عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

حجة الوداع

حجة الوداع

وأتموا لحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى

الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعملوا أن الله شديد العقاب - 196 . الحج أشهر

معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب - 197 ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا

أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هديكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين - 198 . ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم - 199 . فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا

الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وماله في الآخرة من خلاق - 200 . ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار - 201 . أولئك لهم نصيب

مما كسبوا والله ‹ صفحة 75 › سريع الحساب - 202 . واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون - 203 .

نزلت الآيات في حجة الوداع، آخر حجة حجها رسول الله ، وفيها تشريع حج التمتع .
قوله تعالى : (وأتموا الحج والعمرة لله)، تمام الشئ هو الجزء الذي بانضمامه إلى سائر أجزاء الشئ يكون الشئ هو هو ، ويترتب عليه آثاره المطلوبة منه فالاتمام هو ضم تمام الشئ إليه بعد الشروع في بعض

أجزائه، والكمال هو حال أو وصف أو أمر إذا وجده الشئ ترتب عليه من الأثر بعد تمامه ما لا يترتب عليه لولا الكمال، فانضمام أجزاء الانسان بعضها إلى بعض هو تمامه، وكونه إنسانا عالما أو شجاعا أو عفيفا كماله،

وربما يستعمل التمام مقام الكمال بالاستعارة بدعوى كون الوصف الزائد على الشئ داخلا فيه اهتماما بأمره وشأنه، والمراد بإتمام الحج والعمرة هو المعنى الأول الحقيقي والدليل عليه قوله تعالى بعده: فإن

أحصرتم فما استيسر من الهدى، فإن ذلك تفريع على التمام بمعنى إيصال العمل إلى آخر أجزائه وضمه إلى أجزائه الماتي بها بعد الشروع ولا معنى يصحح تفريعه على الاتمام بمعنى الاكمال وهو ظاهر.
والحج هو العمل المعروف بين المسلمين الذي شرعه إبراهيم الخليل عليه السلام وكان بعده بين العرب ثم أمضاه الله سبحانه لهذه الأمة شريعة باقية إلى يوم القيامة .
ويبتدي هذا العمل بالاحرام والوقوف في العرفات ثم المشعر الحرام ، وفيها التضحية بمنى ورمى الجمرات الثلاث والطواف وصلاته والسعي بين الصفا والمروة وفيها أمور مفروضة أخر ، وهو على ثلاثة أقسام : حج

الافراد ، وحج القران ، وحج التمتع الذي شرعه الله في آخر عهد رسول الله .
والعمرة عمل آخر وهو زيارة البيت بالاحرام من أحد المواقيت والطواف وصلاته والسعي بين الصفا والمروة والتقصير ، وهما أعني الحج ، والعمرة عبادتان لا يتمان إلا لوجه الله ويدل عليه قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة

لله الآية .
قوله تعالى : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤوسكم ( الخ ) ، الاحصار هو الحبس والمنع ، والمراد الممنوعية عن الاتمام بسبب مرض أو عدو بعد الشروع بالاحرام والاستيسار صيرورة الشئ يسيرا

غير عسير كأنه يجلب اليسر لنفسه ، والهدى هو ما يقدمه الانسان من النعم إلى غيره أو إلى محل للتقرب به ، واصله من الهدية بمعنى التحفة أو من الهدى بمعنى الهداية التي هي السوق إلى المقصود ،

والهدى والهدية كالتمر والتمرة ، والمراد به ما يسوقه الانسان للتضحية به في حجه من النعم .
قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه (الخ)، الفاء للتفريع، وتفريع هذا الحكم على النهي عن حلق الرأس يدل على أن المراد بالمرض هو خصوص المرض الذي يتضرر فيه من ترك الشعر على الرأس

