(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب: آية 56.
لماذا الصلاة على محمد؟
حقّاً لماذا أمرنا أن نصلي على نبينا كلما ذكر اسمه، وخاصة في بعض المواسم المباركة كشهر شعبان ـ الشهر المنسوب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ ـ الصلاة هي لغة التعطف والترؤف والعناية المركزة، والتعبير عن الحب والحنان والعطف عند الإنسان، وحينما تكون الصلاة من الربّ للعبد فإن ذلك يعني أن الله يعطف ويترحم ويتحنن على عبده.
وحينما تكون الصلاة من الملائكة للعباد المؤمنين فذلك يعني أن الملائكة يستغفرون لهم، ويدعون لهم ويؤمنون على دعائهم ويسدّدونهم ويتركونهم ويعصمونهم من الأخطاء. أما عندما تكون الصلاة من العبد لربه فإنه يعني الدعاء والتضرع والتبتّل.
وكلمة الصلاة هي واحدة ذاتاً ومعنىً، إلا أن ما يطرأ على هذه الكلمة من مختلف التطبيقات والتأويلات إنما هي بحسب موقع الإنسان أو موقع القائل للصلاة. فمثلاً حينما تكون كلمة (افعل) من العالي إلى الداني فإنّها تكون أمراً، وحينما تكون منطلقة من الشخص إلى نظيره فإنها تكون رجاءً، وعندما تنبعث من الشخص لمن هو فوقه فهي ستكون دعاءً وطلباً، وكذا هي كلمة (الصلاة) التي يفيد معناها اللغوي التحنن والتعطف والترؤف والتعبير عن الحنان والحب والعناية وما أشبه.
فالصلاة حينما تكون من الإنسان إلى الله كهذه الصلاة التي نؤديها، فإنها ستعني حالة من الدعاء، لذلك قال بعض اللغويون: أن معنى الصلاة هو الدعاء. وهنا وقفوا حائرين، فإذا كانت كلمة الصلاة تعني الدعاء، فما معنى صلاة الله على عبيده؟ وصلاة الملائكة عليهم؟ ولماذا نجد الكلمة ذاتها تتكرر أو تستخدم، مع أن استخدام المشترك اللفظي لا يجوز في مرة واحدة في معنيين مختلفين، كما يقول علماء الأصول؟ إذن فالصلاة ليس معناها الدعاء فقط وإنما تأتي بمعنى العطف أيضاً، عطوفة الإنسان أمام ربه، فالصلاة بمعنى التعطف تمثل طبيعة العلاقة والرابطة والصلة بين العبد وربّه.
الدعاء مخ العبادة
تتخذ الصلاة من جانب العبد طبيعة الدعاء، والفرد المؤمن لا يملك شيئاً سوى الدعاء.
فالإنسان مهما عمل من عمل لا يمكنه أن يطلب الله بجزاء على ذلك العمل، ولا يملك أية حجة ليحتج على ربّه. وحتى الشكر الذي نشكر به الله سبحانه وتعالى لا يمكننا أن نؤدّيه إلا بما يتطلب منا مزيداً من الشكر، لأن الشكر يتم بجوارح الجسم وجوانح القلب وهذه كلها ملك خاص لله عزّ وجلّ شأنه. والشكر لا يتم إلا بتوفيق من الله وفي ذلك لله علينا حجة ومنّة أن وفقنا لشكره. وشهر شعبان هو من أشهر الدعاء، وهو شهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (الذي كان يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بخوعاً لله).
وفي هذا الشهر الكريم كان الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يبعث بمنادٍ إلى طرقات المدينة يهتف:
(أيها الناس! أنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ها قد أقبل شهر شعبان، وهو شهر رسول الله، فأحيوا هذا الشهر بذكر الله وبالصيام والقيام).
مكرمة الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) لماذا؟
خصّص الله سبحانه وتعالى سورة الأحزاب لبيان مكرمات الرسول (صلّى الله عليه وآله) والميزات التي تميز بها والأحكام التي اختص بها.
ففي هذه السورة نجد قوله تعالى في أهل بيت الرسول وذريته الذين ساروا على دربه.. (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
وقد خصصت سورة الأحزاب بصورة عامة لبيان علاقة الأمة بالقيادة الرسالية وبالذات قيادة أهل البيت (عليهم السلام).
وآية الصلاة في هذه السورة (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) إنما تعني أن الله يتحنن ويترحم على رسوله ويكرمه وكذلك الملائكة يفعلون.. ثم يقول سبحانه وتعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
لماذا هذه الصلاة؟ وماذا تعني؟
قبل كلّ شيء لابدّ من تصحيح مسار الثقافة الإنسانية عبر القرون وإلى الأبد، فكلما تورط الإنسان في الانحراف الثقافي جاء القرآن ليصلح الإنسان وليكون شفاءً ونجاة له من ذلك الانحراف. ولذا لابدّ أن نقول أن مكرمة الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) ـ التي خص بها المسلمون ـ تحمل في طياتها جميع معاني العقيدة الإيمانية السليمة، والرفض القاطع لسائر الأفكار الباطلة. وتنقذ المسلمين من كثير من الضلالات والانحرافات التي يستدرج بها البشر بوحي من الشيطان وتابعيه ومن أبرز هذه الضلالات:
أولاً: الغلوّ
فالبعض يغلو حتى يعتقد أن بإمكان الإنسان بلوغ درجة الإلوهية بمجرد انتمائه إلى شخص مقرب إلى الله.
وأفضل مثال على ذلك اليهود الذين قالوا: (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ)، لتصورهم أنّ مجرد انتمائهم إلى موسى بن عمران (عليه السلام) وإلى بني إسرائيل يعطيهم الحق في التشدق بهذا الإدعاء وغيره.
