يرجى الانتظار

في ذكرى المولد الأغر للإمام الصادق عليه السّلام

  • تاريخ النشر:   2016-12-11 19:54:26
  • عدد الزيارات:   621

وقد أُثِر عن النبيّ المعظَّم صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه كان قد قال: إذا وُلد ابني جعفرُ بنُ محمد بنِ عليِّ بنِ الحسين بن علي بن أبي طالبٍ فسَمُّوه « الصادق ».
ثمّ لم يكنْ صادقاً وحسْب، بل لُقِّب فيما بعدُ بـ « الفاضل »، و « الطاهر »، و « الكامل »، و « المنجي ».. وكم أنجى هذه الأمّةَ من ضلالاتها وضُلاّلها بهُداه، ومن جهالاتِها وجُهّالها بعلومه السامقة، ومِن مفاسدِها ومفسديها بوصاياه المرشِدة!
وكان يُلقَّب بـ « القائم ».. نعم، فقد كان القائمَ على دين الله « جَلّ وعَلا »، مطبّقاً لشرائعهِ، محامياً على حرُماتهِ، منافحاً عن أصولهِ وفروعه، رافعاً عن العقول كلَّ غفلةٍ أو شبهةٍ حول حِكَمهِ وأحكامه. وبذلك أحيى الإمام الصادقُ سلامُ الله عليه دينَ جدّهِ رسولِ الحقّ صلّى الله عليه وآله بأنْ نشر معارفَه، وردَّ أراجيفَ المُرجِفين، وشكوك المظلّلين والواهمين والمُغرِضين.
حتّى رُوي أنّه عليه السّلام كان يجلس للعامّةِ والخاصّة، ويأتيه الناسُ من الأقطار يسألونه عن الحلال والحرام، وعن تأويل القرآن وفصْلِ الخِطاب.. فلا يخرجُ أحدٌ منهم إلاّ راضياً بالجواب. وقد أقرّ ببعضِ ذلك أهلُ الخلافِ عليه، فذاك ابن أبي العوجاء يقول: ولقد سمع جعفرُ بنُ محمّدٍ كلامَنا أكثرَ ممّا سمعت، فما أفحشَ في خطابنا، ولا تعدّى في جوابنا، وإنّه الحليمُ الرزين، العاقلُ الرصين، لا يعتريه خرْق، ولا طيشٌ ولا نزْق، يسمع كلامنا ويُصغي إلينا، ويتعرّف حجّتَنا، حتّى إذا استفرَغْنا ما عندنا، وظننّا أنّا قد قطعناه.. دحض حجّتَنا بكلامٍ يسير، وخطابٍ قصير، يُلزِمُنا به الحُجّة، ويقطع العُذْر، فلا نستطيع لجوابه ردّا.
وذُكر عن بعض العلماءِ المخالفينَ له أنّهم كانوا من تلامذته، وكان بعضُهم مِن خدمتهِ وأتْباعهِ والآخذين عنه والمتعلّمين المتأدّبينَ على يديه.. وكان منهم: أبو حنيفة النعمانُ بنُ ثابت الذي سُئل عن أفقه الناس أو أفقهِ من رأى، فقال: جعفر بنُ محمّد، وقال: لولا السنتان، لَهلكَ النعمان.. مشيراً إلى السنتين اللّتين تتلمذَ فيهما على يَدَي أبي عبدالله الصادق عليه السّلام.

