السلطات الدينية التي عمل القرآن الكريم على تحرير الانسان من القيود التي فرضتها عليه ثلاث أنواع:
النوع الأول - سلطات الآلهة.
النوع الثاني - سلطات الأنبياء والمرسلين.
والنوع الثالث - سلطات رجال الدين...
وللقرآن الكيم مع كل منها موقف بذاته يتفق وما للسلطات من خصائص، وما يبذل في سبيل الفكاك منها من وسائل.
النوع الاول: سلطات الآلهة.
كان الآلهة قبل القران يسيطرون على مصائر الناس سيطرة تامة. وكان مبعث هذه السيطرة القدرة التامة التي تمكنهم من القيام بأي عمل يرغبون فيه دون أن تكون لسلطة أخرى أي حق في تعطيل هذه الأعمال أو حتى الاعتراض عليها. إن على الناس أن يتقبلوا هذه الأعمال راضين أو كارهين.
وكان الإنسان من قبل لايملك م أمر نفسه شيئا أي شيء. إن عليه أن يرضى بالمقسوم أو بالقدر. فإن تطلعت نفسه لشيء فإنما للتعرف على رغبات الالهة حتى يقوم بما يرضيها، وينصرف عما يغضبها - حتى لايعرض نفسه للضر يصيبه والإذى ينزل به.
ولكن الاتنسان لم يكن ليسطيع التعرف على هذه الرغبات بنفسه أو بعقله البشري فلذلك رسائل معروفة ومقررة، وليس عقله بواحد منها. إنه عقل قاصر عن إدراك الغيب، ومعرفة أنباء السماء.
كانت الوسائل الى ذلك رجال الدين.
وكانت وسائل رجال الدين تختلف باختلاف الأديان التي يؤمنون بها وينتمون اليها. كالأديان السماوية والأديان الوثينة وما إليها.
ففي الأديان السماوية كان الوحي هو الوسيلة - فالملائكة تنزل من السماء على الأنبياء والمرسلين بالوحي الذي ينظم حياتهم ويبصرهم بالنافع منها وبالضار، ويطلب إليهم أن يبلغوا تعليمات السماء في كل شيء إلى أقوامهم...
وفي الفترة التي لا يكون فيها أنبياء ينقطع وحي السماء، ويعيش الناس على أن هناك ورثتهم الذين يملكون وحدهم حق تفسير النصوص المقدسة، وحق تفسير أقوال الأنبياء والمرسلين - وليس لغيرهم حق أي حق في القيام بهذه العمليات التي كانت حكراً لهم أو وفقاً عليهم...
إن ما يبينونه للناس سر من أسرار السماء. وأسرار السماء لا تكشف الا لمن يمتد بسبب الى السماء. ورجال الدين او رجال الكهنوت ه مالذين يمتدون بسبب الى السماء، ويملكون حق معرف الغيب، وحق استرضاء الآلهة...
وفي الأديان الوثينة كانت الوسيلة الكهان ومن إليهم من العرافين والمنجمين. وكان هؤلاء يلتمسون العون في الأرواح الخفية التي يملكون حق تسخيرها. وهي أرواح نعتها القرآن بالجن تارة، وبالشياطين تارة أخرى.
كانت هذه الجن تصعد الى السماء تسترق السمع، وتتعرف على الغيب. ثم تنزل الى الكهان تلقي اليهم بما استمعت، وهؤلاء بدورهم ينذرون الناس أو يبشرونهم. و لهم في الحالين أجر معلوم.
والآلهة في ذلك الوقت كانت ترضى من بعد الغضب، وتصفح عن المخطىء إذ قدم الضحايا والقرابين.
وكانت آلهة ما قبل القرآن تعرف بالقسوة، فكانت أحيانا لا تقبل الضحايا الحيوانية وتطلبها ضحايا إنسانية، ومن أحب الناس الى قلب طالب الصفح والغفران. كانت تطلبها من نوع الأبناء - من قطع القلوب وفلذات الأكباد.