من غير حلق ، والآتيان بقوله : أو به أذى من رأسه بلفظة أو الترديد يدل على أن المراد بالأذى ما كان من غير طريق المرض كالهوام فهو كناية عن التأذي من الهوام كالقمل على الرأس فهذان الأمران يجوزان الحلق

مع الفدية بشئ من الخصال الثلاث : التي هي الصيام ، والصدقة ، والنسك . وقد وردت السنة ان الصيام ثلاثة أيام ، وأن الصدقة اطعام ستة مساكين ، وان النسك شاة .
قوله تعالى: فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، تفريع على الاحصار، أي إذا أمنتم المانع من مرض أو عدو أو غير ذلك فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، أي تمتع بسبب العمرة من حيث ختمها والاحلال إلى زمان

الاهلال بالحج فما استيسر من الهدى ، فالباء للسببية ، وسببية العمرة للتمتع بما كان لا يجوز له في حال الاحرام كالنساء والصيد ونحوهما من جهة تمامها بالاحلال .
قوله تعالى : فما استيسر من الهدى، ظاهر الآية ان ذلك نسك لا جبران لما فات منه من الاهلال بالحج من الميقات فإن ذلك أمر يحتاج إلى زيادة مؤنة في فهمه من الآية كما هو ظاهر .
فان قيل : إن ترتب قوله : فما استيسر من الهدى ، على قوله : فمن تمتع ترتب الجزاء على الشرط مع أن اشتمال الشرط على لفظ التمتع مشعر بأن الهدى واقع بإزاء التمتع الذي هو نوع تسهيل شرع له تخفيفا

فهو جبران لذلك .
قلت : يدفعه قوله تعالى : بالعمرة ، فان ذلك يناسب التجويز للتمتع في أثناء عمل واحد ، ولا معنى للتسهيل حيث لا إحرام لتمام العمرة وعدم الاهلال بالحج بعد ، على أن هذا الاستشعار لو صح فإنما يتم به كون

تشريع الهدى من أجل تشريع التمتع بالعمرة إلى الحج لا كون الهدى جبرانا لما فاته من الاهلال بالحج من الميقات دون مكة ، وظاهر الآية كون قوله : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى أخبارا عن

تشريع التمتع لا إنشاء للتشريع فإنه يجعل التمتع مفروغا عنه ثم يبني عليه تشريع الهدى ، ففرق بين قولنا : من تمتع فعليه هدى وقولنا تمتعوا وسوقوا الهدى ، وأما إنشاء تشريع التمتع فإنما يتضمنه قوله تعالى

في ذيل الآية : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام .
قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، جعل الحج ظرفا للصيام باعتبار اتحاده مع زمان الاشتغال به ومكانه ، فالزمان الذي يعد زمانا للحج ، وهو من زمان إحرام الحج إلى الرجوع ،

زمان الصيام ثلاثة أيام ، ولذلك وردت الروايات عن أئمة أهل البيت ان وقت الصيام قبل يوم الأضحى أو بعد إيام التشريق لمن لم يقدر على الصيام قبله وإلا فعند الرجوع إلى وطنه ، وظرف السبعة إنما هو بعد الرجوع

فإن ذلك هو الظاهر من قوله : إذا رجعتم ، ولم يقل حين الرجوع على أن الالتفات من الغيبة إلى الحضور في قوله إذا رجعتم لا يخلو عن إشعار بذلك .
قوله تعالى : تلك عشرة كاملة ، أي الثلاثة والسبعة عشرة كاملة وفي جعل السبعة مكملة للعشرة لا متممة دلالة على أن لكل من الثلاثة والسبعة حكما مستقلا آخر على ما مر من معنى التمام والكمال في أول

الآية فالثلاثة عمل تام في نفسه ، وإنما تتوقف على السبعة في كمالها لا تمامها .
قوله تعالى : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، أي الحكم المتقدم ذكره وهو التمتع بالعمرة إلى الحج لغير الحاضر ، وهو الذي بينه وبين المسجد الحرام  أكثر من اثني عشر ميلا على ما فسرته السنة

