يرجى الانتظار

واقعة الجمل ومقتل عثمان ومبايعة المسلمين للإمام علي ( عليه السلام )

إن مقتل عثمان ومبايعة المسلمين للإمام علي ( عليه السلام ) جعل الأمور تَتَّخذ مجرىً آخر . حيث أنَّ عدالة الإمام علي ( عليه السلام ) وتمسُّكه بالإسلام ، لا تروق لأولئك الذين اكتنزوا الكنوز ، وامتلكوا الضياع ، وبنوا القصور من أموال المسلمين . فقاموا متَّحدِين لمقاومة عَدالة الإسلام التي لن تكتفي بحِرْمانهم مما ألِفوه من النهب ، بل ستأخذ منهم حتى تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة . وتجعل أولئك الذين تمنُّوا الموت لعثمان وحرضوا الناس ضِدَّه حتى أودوا بحياته ، متحدين يطالبون بدمه . حيثُ اتَّفَق طَلْحَة والزبَير ومعهما عائشة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وخرجوا إلى البصرة لجمع الأنصار ، وإثارة الفتنة . إنَّها حقاً من الأمور التي تُدهِش العاقل ، وقد بذل الإمام جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة ، فلم يأل جهداً في بَذْل النصح لهم ، وتحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب ، وهذه إحدى نصائحه لِطَلحة والزبير إذ يقول ( عليه السلام ) : ( أمَّا بَعد ، يا طَلْحة ، ويا زُبير ، فقد عَلِمتُمَا أنِّي لم أرِد الناس حتى أرادوني ، ولم أبايعهم حتى أكرهوني ، وأنتما أول من بادر إلى بيعتي ، ولم تَدخُلا في هذا الأمر بسلطانٍ غَالب ، ولا لعرض حاضر . وأنت يا زبير ، ففارس قريش ، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين ، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسَع لكما من خُروجِكما منه . ألا وهؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه ، وأنتما رجلان من المهاجرين ، وقد أخرجتما أمكما [ عائشة ] من بيتها التي أمرها الله تعالى أن تقرّ فيه ، والله حسبكما ) . وفي البصرة - المكان الذي دار فيه القتال - استمرَّ الإمام علي ( عليه السلام ) يبذل نصحه من أجل حَقْن الدِّماء . فأرسل للناكثين يدعوهم للصُّلح ورَأْبِ الصدع ، والتقى بالزبير وذكَّره بما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم قال - الزبير - : لا يدع ابْن أبي طالب زهوة . فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَهْلاً يا زبير ، ليس بعليٍّ زَهوة ، ولتخرجَنَّ عليه يوماً وأنت ظالم له ) . فقال الزبير للإمام ( عليه السلام ) : بلا ، ولكني نسيت ذلك ، وبعد أن تذكر انصرَفَ إلى خارج البصرة ، ولم يحارب ، فقتله ابن جرموز ، ودفنه في وادي السباع . وبعد أن فشلت المحاولات لإخماد الفتنة التي أثارها الناكثون في البصرة ، تفجَّر الموقف ، وأُعلِنَ القتال بين جيش الإمام علي ( عليه السلام ) ، وجيش الناكثين . لكن الإمام ( عليه السلام ) ظلَّ ملتزماً بالصبر والأناة ، وبِمَا امتاز به من الروح الإنسانية ، موضِّحاً لجماعته أحكام الشريعة الإسلامية في حَقِّ البغاة ، ثم دعا ربَّه مُستجيراً مِن الفِتنَة . أما عن مصير طَلحة ، فقد جَاءَه سَهْم عند الهزيمة ، لا يُعرف رامِيه ، فَجَرَحه ثم مات . وأسْفَرَت هذه الفتنة عن قتل عشرة آلاف من جيش الناكثين ، وخمسة آلاف من جيش الإمام ( عليه السلام ) . وقد جَرَتْ المعركة في العاشر من جمادى الأول سنة ( 36 هـ ) ، وسُمِّيَت بحرب الجمل ، لأنَّ عائِشة كانت تَركب فيها جملاً . وبعد أن وَضَعتْ الحربُ أوزارَها ، بانتصار ساحقٍ على أهل الجمل ، أعلن الإمام ( عليه السلام ) العفو العام عن جميع المشتركين بها . وإنَّه حقاً موقِفٌ جسَّد فيه حكم الله تعالى ، ثم واصل الإمام ( عليه السلام ) خطواته الإنسانية إزاء الناكثين . إذ قام بإعادة عائشة إلى المدينة المنورة معزَّزَة مُكرَّمة ، على الرغم من موقفها المعانِد لوليِّ أمرِها .
العلامات :
آراء المستخدمين (0)
إرسال الرأي