وحارب القرآن ذلك كله. وحرر القران العقل البشري من كل هذه الأوهام، وهاتيك الأباطيل...
وجعل القرآن من حق العقل البشري التعرف على كل الأسباب والعلل التي جعلها الخالق أساسا فيما خلق. التعرف عليها على أنها القوانين العلمية التي لا تتخلف بحال من الأحوال.
«سنة اللّه في خلقه»
«سنة اللّه في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة اللّه تبديلا»
وأنكر على الناس عدم استخدام مداركهم في تفهم أمور حياتهم، وجعل العلم من علامات الإيمان والجهل والغفلة من علامات الكفر.
العلم وسيلتنا الى معرفة ذلك النظام الدقيق المحكم الذي خلق اللّه عليه الكون والناس. وكلما ازددنا معرفة بالقوانين العلمية والسنن الاجتماعية ازددنا معرفة باللّه، وقربا من اللّه، وقضينا على ذلك النطاق الذي ضربته الآلهة من قبل حول العقل البشري لتحول بينه وبين التفكير - فضلا عن الإنطلاق في كل الآفاق وكافة الميادين.
وحارب القرآن التقليد والمضي في سبيل السابقين الأولين السلف وطلب أن تكون هداية العقل هي الأساس في التمسك بالقيم التقليدية إذا ما ظلت صالحة للحياة، وبالخروج عليها إذا ما تحجرت وأصبحت حجر عثرة في سبيل الحياة.
القرآن الكريم هو الذي قطع بالعقل البشري ذلك الطريق الطويل في سبيل التحرير، وهو الذي هداه الى الوسيلة التي يعتمد عليها في التحرر.
أنها العلم والمعرفة، والثقافة الحية الفاعلة المنفعلة.
النوع الثاني: سلطات الأنبياء والمرسلين
إذا كان القرآن الكريم قد عمل على تحرير العقل البشري من سلطات الآلهة فإنه قد عمل هنا أيضاً على حريره من سلطات الأنبياء والمرسلين.
والأساس الأول الذي بنى عليه القرآن فكرة تتقدم العقل البشري خطوة الى الأمام في سبيل التحرير من سلطات الأنبياء والمرسلين كان ا لقضاء على تلك الهالة التي يراها الناس قدسية ويحيطون بها الأنبياء والمرسلين.
فقد كان الناس يرتفعون بهم حيناً من مصاف البشر الى مصاف الملائكة. كما كان الذين يؤمنون ببشرية الرسل يؤمنون بأمتيازات خاصة لهم ترتفع بهم في مقام البشرية طبقات، وهي أنهم قادرون على الإتيان بالمعجزات وإحداث الخوارق من العادات. وأن هذا كله هو الدليل على أنهم رسل السماء الى أهل الأرض حقا...
حارب القرkآآآنينيئيتنثق ع 48آن كل هذه الأفكار، وحرض العقل البشري على الثورة. ودفع به الى الإيمان فقط بالمبادىء - المبادىء التي ترتقي بها الحياة.
(1) رد القرآن الكريم الأنبياء والمرسلين الى مكانهم الطبيعي وهو أنهم بشرلا أكثر ولا أقل. إنهم ككل الناس يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. وأنهم ككل الناس يخطئون ويصيبون - ولا تكن الإصابة حتمية إلا فيما يبلغون من أوامر السماء...
إن قيمتهم الحقيقية ليست في ذواتهم بقدر ما هي في مبادئهم، وفي ما يتمثلون به من قيم إنسانية لا الهية ولا ملائكية ... انهم بشر.
(ب) وحارب القرآن فكرة المعجزات، وبين أنها لم تكن إلا للتخويف والإلزام، وأن العقل البشري يجب أن يترك من غير تخويف ليتحمل المسؤولية على أساس من الحرية والمقدرة الحقه على التمييز والمفاضلة والأختيار.