، وأهل الرجل خاصته : من زوجته وعياله ، والتعبير عن النائي البعيد بأن لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام من الطف التعبيرات ، وفيه إيماء إلى حكمة التشريع وهو التخفيف والتسهيل ، فإن المسافر من البلاد

النائية للحج ، وهو عمل لا يخلو من الكد ومقاسات التعب ووعثاء الطريق ، لا يخلو عن الحاجة إلى السكن والراحة والانسان إنما يسكن ويستريح عند أهله ، وليس للنائي أهل عند المسجد الحرام ، فبدله الله

سبحانه من التمتع بالعمرة إلى الحج والاهلال بالحج من المسجد الحرام من غير أن يسير ثانيا إلى الميقات .
وقد عرفت : أن الجملة الدالة على تشريع المتعة أنما هي هذه الجملة أعني قوله : ذلك لمن لم يكن ( الخ ) ، دون قوله : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، هو كلام مطلق غير مقيد بوقت دون وقت ولا شخص دون

شخص ولاحال دون حال .
قوله تعالى : واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ، التشديد البالغ في هذا التذليل مع أن صدر الكلام لم يشتمل على أزيد من تشريع حكم في الحج ينبئ عن أن المخاطبين كان المترقب من حالهم إنكار الحكم

أو التوقف في قبوله وكذلك كان الامر فإن الحج خاصة من بين الاحكام المشرعة في الدين كان موجودا بينهم من عصر إبراهيم الخليل معروفا عندهم معمولا به فيهم قد أنسته نفوسهم وألفته قلوبهم وقد أمضاه

الاسلام على ما كان تقريبا إلى آخر عهد النبي فلم يكن تغيير وضعه أمرا هينا سهل القبول عندهم ولذلك قابلوه بالانكار وكان ذلك غير واقع في نفوس كثير منهم على ما يظهر من الروايات، ولذلك اضطر النبي صلى

الله عليه وآله وسلم إلى أن يخطبهم فيبين لهم أن الحكم لله يحكم ما يشاء، وأنه حكم عام لا يستثنى فيه أحد من نبي أو أمة فهذا هو الموجب للتشديد الذي في آخر الآية بالامر بالتقوى والتحذير عن عقاب الله

سبحانه.
قوله تعالى : الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج إلى قوله : في الحج ، أي زمان الحج أشهر معلومات عند القوم وقد بينته السنة وهي : شوال وذو القعدة وذو الحجة . وكون زمان الحج من ذي الحجة بعض

هذا الشهر دون كله لا ينافي عده شهرا للحج فإنه من قبيل قولنا : زمان مجيئي إليك يوم الجمعة مع أن المجئ إنما هو في بعضه دون جميعه .
وفي تكرار لفظ الحج ثلاث مرات في الآية على أنه من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر لطف .
قوله تعالى : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، ظاهره إيجاب الإفاضة على ما كان من دأب الناس والحاق المخاطبين في هذا الشأن بهم فينطبق على ما نقل ان قريشا وحلفائها وهم الحمس كانوا لا يقفون بعرفات

بل بالمزدلفة وكانوا يقولون : نحن أهل حرم الله لا نفارق الحرم فأمرهم الله سبحانه بالإفاضة من حيث أفاض الناس وهو عرفات .
وعلى هذا فذكر هذا الحكم بعد قوله : فإذا أفضتم من عرفات ، بثم الدالة على التأخير اعتبار للترتيب الذكري ، والكلام بمنزلة الاستدراك ، والمعنى ان أحكام الحج هي التي ذكرت غير أنه يجب عليكم في الإفاضة ان

تفيضوا من عرفات لا من المزدلفة ، وربما قيل : إن في الآيتين تقديما وتأخيرا في التأليف ، والترتيب : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، فإذا أفضتم من عرفات .
قوله تعالى : فإذا قضيتم مناسككم إلى قوله : ذكرا ، دعوة إلى ذكر الله والبلاغ فيه بأن يذكره الناسك كذكره آبائه وأشد منه لان نعمته في حقه وهي نعمة الهداية كما ذكره بقوله تعالى : ( واذكروه كما هديكم ) أعظم

