في معركة كربلاء صور رائعة من المواقف البطولية لآل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) ، تجسدت في أعلى قيم الإنسانية ، ومحاربة الظلم والدفاع عن عدالة السماء في الأرض .
ومن أولئك الأبطال العباس بن علي بن أبي طالب ، شقيق الإمام الحسين (عليهما السلام) من أبيه.
حيث أن أم العباس هي غير فاطمة بنت محمد النبي ، فأمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة الكلابية ، وقد شارك مع العباس في المعركة أخوته - من أمه وأبيه - ، عثمان وجعفر وعبد الله وعون ، وكلهم أبناء الإمام علي (عليه السلام) .
لقد أبدى العباس (عليه السلام) - في واقعة كربلاء المذهلة - دفاعا لامثيل له ، وشجاعة روعت جحافل الجيش ، وحار بها أعظم الفرسان من الجانبين ، فالبطولة التي أبداها بطولة لاتضاهى ، صحيح أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان قائد الجيش ، وهو صاحب الأمر, ألا أن سير صفحات المعركة كان يشير إلى وجود بطل آخر لايشق له غبار ، ولا يثنيه أحد من الفرسان ، بل خطف اعجاب الدنيا بمواقفه .
فهو ذلك الرجل الذي أعطى للإخوة معنىً إنسانياً في غاية القدسية ، وشرف الإنتماء للأب الواحد .
ومنذ 1371 مضت على تأريخ معركة الطف في كربلاء ، احتل العباس مكانة خاصة في تقاليد وأعراف وعقائد العراقيين بصورة خاصة ، بل وأثر في ثقافتهم بشكل عام ، فهو نظراً لقابليته الملهمة بفضل قوة شخصيته في المعركة صار شخصية (كارزمية) - (charisma) - ، فاحتل العقول وشغل النفوس واقترب من (الأسطورة) - (myth) .
وكان للعباس وقعاً خاصاً وتأثيراً (دراميا) - (dramatic) - ، كبيراً في الحدث الجلل ، نظراً لدوره الملفت عند المؤرخين والكتاب ، حسب تسلسل أحداث المعركة ، ومن تلك الأدوار التي لعبها ، أطلقت عليه عناوين ومسميات ونعوت عديدة صيرته (نموذج بطولي خارق) فهو:-
ساقي عطاشى كربلاء :
لأنه استطاع أن يخترق الحصار المضروب عليه ، وعلى أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) ، من قبل الجيوش المهاجمة ، حتى وصل الى نهر الفرات ليجلب الماء للأطفال والنساء ، وقد أبى أن يروي ظمأه من الماء , بل عمد الى قربته فملأها منه ، ثم رجع ليسقي بها نساء الحسين وأطفاله .
العباس رأسه حاراً (أبو راس الحار) :
وُصِفَ العباس بهذه الصفة نظراً لغضبه على جنود الجيش المهاجم , ويقصدون بذلك أن العباس (عليه السلام) كان شديد الغضب ، يصيب (بشارته) - أي بكرامته - في الحال .
وأول ماأطلقت هذه المفردة من قبل سكان المنطقة الرسوبية من العراق ، لتمتد بعد ذلك في جميع أنحاءه ، ونظرا لهذه السمة الخاصة صار أهل العراق يَقْسِمون بالعباس (عليه السلام) لأن (شارته) باليد - أي في الحال - ، أكثر مما يقسمون بأحد من آل بيت النبوة (عليهم جميعا سلام الله ) .
خطة العباس :
وهو تعبير عن وضع خطة معينة ، تنال من القدسية بما يجعلها تحقق أهدافها المرجوة .
راية العباس :
احتلت هذه الصفة مكانة عظيمة لدى العراقيين ، وهي متأتية من شرف حمل راية المعركة في كربلاء من قبل العباس (عليه السلام) ، وهو يذود بنفسه عن أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) ، ضد الجيش الأموي ، واتخذت تلك الصفة رمزاً لرايات الكثير من العشائر العراقية , لاسيما أثناء عقد (الفصول) ، لفض النزاعات بين القبائل المتنازعة ، وعادة ماتكون هذه الراية بيضاء اللون ، لتدل على السلام والصلح والتآخي ، وعندما تعقد (الراية) - أي تُشَدُ من أحد أطرافها - فإن كل شيء ينتهي ، وإذا ما أخلّ طرف في العهد , فإنه سوف لن ينجوا من (ضربة العباس) .
خبز العباس :
وهو تقليد اجتماعي كثيرا ما تمارسه أُمهاتنا داخل البيوت , لأداء نذر ، أو تحقيق أمنية معينة .
- شاي العباس - جاي العباس ـ
وهو على نفس الطريقة ، ألا أنه أحيانا يُصنع ويهيأ أثناء طقوس عاشوراء ، ويوزع للزائرين أو أصحاب المواكب .
لقد صار العباس نظراً لتلك المواقف المشهودة والمشرفة في معركة كربلاء ، ظاهرة أثرت كثيرا في ثقافة العراقيين من المسلمين وغيرهم .
---------------------------------
مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي
source : alhassanain