لم يحرص القرآن على المعجزات في إثبات نبوة محمد عليه السلام. وبين أن المعجزات قد تضطر الإنسان الى التسليم ولكنها لاتدفع به حقا الى حظيرة الايمان.
أن الإيمان أستعداد نفسي ولا يكون الا عن قناعة وأقتناع.
فأيماننا بما أيد اللّه تعالى به الأنبياء من الآيات لجذب قلوب أقوامهم الذين لم ترتق عقولهم إلى فهم البرهان، لا ينافي كون ديننا هو دين العقل والفطرة، وكونه حتم علينا الإيمان بما يشهد له العيان. من أن سنته في الخلق لا تبديل لها ولا تحويل...
(ج) على أن الموقف الحقيقي للقرآن انما يتمثل في إعلان القرآن بإنتهاء هذا النظام - نظام النبوة والرسالة.
ولقد كان قول القرآن عن محمد عليه السلام... «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين». الوثيقة الخطيرة في سبيل تحرير العقل الإنساني والفكر العربي من كل ما يعوقهما عن تحمل المسؤولية والمضي قدماً في إدراك كنه الحياة، ووضع النظم والقوانين التي تمارس بها الحياة.
إن معنى هذه الوثيقة أن الإنسانية قد بلغت سن الرشد ومرحلة تحمل الأعباء، وليست في حاجة بعد اليوم الى وحي من السماء.
إن حكمة العليم الحكيم هي التي اقتضت ذلك، وأن العقل بعد نزول القرآن، وبفضل القرآن قد أصبح حراً مختاراً - في مسائل هذه الحياة الدنيا.
لقد أكثر القرآن الكريم من الحديث عن العقل والتعقل، والتفكير والتدبر، والعلم والمعرفة، وذلك ليكون الإنسان على بصيرة من أمر نفسه، ومن الوسائل التي يعتمد عليها من ممارسة الحياة - وليست الا العلم بالنواميس الطبيعية والسنن الإجتماعية تلك التي نسميها بالقوانين والنظريات العلمية...
ومن حقنا في هذا المقام أن نقول:
الإرادة التي ينميها القرآن هي الإرادة الحرة المختارة.
|والعقل الذي ينميه القرآن هو العقل اليقظ المتحرك الذي يجوب الآفاق ويدرك أسرار الحياة، وكيف أنها تجري على سنن ثابتة لا تقبل التحويل، ولا تقبل التغيير والتبديل.|
النوع الثالث:
أما رجال الكهنوت فقد أنكر القرآن عليهم أي دور يلعبون حتى ولو كان هذا الدور لصالح الدين.
وليس من المعقول بحال من الأحوال أن القران الذي يوقف علم الرسول عند الإبلاغ، ويقول له إن عليك الا البلاغ، وإن أنت إلا نذير، وليس عليك هداهم - يعطي رجال الكهنوت مالم يسمح بمثله للأنبياء.
ولقد أنكر القرآن على الناس اتباعه للأحبار والرهبان وأتخاذهم لهم أرباباً، يحللون ويحرمون، ويملكون حق التشريع.
ولقد حض القرآن الإنسان على الا يقبل أقوال هؤلاء إلا بمقدار أعتمادها على النصوص وأقتناعه بما يقولون.
فما جرى عليه المقلدون من المسلمين من الأخذ بآراء بعض الفقهاء في العبادات، وفي الحلال والحرام، هو عين ما أنكره اللّه تعالى على أهل الكتاب وجعله منافياً للإسلام. بل جعل مخالفتهم فيه هي عين الإسلام.
أن العبادات أمر شخصي يحدد العلاقة بين الإنسان وخالقه. ومن حق هذا الإنسان أن يحدد بنفسه موقفه من خالقه وإلا كان كالأنعام او أضل سبيلاً.
وأن المعتقدات أمر ذاتي نفسي ولا تتصور إلا هكذا. وكون الإنسان مؤمنا أو غير مؤمن لا يدركه حقيقة إلا الخالق جل وعلا.
