عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ

المتأمّل في نظام الكون و حركاته ،ينقلب إليه البصر خاسئاً و هو حسير، إذ لا يجد في هذه الحركات و الأفلاك إلاّ النظام التام و الدقة الكاملة يقول تعالى :
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثمّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ )(4) سورة الملك .
و المتأمل في نظام الشمس و القمر و الأرض ، لا يلبث أن تأخذه الدهشة و الذهول من تلك الأجرام المتحركة في تقدير عجيب و توافق غريب ، و ما ينشأ عن ذلك من ظواهر الليل و النهار ، و الشروق و الغروب ، و تطورات الهلال، من محاق إلى هلال إلى بدر ، ثمّ ظواهر الخسوف و الكسوف ، و ما يرافقها من رهبة و دهشة ، و تضرّع و إذعان . فمن هذا الذي خلق هذا الكون كله و قدّره تقديراً ، و قرّر أنظمته تقديراً . سيقولون الله ، فقل أفلا تتقون ؟ يقول تعالى في سورة الرحمن : ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)   ( 7 ) سورة الرحمن .
فكلّ ما خلق الله سبحانه من شمس و قمر ، و زرع و شجر ، وسماء و أرض ، بعيدة عن العجز و النقصان ، و الخلل و الطغيان .
 و يقول سبحانه في كتابه العزيز: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )  (40) سورة يس. 

معلومات عامة عن القمر :
يأخذ القمر نوره من أشعة الشمس ، ثمّ يعود فيعكس على الكرة الأرضية ،بحيث ترى الأرض دائماً نفس الوجه من القمر .
يبعد القمر عن الأرض 356410كم ، ويصل بعده في أدنى اقتراب من الأرض 356400كم ، يبلغ قطره 3476كم ، و سرعته على مداره 3680 كم في الساعة . و حرارته القصوى 117 مئوية ، و حرارته الدنيا 162.7 تحت الصفر . أعلى جبل فيه هو قمة ديورفيف في القطب الجنوبي للقمر ، ويبلغ ارتفاعه 10.5كم بالنسبة إلى سطحه .

منازل القمر :
يتحرك القمر باعتباره تابعاً للأرض ، يتحرك حول الأرض فيتم دورته حولها في مدة تقارب 29.5يوماً . و هو ما يسمى بالشهر القمري أو العربي ، لتفريقه عن الشهر الشمسي أو الغربي ، الذي مدته حوالي 30.5يوماً ، و هو مشتقّ من حركة الأرض حول الشمس ، التي تتم في اثني عشر شهراً شمسياً ، و تقدر بحوالي 365يوماً ، و هي السنة الشمسية . أمّا السنة القمرية التي تعادل اثني عشر شهراً قمرياً فتقدر بحوالي 354يوماً.
و لو كانت الأرض لا تدور حول نفسها ، لرأينا القمر يسير ببطء زائد ، حتى أنّه يدور دورة واحدة فقط حول الأرض في مدة 29.5يوماً . و لكن حركة الأرض حول نفسها تجعلنا لا نلحظ مقدار حركة القمر الصحيحة إلا إذا راقبناه يومياً في نفس الوقت ، مثلاً عند الغروب ، فبمقدار ما يكون قد علا على الأفق يكون مقدار مسيره الحقيقي . و بما أنّه يتمّ دورته الكاملة في حوالي 30يوماً ، و هي تعادل على الأرض 24ساعة ، إذن يتأخر غروب القمر كلّ يوم عن اليوم السابق بمقدار 30/24من الساعة أي 5/4 الساعة ’ أي نحو 48دقيقة ، أي بمعدل ثلاثة أرباع الساعة كلّ يوم تقريباً .

و هذا الارتفاع التدريجي للقمر نحو كبد السماء باتجاه الشرق يوماً بعد يوم ، يسمح له بإظهار نصفه المضيء بالتدريج ، الذي يستمد نوره من الشمس بالنسبة للأرض ، والأرض بينهما تقريباً ، و ظهر بدراً كاملاً يطلع من الشرق عند المغرب . ثمّ بعد نصف الشهر ينتابه النقصان من جديد، حتى يعود إلى المحاق ، حيث يقع بين الشمس و الأرض ، ويكون وجهه المضيء تجاه الشمس ، ووجهه العاتم تجاه الأرض.
ولبيان منازل القمر و كيف يصير هلالاً بعد المحاق ، قال سبحانه مصوراً ذلك : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)
....
أي حتى صار كالعرجون القديم ، و هو عرق النخل الذي تشكل منذ عام أو أكثر ، فالهلال يكون مقوساً مثله .


