عربي
Saturday 25th of January 2025
0
نفر 0

الصور

الصور

إن قانون صراع المتناقضات الداخلي في الشيء نفسه، يؤدي إلى تغير الصيرورة بشكل مستمر وهلاك شيء وظهور شيء آخر. وهذا القانون حتمي لا رد له، ويسير باتجاه واحد فهو لذلك قدر الموجودات كلها الذي يعبر عنه بالتسبيح. فالخلق الأول بدأ بانفجار كوني هائل حيث قال: (وَالفَجرِ* وَليَالٍ عَشرٍ* وَالشَّفعِ وَالوَترِ*) (سورة الفجر/ 1-2-3) حيث أن الفجر هو الانفجار الكوني الأول، و(ليَالٍ عَشرٍ) معناه أن المادة مرت بعشر مراحل للتطور حتى أصبحت شفافة للضوء، لذا أتبعها بقوله (وَالشَّفعِ وَالوَترِ) حيث أنَّ أول عنصر تكون في هذا الوجود وهو الهيدروجين وفيه الشفع في النواة والوتر في المدار، وقد أكد هذا في قوله: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرشُهُ عَلَى المَاءِ) (سورة هود/ 7) والهيدروجين هو مولد الماء، أي بعد هذه المراحل العشر أصبح الوجود قابلاً للإِبصار لذا قال: (الحَمْدُ لله الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِربِّهِمْ يَعْدلُونَ) (سورة الأنعام/ 1).
ويجب أن نميز في خلق الوجود ثلاثة أفعال مختلفة:
ـ (خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرضَ) (سورة الأنعام/ 1).
ـ (بَدِيعُ السَّمَواتِ وَالأَرضَ) (سورة البقرة/ 117).
ـ (فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأَرضَ) (سورة فاطر/ 1).
ـ (قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيء وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ) (سورة الرعد/ 16).
فالخلق هو التصميم ولكن يمكن أن يكون التصميم لشيء له سابقة، أي يمكن لمهندس أن يصمم بيتاً قد سبقه إليه أحد وله سابقة. ولكي يبين أن خلق السموات والأرض ليس له سابق، وأنه لأول مرة قال: (بَدِيعُ السَّمَواتِ وَالأَرضَ) ولكي يبين سبحانه وتعالى أن تصميم السموات والأرض وإبداعهما غير قديمين وأنهما كانتا معاً ثم انفصلتا عن بعضهما قال: (فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأَرضَ) وقد أكد أن هذا الفصل حصل بانفجار.
لقد سبق أن ذكرنا أن العرش هو الأمر، ويعني ذلك أن أمر الله كان على أول عنصر تكون في هذا الوجود وهو الهيدروجين "مولد الماء" لذا قال: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرشُهُ عَلَى المَاءِ) (سورة هود/ 7) أي كان أمره على العنصر المكون للوجود وهو الهيدروجين.
هذا الوجود منذ الانفجار الكوني بدأ ينطبق عليه قانون التسبيح "صراع المتناقضات الداخلي في الشيء نفسه" أي أن الذي لا يسبح من الأشياء لا وجود له. وصارت الأشياء تتغير من كينونة إلى صيرورة "كان فصار"، وستبقى كذلك إلى أن يحدث تغير مفاجئ في صيرورة المادة الكونية. وهكذا نفهم الآية: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُعِيدهُ) (سورة الأنبياء/ 104).
فبداية تكون هذا الكون كانت بطفرة "الانفجار الأول" حيث تعتبر التغير الأول في الصيرورة المادية "أي من مادة ذات طبيعة غير معروفة"، هذه التغيرات سارية المفعول حتى تحدث طفرة مفاجئة "تغير مفاجئ في الصيرورة الكونية" طفرة ثانية. وقد أورد القرآن القانون الأول للجدل المادي للبرهان على البعث.
لقد عبر القرآن عن الطفرة المفاجئة بعبارة (وَنُفخَ فِي الصُّورِ) (سورة الزمر/ 68). و"نفخ" في اللسان العربي أصل صحيح يدل على انتفاخ وعلو، ويقال انتفخ النهار أي علا، ومنه "نفخ في النار" وذلك لكي يسرع في إشعالها وتعلو. ولفظ "الصور" جاءت من "صير" وهو أصل صحيح وتعني المآل والمرجع ومن ذلك صار يصير صيراً وصيرورة، ويقال أنا على صير من أمر أي إشراف على قضائه، وذلك الذي يصار إليه.
