
العولمة والمدير (Globalization and the Manager)
هناك تحرك سريع من عالَم يعتمد على الاقتصاد الوطني الذي يمكن أن ينعزل عن الآخرين من خلال القيود على التجارة والاستثمار، وبوجود محددات المسافة والوقت واللغة، والاختلافات الوطنية في التشريعات الحكومية والثقافة وأنظمة الأعمال، إلى عالم تتناقص فيه القيود على التجارة والاستثمار، وتتضاءل فيه المسافات بسبب التقدم في تقنيات النقل والاتصالات، وبدأت الثقافة المادية تبدو متماثلة عبر العالم، واندمجت الاقتصاديات الوطنية في نظام اقتصادي عالمي متكامل معتمد بعضه على البعض الآخر – العملية التي يشار إليها بالعولمة.
وهذا العالم الجديد مثير للمديرين وينطوي على التحدي، فلقد غيّرت العولمة جوهرياً البيئة التي يواجهها المديرون، وزادت من الفرص والتهديدات، وأوجدت حالات جديدة من اللاتأكد أكثر صعوبة في التقليل منها أو رقابتها.
1. عملية العولمة The Process of Globalization
تُعد العولمة عملية تصبح بموجبها الاقتصاديات الوطنية وأنظمة الأعمال مرتبطة مع بعضها بعمق، ويتحرك العالم بعيداً عن اقتصاديات وطنية مستقلة نسبياً باتجاه نظام عالمي واحد. لقد تسارعت عملية العولمة بشكل كبير منذ الثمانينات من القرن الماضي، وكانت هناك ثلاثة أسباب رئيسة تقف وراء ذلك نتناولها بشيء من التفصيل في الفقرات الآتية:
1 – 1 انتشار الأنظمة المعتمدة على السوق
نجد في اقتصاد السوق– كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية – أن معظم منظمات الأعمال مملوكة للقطاع الخاص (وعلى العكس في دول أخرى تكون مملوكة للدولة)، وتتحدد الأسعار في اقتصاد السوق في ظل العرض والطلب، والتدخل الحكومي محدود لضمان حرية المنافسة وعدالتها، ولا يُحقق النظام نتائج تُعد غير مقبولة من المجتمع (مثل ظروف عمل سيئة، وإعلانات كاذبة، وتلوث صناعي ضار).
لقد كانت أغلب دول العالم إلى عهد قريب تعيش في ظل الاقتصاديات الاشتراكية حيث تمتلك الدولة معظم منظمات الأعمال، ويحظر على القطاع الخاص الدخول في أنشطة صناعية وتجارية معيّنة، والأسعار تحددها الدولة، وكانت الجهات المركزية المعنية بالتخطيط تحدد ما الذي يُنتج؟ وما هي كميته؟ ومَن يقوم بذلك؟ وكان هذا الحال في الصين وروسيا ومعظم أوربا الشرقية مثلاً. وفي اقتصاديات بلدان أخرى كالهند والبرازيل وبريطانيا والسويد كانت الدولة تهيمن على العديد من القطاعات الاقتصادية، في بريطانيا وقبل حوالي 30 سنة مثلاً كانت الشركات الحكومية تسيطر على صناعة الحديد، وصناعة السفن، واستخراج الفحم، والنقل، وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية.
إن التحول نحو الأنظمة المعتمدة على السوق يستند إلى أربعة عناصر: خصخصة المؤسسات الحكومية، وتجزئة الاحتكارات المملوكة للدولة سابقاً، وإلغاء قيود تنظيم السوق، وإنشاء نظام قانوني يدعم القطاع الخاص ويحمي حقوق الملكية. في البرازيل مثلاً تمت خصخصة قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية المملوك للدولة، وتجزأ إلى 12 شركة منفصلة تتنافس فيما بينها، وسمحت الحكومة للشركات الأجنبية بالدخول إلى السوق البرازيلي.
وإجمالاً فإن التحول العالمي نحو أنظمة الاقتصاد المعتمد على السوق قد ساهم في دعم العولمة، حيث أن هذه الأنظمة أكثر انفتاحاً أمام الاستثمارات الأجنبية والتجارة العالمية بالموازنة مع الاقتصاد الاشتراكي، أضف إلى ذلك أن تحول الاقتصاديات - الصين والهند مثلاً – إلى أنظمة أكثر انفتاحاً قد أوجد الكثير من الفرص والتهديدات لاقتصاديات العالم الغربي، وأصبحت الصين بشكل خاص محور نمو الاقتصاديات العالمية، فهي سوق رئيس للعديد من الاستيرادات، ومصدّر للصادرات الكثيرة.
