. سلقوكم الّتي وردت في الآية 19: من أصل سلق بمعنى فتح شيء بغضب وعصبية. سواء يتم السحب باليد أو باللسان. هذا التعبير يستعمل بصدد الأشخاص الّذين يصرخون ويطلبون شيئا بصوت آمر ومتغطرس. فالألسن الحداد هي الالسن الحادة والقاسية، وهي كناية عن شدة العنف.  

[5]. الفتح: الآية 15.

[6]. الملل والنحل للشهرستاني: ج1 ص 241. الإمام الصادق× والمذاهب الأربعة ج3 و 4 ص 314.

[7]. الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: ج3 و 4 ص312.

[8]. يراجع في ذلك الشيخ فضل الله والدستورية، رؤية بين فكرين: ص251 و255.

[9]. الحديد: 10.

[10]. الانتفاضات الإسلامية في المئة سنة الأخيرة: ص 96 إلىٰ ص 99.

[11]. الكلمات القصار من المواعظ والحكم: ص 97.

[12]. نفس المصدر: ص 176.

[13]. هود: الآية 27.

[14]. الشعراء: الآية 111.

[15]. الكهف: الآية 28.

[16]. الأعراف: الآية 66.

[17]. يراجع: الآية التوبة: 61. حيث مضى الاستشهاد بالاية من قبل.

[18]. البقرة: الآية 13.

[19]. توبه: 78.

[20]. الفتح: الآية 29.

[21]. التوبة: الآية 67.

[22]. النساء: الآية 81.

[23]. تقدم آنفاً سرد مجريات عقد هذا الاجتماع وإفشائه.

[24]. إشارة إلیٰ قوله تعالیٰ في سورة الروم: 31 - 32: {ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون }.

[25]. نهج البلاغة: الخطبة 27.

[26]. في أصل اللغة تعني «الفتنة» الموضع الذي يتم فيه تصفية الذهب، حين يوضع في داخل النار. وعلى الظاهر من آيات القرآن فإنّ «الفتنة» استخدمت في سبعة معان، و التي يكون قاسمها المشترك هو وجود المشكلة والصعوبة، وهي عبارة عن:

1ـ الامتحان والاخبار: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (العنكبوت/2).

2ـ الخدعة والأغواء: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} (الاعراف/27).

3ـ الشرك وعبادة الاصنام: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} (البقرة/193؛ الانفال/39).

4ـ البلاء والعذاب: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} (الانفال/259).

5ـ الاضلال: {وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا} (المائدة/41).

6ـ الاحتراق في النار: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} (الذاريات/13).

7ـ الاختلاف: وهو ما أشير الى الآيات التي تتحدث عنه في المتن أعلاه.

[27]. الانفال: الآية 39 وايضا تلاحظ: البقرة: الآية 193.

[28]. يونس: الآية 32.

[29]. القصص: 4.

[30]. التوبة: 47. المقصود من >سمّاع< هاهنا: هو المغفّل الذي يقع تحت التأثير. ولو أن بعضاً تناولها بمعنى الجاسوس. ولكن مع الالتفات إلى أن جيش الرسول كان يحفل بوجود المنافقين فيه، فلا معنى للجاسوس بالنسبة لهم.

[31]. التوبة: 107: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين}.

[32]. التوبة: الآية 48.

[33]. يراجع التفسير المنير: ج10 ص238.

[34]. سيرة ابن هشام: ج2 ص 290، المنشور الخالد للقرآن: ج4: ص81 82.

[35]. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج5 ص181.

[36]. نهج البلاغة: الخطبة 25.

[37]. الأحزاب: الآية 13.

[38]. من الممكن الإفادة من الآية 60 من سورة الأحزاب أيضاً، فلقد جاء في معنى الفعل أرجف: أكثروا من بثّ الأخبار السيئة واختلاق الأقوال الكاذبة حتى يضطرب الناس منها. (المصباح المنير: ج1 ص220). إلّا إذا قلنا أنّ الإرجاف هو ما ينصرف إلىٰ الإشاعات الكاذبة.

[39]. النساء: الآية 83.

[40]. نهج البلاغة: الحكمة 382.

[41]. الأحزاب: الآية 60. تم التذكير في هذه الآية بثلاثة عناوين، هي: المنافقون، ومرضیٰ القلوب، والمرجفون. فهل هذه العناوين تخبر عن وجود ثلاثة مجموعات متآمرة في المدينة، أم أنَّ هذه المجاميع الثلاث تعبّر عن وصف مجموعة واحدة ؟ قال البعض: كان المتآمرون يتكونون من ثلاث مجموعات: المنافقون، ومرضى القلوب الذين هم من الأراذل والأوباش، من الذين لم يذهبوا الى سوح القتال، وقاموا بخلق أسباب الأذى للمسلمين. والمرجفون هم الذين يعملون على بثّ الإشاعة. ولكن يوجد هناک احتمال آخر، وهو أنَّ كل هذه العناوين الثلاثة تتعلق بالمنافقين. وبهذا الإيضاح، يُعبّر العنوان الثاني والثالث عن بيان خصوصيتهم، وفي المصطلح (ذكر الخاص بعد العام).

[42]. بحار الأنوار: ج2 ص159.

[43]. تفسير القرطبي: ج16 ص332.

[44]. الأحزاب: الآية 69.

[45]. من أجل الاطّلاع على كلا السببين في النزول، ونقاط الضعف والقوة في كلٍّ منهما، يراجع الكتاب القيّم: (حديث الإفك) تأليف السيد جعفر مرتضى العاملي

[46]. النور: الآيات 11- 17.

[47]. تاريخ الطبري: ج6 ص 2556.

[48]. يراجع الغارات: ج2 ص581.

[49]. يمكن الإفادة من الآية 15 من سورة الفتح في تأييد هذه النقطة.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ما أوحي إلى آدم ع
السخرية.. بواعثها وآثارها
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
معنى النفاق لغةً واصطلاحاً
حادثة غريبه لعبيد الله ابن زياد
وهذا الحديث يدل أيضاً على وجوب الحج قبل سنة عشر
ماهية الصلاة البتراء والأحاديث الناهية عنها عند ...
أهداف نهضة عاشوراء
الاسرة تحت اوار الحرب المرأة العراقية والمحنة ...
حرف السين المهملة

 
user comment