عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

عاشوراء لكلّ العصور

عندما نعيش في كل سنة ذكرى عاشوراء ، فإننّا نبحث عن جمهور عاشوراء في كلّ مرحلة من مراحل حياتنا المعاصرة ، لأن الهدف من بقاء هذه الذكرى على مدى الزمن ، هو أن تُنتج لنا حالة حسينيةً في كلّ مرحلة من مراحل حركتنا الإسلامية في العالم ، فإن المسألة هي أننّا لا نريد أن نجمّد التاريخ ، كما يفعل الكثيرون من النّاس ، الذين يعملون على أن يسكنوا في الماضي ، من دون أن يواجهوا مسؤولياتهم في الحاضر. و هذا أمر مرفوض في التفكير الإسلامي ، لأن الخطّ الإسلامي الّذي ركزه الله (سبحانه و تعالى) في كتابه ، هو أن لكل أُ
عاشوراء لكلّ العصور

عندما نعيش في كل سنة ذكرى عاشوراء ، فإننّا نبحث عن جمهور عاشوراء في كلّ مرحلة من مراحل حياتنا المعاصرة ، لأن الهدف من بقاء هذه الذكرى على مدى الزمن ، هو أن تُنتج لنا حالة حسينيةً في كلّ مرحلة من مراحل حركتنا الإسلامية في العالم ، فإن المسألة هي أننّا لا نريد أن نجمّد التاريخ ، كما يفعل الكثيرون من النّاس ، الذين يعملون على أن يسكنوا في الماضي ، من دون أن يواجهوا مسؤولياتهم في الحاضر. و هذا أمر مرفوض في التفكير الإسلامي ، لأن الخطّ الإسلامي الّذي ركزه الله (سبحانه و تعالى) في كتابه ، هو أن لكل أُمّة كتابها ، و لكل أُمّة عملها نتيجة مسؤولياتها و واجباتها.

و هذا يعني أنّنا لسنا مسؤولين عمَّا حدث في زمان
الإمام الحسين (ع) ، إذ إن المسؤولين هم الناس الذين عاشوا هناك، سواءٌ منهم الذين تحركوا في خطّ المسؤولية فكانوا مع الحسين (ع) ، أو الذين ابتعدوا عن خطّ المسؤولية فوقفوا على الحياد ، أو الذين ضاعت مواقفهم أمام عواطفهم ، فكان أمامهم مصالحهم، إذ كانت قلوبهم مع الحسين (ع) و سيوفهم عليه.

الموقف المطلوب أمام حقائق التاريخ

و عندما نستمع ، بعد هذا الوقت الطويل من التاريخ ، إلى سيرة الإمام الحسين (ع) ، و جماعة الذين يلتزمون الباطل ، و جماعة الذين يتعاطفون مع الحق ، ولكنهم يقفون مواقف الباطل ، عندما نواجه هؤلاء ، فعلينا أن نعيش في داخل نفوسنا موقفاً نفسياً تجاههم ، فنرفض الذين التزموا الباطل ، و ننفتح على الذين عرفوا الحق فانطلقوا معه.

و عندما تعيش حالةً نفسية أمام التاريخ ، فعليك أن تحدّد موقفك أمام النماذج الموجودة في الواقع ، هل أنا من هؤلاء الناس الذين يقفون مع الحق و يواجهون التحديات ؟ ، أو من الذين يتجنّبون الدخول في ساحة الصراع ، فيجلسون على التل عندما تزدحم ساحات الصراع بالمواقف الصعبة ؟ ، أو من الذين يقولون إننا لا نحب المشاكل لأنفسنا ، ليتغلب هذا الجانب على ذاك و يتغلب ذاك الجانب على ذلك ، إذ ليس لنا مصلحة هنا ولا هناك ، و بذلك نكون حياديين بين الحقّ و الباطل فلا نتّخذ موقفاً محدداً ؟

بعض الناس على عهد الإمام الحسين (ع) كانوا يفكّرون بهذه الطريقة ، كما كان بعض الناس في زمان الإمام علي (ع) يفكّرون بالطريقة نفسها ، و هذا موقف مرفوض ، لأن معنى أن تكون حيادياً هو أن تكون مع الباطل . بعض الناس قد يفكر بهذه الطريقة ، فيقول : أنا ليست مع هذه الفئة و لا مع تلك ، لا مع فلان و لا مع فلان . هذا أمرٌ تفعله إذا كانت الفئتان من أهل الباطل . عندها عليك أن ترفضهما معاً . و هذا ما قاله
الإمام علي (ع) : « كُنْ في الفتنةِ كابنِ اللبونِ، لا ظَهْرٌ فيُركَب، ولا ضَرْعٌ فَيُحْلَب » ، (1).

