عربي
Friday 27th of September 2024
0
نفر 0

المهدي المنتظر في الإسلام



احتل الاعتقاد بالمهدي مكانة بارزة في الإسلام كدين، على صعيدي القرآن والسنة المطهرة، فقد برزت نظرية الاعتقاد بالمهدي المنتظر بصورتها الكاملة والواضحة والبعيدة عن التوهم والغموض. حيث أكد دين الإسلام حقيقة وصحة هذا الاعتقاد العالمي المتواتر، ثم أبرز كلياته وتفاصيله الدقيقة، وأزال ما لحق بهذا الاعتقاد من نقص وزيادة وتوهم واجتهاد، وأبقى على الحقائق النقية القادرة على الوقوف في كل زمان، ووضع تحت تصرف عشاق الحقائق المجردة نظرية متكاملة واضحة تغطي بالكامل كل ما يتعلق بالاعتقاد بالمهدي المنتظر، فما من سؤال في هذا المجال إلا وتجد له في الإسلام جوابا مستندا إلى القرآن الكريم أو السنة المطهرة. وقد قدم الإسلام هذه النظرية كجزء لا يتجزأ من النظام السياسي الذي أنزله الله على عبده ومصطفاه محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالمهدي المنتظر عند شيعة أهل بيت النبوة هو الإمام الثاني عشر من الأئمة أو القادة الشرعيين الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى وأعلنهم النبي كقادة للأمة، ويجمع أهل السنة (شيعة الخلفاء) على صحة وتواتر قول رسول الله بأن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء أو النقباء أو القادة العظام من بعده اثنا عشر، وأخالهم بالضرورة يعتبرون المهدي المنتظر أحدهم. ثم إن أهل بيت النبوة وهم أحد الثقلين ومن والاهم قد أجمعوا على أن الاعتقاد بالمهدي الموعود المنتظر هو جزء لا يتجزأ من دين الإسلام، ثم أن الخلفاء التاريخيين ومن والاهم قد أجمعوا أيضا على أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر هو جزء من عموم المعتقدات الإسلامية المنبثقة عن القرآن الكريم والسنة المطهرة والتي أجمعت الأمة على صحتها. فإن المنكر لهذا الاعتقاد هو بحكم المنكر لما هو ثابت من الدين، وقد ألف المتقي الهندي (ت 975 ه‍) صاحب كتاب كنز العمال كتابا عنوانه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) أورد فيه فتاوي المذاهب الأربعة في زمانهم وهم ابن حجر الهيثمي الشافعي وأحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي، ومحمد بن محمد الخطابي المالكي، ويحيى بن محمد الحنبلي، وقال:

(إن هؤلاء هم علماء أهل مكة وفقهاء الإسلام على المذاهب الأربعة، ومن راجع فتاواهم علم علم اليقين أنهم متفقون على تواتر أحاديث المهدي، وأن منكرها يجب أن ينال جزاءه، وصرحوا بوجوب ضربه وتأديبه وإهانته حتى يرجع إلى الحق رغم أنفه، ـ على حد تعبيرهم ـ وإلا فيهدرون دمه) (البرهان على علامات مهدي آخر الزمان ص 178 ـ 183 والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 41 ـ 42).

الاعتقاد بالمهدي المنتظر عند المسلمين:

شق الاعتقاد بالمهدي المنتظر طريقه بيسر وسهولة إلى قلوب كل المسلمين وعقولهم، واعتبره المسلمون جزءا من عقيدتهم الإسلامية وحكما من أحكامها، وواحدا من تعاليمها كالتسبيح أو التهليل أو الصلاة أو الصوم أو الإيمان بالغيب.

فكافة المسلمين مع اختلاف منابتهم وأصولهم وتوجهاتهم السياسية وثقافاتهم المختلفة يعتقدون بحتمية ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان، وأن هذا المهدي من عترة النبي، وأن عهده من أزهى العهود حيث سيملأ الأرض عدلا، وسينقذ الأمة الإسلامية والعالم كله إنقاذا شاملا، وأن الله تعالى سيرد بالمهدي الدين، ويفتتح له العالم كله، وأنه سينشر الرخاء في الأرض. وقد اعترف بهذه الحقيقة حتى المتشككين بهذا الاعتقاد. فابن خلدون مثلا أحد المتشككين ومع هذا فهو يشهد قائلا: (إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر العصور أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي.

(راجع تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 555 الفصل 52). وأحمد أمين الأزهري المعروف من المتشككين أيضا بهذا الاعتقاد ومع هذا فهو يشهد قائلا: (وأما أهل السنة فقد آمنوا بها أيضا) أي آمنوا بحقيقة المهدي. (راجع كتابه المهدي والمهدية.