من حق آبائه عليه ، وقد قيل : إن العرب كانت في الجاهلية إذا فرغت من الحج مكثت حينا في منى فكانوا يتفاخرون بالآباء بالنظم والنثر فبدله الله تعالى من ذكره كذكرهم أو أشد من ذكرهم وأو في قوله أو أشد ذكرا

، للاضراب فتفيد معنى بل ، وقد وصف الذكر بالشدة وهو أمر يقبل الشدة في الكيفية كما يقبل الكثرة في الكمية ، قال تعالى : ( واذكروا الله ذكرا كثيرا ) الأحزاب - 41 ، وقال تعالى : ( والذاكرين الله كثيرا ) الأحزاب -

35 ، فإن الذكر بحسب الحقيقة ليس مقصورا في اللفظ ، بل هو أمر يتعلق بالحضور القلبي واللفظ حاك عنه ، فيمكن ان يتصف بالكثرة من حيث الموارد بأن يذكر الله سبحانه في غالب الحالات كما قال تعالى : (

الذين يذكرون الله قياما وقعود أو على جنوبهم ) آل عمران - 191 ، وإن يتصف بالشدة في مورد من الموارد ، ولما كان المورد المستفاد من قوله تعالى : فإذا قضيتم مناسككم ، موردا يستوجب التلهي عنه تعالى

ونسيانه كان الأنسب توصيف الذكر الذي أمر به فيه بالشدة دون الكثرة كما هو ظاهر .
قوله تعالى : فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا ( الخ ) تفريع على قوله تعالى : فاذكروا الله كذكركم آبائكم ، والناس مطلق ، فالمراد به أفراد الانسان أعم من الكافر الذي لا يذكر إلا آبائه أي لا يبتغي إلا المفاخر

الدنيوية ولا يطلب إلا الدنيا ولا شغل له بالآخرة ، ومن المؤمن الذي لا يريد الا ما عند الله سبحانه ، ولو أراد من الدنيا شيئا لم يرد إلا ما يرتضيه له ربه ، وعلى هذا فالمراد بالقول والدعاء ما هو سؤال بلسان الحال دون

المقال ، ويكون معنى الآية أن من الناس من لا يريد إلا الدنيا ولا نصيب له في الآخرة ومنهم من لا يريد إلا ما يرتضيه له ربه سواء في الدنيا أو في الآخرة ولهؤلاء نصيب في الآخرة .
ومن هنا يظهر وجه ذكر الحسنة في قول أهل الآخرة دون أهل الدنيا ، وذلك أن من يريد الدنيا لا يقيده بأن يكون حسنا عند الله سبحانه بل الدنيا وما هو يتمتع به في الحياة الأرضية كلها حسنة عنده موافقة لهوى

نفسه ، وهذا بخلاف من يريد ما عند الله سبحانه فإن ما في الدنيا وما في الآخرة ينقسم عنده إلى حسنة وسيئة ولا يريد ولا يسأل ربه إلا الحسنة دون السيئة .
و المقابلة بين قوله : وما له في الآخرة من خلاق ، وقوله : أولئك لهم نصيب مما كسبوا ، تعطي أن أعمال الطائفة الأولى باطلة حابطة بخلاف الثانية كما قال تعالى : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء

منثورا ) الفرقان - 23 ، وقال تعالى : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) الأحقاف - 20 ، وقال تعالى : ( فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا ) الكهف - 105 . قوله تعالى :