الفتنة هي الّتي لا يعرف فيها وجه الحق من الباطل ، هنا لا تدع أحداً يركب عليك ، و لا تدع أحداً يحلب مواقفك ، كُنْ كابن اللبون _ و هو ابن الناقة الذكر في السنة الثانية من العمر _ ، هذا في الفتنة ، لكن عندما تكون المسألة مسألة أن هناك حقاً و باطلاً ، فإن عليك أن تكون مع الحقّ ضدّ الباطل.

يقول
الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) : « أبلِغْ خَيْراً و قُلْ خَيراً ولا تكُنْ إمَّعَةً ». قلت : وما الإمّعة ؟ ، قال: « لا تقُلْ أنا مع الناسِ ، و أنا كواحدٍ من الناس » ، (2).

أما النموذج الثالث ، فهو نموذج الناس الذين يتعاطفون مع الحق ، كمن يُحبّ أهل الخير ، ولكنّه ليس مستعداً أن يلتزم مسؤولية الخير ، يحب أهل العدل ، ولكنه ليس مستعداً أن يلتزم خط العدل ، يحب أهل الحق ، ولكنه ليس مستعداً أن يتحمل مسؤولية الحق معهم ... بل كل ذلك وفق حساباته الخاصة ، و على أساس مصالحه المادية ، بحيث يلاحظ ما هي مصالحه المادية فيحاول أن يتحرك فيها.

و هناك حالة الذين يلتزمون الحق و يتحركون من خلاله. هنا علينا _ و نحن نقرأ ذلك التاريخ و ننفعل به_ أن نحدد مواقفنا : من نحن ؟ ، هل نحن من فريق الحياديين ؟ ، هل نحن من فريق الذين يُغلِّبون مصالحهم على مبادئهم ؟ ، هل نحن من فريق الذين يؤمنون بالباطل أو نحن من فريق الذين يؤمنون بالحق؟

من نحن ؟ ، و على أساس تحديد الشخصية يتحدّد الانتماء . هل نحن ممن يتحرّك في خطّ إصلاح الأُمة على خطِّ رسول الله (ص) ، أو نحن ممن لا يهتمون بذلك؟ ما هو الخط؟ ، «
أُريدُ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ».

إنّ الحسين (ع) يقول : أريد أن أدرس واقع الأُمة كلها في سلبياته و في إيجابيته ، ما هي السلبيات ، هي مواقع السلوك الّذي يتحرك في مواقع غضب الله مما حرّمه الله على الناس . و ما هي الإيجابيات ؟ ، هي مواقع السلوك فيما يرضاه الله في الواجبات الّتي أراد الله لنا أن نتحرك فيها.

الحسين (ع) كان يريد لحركته أن تكون صدمةً قويةً للواقع الفاسد ، أراد أن ينتقي لها الذين يعيشون الرسالة بكل معانيها في عقولهم و مشاعرهم و خطواتهم العملية في الحياة . لهذا أن تكون حسينياً، يعني أن تكون آمراً بالمعروف و ناهياً عن المنكر في خط الإسلام ، و أن ترفض كل ما عدا الإسلام.

بعض الناس يقول : هل تريدنا أن نعادي الناس كلهم ، و نقول : نحن مسلمون ونرفض الخط الماركسي ، و الخط الاشتراكي ، و طريقة التفكير من خلال بعض النظريات على أساس قومي ، و نرفض الليبرالية و ما إلى ذلك ؟ ، هل تريدنا أن نعادي الناس ؟ ، بعض أولادنا ينتمون إلى هذا الخط ، و بعضهم الآخر ينتمون إلى ذاك الخط . لماذا تريد أن تضيّق الإسلام؟

بعض الناس يفكرون بهذه الطريقة أو يردون على هذا الطرح بهذه الطريقة ، و بذلك يعتبرون ما نطرحه تطرفاً ، و يصنّفوننا في دائرة المتطرفين.