ص 41) وبعد أن أدلى بشهادته ساق قول ابن خلدون الآنف الذكر. فإذا كانت هذه شهادة المتشككين فيعني أن شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره بين كافة المسلمين العامة والخاصة من الحقائق الإسلامية المسلم بصحتها على مستوى المسلمين جميعا، وليس بإمكان عاقل أن يتجاهل عموم وشمول هذا الاعتقاد لكافة أتباع الملة الإسلامية. وقد أدرك الحكام الذين استولوا على قيادة الأمة طوال التاريخ السياسي الإسلامي، خطورة هذه الفكرة على حكمهم، وقدرتها الفائقة على شق طريقها إلى قلوب المسلمين، ودور هذه الفكرة بنقد الظلم وفضح الظالمين، فسخروا كافة موارد الدولة التي استولوا على قيادتها للتشكيك بالفكرة الأساسية تمهيدا لاقتلاعها من جذورها!! ومع أن الحكام قد نجحوا نجاحا ساحقا بحل عرى الإسلام كلها عروة بعد عروة، ومع أنهم قد نجحوا بإخضاع الأمة لمشيئتهم، إلا أنهم قد فشلوا فشلا ذريعا باقتلاع الاعتقاد بالمهدي المنتظر من قلوب الناس وعقولهم، بل إن هذا الاعتقاد كان يترسخ ويتجذر طرديا كلما زاد ظلم الحكام وبطشهم، ويزداد المسلمون يقينا بحتمية ظهور المهدي!!. وتوارثت الأجيال هذا الاعتقاد، وتوارثت صلته الحميمة بالدين الإسلامي.

مصادر ومنابع الاعتقاد بالمهدي المنتظر:

لقد استمد المسلمون الاعتقاد بالمهدي المنتظر واستقوه من منبع أو مصدر واحد وهو الإسلام. فالاسلام هو الذي جاء بنظرية المهدي بكل تفاصيلها وكلياتها، وهو الذي كلف أتباعه ومعتنقيه بالاعتقاد بها، والالتزام التام بهذا الاعتقاد كغيره من المعتقدات النابعة من صميم الإسلام.

ويعنى الإسلام على الصعيد القانوني أو الحقوقي (الآمر والناهي والمحلل والمحرم) كل ما جاء به القرآن الكريم، وبيان النبي لهذا القرآن سواء أكان البيان بالقول أو بالفعل أو بالتقدير، ويسمى هذا البيان بالسنة المطهرة. وكل واحد من هذين المصدرين مكمل للآخر، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، لأن أولى مهمات النبي أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم بيانا قائما على الجزم واليقين.

ولأن الإسلام آخر الأديان السماوية، ولأن محمدا خاتم النبيين فقد أجاب الإسلام على كافة التساؤلات البشرية في ما مضى، وفي ما يأتي، وغطى كافة.

الاحتياجات الإنسانية على كل الأصعدة اللازمة لنمو الحياة الإنسانية وتطورها ورقيها، فما من شيء، على الإطلاق إلا وجاء به القرآن، وبينه النبي بالقدر الذي يستوعبه كل المكلفين وتصديق ذلك قوله تعالى في سورة النحل آية 89 (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء).

وأحكام الإسلام وتعاليمه ما شرعت لمعالجة مشكلات قومية أو إقليمية إنما هي منصبة بالأصل على معالجة مشكلات العالم كله بأرضه وسكانه، وكانت الوحدة التاريخية والدينية والسياسة للعالم هي محور عناية واهتمام الإسلام. حيث وضع الإسلام تحت تصرف العالم نظاما حقوقيا لا مثيل له ومعجز، ووضع تحت تصرف العالم أيضا قيادة سياسية وروحية لا مثيل لها. فالإمام القائد في زمانه هو الأفضل وهو الأعلم وهو الأقرب لله ولرسوله، فإذا أراد العالم أن يهتدي فعليه بموالاة القيادة الإلهية والعمل بالنظام الإلهي فهما ثقلان يتكامل أحدهما مع الآخر ويتمم أحدهما الآخر وهذا هو المقصود الشرعي من حديث الثقلين.

وشاءت حكمة الله أن يكون المهدي هو آخر جيل القيادة الإلهية المسماة، وهو الذي سيتولى توحيد العالم دينيا وسياسيا ويترجم جهد الأنبياء وخاتمهم ويحقق هدفهم بتحقيق وحدة العالم الدينية والسياسية. بحيث تكون كل أقاليم الكرة الأرضية ولايات لدولته وكل سكان المعمورة رعايا لتلك الدولة، وكل أهل القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه بطانة له يستعين بهم لتنفيذ النظام الإلهي، فيكون عهده الزاهر عهد الرخاء الذي حلم به النبيون، وعهد العدل الذي جاهد لتحقيقه النبيون، والنموذج الرمز لوحدة الجنس البشري التي بشر بها النبيون.

ورمز انتصار الحق على الباطل على المستوى العالمي عبر الصراع الطويل بينهما وهنا يكمن سر تركيز الإسلام تركيزا خاصا على نظرية المهدي المنتظر، وتكمن عناية النبي الفائقة بإبرازها وتوضيحها والتبشير بها، بل ويكمن سر فخره بالمهدي المنتظر لأنه المؤهل إلهيا لعملية التغيير الكبرى ولأنه ابنه وقرة عينه وحفيده.

والخلاصة أن الإسلام بركنيه الكتاب والسنة هما المصدر والمنبع الوحيد للاعتقاد بالمهدي المنتظر، وعلى ذلك أجمع المسلمون..

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل المهديّ المنتظر هو المسيح عليهما السلام
الیـهود
تأمّلات في الخطاب الحسين
هيهات منا الذلة
دعاء الافتتاح
من بيانات فاطمه الزهرا (ع)لِعِلَلِ الشرائع و ...
ظاهرة البكاء عند الاِمام زين العابدين عليه ...
المعتصم
الإنسان‏ و الحريّة
دعاء الاعتقاد

 
user comment