فالنفخ في الصور تعني التسارع في تغير الصيرورة "المآل" وهذا ما يسمى بالطفرة. ويوجد نوعان من التسارع في تغير الصيرورة، عبر عنهما بالنفخة الأولى للصور والنفخة الثانية، والنفخة الأولى لها مصطلح خاص هو الساعة. وسميت الساعة لأن هلاك هذا الكون قائم فيها وهي حتمية تقتضيها بنية هذا الكون المادي الثنائي. وقد جاءت الساعة من "سوع" وهو استمرار الشيء "1" ومضيه "2"، "1و2" هما العنصران المتناقضان داخلياً في الوجود المادي الحالي للكون أي أن يستمر على ما هو عليه أو ينتهي، وانتهاؤه يكون عند النفخة الأولى في الصور". فقولنا جاءنا بعد سَوْعٍ من الليل وسُوَاعٍ أي بعد هَدْء منه، وذلك أنه شيء يمضي ويستمر. فالساعة تدل على مضي واستمرار معاً، فالمستمر هو الوجود المادي، والمضي هو انتهاء عمل قوانين المادة السائدة في هذا الكون ليحل محلها عمل قوانين جديدة في كون مادي آخر. وبمعنى الهدوء والمضي جاء قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعةُ يُقْسمُ المُجْرمُونَ مَا لَبثُوا غَيْرَ سَاعةٍ) (سورة الروم/ 55). ومنه نستنتج أن عذاب القبر بالمفهوم السائد لا وجود له.
ففي آية الأعراف 187 جاءت الساعة بمعنى المضي يقول: (أيَّانَ مُرْسَاهَا) وجاءت بمعنى أن الساعة موجودة في طبيعة المادة الكونية "العنصران المتناقضان والمتصارعان هما المضي والاستمرار". (ثَقُلتْ فِي السمَّواتِ وَالأَرضِ). ولبيان أنها تسارع مفاجئ في تغير الصيرورة جاء قوله (لا تَأْتِيكُمْ إلاّ بَغْتةَ) ولبيان أن توقيتها لا يعلمه إلا الله جاء قوله (قُلْ إِنَّمَا عِلمُهَا عِنْدَ الله) (سورة الأحزاب/ 63).
ويجب أن نلاحظ أمراً هاماً جداً، وهو أن قيام الساعة لا يعني انتهاء حياة الشمس بشكل طبيعي أي انطفاءها حيث أن انطفاءها عبارة عن ظاهرة فلكية طبيعية "ولا تحصل بغتة". فإذا كان الحال كذلك فهذا يعني أن الحياة ستنتهي على الأرض قبل انطفاء الشمس بمدة طويلة، ولكن وصف القرآن للساعة يدل على أنه هناك حياة على الأرض كقوله (لا تَأْتِيكُمْ إلاّ بَغْتةَ). وقوله: (يَوْمَ تَروْنَها تَذْهلُ كُلُّ مُرْضِعةٍ عَمَّا أَرْضَعتْ) (سورة الحج/ 2) والإنسان عند قيام الساعة يكون قد وصل إلى وضع من التطور والتقدم العلمي بحيث يظن نفسه أنه أصبح رباً متصرفاً في ظواهر الوجود وذلك في قوله تعالى: (إنَّمَا مَثلُ الحَيَاةِ الدُّنْيا كَمَاء أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلطَ بِهِ نَباتُ الأَرضِ ممَّا يِأْكلُ النَّاسُ وَالأَنعَامُ حَتَى إِذَا أَخَذتِ الأَرضُ زُخرُفَها وَأَزَّيَّنتْ وَظَّنَّ أَهلُها أَنَّهُم قَادرُونَ عَلَيها أَتَاها أَمْرُنَا لَيلاً أَوْ نَهاراً فَجَعلنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغنَ بِالأَمسِ كَذلكَ نُفصِّلُ الآيَاتِ لِقومٍ يَتَفكَّرُونَ) (سورة يونس/ 24).
هنا نلاحظ مرة أخرى كيف ربط قانون التطور وتغير الصيرورة بقيام الساعة وأن علامة الساعة المباشرة هي وصول الإنسان إلى درجة من التطور يظن نفسه أنه أصبح ربا. وقد وصف القرآن الساعة وخراب الكون الحالي في أماكن كثيرة كقوله: (إِذَا زُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزَالَها* وَأَخْرجَتِ الأَرضُ أَثْقالَها* وَقَالَ الإِنْسانُ مَالَها* يَوْمئذٍ تُحدِّثُ أَخْبارَهَا* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) (سورة الزلزلة/ 1-5).
والفصل هو فصل قانون صراع المتناقضات عن الوجود المادي.
------------------------------------------


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل يعلم الأئمة عليهم السلام الغيب؟
السيدة زينب في عهد والدها أمير المؤمنين(عليه ...
في القبر
اعمال ليلة عيد الغدير
أهل البیت(ع) في روایات الصحابي عمار یاسر(ره)
الشكر وأقسامه وفضيلته
نشوء وتطوّر مناهج التفسير
بحق من نزلت آیة التّطهیر؟
تعظیم شعائر الله
آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها

 
user comment