1 – 2 انحسار القيود أمام التجارة والاستثمار
إن الفكرة الأساسية في أنظمة الاقتصاد المعتمدة على السوق هي الاعتقاد بأن إزالة القيود أمام التجارة الدولية (مثل بيع شركة Boeing طائرات إلى شركة الخطوط الجوية اليابانية) والاستثمار الأجنبي المباشر (مثل بناء شركة Ford مصنعاً للسيارات في روسيا) تحقق أفضل المصالح لجميع الشعوب التي تشترك في نظام الاقتصاد العالمي.
وتتخذ قيود التجارة شكلين رئيسين:
1. التعريفات، وهي ضرائب على الاستيرادات، مما يرفع من أسعارها ويجعلها أقل جاذبية.
2. الحصص، وهي المحددات لعدد المواد التي يمكن استيرادها.
1 – 3 انخفاض كلف الاتصالات والنقل
حصلت عبر السنوات الثلاثين الأخيرة تطورات هائلة في الاتصالات من خلال الأقمار الصناعية والألياف الضوئية والتقنيات اللاسلكية فضلاً عن الانترنيت، وتراجعت كلف الاتصالات العالمية مما أدى إلى تخفيض كلف التنسيق والرقابة في المنظمات العالمية. مثلاً ما بين 1930 - 1990 تراوحت كلفة مكالمة هاتفية لمدة 3 دقائق بين لندن ونيويورك بحدود 244.65 دولار إلى 3.32 دولار، وكانت في العام 1998 فقط 36 سنتاً للجمهور وأقل من ذلك لمنظمات الأعمال، كما أن كلفة المكالمات الدولية عبر الانترنيت لا تتجاوز (سنتات) قليلة لكل دقيقة. ومن جانب آخر كان عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية العالمية في العام 1995 بحدود 50 مليون شخص، وأصبح العدد 1.47 مليار في العام 2007 أي حوالي ربع سكان الأرض، فضلاً عن أن حجم التجارة عبر الانترنيت كان 657 مليار دولار في العام 2000 وقد وصل إلى 6.8 تريليون دولار في العام 2004.
وفضلاً عن التطورات في تقنية الاتصالات ظهرت منذ خمسينيات القرن الماضي ابتكارات عديدة في تقنية النقل مثل الطائرات التجارية النفاثة والناقلات العملاقة والنقل بالحاويات، مما انعكس على تخفيض الكلف والوقت.
2. تطبيقات العولمة Implications of Globalization
كانت تطبيقات الاتجاهات آنفة الذكر عميقة، فقد أدّت تلك الاتجاهات إلى ارتفاع كبير في حجم التجارة العالمية والاستثمار الأجنبي المباشر، فقد تضاعف حجم التجارة العالمية 26 مرة ما بين 1970 – 2004، وزادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 25 مليار دولار سنة 1975 إلى 1.3 تريليون سنة 2000 قبل أن يحصل تراجع سنة 2005 حيث بلغت حوالي 900 مليار دولار.
وهناك أرقام مثيرة، ولكن ماذا تعني للشركات ومديريها؟ إنها تشير إلى أن عولمة الإنتاج أمر جيد، وأن عولمة الأسواق بدأت تتحقق، وأن التقدم في التقنية يمكن أن ييسر هذه الاتجاهات، والنتيجة أن البيئة التي يواجهها مديرو اليوم تختلف جذرياً عن تلك التي كان الجيل السابق منهم يواجهها.
