انه قد أمر الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام بقراءة سورة تامة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الفريضة، و حكموا بجواز تقسيم سورة تامة أو أكثر في صلاة الآيات، على تفصيل مذكور في موضعه.
و من البيّن أن هذه الأحكام إنما ثبتت في أصل الشريعة بتشريع الصلاة و ليس للتقية فيها أثر، و على ذلك فاللازم على القائلين بالتحريف أن لا يأتوا بما يحتمل فيه التحريف من السور، لأن الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية. و قد يدعي القائل بالتحريف أنه غير متمكن من إحراز السورة التامة، فلا تجب عليه، لأن الأحكام إنما تتوجه إلى المتمكنين، و هذه الدعوى إنما تكون مسلمة إذا احتمل وقوع التحريف في جميع السور.
أما إذا كان هناك سورة لا يحتمل فيها ذلك كسورة التوحيد، فاللازم عليه أن لا يقرأ غيرها، و لا يمكن للخصم أن يجعل ترخيص الأئمة عليهم السّلام للمصلي بقراءة آية سورة شاء دليلا على الاكتفاء بما يختاره من السور، و إن لم يجز الاكتفاء بها قبل هذا الترخيص بسبب التحريف، فإن هذا الترخيص من الأئمة عليهم السّلام بنفسه دليل على عدم وقوع التحريف في القرآن و إلا لكان مستلزما لتفويت الصلاة الواجبة على المكلف بدون سبب موجب، فإن من البيّن أن الإلزام بقراءة السور التي يقع فيها تحريف
البيان في تفسير القرآن، ص: 215
ليس فيه مخالفة للتقية، و نرى أنهم عليهم السّلام أمرونا بقراءة سورة «القدر و التوحيد» في كل صلاة استحبابا، فأي مانع من الإلزام بهما، أو بغيرهما مما لا يحتمل وقوع التحريف فيه.
اللهم إلا أن يدعي نسخ وجوب قراءة السورة التامة إلى وجوب قراءة سورة تامة من القرآن الموجود، و لا أظن القائل بالتحريف يلتزم بذلك، لأن النسخ لم يقع بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قطعا، و ان كان في إمكانه و امتناعه كلام بين العلماء، و هذا خارج عما نحن بصدده.
و جملة القول انه لا ريب في أمر أهل البيت عليهم السّلام بقراءة سورة من القرآن الذي بين أيدينا في الصلاة، و هذا الحكم الثابت من دون ريب و لا شائبة تقية إما أن يكون هو نفس الحكم الثابت في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إما أن يكون غيره، و هذا الأخير باطل لأنه من النسخ الذي لا ريب في عدم وقوعه بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إن كان أمرا ممكنا في نفسه، فلا بد و أن يكون ذلك هو الحكم الثابت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معنى ذلك عدم التحريف. و هذا الاستدلال يجري في كل حكم شرعي، رتبه أهل البيت عليهم السّلام على قراءة سورة كاملة، أو آية تامة.
البيان في تفسير القرآن، للخویی ره ص: 215
source : دارالعرفان