بسم الله الرحمن الرحيم لا يخلو تعالى جده أن يكون مريدا لنفسه أو بإرادة و لا يجوز أن يكون مريدا لنفسه لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح و قد دل الدليل على أنه لا يريد القبيح و لا يفعله. و لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة لأنها لا تخلو من أن تكون موجودة أو معدومة و لا يجوز أن تكون معدومة لأن المعدوم ليس بشيء و لا يوجب لغيره حكما. و إن كانت موجودة لم تخل من أن تكون قديمة أو محدثة فإن كانت قديمة وجب تماثلها للقديم تعالى و كذلك السوادان و البياضان فيجب تماثل القديمين كذلك. و أيضا فلو كان مريدا بإرادة قديمة لوجب قدم المرادات بأدلة قد ذكرت في مواضعها. فلم يبق إلا أن يكون تعالى مريدا بإرادة محدثة و هذا باطل من حيث كانت الإرادة عند مثبتيها عرض و الأعراض لا تقوم بأنفسها و لا بد لها من محال و لم تخل محل هذه من أن يكون هو أو غيره و محال كونه تعالى محل شيء من الأعراض لقدمه.
الإرادة ص : 8
و لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة محدثة تحل في غيره لوجوب رجوع حكمها إلى المحل و لا يصح أن يكون حكمها راجعا إلى محلها و يكون تعالى مريدا بها و وجودها لا في محل غير معقول و إثبات ما ليس بمعقول يؤدي إلى الجهالات فثبت أنه مريد مجازا لا حقيقة فتأمل ذلك. تمت المسألة و الحمد لله وحده و صلواته على سيدنا محمد و آله الطاهرين علقها العبد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن الحسين بن العودي الأسدي الحلي تكملة قال الكراجكي رضوان الله تعالى عليه في كنز الفوائد بيان صفات المجاز فأما الذي يوصف الله تعالى به و مرادنا غير حقيقة الوصف في نفسه فهو كثير فمنه مريد و كاره و غضبان و راض و محب و مبغض و سميع و بصير و راء و مدرك فهذه صفات لا تدل العقول على وجوب صفته بها و إنما نحن متبعون للسمع الوارد بها و لم يرد السمع إلا على اللغة و اتساعاتها و المراد بكل صفة منها معنى غير حقيقتها
القول في المريد
اعلم أن المريد في الحقيقة و المعقول هو القاصد إلى أحد الضدين اللذين خطرا بباله الموجب له بقصده و إيثاره دون غيره. و هذا من صفات المخلوقين التي تستحيل أن يوصف في الحقيقة بها
الإرادة ص : 9
رب العالمين إذ كان سبحانه لا يعترضه الخواطر و لا يفتقر إلى أدنى روية و فكر إذ كان هذا على ما بيناه فإنما معنى قولنا إن الله تعالى مريد لأفعاله أنها وقعت و هو عالم بها غير ساه عنها و إنما لم يقع عن سبب موجب من غيره لها لأنا وجدنا القاصد منا للشيء الذي هو عالم به غير ساه عنه و لا هو موجودا لمسبب وجب من غيره مريدا له فصح إذا أردنا أن نخبر بأن الله تعالى يفعل لا عن سهو و لا غفلة و لا بإيجاب من غيره أن نقول هو مريد لفعله و يكون هذا الوصف استعارة لأن حقيقته كما ذكرناه لا يكون إلا في المحدث. دليل و الذي يدل على صحة قولنا في وصف الله تعالى بالإرادة أنه سبحانه لو كان مريدا في الحقيقة لم يخل الأمر من حالين إما أن يكون مريدا لنفسه أو مريدا بإرادة فلو كان مريدا لنفسه لوجب أن يكون مريدا للحسن و القبيح كما أنه لو كان عالما لنفسه كان عالما بالحسن و القبيح و إرادة القبيح لا تجوز على الله سبحانه. و الكلام في هذا يأتي محررا على المجبرة في خلق الأفعال. فإذا ثبت أن الله عز و جل لا يجوز أن يريد المقبحات علم أنه غير مريد لنفسه. و إن كان مريدا بإرادة لم تخل الإرادة من حالين إما أن تكون قديمة أو حادثة و يستحيل أن تكون قديمة بما بيناه من أنه لا قديم سواه عز و جل. و الكلام على المجبرة في هذا داخل في باب نفى الصفات التي ادعت المجبرة أنه قديمة مع الله تعالى.
الإرادة ص : 10
و أيضا فلو كان الله سبحانه مريدا فيما لم يزل إما لنفسه و إما بإرادة قديمة معه لوجب أن يكون مراده معه فيما لم يزل لأنه لا مانع له مما أراده و لا حائل بينه و بينه و لكان ما يوجده من الأفعال لا تختلف أوقاته و لا يتأخر بعضه عن بعض لأن الإرادة حاصلة موجدة في كل وقت و هذا كله موضح أنه عز و جل ليس بمريد فيما لم يزل لا لنفسه و لا لإرادة قديمة معه. و إذا بطل هذا لم يبق إلا أن يكون مريدا بعد أن لم يكن مريدا بإرادة محدثة و هذا أيضا يستحيل لأن الإرادة لا تكون إلا عرضا و العرض يفتقر إلى محل و الله تعالى غير محل للأعراض و لا يجوز أن تكون إرادته حالة في غيره كما لا يجوز أن يكون عالما بعلم يحل في غيره و قادرا بقدرة تحل في غيره. و لا يجوز أيضا أن تكون لا فيه و لا في غيره لأنه عرض و العرض يفتقر إلى محل يحملها و يصح بوجوده وجودها. و لو جاز أن توجد إرادة لا في مريد بها و لا في غيره لجاز أن توجد حركة لا في متحرك بها و لا في غيره. فإن قيل إن الحركة هيئة للجسم و ليس يجوز أن تكون هيئة غير حالة فيه قلنا و لم لا يجوز ذلك. فإن قيل لأن تغير هيئة الجسم مدرك بالحاسة فوجب أن يكون المعنى الذي يتغير به حالا فيه قلنا و كذلك المريد للشيء بعد أن لم يكن مريدا له قد يتغير عليه حس نفسه فوجب أن تكون إرادته تحله. فإن قيل بأي شيء من الحواس تحس الإرادة قلنا و بأي شيء من الحواس يحس الصداع.
الإرادة ص : 11
فإن قيل إن الإنسان يدرك ألم الصداع في موضعه ضرورة قلنا فلم نركم أشرتم إلى حاسة بعينها أدركه بها. و لنا أن نقول و كذلك المريد في الحقيقة يعلم بتغير حسه و يدرك ذلك من نفسه ضرورة