أما أمور الحياة الدنيا - وبخاصة الجماعية منها كالسياسة والحرب - فلا ترتبط بالإنسان وحده وإنما ترتبط به باعتباره عضواً في جماعة. ومن هنا كان الاجتهاد فيها أجتهداً جماعياً مادام العائد فيها يعود على الجاعة كلها ان خيراً وإن شرا ً، إن نفعاً وإن ضراً...
لا دور في القرآن لرجال الكهنوت. وانما الدور كل الدور للإنسان الفرد في العبادات والمعتقدات، وللجماعة في الأمور التي يتحقق بها الخير العام...
التحرير الاجتماعي
كان المجتمع العربي فيما قبل نزول القرآن يعرف النظام الطبقي الى حد ما فقد كانت هناك طبقة للأحرار وأخرى للعبيد. وكانت طبقة الأحرار تنقسم بدورها الى طبقتين هما طبقة السادة، وطبقة الأتباع أو طبقة المستكبرين، وطبقة المستضعفين.
لم يسلم القرآن بهذه الأوضاع الاجتماعية التي لا تقيم الإنسان بإنسانيته وإنما تقيمه بقوته أو بثروته، وعمل على تغييرها، وعلى تنظيم العلاقات الاجتماعية على أساس جديد هو إنسانية الإنسان أولاً وقبل كل شيء.
أولاً: تحرير العبيد:
الأصل في الإنسان أن يكون حراً - أي غير عبد ولا مملوك.
والحرية الشخصية حق للإنسان بإعتباره إنساناً أولاً وقبل كل شيء، وهي حق يحفظ للإنسان عزته وكرامته، ويبقي عليه إنسانيته.
لكن الإنسان قد يعرض له في بعض الحالات ما يخرجه كرهاً عن دائرة الحرية ويزج به على الرغم منه في دائرة الرق والعبودية - تلك الدائرة التي يذل فيها الإنسان ويخزى، لأن حريته قد صودرت، ولأنه أصبح عبداً مملوكاً، ولأن مالكه يملك الحق كل الحق في أن يجري عليه العمليات التي يجريها المالكون على ما يملكون من البيع والشراء، ومن الوصية والميراث، ومن الهبة وما أشبه...
والذي كان يعرض للإنسان فيما مضى فيفقده حريته هو الذي يعرض له اليوم ولا يفقده تلك الحرية فقداناً تاماً، إنه يصادر حريته الى حين - والفضل في ذلك كله للقوانين الدولية التي يعامل بها الأسرى...
وليس من شك في أن القرآن الكريم قد ساوى بين الحرائر والإماء، والأحرار والعبيد، في الإنسانية، وجعلهم بمنزلة سواء.
وأنه قد فضل بينهم من حيث الإيمان بالمبادىء الدينية والقيم الروحية التي لا تستقيم الحياة الزوجية بدونها. ومن هنا كان الفضل للعبيد المؤمنين وللإماء المؤمنات.
وليس هذا وحده هو موقف القرآن. فهناك من المواقف الأخرى ما يدل دلالة قاطعة على أن القرآن الكريم كان ينظر الى هذا الأسير باعتبارين:
(أ):- إنه إنسان.
(ب):- وأنه بحق هذه الإنسانية يملك صفة جوهرية أخرى هي الحرية. وهذه النظرة تسلم الى القول بأن الذي صودر منه حين وقع أسير حرب إنما هي حريته فقط - وليست إنسانيته.
والقرآن الكريم يشير علينا دائما بأن نرد على هذا الإنسان حريته لنبقي له إنسانيته وعزته وكرامته.
إن المصلحة أصل في الأحكام السياسية والمدنية يرجع اليه من غير تحليل المحرمات أو إبطال الواجبات.
وقد علمت أن محل إباحة الاسترقاق الحرب الدينية التي يحاربنا فيها الكفار، ونحاربهم، لأجل ديننا كمنعنا من الدعوة اليه، واقامة شعائره وأحكامه...
