عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

الإمام الحسين (عليه السّلام) القدر الأزلي


إنّ فهمنا لجوهر انتفاضة الإمام الحسين (عليه السّلام) يبدأ من اكتشاف المغزى الأساس لصدمة الاُمّة الإسلاميّة ، وما آلت إليها الاُمور زمن خلفاء بني اُميّة ، وخصوصاً ثاني خلفائها ، ومدى العجز الذي أبداه العديد مَن سايرَ بناء الدعوة الإسلاميّة من الصحابة ، وما تركه في نفس سليل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله) من صدمة في تدهور الاُمّة .

هذا الأثر الصدمي انعكس عجزه نتيجة استسلام الرجال للتدهور خلال حكم بني اُميّة , حتّى إنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) حدّثهم عن أنفسهم ، وعن واقعهم ، وعن زيف حياتهم . حدّثهم كيف أنهم استصرخوه على جلاّديهم ثمّ انكفؤوا مع هؤلاء الجلاّدين عليه ، هؤلاء الجلاّدين الذين لم يسيروا يوماً بصدق مع الرسالة الإسلاميّة .

أمّا الصحابة الذين قبلوا هذا الانكفاء , ونكصوا بارتداد نحو التدهور ، ورضوا بالواقع السيّئ في بناء اُسس للفساد في دولةٍ فتية رغم إحساسهم بالدونيّة زمن حكم بني اُميّة , ظلوا خانعين مستسلمين .

يقول محمّد مهدي شمس الدين : إنّ فاجعة كربلاء دخلت في الضمير الإسلامي آنذاك , وانفعل بها المجتمع الإسلامي بصفة عامّة انفعالاً عميقاً . ويضيف ـ شمس الدين ـ أنّ من نتائج ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) في الميادين التالية :

أ ـ تحطيم الإطار الديني المزيّف الذي كان الاُمويّون وأعوانهم يحيطون به سلطانهم ، وفضح الروح اللادينيّة الجاهليّة التي كانت توجّه الحكم الاُموي .

ب ـ بثّ الشعور بالإثم في نفس كلّ فردٍ ، وهذا الشعور الذي يتحوّل الى نقد ذاتي من الشخص لنفسه يقوم على ضوئه موقفه من الحياة والمجتمع .

ج ـ بعث الروح النضاليّة في الإنسان المسلم ؛ من أجل إرساء المجتمع على قواعد جديدة ، ومن أجل ردّ اعتباره الإنساني إليه .

إنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) ضد الاسلام المزيّف عُدّت البادرة الأولى لتحطيم الإطار الديني الذي بنى عليه الاُمويّون دولتهم ، وايهام الناس بأنّهم أفضل مَن يطبّق شريعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , ويكون القرآن الكريم مصدرهم في الحكم ، حتّى إنّهم أوهموا الجميع أنّهم خلفاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى يوم الدين .

لذا يمكن القول : إنّ ثورة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) هي بحد ذاتها ثورة ضد الوعي المستغفل ، أو هي بحق ثورة تغيير المفاهيم ضد ممّن جعلوا لأنفسهم باسم الدين الحقَّ في قمع أيّ تصحيح يقوم به جماعة من الناس وإن كانت محقّة في طلباتها .

عندما نقول : إنّ انتفاضة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) هي انتفاضة الرفض المطلق ضد تسييس الإسلام وتزييفه ، لا نجانب الحقيقة كثيراً بهذا القول ، ولا نفتري على الواقع السائد آنذاك ؛ لهذا فهو اتّخذ الرفض بلغة الإنسان العارف بكلِّ مجريات الاُمور . وأكثر من ذلك فإنّه أبرز خواءَ الوضع العام السائد خلال تلك المرحلة من الدولة الإسلاميّة ، وفساد في معتقداتها , وتبرير ذلك الفساد باسم الدين حصرياً .

فالإمام الحسين (عليه السّلام) أبرز وجوهاً عدّة في هذا الرفض ، منها : بروز الثورة الاجتماعيّة ضد الطغاة ، وكذلك خلق الرغبة لدى الناس في رفض الواقع الإنساني آنذاك , وما آلت إليه الاُمور ؛ لذا كان الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يفضح الحكّام الاُمويِّين ويكشف حقيقتهم .