2 – 1 عولمة الإنتاج
تشير عولمة الإنتاج إلى الحصول على السلع والخدمات من مواقع حول الكرة الأرضية للحصول على ميزة الاختلافات الوطنية في كلفة وجودة عوامل الإنتاج (مثل العمل، والطاقة، والأرض، ورأس المال)، وتأمل الشركات عند قيامها بذلك تخفيض كلفها الإجمالية، وتحسين الجودة، وبما يمكّنها من المنافسة بفاعلية أكثر، فمثلاً تصنع شركة Boeing الأمريكية طائرتها من طراز 777 ولكن هناك ثمان شركات يابانية تصنّع لها بعض الأجزاء مثل جسم الطائرة، والأبواب، والأجنحة، وهناك مجهزون آخرون في سنغافورة وإيطاليا وبلدان أخرى يصنعون بعض الأجزاء، وبالنتيجة فإن حوالي 30% من أجزاء الطائرة تصنع خارج أمريكا. إن مثل هؤلاء المجهزين هم الأفضل في العالم في مجالات عملهم، وهذه الشبكة منهم تُؤدي إلى أن يكون المنتَج أفضل، مما يعزز من الميزة التنافسية للشركة.
2 – 2 عولمة الأسواق
تشير عولمة الأسواق إلى دمج المسافات والأسواق الوطنية المنتشرة في سوق عالمي ضخم واحد، وقد ساهم انحسار القيود أمام التجارة الدولية في أن يكون البيع دولياً أسهل. وكان هناك جدل في وقت سابق بأن أذواق المستهلكين في البلدان المختلفة وتفضيلاتهم قد بدأت تتقارب مما يساعد على تكوين السوق العالمي، ومن الأمثلة على هذا الاتجاه مشروبات Coca-Cola الغازية. إن الشركات المتماثلة في العديد من الأسواق العالمية غالباً ما تواجه بعضها البعض كمنافسين في أسواقها المحلية أولاً، فشركتا Coca-Cola وPepsiCo تتنافسان عالمياً (وهما شركتان أمريكيتان) كما تتنافس شركة Toyota اليابانية مع شركة Ford الأمريكية.
2 – 3 التقنية: الميسّر الرئيس
كما مرَّ آنفاً، وبسبب الابتكارات التقنية فإن الكلف الواقعية لمعالجة المعلومات والاتصالات قد انخفضت بشكل كبير، وقد مكّنت هذه التطورات المديرين من تكوين نظام إنتاج منتشر عالمياً، وإدارته، فضلاً عن تسهيل عولمة الإنتاج، وأصبحت شبكة الاتصالات العالمية أساسية للعديد من شركات الأعمال الدولية، فمثلاً تستخدم شركة (Dell) للحاسبات الانترنيت لتنسيق ورقابة نظام إنتاجها المنتشر عالمياً. ويُعد الانترنيت قوة رئيسة في تيسير تجارة الخدمات الدولية، فمثلاً يمكن إرسال فحوص الرنين المغناطيسي النووي للبروتون التي تجريها مستشفى في بلد ليتم تحليلها في بلد آخر.
وبالإضافة إلى عولمة الإنتاج تيسّر الابتكارات التقنية أيضاً عولمة الأسواق، فمثلاً تساعد الكلف المنخفضة لشبكات الاتصال العالمية على تكوين السوق العالمي الإلكتروني، فضلاً عن أن النقل غير المكلف قد جعل من الاقتصادي أكثر شحن السلع حول العالم، وبالنتيجة المساعدة في إنشاء السوق العالمي، فمثلاً وبسبب الكلفة المنخفضة نسبياً للنقل الجوي فإن الزهور التي تنمو في الإكوادور بأمريكا الجنوبية يمكن قطفها وبيعها في نيويورك خلال 24 ساعة وهي لا تزال طرية، مما أنشأ صناعة الزهور في الإكوادور التي لم تكن موجودة قبل 20 سنة، وأصبح البلد الآن أحد المجهزين في السوق العالمية.
3. القيود على العولمة Constraints on Globalization
على الرغم من الطبيعة التاريخية للاتجاهات التي وردت آنفاً، علينا أن نكون حذرين في المغالاة في أهميتها، فالعولمة ليست أمراً حتمياً، ويمكن أن تكون هناك عوامل تعيق تقدّم الإنتاج والتسويق من أن يصبحا عالميين، وهذه المعوقات تحدد قدرة المديرين على نشر فعاليات الإنتاج في مواقع حول العالم يمكن فيها تحقيق الكلفة الأقل، فضلاً عن قدرتهم على التعامل مع العالم بالكامل كسوق متجانس واحد.
