العلماء ورثة أهل البيت
وباختصار فان معرفة أهل البيت (عليهم السلام) تجعل الموالين يفتشون عن القيادة الصحيحة التي تسير في نهج أهل البيت (عليهم السلام)، وبالتالي فانها ستؤدي الى تمحور الامة حول قياداتها الدينية ومراجعها الذين صانوا خط أهل البيت ومنهاجهم، وساروا على سيرتهم شريطة ان يكونوا اولئك العلماء الذين حدد الائمة (عليهم السلام) خصائصهم، كما جاء في الحديث المعروف عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) : من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه .([7])
وكما ان الائمة أكدوا على اهمية علماء الامة وفقهائها، وضرورة الرجوع اليهم، كما هو واضح من النص السابق؛ فكذلك الحال بالنسبة الى القرآن الكريم فقد أشار الى منزلة العلماء الرفيعة، ودورهم الكبير في ارشاد الناس وهدايتهم وتعرفهم بدينهم وشرائعهم. ومن ذلك قوله عز من قائل: « فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ » (عبس/13-16). فحياة وسلوك هؤلاء السفرة الكرام، بل وحتى ملامح وجوههم النيرة، تشم منها رائحة أهل البيت (عليهم السلام)، وتجسد الجانب الاعظم من سيرتهم واخلاقهم.
صحيح اننا لم نرى أهل البيت (عليهم السلام)، ولكننا نظرنا الى العلماء، وما يتميزون به من الهيبة، ثم ما نلمسه من سيرتهم وسلوكهم وتعاملهم مع الناس وورعهم وتقواهم... وكل ذلك يشعرنا ان هؤلاء السفراء الكرام، انما هم اشعة من ذلك النور البهي، وومضات من ذلك الضياء الساطع؛ ضياء أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام).
ولقد لمسنا خلال اتصالنا بعلمائنا وفقهائنا ومجتهدينا على مر السنين الطوال، فوجدناهم هم مثالاً لكل خلق سام رفيع، وانموذجاً للورع والتقوى، وقمماً شامخة في العلم والاجتهاد. والحمد لله فان مسيرة تقليد وانتخاب المراجع لم تتأثر او تتوقف في يوم من الايام، فلم يكن هناك فراغ او خلل في مسألة الرجوع والتقليد لدى الشيعة على مر العصور، منذ ان بدأت الغيبة الكبرى ولحد الان، رغم الضغوط وانواع القمع والاضطهاد الذي لاقوه طيلة عهود حكام الجور والظلم الذين ناصبوا العداء، وورثوه ممن سبقهم لأهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم وشيعتهم. فلقد استمر هذا النهج الناصع، والخط الاصيل ولم يؤثر على استمراريته، كل ذلك الظلم التاريخي الذي تعرضنا ومانزال نتعرض له.
وبناء على ذلك، فلا شيء يخشاه الموالي لأهل البيت على نفسه عندما يختار قيادته ومرجعه بمحض ارادته. فما يبعث الشجاعة، ويثير فيه روح المقاومة والصمود امام الظلم النازل به وباخوته، هو الشجاعة والصمود والثبات والاستقامة على الطريق والمنهج لدى هؤلاء القادة والمراجع الذين يختارهم. فبثباتهم واستقامتهم يقاومون الوان الظلم والانحراف، وكل الافكار والمناهج المتسللة الينا، والدخيلة على افكارنا، ومناهجنا الاصيلة، وذلك من خلال بيانهم لاحكام الدين. واذا ما اقتضى الأمر فانهم يحملون السيف في وجه الانظمة الفاسدة لمجاهدة حكام الجور والظلم، وهم مطمئنون الى ان الله سبحانه ناصرهم، ومسدّد خطاهم.
وعلى هذا فان مردود حب أهل البيت (عليهم السلام) لايقتصر على مجرد الحب في القلب وحسب، وانما له آثار مباركة، منها معرفة الدين. فهذه المعرفة هي بركة من بركات حب أهل البيت واتباعهم وموالاتهم.
source : sibtayn