* * *

وأبو حنيفة هذا نفسه يقول ـ كما سمع ونقل عنه الحسن بن زياد ـ: لمّا أقدم المنصورُ جعفرَ بنَ محمّدٍ بعثَ إليّ فقال: يا أبا حنيفة! إنّ الناس قد فُتِنُوا بجعفرِ بنِ محمّد، فهيّئْ له من مسائلكَ الشِّداد. يقول أبو حنيفة: فهيّأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إليَّ أبو جعفر [ المنصور ] وهو بالحيرة فأتيتُه فدخلتُ عليه، وجعفر جالس عن يمينه، فلمّا بصرتُ به دخلني من الهيبة لجعفر، ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلّمتُ عليه فأومأ إليّ، فجلستُ ثمّ التفَتَ إليه المنصور فقال: يا أبا عبدالله، هذا أبو حنيفة، قال: نعم، أعرفه. ثمّ التفت إليّ فقال: يا أبا حنيفة! ألقِ على أبي عبدالله من مسائلك.
قال أبو حنيفة: فجعلت أُلقي عليه فيجيبني فيقول: أنتم [ أي أهلُ العراق ] تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا.. فربّما تابعناكم وربّما تابعناهم، وربّما خالفنا جميعاً. قال: حتّى أتيتُ على الأربعينَ مسألةً فما أخلّ منها بشيء. ثمّ قال أبو حنيفة: أليس أنّ أعلمَ الناس أعلمُهم باختلاف الناس ؟!
وأمّا الشبلنجيُّ الشافعيّ فيقول في كتابه الشهير ( نورُ الأبصار ) فيما يبيّنه من أحوال الإمام الصادق عليه السّلام:
ـ ومناقبُه كثيرة.. تكاد تفوتُ عَدَّ الحاسب، ويَحارُ في أنواعِها فهْمُ اليقِظِ الكاتب. روى عنه جماعةٌ مِن أعيان الأئمّة وأعلامِهم، كـ: يحيى بنِ سعيد، وابن جَريح، ومالكِ بنِ أنس، والثوريّ، وابنِ عُيَينة، وأبي حنيفة، وأيّوبِ السجستانيّ، وغيرهم. قال أبو حاتم [ وهو رجاليّ ]: جعفر بن محمّدٍ ثقةٌ لا يُسأل عن مِثْله. وقال ابن قتيبةَ في كتاب ( أدب الكاتب ): وكتابُ الجَفْر.. كتبه الإمام جعفرُ الصادقُ بنُ محمدٍ الباقر، فيه كلّ ما يحتاجون إلى علمه إلى يوم القيامة، وإلى هذا الجفر أشار الشاعر أبو العلاءِ المعرّيّ بقوله:
لقد عجـِبُوا لآل البـيتِ لمّا         أتاهم علمُهم في جلْدِ جَفْرِ
ومرآةُ المُنجِّمِ وهْي صُغرى         تُريـهم كلَّ عامرةٍ وقَفْرِ!

* * *

• وأخيراً.. أيُّها الإخوةُ الأحبّة! تعالَوا نمتّع قلوبنا وعقولَنا وأرواحَنا بشيءٍ يسير من وصايا أبي عبدالله جعفر بنِ محمّدٍ الصادق عليه السّلام حيث يقول لأحدِ أصحابه:
ـ واعلمْ أنّه لا ورعَ أنفعُ من تجنّبِ محارمِ الله، والكفِّ عن أَذى المؤمنينَ واغتيابِهم، ولا عيشَ أهنأُ مِن حُسنِ الخُلق، ولا مالَ أنفعُ من القنوعِ باليسير المُجْزي، ولا جهلَ أضرُّ من العُجْب. وقال لآخر:
ـ أُوصيك بتقوى الله وصدقِ الحديثِ وأداءِ الأمانة وحسنِ الصحابة لمَن صحِبَك.. وإذا كان قبلَ طلوع الشمسِ وقبل الغروب فعليكَ بالدعاء.
• وفي إحدى وصاياه يقول: واقنعْ بما قسمه اللهُ لك.. ولا تتمنَّ ما لستَ تناله، فإنّ مَن قنَع شبِع، ومَن لم يقنعْ لم يشبع، وخذ حظّكَ مِن آخرتك، ولا تكنْ بطِراً في الغِنى، ولا جزِعاً في الفقر، ولا تكنْ فظّاً غليظاً يكره الناسُ قُربَك، ولا تكن واهناً يحقّرُك مَن عرفك، ولا تَشارَّ مَن فوقك، ولا تسخرْ بمَن هو دونك، ولا تنازعِ الأمرَ أهلَه، ولا تُطعِ السفهاء، ولا تكنْ مَهيناً تحت كلِّ أحد، ولا تتّكلنَّ على كفاية أحد، وقفْ عند كلِّ أمرٍ حتّى تعرفَ مدخلَه مِن مَخرجِه، قبل أن تقعَ فيه فتندم..
• وأرشد أحدَهم فقال له: أقِلَّ النومَ باللّيلِ والكلامَ بالنهار، فما في الجسد شيءٌ أقلُّ شكراً من العينِ واللّسان.
ولا يقف الواقفُ على كلمات الإمام الصادق عليه السّلام، إلاّ ويرى ثروةً غنيّةً هائلة من المعارف الآخذةِ بالعقول إلى آفاق الهداية، وبالقلوب إلى رحاب التقوى والعبادة.. فهي تُوصل إلى كلّ خير، وتجنّب مِن كلّ شرّ، فهنيئاً للمُغترفِ مِن مناهله العذبةِ الصافية، المتّصلة بمنبع جدّه المصطفى رسول الهدى صلّى الله عليه وآله.

المصدر :
العلامات :
آراء المستخدمين (0)
إرسال الرأي