3 – 1 التدابير المضادة من أنصار الحماية
ليس من المضمون أن تستمر المسيرة العالمية نحو أنظمة الاقتصاد المعتمدة على السوق في ظل القيود على التجارة والاستثمار العالميين أو بدونها، والتاريخ مليء بحالات النقض بعيداَ عن الاتجاهات المتقدمة. لقد كانت الانطلاقة الأولى للتجارة العالمية المعاصرة في أواخر التاسع عشر وبداية القرن العشرين وقد وصلت نهايتها من خلال سياسات أنصار الحماية في بلدان التجارة الرئيسة خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، والتي أدت إلى ركود التجارة الدولية، وحصول الكساد الاقتصادي المشهور في ذلك الوقت.
ويمكن أن يتكرر الأمر ثانية، فالعديد من السياسيين والمعلّقين الإعلاميين يناقشون بأن التجارة الدولية تدمّر الوظائف، وأن توريد الإنتاج إلى البلدان الأجنبية يشبه تصدير الوظائف، كما ويقترحون أن العولمة يمكن أن تكون ترويجاً لسباق نحو الهاوية، مع مستويات أجور متراجعة في البلدان المتقدمة.
3 – 2 الاختلافات الوطنية في سلوك المستهلك
من المهم عدم المغالاة في عولمة الأسواق، وعلى الرغم من أن العديد من السلع والخدمات تُباع عالمياً (هواتف نوكياً مثلاً)، فلا زالت هناك اختلافات أساسية في أذواق المستهلكين حول العالم وتفضيلاتهم، ولقد اكتشفت شركات عديدة أن المستهلكين الأجانب يختلفون عن المستهلكين المحليين، فمثلاً يختلف سوق السيارات الأمريكي الذي يفضّل السيارات الفارهة عن السوق الأوربي، وذلك بسبب أن أسعار الوقود في أوربا أعلى، فضلاً عما يتعلق بالطرق في أوربا وأماكن وقوف السيارات والازدحام، مما يجعل السيارات الصغيرة عملية أكثر.
3 – 3 الاختلافات الوطنية في أنظمة الأعمال
لا تزال هناك اختلافات رئيسة بين الشعوب في أنظمة الأعمال، والأنظمة القانونية، والبُنى التحتية، ومستوى التطور الاقتصادي، مما يتعارض مع إمكانية التعامل مع العالم كسوق عالمي واحد، فمثلاً من المعتاد أن يشاهد الأمريكيون إعلانات عن الأدوية في التلفزيون، ولكن بلدان أخرى تمنع ذلك اعتقاداً بأنها تتعارض مع العلاقة بين الطبيب والمريض، مما يجعل شركات الأدوية تستخدم استراتيجيات تسويقية مختلفة في بلدان مختلفة، كما لا ننسى أن أسعار الأدوية في بعض بلدان العالم تخضع للرقابة السعرية الحكومية، مما يجعل الشركات تفرض أسعاراً مختلفة في بلدان مختلفة.
3 – 4 الاختلافات في الثقافة الاجتماعية
من المهم إدراك أن الاختلافات في الثقافة الاجتماعية عبر الشعوب غالباً ما تُعد عميقة وقد يصعب فهمها، وتجعل من الأصعب على الشركات النظر إلى السوق العالمي كسوق متجانس، وأكثر صعوبة في إدارة العمليات في بلدان مختلفة. ويُقصد بالثقافة الاجتماعية نظام القيم والمعايير السائدة بين الناس الذين يعيشون في المجتمع، وتمثّل القيم أفكاراً مختصرة حول ما تعتقده الجماعة بأنه جيد وصحيح ومرغوب به، فضلاً عن أنها افتراضات مشتركة عما ينبغي أن تكون الأشياء عليه. وأما المعايير فهي قواعد اجتماعية وخطوط إرشادية تصف السلوك المناسب في مواقف خاصة.