إنّ ما تركه الإمام الحسين (عليه السّلام) في ثورته هذه هو بثّ روح الوعي لدى الاُمّة المستسلمة للوهن ، حتّى بات أمرها قدراً أزلياً يتوارثه الأجيال منذ استشهاده في تلك الفترة من تاريخ المسلمين . إنّه يذكّرنا ويلحّ على الأجيال من بعده بأنّ ثمة فرقاً بين حكّام الزيف الاُمويِّين واتخاذهم للدين ستاراً يمارسون من خلاله أبشع الممارسات اللإنسانية بحق الناس والشريعة الإسلاميّة ، وبين الموقف الناصع للدين الذي ظلّ يحمله آل بيت رسول الله (عليهم السّلام) عبر الأجيال والقرون .

إنها فطنة الإمام الحسين (عليه السّلام) إلى أنّ هذا القدر يجب أن يصحح مسار الاُمّة ، ليس ببقائه حيّاً فحسب ، بل في استشهاده في أبشع جريمة دوّنتها لنا ذاكرة الإنسانية عبر أكثر من أربعة عشر قرناً من تاريخ الدعوة الإسلاميّة . وعليه أنّ الوعي الذي أوجده سيد الشهداء (عليه السّلام) إنّما هو فعل تخطّى المحدود بالتفكير أو الفعل أو التدين أو الانصياع للحكّام الفاسدين مهما كانت اُصولهم أو انتماءاتهم ؛ فهو أفسد على الحكّام آنذاك الاستمتاع بستار الدين , والبقاء في سدة الحكم حتّى وإن استمرّوا لسنين عديدة بعده .

استطاع الإمام الحسين (عليه السّلام) في قدَره المحتوم في كربلاء إلى الاحتفاظ بهذا التصحيح للرؤية الإسلاميّة الناصعة بلا شوائب ، عبر أزليّة خالدة لدى كافة المسلمين من جميع المذاهب الإسلاميّة ، لا بل تعدّاها إلى الأديان الاُخرى السماويّة وغير السماويّة ، وباتوا يستشهدون به بأبدع صورة من التصحيح ورفض الظلم .

إنّ محكّ أزليّة استمرار شعائر انتفاضة الإمام الحسين (عليه السّلام) هو استعادة وعي الناس بما يجري من ناحية ، وهو وعي الذات بالانقلاب على التدهور الأخلاقي والاجتماعي زمن حكّام بني اُميّة من ناحية اُخرى . فالإمام الحسين (عليه السّلام) استهدف وعي الاُمّة بأجمعها حتّى إنّه استطاع أن يخلق تمايزاً في إدراك الحق من الباطل ، وإدراك الصحيح من الخطأ .

وهو وعي تميّز به هو بمعرفته ؛ لانتمائه لآل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله) تحديداً ، وهو بذلك فضحٌ لحكّام بني اُميّة ، وانبعاث الروح النضالية الرافضة للظلم لدى الإنسان المسلم الواعي من جديد بعد عقدين من حكم بني اُميّة ، واستنهاض روح الرفض ، وترك الهمود والاستسلام للتزييف تارة ، والخنوع تارة اُخرى .

لذا يحق لنا أن نطلق على سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السّلام) بأنّه قدر الثورة الأزليّة في التاريخ الإسلامي خصوصاً ، وتاريخ البشرية عموماً .


source : اهل بیت
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

شهر رمضان شهر التوبة والاستغفار
القرآن معجزة خالدة
و العاقبة للمتقین
فلسفة الصوم من منظور علمي
سمات الغضب عند المراھقین والشباب
القرائن المفيدة لمعنى الحاكمية في حديث الغدير
حجّ الإمام عليّ(عليه السلام)
ادخال ما لیس من الدین فی الدین
مرقدها (زينب الکبري سلام الله عليها)
السعادة في النظام الاخلاقي الاسلامي

 
user comment