الحسين كان مسلماً و ليس عنده شيء زائد عن الإسلام. وقد انطلقت شخصيته من موقع إسلامه حين قالها رسول الله (ص): «
حُسينٌ مِنّي و أنا مِنْ حُسين » ، (1) . هل الخأ

كيف هو هذا التفاعل بين الحسين (ع) و بين النبي ؟ ، هل هو تفاعل النسب ؟ ، إذا كان الحسين من رسول الله لأنّه جده ، فكيف يكون رسول الله من الحسين ، و الحسين ابن بنته ؟ ، إن هذا التفاعل هو بتجسّد الإسلام فيهما. ولهذا كان كل واحد منهما من الآخر لكونهما معاً في خدمة الإسلام.

لهذا لنتفق على أن تكون لنا عاشوراء إسلامية ، نؤكد فيها خطوط عقائدنا و مواقفنا و مواقعنا و مناهجنا و سياستنا في الحياة ... و عندما نقول ذلك ، لا نقول إننا ننغلق على الآخرين ، بل إننا مسلمون و مستعدون أن نتعايش ، و نتعاون حتى مع غير المسلمين ، على أساس الخطوط المشتركة الّتي تقتضيها طبيعة الحياة ، و لذلك نعيش مع الحسين (ع) لنكون من جمهوره ومن أتباعه.

لنفكر في قضية الحق

القضية هي قضية الحق و الباطل ، ذلك لأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل. هذا هو الأساس الّذي ينبغي أن يكون أساس كل تحركنا في الحياة ، أن يكون التحرك الّذي يخدم خط الله ، و هكذا عندما نريد أن نصدق الله ما عاهدنا عليه ، فإنّ الصدق يكلّف الكثير، أن تخاف وأن تخسر بعض الأصدقاء و المواقف ، فإن الإنسان عندما يتحمل ما يتحمل من مسؤولية ، لا بدّ من أن يوحي لنفسه بالثمن الّذي يستطيع من خلاله أن يخسر بعض الأشياء و الأوضاع.

لا بد أن نعمِّق الجانب الروحي

لقد علّمنا الله أن نفكّر أن خسارة الدنيا قد يعوضها الله في الدنيا ، وقد تكون لحساب المستقبل . و المؤكد أن الله يعوِّضها على الإنسان في الآخرة . لا بد أن نفكر في الآخرة ، و في الله ، و في الجانب الروحي في حياتنا الّذي يجعل كل واحد منّا يعيش الهم الكبير في حياته : أن يرضى الله ، ذلك هو الهمّ الكبير. إذا استطعنا أن نعيش هذا الهمّ الكبير في حياتنا ، فسوف نواجه المشاكل بقلب مفتوح ، كما كان رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلم.

ماذا كان يقول رسول الله (ص) ؟ ، يرفع طرفه إلى السماء و يقول: «
أنتَ رَبُّ المسْتَضْعَفِينَ وأنتَ رَبِّي إلى مَنْ تَكِلُني » ، (1) ، ثم يقول بعد ذلك : « إنْ لَم يكنْ بكَ عليَّ غضبٌ فلا أبالي » ، (2).

إذاً فالهمّ الكبير أن لا يغضب الله.

و على هذا ، فمن الضروري أن يكون لنا شعب يعيش الوعي السياسي . فالشعب الواعي سياسياً ، و الّذي يحمل في قلبه رسالته وخوفه من الله و حب الله _ سبحانه و تعالى _ ، إنّ شعباً كهذا لا يمكن أن يسيطر عليه أحد.

و علينا أن نعرف ماذا وراء الشعار ، و كيف ينطلق في حياتنا ، بحيث لا نبقى مجرد أُناس نشغل حناجرنا و أفواهنا بالهتافات ، بل أن نشغل عقولنا حتى نفكّر فيما هناك من الخطط الّتي تدبّر لنا في الخفاء.