4. فوائد الانطلاق عالمياً The Benefits of Going Global
بتقدم العولمة يتوسع عدد متزايد من منظمات الأعمال عبر الحدود الوطنية، وتصبح الشركات متعددة الجنسية، والشركة متعددة الجنسية هي أية منظمة أعمال ذات أنشطة إنتاجية في بلدين أو أكثر. وهناك أربعة أسباب رئيسة تجعل مديري العديد من الشركات الكبيرة والصغيرة يسعون إلى توسيع عملياتهم عبر الحدود الوطنية:
4 – 1 توسيع السوق
يساهم التوسع الدولي في توسيع السوق الذي تسعى الشركة للتوجه نحوه، مما يمكّنها من زيادة مبيعاتها وأرباحها بشكل أسرع. إن العديد من الشركات تطوّر المهارة الجوهرية داخل بلدانها، ثم تسعى حينذاك إلى تحقيق عوائد أعظم من تلك الكفاءة من خلال تطبيقها في أسواق أجنبية حيث يفتقر المنافسون المحليون إلى مهارات مماثلة، فمثلاً طوّرت شركة McDonald's كفاءتها الجوهرية في مطاعم الخدمة السريعة في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم حققت عوائد أعظم من هذه الكفاءة الجوهرية من خلال دخولها الأسواق الأجنبية التي تفتقر إلى مطاعم الخدمة السريعة ذات النمط الأمريكي.
4 – 2 تحقيق اقتصاديات الحجم
تمكّن زيادة المبيعات، وخدمة السوق العالمي الشركات من تحقيق اقتصاديات الحجم، وتخفيض الكلف، وتزيد من أرباحها، وإن خدمة السوقين المحلي والدولي يجعل الشركة قادرة على استخدام تسهيلاتها الإنتاجية بشكل مكثّف، فمثلاً لو أن شركة (Intel) تبيع أجزاء الحاسوب الدقيقة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط فمن الممكن أنها تشغّل مصانعها بوجبة عمل واحدة ولخمسة أيام في الأسبوع، ولكن من خلال خدمة المصانع نفسها للأسواق الدولية فبإمكان الشركة تشغيلها بثلاث وجبات عمل يومياً طيلة أيام الأسبوع، وبذلك تحقق كلفاً أقل وأرباحاً أعظم.
4 – 3 تحقيق اقتصاديات الموقع
تبدو المواقع المختلفة حول العالم أكثر ملائمة أو أقل ملائمة للقيام بأنشطة الأعمال المختلفة، فمثلا تُعد الصين موقعاً جيداً لصناعة المنسوجات بسبب انخفاض كلف العمل، ووجود البنية التحتية الجيدة، وبالمقابل لا تُعد الولايات المتحدة الأمريكية موقعاً جيداً لصناعة المنسوجات بسبب كلف العمل العالية نسبياً. ومن جانب آخر تبدو الولايات المتحدة الأمريكية مكاناً جيداً لتطوير برمجيات جديدة لوجود مبرمجين مهرة، والمعدل العالي للابتكارات في صناعة الحواسيب فيها.
وتنشأ اقتصاديات الموقع من خلال الاستفادة من مثل هذه الاختلافات، كما وتنشأ من القيام بأنشطة الأعمال في الموقع المثالي لها حيثما كان في العالم، ونظرياً فإن الشركة التي تشتت أنشطتها المختلفة إلى المواقع المثالية ستحقق ميزة تنافسية مقابل الشركة التي تجعل أنشطتها جميعاً في موقع واحد. إن العالم يشهد ضغوطاً تنافسية شديدة مما يجعل هذه الإستراتيجية (اقتصاديات الموقع) ضرورية من أجل البقاء.
4 – 4 التعلّم العالمي
ورد آنفاً أن المهارات القيّمة تطوّر محلياً ابتداءً ثم تُنقل إلى العمليات الخارجية، فمثلاً طوّرت شركة (Wal-Mart) مهاراتها في تجارة التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية قبل تحويل تلك المهارات إلى المواقع الخارجية. إن المهارات يمكن تكوينها في أي مكان ضمن الشبكة العالمية للعمليات حيث يتواجد أشخاص لديهم الفرصة والحافز لتجربة أساليب جديدة للعمل، ومن ثم نقلها إلى الأماكن الأخرى.