ما معنى ولادة القمر علمياً :
و الآن نتساءل كيف يلد القمر ، و كيف يتحول إلى هلال ثمّ بدر ؟ إنّ القمر أثناء دورانه حول الأرض يمرّ بوضعية ينطبق فيها ظاهرياً على الشمس ، و هذا يوافق المحاق . فإذا علا قليلاً عنها بالنسبة للناظر من الأرض قلنا أنّه ولد ، لأنّ الجزء السفلي من وجهة المضيء يبدأ بالظهور . وفي هذه الحالة نحصل على الهلال بشكل حرف (ن) . لكن هذا لا يحدث إلاّ نادراً ، و ذلك عندما تقع الأرض والقمر و الشمس على استقامة واحدة ، و هي حالة كسوف الشمس . أمّا في الحالة العامة فيكون القمر منزاحاً إلى أحد جانبي الشمس . ففي بلادنا يكون منزاحاً إلى جهة يسار الناظر (جنوب ) .
فإذا صار القمر أثناء دورانه على خط أفقي واحد مع الشمس يكون في المحاق .
و بمجرد انزياحه عن هذه الوضعية و ارتفاعه عن أفق الشمس ، يبدأ طرفه المضيء بالظهور، و نقول أنّ القمر قد ولد . ويكون شكل الهلال عندها مثل الحرف (ر) .
بيد أنّ العين البشرية لا تستطيع رؤية القمر بعد ولادته إذا كان عمره أقلّ من ثماني ساعات ، وذلك لشدّة قربه من الشمس، و تأثير ضوئها على وضوحه . وبما أنّ الولادة للقمر متعلقة برؤيته ، فإذا التمسنا القمر عند غروب الشمس و كان عمره أكثر من ثماني ساعات و استطعنا رؤيته نقول أنّه ولد شرعاً.

القمر ساعة كونية :
فانظر في هذه الآية الربانية و المعجزة الإلهية ( القمر ) كيف خلقها الله وسواها ، و أحكم صنعها وسيرها .
لا، بل انظر إلى هذه الساعة الكونية التي تبزغ في سمائنا كلّ يوم متزايدة في نورها ، لتعطينا تأريخاً شهرياً منتظماً دورته ، 30 يوماً تقريباً ، فبما أنّ القمر يكتمل نوره 16 يومأً تقريباً ، فإنّ إضاءة نصفه تعادل 8 أيام تقريباً و إضاءة ربعه تعادل 4 أيام تقريباً و هكذا .. فمن نظرة سريعة إلى الجزء المضيء من القمر نستطيع معرفة التأريخ الشهري القمري بخطأ لا يتجاوز اليوم الواحد .
و قد أشار سبحانه إلى هذه النعمة و المعجزة بقوله :
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (5)سورة يونس .

الفرق بين السنة الشمسية و السنة القمرية :
ذكرنا أنّ السنة الشمسية تعادل 365 يوماً ، و أنّ السنة القمرية تعادل 354 يوماً ، الفرق بينهما 365 – 354 = 11 يوماً .
و يتراكم هذا الفرق مع توالي السنين ( كلّ سنة 11يوماً ) ، فيصبح كلّ ثلاثة سنوات شهراً تقريباً ، فإذا وقع أوّل المحرّم في أوّل نيسان مثلاً فبعد ثلاث سنوات يصبح أوّل المحرّم في أوّل آذار ، و بعد ثلاثة سنوات في أوّل شباط .. و هكذا يتراجع إلى الوراء شهراً كلّ ثلاث سنوات . و يعود التطابق بين التقويمين الشمسي و القمري كلّ 33 سنة حيث أنّ كلّ 32 سنة شمسية تعادل 33 سنة قمرية ، بفرق يومين فقط . أي يعود الوضع النسبي بين الشمس و القمر و الأرض متماثلاً كلّ 33سنة . و من هذا المنطلق لاحظ علماء الجوّ أنّ الأحوال الجوّية التي تطرأ على الأرض تحدث على نمط متشابه كلّ 33سنة فإذا حصل قحط على الأرض ، فإنّه يحدث قحط مشابه له بعد 33سنة .
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التعادل بين السنة الشمسية و السنة القمرية ، و أنّه كلما مضى مائة سنة شمسية تمضي 103 سنة قمرية ، أي بزيادة ثلاثة سنوات كلّ مائة سنة ، و ذلك في معرض حديثه عن أهل الكهف حيث قال عن مدة لبثهم في الكهف .
( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا )  (25) سورة الكهف .
فإذا حسبنا المدّة على حساب السنة الشمسية تكون 300سنة ، و إذا حسبناها على السنة القمرية تكون 309 أي بفارق تسع سنين .
فسبحان من سيّر النجوم في أفلاكها ، وقدّر سرعتها و سنواتها ، و هو العالم بحركاتها ، تبارك الله أحسن الخالقين.


source : شبكة الإمامين الحسنين
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام الجواد عليه السلام والمعتصم
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
أين يقع غدير خُمّ؟
خلاصة عقيدة الوهابية في التوحيد
السيد علي بن الامام الباقر عليه السلام
علم النبي (ص) قبل البعثة وبعدها
نتائج اللقاء بالمعصومین في حیاتهم و زیارة قبورهم ...
الشجرة الطيبة في القرآن
دعوة إبراهيم و إسماعيل عند رفع القواعد من البيت

 
user comment