هذا الواقع نعيشه نحن اليوم ، و لا بدّ من علاجه ، حتى لا يكون واقعنا _ عندما نتحرّك _ واقع أولئك الناس ، الذين كانت قلوبهم مع الحسين (ع) ولكن سيوفهم عليه ، حتى لا تكون قلوبنا مع القادة الطيّبين و مع الناس المخلصين ، ولكن سيوفنا عليهم ، عندما تتحرّك الدنانير أو الليرات أو الدولارات أو غير ذلك من العملات الصعبة و غير الصعبة ، الّتي لا يزال الناس يلهثون  وراءها ليبيعوا مبادئهم ، و خططهم ، و حياتهم...

الإرادة الصلبة تحسم المعركة

إن الشعب الّذي يحمل قراره في داخل نفسه ، و الّذي يؤمن بأنه على الحق ، و يؤمن بحقه في الحياة الكريمة حتى لو عاش تحت نير الاستعباد و الاستعمار عشرات السنين ... إن شعباً كهذا ستظلّ حريته الكامنة في داخله ، تخترق كلّ الحواجز و السدود ولو بعد حين ، لأن قضية القوّة و الضعف ليست قضية خالدة . الأقوياء لا يخلدون في قوتهم ، و الضعفاء لا يخلدون في ضعفهم : (
قُلِ اللّهمّ مالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلك مَن تشاءُ وتَنـزعُ المُلكَ مِمَّنْ تشاءُ وتُعزُّ من تشاءُ وتُذِلُّ مَن تشاءُ بِيدِكَ الخَيرُ إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِير ) ، (آل عمران/26).

(
وَ تِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاس ) ، (آل عمران/140).

لنأخذ ( بريطانيا) مثلاً ، قبل أربعين سنة كانت الدولة العظمى الّتي لا تغيب عنها الشمس. أين بريطانيا الآن ؟ ، إنّها الدولة الرابعة ، أو الخامسة في حسابات القوّة في العالم!!

كيف كانت أمريكا قبل مائتين و خمسين سنة ؟ ، كانت مستعمرة من مستعمرات بريطانيا ، بينما يقولون عنها اليوم : إنها الدولة العظمى . و هكذا (
و َتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاس ) ، (آل عمران/140).

علينا أن نعرف أن لا شيء _ من تلك الدول _ اسمه قوّة مطلقة ، و أن ليس هناك قوّة خالدة.

عندما تكون ضعيفاً ، فكّر أن تعمل على أساس أن تكون قوياً ، يجب أن لا نيأس ويجب أن تكون لدينا إرادة. فالإرادة ولو بعد خمسين سنة هي الّتي تحمي المعركة.

عندما نقول : هل نستطيع أن نقف أمام إسرائيل ؟ ، و هل نستطيع أن نقف أمام أوروبا ؟ ، و نقول : هل نستطيع أن نقف أمام أمريكا ، و نحن لا نملك أيّ شيء !! ، نصبح مثل أولئك الناس الذين بعثهم النبي (ص) إلى قلعة خيبر ، فرجع الأول و هو يُجَبِّن أصحابه ، و أصحابه يُجَبِّنونه.

هذا مرحب و الأبطال من حوله ، من الّذي يقدر عليهم ؟ ، لقد كانوا يقولون للأول لا نقدر من موقع ضعفهم، و هو يقول لهم: لا أقدر. عند ذلك رجعوا منهزمين ، و بعث النبي شخصاً ثانياً ، و رجع يُجَبِّن أصحابه وأصحابه يُجَبِّنونه. عند ذلك قال النبي (ص) : «
لأعطينّ الرايةَ غداً رَجُلاً يحبُّ اللَّهَ و رسولَه و يحبُّه اللَّهُ و رسولُه ، كَرّاراً غيرَ فرَّار و لا يرجعُ حتّى يفتح اللَّهُ على يديه » ، (1)...

لاحظوا هذا التسلسل : يحب الله و رسوله . الّذي يحب الله ويحب الرسول، يعطي كلّ طاقته لله و للرسول . و عند ذلك فإنه يتحوَّل إلى قوة مضاعفة . فمن لديه قوة ويمتلك إرادة داخلية تحرك هذه القوة ، فإنها تصبح قوةً مضاعفةً ، ولكن عندما تكون لدى فلان بين الناس قوة وإرادة مهزومة داخل نفسه ، فإنها ستتحوَّل إلى صفر.