وقد خير اللّه تعالى أولى الأمر منا في أسرى هذه الحرب بقوله: فاما منا بعد وإما فداء...
وإن القرآن حين ساير عملية مصادرة الحريات وإباحة الاسترقاق فإنما كان ذلك منه لضرورات اجتماعية يقتضيها العصر. ولعل بعض هذه الأمور لا يزال ضرورة حتى اليوم، ضرورة تنظم حالاتها القوانين الدولية.
ومهما يكن من أمر القوانين الدولية في معاملة الأسرى فإن المسألة تظل مسألة مصادرة الحريات الشخصية ولو في زمن الأسر.
ثالثاً: تحرير الأتباع:
والتبعية انما تكون عن ضعف، ولا تصادر فيها الحريات مصادرة كاملة فانما يبقى للإنسان أنه حر لا يباع، ولا يشترى، ولا يملك كما تملك الأمتعة والعقارات...
والتبعية إنما تنشأ من حاجة الضعيف الى الحماية. الحماية التي يستطيعها الأقوياء والأغنياء. ويكون المقابل في ذلك أن التابع يخضع لأوامر المتبوع. ولا يستطيع أن يعصي له أمراً.
هذه العلاقة لم يقبلها القرآن أبداً، وإنما حاول ان يستبدل بها غيرها أو ينفر الأتباع والضعفاء منها.
والآيات القرآنية في ذلك كثيرة. وكلها أوضح الدلالة في أن هذه العلاقة لن تنفع في الحياة الآخرة حين يكون الجزاء على الأعمال. ومعنى ذلك في عرفنا أنها ما دامت لا تنفع فليس يصح أن تبقى.
القرآن ضد العلاقات التي يكون فيها بعض الناس تابعا وبعضهم متبوعا. أو بعضهم غنياً قوياً مستكبرا وبعضهم فقيراً ضعيفاً مستذلاً...
والآيات القرآنية في ذلك كثيرة. وهي تشير في معظمها الى مواقف الكافرين ولكن المقصود أن يتغط غيرهم - وبخاصة المسلمين.
«قال الذين استكبروا للذين استضعفوا: أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم؟ أن كنتم مجرمين».
«وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا: بل مكر الليل والنهار اذ تأروننا أن نكفر باللّه ونجعل له أنداداً.».
«وأسروا الندامة لما رأوا العذاب، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يحزون إلا ما كانوا يعملون؟».
وقريب من هذه التبعية تبعية أخرى معنوية تكون في اتباع الأفراد واحداً منهم لانه رئيس عليهم أو لأن له سلطاناً معنوياً لايجيء من الغنى والقوة المادية - وإنما يجيء من النفوذ الأدبي والقوة المعنوية.
وقريب من هذا أيضاً سلطان المواريث التاريخية التي إنتهى دورها وأصبحت غير صالحة للحياة في هذا الزمان وفي هذا المكان...
والنوعان يمكن أن نسميها بالتقليد...
حارب القرآن التقليد، ودفع العقل الى التفكير والتدبير، وعاب على الناس أن يقولوا بمثل ما قال به آباؤهم الأولون...
والآيات القرآنية في مثل هذه المواقف كثيرة. وفي كل واحد منها يمنح القرآن العقل سلطانه في النقد، وفي التمييز والأختيار.
يقول اللّه تعالى... «وإذا قيل لهم: اتبعوا ما أنزل اللّه. قالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا. أو لو كان آباؤهم لايعقلون شيئاً ولا يهتدون؟».
ويقول... «قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون».
ومثله إتخاذ رؤساء في الدين يؤخذ بقولهم، ويعتمد على فعلهم - من غير أن يكون بياناً وتبليغاً لما جاء عن اللّه ورسوله.
إن في هذين النوعين من السوء إهمالاً لنعمة العقل، وكفرا بالمنعم بها، وإعراضاً عن سنن اللّه تعالى وجهلاً بإطرادها.
--------------------------------
source : البلاغ