فرصة تغيير الذات
لا شك أنّ معرفة الإنسان لذاته هي مفتاح لمعرفة الحقائق العظمى التي تحيط به. فالإنسان على صغر حجمه يمثّل عالماً كبيراً وواسعاً، وهو مكلّف بمعرفة نفسه، كما أنّه مكلّف بمعرفة ربّه. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".([68])
إن أكبر المشاكل تحدث لدى الإنسان عندما يغترب عن ذاته، رغم أنّ ذاته هي أقرب شيء إليه، ولكنّه مع ذلك لا يوليها اهتماماً. فهو يرى كل شيء ولكنّه ينسى نفسه، كما يقول ربنا عز وجل: «نَسُوا اللَّهَ فَاَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ اُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (الحشر/19) وهو ينسى نفسه من خلال انجذابه الى ما حولـه من المظاهر المادية مثل المال والشهوات والسلطة، ولكنّه في المقابل يفقد نفسه.
ونحن إذا لم نستفد من الأحاديث التي تلقى في ليالي شهر رمضان وخصوصاً في ليالي القدر، وإذا لم نتـزوّد منها زاداً ينفعنا في يوم المعاد، فإنّنا سنكون خاسرين، لأنّ حالنا سيكون كحال الإنسان الذي يموت عطشاً وهو يقف بمحاذاة نهر عذب زلال.
إنّنا الآن بأمسِّ الحاجة الى التزوّد كما يول جل وعلا: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى » (البقرة/197).
فهناك أمامنا رحلة بعيدة متطاولة في أرض جرداء لا ماء فيها ولا كلأ، ونحن في مسيس الحاجة فيها الى التـزوّد. ولا شك أن ليلة القدر هي أعظم الليالي التي من الممكن أن نتـزوّد فيها بالتقوى والعلم والمعرفة لتغيير أنفسنا.
وللأسف؛ فإنّ الغالبية العظمى من الناس يعيشون في حالة غياب عن ذواتهم، وعمّا أودعه الله تعالى فيهم من طاقات ومواهب وقدرات. وسأحاول فيما يلي أن أسلّط الأضواء على هذا الجانب الهام، وذلك من خلال فتح نافذة، فلنحاول أن ننظر عبرها لكي نستطيع أن نستوعب ونذهب في آفاق العلم بعيداً.
source : sibtayn