إنّ الإرادة هي الأساس ، صاحب الإرادة هو الّذي يربح المعركة. هناك حديث للإمام علي (ع) : «
مَنْ أحدّ سنانَ الغضبِ للَّهِ قَويَ على قتل أشدّاءِ الباطل » ، (2).

أن تحدّ سنان الغضب ، أي أن تغضب لله ، و الغضب لله أن تغضب لكل قضايا الناس الّتي يحبها الله (سبحانه و تعالى) . إذا كنت تعيش التوتر الداخلي الواعي لله ، فإنّك تقوى على قتل أشدّاء الباطل.

و هناك كلمة تقول : «
ما ضَعُفَ بدنٌ عمّا قَوِيَت عليه النية » ، (1). فأنت تستطيع أن تتحرَّك بمقدار ما لديك من نفسية قوية داخلية ، و هذا شيء واقعي نعيشه في الحياة.

فالإمام علي (ع) كان يحب الله و رسوله ، و لهذا كان يحب أن يتحرَّك بكلّ ما يملك من الطاقة في سبيل أن يرضى الله ورسوله ، في سبيل أن يحبّه الله و رسوله. لا قرابة عند الله مع أحد، والنبي كذلك، حيث قال عنه:  (
و ما يَنطقُ عن الهوى* إنْ هو إلاّ وحيٌ يُوحى ) ، (النجم/3- 4).

إنّ الله عندما يحب إنساناً ، فإنه يحب وفق حساب معيّن ، و النبي عندما يحب إنساناً، فإنّه يحبه وفق حساب معين أيضاً.

و حسابات النبي هي حسابات الله ، (
إنّ اللَّهَ يُحبُّ الذينَ يُقاتِلونَ في سَبيلهِ صَفّاً كأنّهم بنيانٌ مَرصوصٌ ) ، (الصف/4).

و الله يحب المحسنين ... و الله يحبّ المتّقين ... الله يحب المجاهدين ... الله لا يحب الخائنين ... الله لا يحب الفاسقين ... الله لا يحب الكافرين ...

إذاً فمحبة الله لها إطار معين . عندما يحب الله إنساناً يحبه من خلال عمله ، و عندما يبغض إنساناً يبغضه من خلال عمله. ولهذا يحبه الله و رسوله ، لأن علياً (ع) كان تقياً  (
فإنّ اللَّهَ يحبُّ المتّقين ) ، (آل عمران/76) ، و لأن علياً كان مخلصاً ، و الله يحب المخلصين ، و لأنّ علياً كان مجاهداً و الله يحب المجاهدين ، و لأن علياً كان زاهداً و الله يحب الزاهدين. و هكذا يحبّ الله و رسوله و يحبّه الله و رسوله. و النتيجة أن هذا الحب المتبادل يجعله كرّاراً غير فرار، لأن الإنسان الّذي يفرّ إنما هو الإنسان الّذي يخاف على نفسه من الموت. و الّذي يحب الله و رسوله يبيع نفسه لله و لرسوله ، إذا عرف أن الطريق الّتي يسير فيها طريق الله ورسوله : ( إنّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المؤمنينَ أنفُسَهُم وأموالَهم بأنَّ لهمُ الجنّةَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَيقتُلُون وَيُقْتَلُون وعْداً عَليهِ حَقّاً في التَّوراةِ والإنجيل و القرآن ) ، (التوبة/111).

ولهذا انطلق الإمام عليّ على هذا الأساس ، أي على أساس أن يعيش القوة في نفسه ، القوّة من خلال إيمانه لا من خلال جسده ، وهو يقول في ما يروى عنه : «
و اللَّهِ ما قَلعتُ بابَ خَيبر بقوةٍ جسمانيةٍ بل بقوّةٍ ربّانية » ، (1).