5. تحديات الإدارة في المؤسسة العالمية Management Challenges in the Global Enterprise
حينما تعمل الشركات على نطاق عالمي فإنها تواجه مجموعة كبيرة من القرارات لا يواجهها المديرون في أسواقهم المحلية، وأهمها:
5 – 1 التوحيد القياسي العالمي أم الإيصائية المحلية؟
إن واحداً من أكثر القرارات التي يواجهها المديرون أهمية هو: هل نتعامل مع العالَم كسوق واحدة أم الإنتاج على أساس منتجات مختلفة لشعوب مختلفة؟ فحينما نتعامل مع العالم كسوق واحدة، ونبيع المنتجات الأساسية نفسها حول العالم فيُقال أننا نتبع إستراتيجية التوحيد القياسي العالمي، وبالمقابل حينما نأخذ بالحسبان الاختلافات المحلية في تقديم المنتج أو الخدمة فيُقال أننا نتبع إستراتيجية الإيصائية المحلية. وتمكّن الإستراتيجية الأولى الشركة من تحقيق اقتصاديات الحجم بشكل كبير من خلال إنتاج أحجام كبيرة من منتجات قياسية، واستخدام الإستراتيجية التسويقية نفسها حول العالم، ومثل هذه الإستراتيجية تتجاهل الاختلافات المحلية في أذواق المستهلكين وتفضيلاتهم، وأنظمة الأعمال والثقافة المحلية، وغيرها، فإذا كانت هذه الاختلافات عميقة فإن الشركة ستعمل بشكل أفضل في ظل إستراتيجية الإيصائية المحلية حتى لو أدّت إلى كلف أعلى واقتصاديات حجم أقل. إن الاختيار ما بين هاتين الإستراتيجيتين ليس سهلاً، وغالباً ما تسعى الشركات إلى الموازنة ما بين التوحيد القياسي والإيصائية.
5 – 2 أنماط الدخول
هنالك خمسة أنماط رئيسة للدخول إلى الأسواق الأجنبية:
1. التصدير/ الإنتاج محلياً والنقل إلى بلد آخر.
2. الترخيص/ سماح الشركة لشركة أجنبية بإنتاج منتجاتها في بلد آخر مقابل استيفاء أجور الملكية عن المبيعات التي تحققها الشركة المرخص لها.
3. الوكالة/ منح الحق في تقديم خدمة بشكل محدد.
4. المشروع المشترك/ اتفاقية بين الشركة وشريك يتم بموجبها تأسيس شركة جديدة يكون لكل منهما حصة متساوية فيها.
5. الشركات التابعة المملوكة بالكامل/ شركة أجنبية تابعة مملوكة بالكامل للشركة المحلية.
إن الاختيار ما بين هذه الأنماط معقد.
5 – 3 أنشطة تحديد الموقع
هناك قرار أساسي آخر هو: ما هو موقع الأنشطة المختلفة للشركة؟ كما ورد آنفاً فإن هناك فوائد من نشر أنشطة الشركة في مواقع حول العالم وبالشكل الذي يمكّن من القيام بها بكفاءة أعلى، ويتضمن تحديد الخيار المناسب خطوتين، الأولى تجزئة عمليات الشركة إلى خطوات أو أنشطة منفصلة مثل تصميم المنتَج، والشراء، والإنتاج، والتسويق، والمبيعات، وخدمة الزبائن، وهكذا. وثانياً يوضع كل نشاط في الموقع الأفضل في ظل عوامل مختلفة مثل اختلافات البلد في كلف العمل والبنية التحتية، وكلف النقل، والتعريفة الكمركية، وأسعار صرف العُملة، وغيرها. ويحتاج المديرون إلى تقييم كلفة أداء النشاط في موقع محدد، وما مقدار القيمة التي يمكن إضافتها للمنتَج في ذلك الموقع، وبالطبع ليس من السهل القيام بذلك، أضف إلى ذلك أن جاذبية المواقع الرئيسة تتغير بمرور الزمن.
5 – 4 إدارة العاملين في شركات دولية
تُعد إدارة الأشخاص في الشركات الدولية واحدة من أكثر الصعوبات التي يواجهها المديرون. تصور الشركات الدولية العريقة التي تقوم بأنشطتها في بلدان مختلفة، حيث ينبغي على المديرين أن يقرروا مَن سيقوم بتلك الأنشطة، وفيما إذا كانت الإدارات العليا لتلك الأنشطة من البلد الأم للشركة أم من مواطني ذلك البلد، ولكل خيار فوائد ومآخذ. كما وعليهم أن يقرروا مدى اختلاف هيكل الأجور من بلد لآخر ليعكس الاختلافات المحلية، فضلاً عن تفكيرهم العميق في مدى تأثير الثقافات المحلية على تطبيقات الإدارة في ذلك البلد، وعليهم أن يحددوا برامج تطوير الإدارة والعاملين لتحقيق الاستخدام الأمثل لرأس المال البشري.