والله سريع الحساب ، اسم من أسماء الله الحسنى ، وإطلاقه يدل على شموله للدنيا والآخرة معا ، فالحساب جار ، كلما عمل عبد شيئا من الحسنات أو غيرها آتاه الله الجزاء جزاء وفاقا .
فالمحصل من معنى قوله : فمن الناس من يقول إلى آخر الآيات ، أن اذكروا الله تعالى فإن الناس على طائفتين : منهم من يريد الدنيا فلا يذكر غيرها ولا نصيب له في الآخرة ، ومنهم من يريد ما عند الله مما يرتضيه

له وله نصيب من الآخرة والله سريع الحساب يسرع في حساب ما يريده عبده فيعطيه كما يريد ، فكونوا من أهل النصيب بذكر الله ولا تكونوا ممن لا خلاق له بتركه ذكر ربه فتكونوا قانطين آئسين.
قوله تعالى : واذكروا الله في أيام معدودات ، الأيام المعدودات هي أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة ، والدليل على أن هذه الأيام بعد العشرة من ذي الحجة ذكر الحكم

بعد الفراغ عن ذكر أعمال الحج ، والدليل على كونها ثلاثة أيام قوله تعالى : فمن تعجل في يومين ( الخ ) ، فإن التعجل في يومين إنما يكون إذا كانت الأيام ثلاثة ، يوم ينفر فيه ، ويومان يتعجل فيهما فهي ثلاثة ، وقد

فسرت في الروايات بذلك أيضا .
قوله تعالى : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى ، لا نافية للجنس فقوله : لا إثم عليه في الموضعين ينفي جنس الاثم عن الحاج ولم يقيد بشئ أصلا ، ولو كان المراد لا إثم عليه

في التعجل أو في التأخر لكان من اللازم تقييده به ، فالمعنى إن من أتم عمل الحج فهو مغفور لا ذنب له سواء تعجل في يومين أو تأخر ، ومن هنا يظهر : ان الآية ليست في مقام بيان التخيير بين التأخر والتعجل

للناسك ، بل المراد بيان كون الذنوب مغفورة للناسك على أي حال .
واما قوله : لمن اتقى ، فليس بيانا للتعجل والتأخر وإلا لكان حق الكلام ان يقال : على من اتقى ، بل الظاهر أن قوله : لمن اتقى نظير قوله تعالى : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام الآية ، والمراد ان

هذا الحكم لمن اتقى واما من لم يتق فليس له ، ومن اللازم ان يكون هذه التقوى تقوى مما نهى الله سبحانه عنه في الحج واختصه به فيؤل المعنى ان الحكم إنما هو لمن اتقى تروك الاحرام أو بعضها أما من لم

يتق فيجب ان يقيم بمنى ويذكر الله في أيام معدودات ، وقد ورد هذا المعنى في بعض ما روي عن أئمه أهل البيت كما سيجئ إنشاء الله .
قوله تعالى : واتقوا الله واعلموا انكم إليه تحشرون ، أمر بالتقوى في خاتمة الكلام وتذكير بالحشر والبعث فإن التقوى لا تتم والمعصية لا تجتنب إلا مع ذكر يوم الجزاء ، قال تعالى : ( إن الذين يضلون عن سبيل الله

لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) ص - 26 .
وفي اختيار لفظ الحشر في قوله تعالى : انكم إليه تحشرون ، مع ما في نسك ‹ صفحة 83 › الحج من حشر الناس وجمعهم لطف ظاهر ، وإشعار بأن الناسك ينبغي ان يذكر بهذا الجمع والإفاضة يوما يحشر الله

سبحانه الناس لا يغادر منهم أحدا.
  
  
  
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 2 - ص 74 - 79


source : اهل بیت
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

دخول جيش السفياني الى العراق
فاطمة عليها السلام وليلة القدر
آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها
مدة حكم المهدي المنتظر
العمل الصالح
معالم " نهضة العلماء "
قصة استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه ...
زيارة السيد عبد العظيم الحسني علیه السلام
التوسل بأُم البنين عليها‌السلام
الحب بعد الأربعين

 
user comment