و في هذا الاتجاه علينا أن نعمل دائماً، بأن لا نشعر بالضعف والهزيمة، فإذا ما رأى أي منا أنّه في حالة ضعف ، فليفكر أنّه يملك أن يكون قوياً ، فغيره كان ضعيفاً و صار قوياً ، و غيره لا يملك عقلاً أفضل من عقله، و لا يملك جسماً أقوى من جسمه ... القضية هي أن تكون لكلّ فرد منّا إرادة القوة . و إرادة القوة هي الّتي تعين المرء على صنع القوة في حياته.

قوّة العلم... وقوّة السلاح

لا بد للأُمة أن تتدرب جيداً ، لا لتقتل كيفما كان ، ولكن استعداداً لأي معركة داخلية أو خارجية تكون مستعدة لها ، على هدى الآية الكريمة : ( و أعدُّوا لَهم ما استطعتُمْ من قُوةٍ ومنْ رباطِ الخيلِ تُرهِبونَ به عدو اللَّهِ و عدوَّكم ) ، (الأنفال/60).

لا بنيّة أن نعتدي على أحد، لكن نقول: إذا كان هناك اعتداء علينا ، فإننا نكون في مستوى التحدي. فلسنا عدوانيين ، لكننا نرفض أن يعتدي علينا أحد ، أن لا نعطي بيدنا إعطاء الذليل، ولا نقر إقرار العبيد، بل نعطي أيدينا لمن يعطينا يده، الندّ للند... عندما نقر لأي إنسان، أن يكون إقرارنا إقرار الأحرار، ولن يكون ذلك إلا إذا عملنا على صنع القوة... قوة العلم وقوة السلاح، والقوة الّتي لم نكتشفها بعد حتى الآن، وهي قوة وحدة الصف الّتي نتمنّاها لأُمتنا دائماً.

علينا أن نكتشف العلم كقوة ، و السلاح كقوة ، والتدريب كقوة، وتقوى الله كقوة، والشعور بالمسؤولية كقوة، والوحدة كقوة، الوحدة على أساس الحق لا الوحدة بأي ثمن، لنلتقي بكلمة الحسين (ع): «
و الله لا أعطيكُمُ بيدي إعطاءَ الذَّليلِ ولا أُقرّ لكم إقرارَ العبيدِ ». نلتقي به في خط الممارسة لا في خط القول فقط.

الشعارات الحسينية مصدر إلهام لتحركنا الجهادي

إننّا عندما نتابع الشعارات الّتي رفعها الإمام الحسين (ع) في كربلاء ، وجعلها أساساً لثورته، و قاعدةً لانطلاقته ، و مسوّغاً لتحرّكه ، فإنما نريد أن تلهمنا تلك الشعارات سلوك الخطّ الجهادي الإسلامي ، خلافاً لكل أُولئك الذين يشجّعون الاستسلام و الاسترخاء ، و الانهزام والخضوع ، حين نجدهم يطرحون علامات الاستغراب أمام موقف الإمام الحسين (ع) في كربلاء، كونه ألقى بنفسه في التهلكة، دون أن يفوتهم الاستشهاد بالآية الكريمة الّتي تقول : (
و لا تُلقُوا بأيدِيكُم إلى التَّهلُكة ) ، (البقرة/195). و من خلال هذا الخط، نعرف كيف استطاع الاستعمار أن يجمّد الإسلام في نفوس الذين أصبحوا اليوم رموزاً للإسلام، وكيف استطاع هذا المنطق أن يحوّل الإسلام إلى شعور بالذل والخضوع.

حساب القادة

هناك فكرة يجب أن نعرفها ، و هي أن النبي محمد (ص) و الأئمة (ع) ليس لديهم تكاليف خاصة ، قد تكون هناك تكاليف معينة في موقع مسؤوليتهم كمسؤولين ، ولكن ليس عندهم تكاليف سرية ، وما من شيء إلا وقد بيّنه الله لرسوله ، وما من شيء إلا بيّنه الرسول للناس . النبي (ص) وقف أمام أُمّته في أواخر لحظات حياته ، حتى يعلّم القادة و الأمة معاً أنّه ما دام الإنسان قائداً للأُمة ، فلا بد له أن يقدم تفسيراً للأُمة في أفعاله كلّها ، حتى لو لم يكن مسؤولاً أمام الناس، وقد كان الرسول (ص) يفعل ذلك، فقد وقف (ص) و قال: «
أيُّها الناسُ، إنَّكم لا تُمسكُونَ عليَّ بشَيءٍ، ما حَلَّلتُ إلا ما حلّلَ اللَّهُ، وما حرّمتُ إلا ما حرّم اللَّهُ ».