والغلوّ مرفوض في الإسلام، لذلك نجد أننا حينما نريد إكرام الرسول (صلّى الله عليه وآله) ونفعل ذلك إنما عبر الدعاء إلى الله بأن يصلي على نبيّه.. وأن إيجاد الرابطة والعلاقة بيننا وبين الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لابدّ أن تكون هذه العلاقة ضمن إطار توحيد الله.
فالرسول لا يمكن إلا أن يكون عبداً ورسولاً لله، وإن الله سبحانه وتعالى يؤكد في هذه السورة على ضرورة عدم الغلو فيقول: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
أي لا تنعتوا الرسول بصفة الأبوة لتغلوا في دينكم كما فعلت اليهود والنصارى من ذي قبل.. إذن فالصلاة على النبي تحمل الرفض للغلوّ.
ثانياً: رفض الوسيلة إلى الله
هذه الضلالة ترفض أية وسيلة تقربنا إلى الله، يزعم أتباعها بأن الدين هو مجرد علاقة بين القلب والرب، ولا حاجة إلى رسول أو إمام أو قائد وملهم ديني يربطنا بالله، وحسبنا أن نركع ونسجد ولا نأتي باباً يوصلنا إلى مرضاة الله.
ويأتي القرآن الكريم لنسف هذه الضلالة فيقول: إذا ما أراد الإنسان التقرب والعروج إلى الله فلابدّ من التقرب إليه سبحانه وتعالى عبر رسوله، فيصلي تقرباً إلى الله.
فالرسول هو وسيلتنا إلى الله، ولذلك جاء في الأحاديث إذا أراد العبد أن تقبل دعواته ويستجاب نداؤه فلابدّ من تقديم الصلاة على الرسول قبل الدعاء.
إن الدعاء إلى الله مقبول ولكن عبر هذه الوسيلة، ولا يمكن بشكل من الأشكال اختراق المراحل وتجاوز الوسائل. فالله أولاً ثم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيت رسول الله ثم الذين يمثلون خط الرسول وخط أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، هؤلاء هم وسائلنا إلى الله: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).
حكمتان
هنالك حكمتان في طي الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) وهما:
الحكمة الأولى: إن الله عزّ وجلّ قد جعل بدء الدعاء واختتامه بالصلاة على النبي شرطاً لاستجابة الدعاء. فكما أن مؤسسة البريد تهمل الرسائل التي لا تحمل طابعاً بريدياً، كذلك الله يهمل الدعاء فلا يستجيبه إذا ما كان مجرداً من الصلاة على محمد وآل محمد.
الحكمة الثانية: حينما بحث علماء النفس في طبيعة الدعاء لدى الإنسان، وفي طبيعة الدوافع والنوازع التي تدعوه إلى طاعة أحد ما، وجدوا أن الإنسان أشد ما تكون طاعته لمن يحب.. وعلى هذا الأساس فسروا اتباع الطفل الصغير لأمّه، فهو يتبعها ويطيعها حُباً لها لا خوفاً منها. وبذا علم الباحثين في علم النفس أن أعظم وسيلة تدفع الفرد إلى الطاعة هي الحب. ونحن عندما نريد إطاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) لابدّ من اتباع ثلاثة محاور لنبلغ الدرجات العلا في الجنة.. وهي:
1ـ رسالة الله إلى النبي المتمثلة في القرآن الكريم.
2ـ سنة النبي وأهل بيته التي تتلخص بالأحاديث الصحيحة.
3ـ سيرة النبي وأهل بتيه التي تتلخص في حياتهم وسلوكهم.
لا يمكن اتباع الرسول (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) الذين هم ضمير الدين وقدوات المؤمنين وأئمة المتقين إلا بحبهم، والحب كأي شيء آخر بحاجة إلى تنمية ورعاية، وهذه التنمية بدورها تتم عبر الصلاة عليهم. فحينما نصلي على النبي وآله، ونكرر هذه الجملة في صلواتنا وبعدها وقبلها وفي مختلف الحالات، فإننا نزداد حبّاً لهم ولمنهجهم وسنتهم وعندها نحظى بتوفيق الله سبحانه وتعالى.
فضل الصلاة في الأحاديث الشريفة
هنالك العديد من الأحاديث الشريفة المروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار التي جاء فيها بيان لفضل الصلاة على (محمد وآل محمد). عن محمد بن مسلم عن أحدهما ـ أي الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ـ: (ما في الميزان أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد، وإن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به ـ أي ترجع كفة الأعمال السيئة على الحسنة ـ فيخرج الصلاة عليها فيضعها في ميزانه فترجح).
وفي حديث آخر عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد لله الصادق (عليه السلام) قال سمعته يقول:
(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ فإنّها تذهب بالنفاق).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا ذكر النبي فأكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة، ولم يبق شيء ممّا خلقه الله إلا صلى على العبد لصلاة الله وصلاة ملائكته، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برأ الله منه ورسوله وأهل بيته).
عن ابن قداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من صلى عليّ صلى الله عليه وملائكته فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر).
وعن الحسن بن فضال عن الإمام الرضا (عليه السلام) يقول: (من لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآل محمد فإنّها تهدم الذنوب هدماً).
أتى رجل إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال له: (يا رسول الله! أجعل لك ثلث صلاتي، لا بل أجعل لك نصف صلاتي، لا بل أجعلها كلها لك).
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إذاً تكفى مؤونة الدنيا والآخرة).
وفي رواية أخرى عن النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول:
(أكثروا الصلاة عليّ فإن الصلاة عليّ نور في القبر ونور على الصراط ونور في الجنة).
(من صلى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب).
وسئل الرسول (صلّى الله عليه وآله) عن الصلاة البتراء؟ فقال: (أن تصلّوا عليّ ولا تصلّوا على أهل بيتي).