الرسول يقول: ادرسوا تاريخي منذ بدأت الرسالة حتى الآن و اعرضوه على القرآن ، إني لم أحلّل إلاّ ما حلّل الله، ولم أُحرّم إلاّ ما حرّم الله. ولهذا رأينا رسول الله يبين للأُمة كل شيء ، وكذلك الإمام علي (ع). إنّ (نهج البلاغة) يمثّل خلاصة تفكير الإمام الّذي استوحاه من القرآن في جوانب العقائد و الشريعة و الحكم و السياسة و الصراع وما إلى ذلك...

و وصل الأمر به أنّه قال للناس: «
فلا تُكلِّموني بما تكلَّمُ به الجبابرَة » ، (1).

فقد شرح للناس سياسته و طريقته ، وكان يسوغها ليثبت لهم أنّه يسير على خط الشريعة في كلِّ سيرته وأعماله ، لأن دور الإمام والقائد والحاكم أن يثقّف الناس فيما يدعوهم إليه ، ولهذا نعتقد أن سيرة النبي تمثل الشريعة على أساس ما أنزل الله، كذلك الله قال : (
لقد كانَ لَكُم في رَسولِ الله أُسوةٌ حَسَنةٌ ) ، (الأحزاب/21).

و عليه، فالشعارات الّتي طرحها الحسين (ع) في كربلاء تعتبر أُسساً شرعية حول الحكم ، ويبقى دور القادة إن يدرسوا هل أن مرحلتنا هي مرحلة الحسين (ع) أو لا، هل إن الشروط نفسها موجودة الآن؟

فعلينا في كل مرحلة من مراحل حياتنا أن ندخل في عملية مقارنة بين الظروف الّتي كانت تحيط الإمام الحسين (ع)، و الظروف الموجودة لدينا حالياً. فإذا وجدنا تطابقاً بالظروف ، فعلينا أن نستلهم من ثورة الحسين (ع) ومن أوضاع جميع الأئمة (ع) ما نواجه به واقعنا ومرحلتنا.

العزة لا تصدر بمرسوم

إنّ موضوع العزة في مقابل الذلة يمثل الإطار العام الّذي يلتقي بكل الأمور المقدسة. فالله جعل العزة لنفسه ولرسوله وللمؤمنين، ومعنى ذلك أن لا خيار للمؤمنين بأن يكونوا أذلاء. ليس من حقك أن تتنازل عن عزّتك. إن الإمام جعفراً الصادق (ع) استوحى من الآية الكريمة الّتي تقول:  (
و للَّهِ العزّةُ ولرسوله و لِلمؤمنين ) ، (المنافقون/8)، و قال: « إنّ اللَّهَ فوَّضَ للمؤمنِ أمرَهُ كُلَّه، ولم يُفَوِّضْ إليهِ أن يكونَ ذَليلاً » ، (1).

بعض الناس يفهم كلمة العزة أن يملك المال والراحة والجاه... إلخ، ولا مانع لديه من أن تكون كل الأوضاع والنشاطات في حياته منطلقة من خضوعه لسلطة معينة. هناك فرق بين أن تملك قرارك وفكرك، وبين أن تكون عبداً للآخرين. فإذا سيطرت وأنت تملك قرارك، تكون قد سيطرت من موقع إرادتك الذاتية، أمّا إذا كنت تأخذ السيطرة من مكان خضوعك لأُناس آخرين، فتكون السيطرة هي سيطرتهم وتحرّكهم. إنهم يتحركون من خلالك وأنت الأداة. والأداة هنا على قسمين: أداة تسمع وتتكلم، وأداة لا تبصر ولا تتكلّم.

(
بَشِّرِ المُنافِقينَ بأنَّ لَهُم عَذاباً أليماً* الَّذينَ يَتَّخِذونَ الكافرِينَ أولياءَ مِن دُونِ المؤمنينَ أيبتغُونَ عندَهم العِزَّة ) ، (النساء/138-139).

(
قُلِ اللّهمَّ مالِكَ المُلْكِ تُؤتي الملكَ مَن تشاءُ وتَنـزعُ الملكَ مِمَّن تشاءُ وتُعِزُّ مَن تشاءُ وتُذِلُّ مَن تشاءُ بيدِكَ الخيرُ إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِير ) ، (آل عمران/26).

وهنا لا بدّ أن نشير إلى وجود فرق بين أن تأخذ العزّة بمرسوم، وبين أن تأخذها بقناعة وإرادة... الذين يأخذون العزّة بمرسوم هم عبيد أذلاء. عندما تفكر بالعزة، فإن معنى العزّة بالإسلام أن تكون ذليلاً أمام الله وعزيزاً في حياتك.

التزامنا بالحسين لا يعني أن نكون انفعاليين

قال الإمام علي (ع): «
لا تكُنْ عَبْدَ غَيرِكَ وقَد جَعَلَك اللَّهُ حُرّا ً».

أنت ذليل لله فقط، وأمام الناس حر وعزيز. على هذا الأساس، إذا أردنا أن نكون أعزاء، فإنّ علينا أن نقف موقف الحسين (ع) في واقعنا الحاضر..

عندما يراد لنا الخضوع للاستعمار والاستكبار، علينا أن نقول كما قال الحسين في كربلاء: هيهات منّا الذلة.

لا بمعنى أن تنطلق بشكل حماسي وانفعالي. إنّ معنى الثورة أن نقف على سلاحنا، ونخطّط ونناور، ونفعل كل ما بوسعنا، كما قال الله سبحانه: (
يا أيُّها الذينَ آمنَوا اصْبِروا وصابِروا ورابِطوا ) ، (آل عمران/200).

لهذا علينا أن نأخذ من الحسين (ع) هذا الخط الّذي يحمل فيه كل إنسان حالة الرفض العملي لكل المخططات الّتي تريد أن تذلّه، فالمهم أن يتحرك كل منّا، أمّا متى يصل إلى الهدف فهذا يخضع للأوضاع...

السعادة في انسجام الحياة مع المبادئ

هناك من الناس من يفكّر بالحسين وكأنّه كان يائساً من الحياة، وهذا ما يفهم من كلمة: «
لا أرى الموتَ إلا سعادةً والحياةَ مع الظالمينَ إلاّ برماً » ، (1).

الحسين (ع) علّمنا من خلال سيرة حياته أنّه هادئ، ويفكر بالحساب، ولا يعيش التأزم. ولقد حدد الإمام السعادة استناداً إلى فهمنا للحياة والإيمان، فقال: إن السعادة انسجام الحياة مع المبادئ، والراحة أن يكون الناس الذين تعيش معهم منسجمين مع خطّك، الإنسان الّذي يعيش بعيداً عن مبادئه تكون حياته شقاءً، لهذا كانت قضية الحسين (ع) خطّاً، وليست حالة نفسية.

لنتساءل في كل موسم من مواسم عاشوراء، وفي كل الأوقات: لماذا كانت جراحات الحسين وآلامه؟ إذا أردتم أن تشاركوا الحسين بعض جراحه، فإنّ مشاركة الحسين (ع) هي بالوقوف مع الحقّ ضد الباطل.

الساحة جاهزة، والمعركة طويلة، معركة الحق ضد الباطل، معركة العدل ضد الظلم.

الحسين كان مرحلة تشير إلى بقية المراحل، يريدنا الحسين أن نكون في مستوى مرحلتنا. الجواب ليس بالهتافات، وإنما بالعمل نحو الهدف .


source : tebyan
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

نصائح لمعالجة الغرور عند الشباب
العمل والانتاج في الإسلام
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل قدري في المشيئة
آداب تزيد في الرزق
الظلم ممارسةً وتَحَمُّلاً ودولةً لها أركان
أنواع التجلي الاِلَهي
شهر رمضان المبارك شهر ضيافة الله ومغفرته ورحمته
الزهراء عليها السلام والولاية التكوينية
نماذج من روايات التحريف في كتب الشيعة
الإيمان بالقدر

 
user comment