
عبيد الدنيا
- تاريخ النشر: 2017-02-12 18:28:54
- عدد الزيارات: 795
روي عن أحد الائمة عليهم السلام انه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إن الله عز وجل كتم ثلاثة في ثلاثة: كتم رضاه في طاعته، حتى لايستصغر أحد اًشيئاً من الطاعات، فلعل فيه رضاه. وكتم سخطه في معصيته، حتى لايستصغر أحد سيئة، فلعل فيها سخطه. وكتم وليه في خلقه، فلا يستخفن أحدكم أخاه، فإنه لايدريلعله ولي لله »(1).
وأيضاً أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، ليحافظ الإنسان على،الصلوات الخمس فيحصل الوسطى، وأخفى ليلة القدر في ليالي رمضان ليحافظ الرجل على ليالي رمضان، فيحصل له ليلة القدر، وأخفى ساعة الإجابة في الليل والنهار، ليحافظ على، الدعاء في الليل والنهار.
ومن كلامه صلى الله عليه واله: «من سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن».
لاخير في العيش إلاّ لرجلين: عالم مطاع، ومستمع واع.
وكفى بالقناعة غنى، وبالعبادة شغلاً.
لا تنظروا إلى صغير الذنب، ولكن انظروا إلى من اجترأتم عليه.
وقال عليه السلام: آفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادةالفترة، وآفة الظرف الصلف.
لاحسب إلا بتواضع، ولاكرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ولا عبادة إلابيقين.
إن العاقل من أطاع الله وإن كان ذميم المنظر حقير الخطر، وإن الجاهل من عصى الله وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر.
أفضل الناس أعقل الناس، إن الله تعالى قسم العقل ثلاثة أجزاء، فمن كانت فيه كمل عقله، ومن لم تكن فيه فلا عقل له: المعرفة بالله تعالى، وحسن الطاعة،وحسن الصبر.
إن لكل شيء آلة وعدة، وآلة المؤمن وعدته العقل، ولكل شيء مطية، ومطية المرء العقل، ولكل شيء دعامة، ودعامة الدين العقل، ولكل شيء غاية، وغايةالعبادة العقل، ولكل قوم راع، وراعي العابدين العقل، ولكل تاجر بضاعة، وبضاعةالمجتهدين العقل، ولكل خراب عمارة، وعمارة الآخرة العقل ولكل سفر فسطاط يلجأون اليه، وفسطاط المسلمين العقل.
روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال: «العقل ولادة، والعلم إفادة، ومجالسة العلماء زيادة».
وروي عنه عليه السلام أنه قال: «هبط جبريل عليه السلام على آدم صلواتالله عليه فقال له: ياآدم، اُمرت أن أخيّرك بين ثلاث، فاختر منهن واحدة ودع اثنتين.
فقال له آدم عليه السلام: وما الثلاث؟
قال: العقل، والحياء، والدين.
فقال آدم صلى الله عليه: فاني قد اخترت العقل.
فقال جبريل للحياء والدين: انصرفا، فقالا يا جبريل: انا اُمرنا أن نكون مع العقل ».(2)
روي أن طاووس اليماني قال: رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبةوهو يقول:
ألا أيهـا المأمول في كلّ حاجة *** شكوت إليك الضرّ فاسمع شكايتي
ألا يارجائي أنت كاشف كربتي *** فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
زادي قلـيـل مـا أراه مبلّغي *** أللزاد أبكي أم لبعد مسافـتـــي
أتيت بأعمال قـبــاح رديـّة *** فما في الورى خلق جنى كجنايتي
أتحرقني في النار ياغاية المنى *** فأين رجائي منك أين مـخــافتي
قال فتأملته فإذا هوعلي بن الحسين عليه السلام فقلت : يا ابن رسول الله، ما هذا الجزعوأنت ابن رسول الله! ولك أربع خصال: رحمة الله، وشفاعة جدك رسول الله، وأنتابنه، وأنت طفل صغير (لايخفى تعارض هذه القطعة من الحديث، وما يأتي من قوله عليه السلام: « وأنما كوني طفلاً» مع ماتقدم في بدايته من قول طاووس اليماني: «رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة»، كما أن المشهورفي هذه الواقعة التأريخية ان طاووس قال: رايت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي فيدعائه، فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسين عليه السلام فقلت له يا أبن رسول الله رأيتك على حاله كذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك الخوف،
أحدها: أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله
والثاني شفاعةجدك،
والثالث: رحمة الله، فقال: يا طاووس أمّا اني ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يؤمنني وقد سمعتالله تعالى يقول: «فلا أنساب بينهم يومئذ» وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول: «ولايشفعون إلا لمن ارتضى» وامّا رحمة الله فإن الله تعالى يقول انها قريبة من المحسنين، ولا علم اني محسن، اُنظر «كشف الغمة2 : 108، وعنه في البحار 46 : 101 / 89»).
فقال له: «يا طاووس، إنني نظرت في كتاب الله فلم أرلي من ذلك شيئاً فإنالله تعالى يقول: (ولايشفعون إلالمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)(3) وأما كوني ابنرسول الله، فإن الله تعالى يقول: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون،فن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فاولئك الذيرت خسروا أنفسهم فيجهنم خالدون)(4) وأما كوني طفلاً، فإني رأيت الحطب الكبارلايشتعل إلا بالصغار» ثمبكى عليه السلام حتى غشي عليه (5).
خبر اخر في العقل، وهو المشتهر بين الخاصة والعامة، من أن أول شيء خلق اللهتعالى العقل، فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي، ماخلقتك خلقاً أحب الي منك، بك اُعطي وبك أمنع، وبك اُثيب وبك اُعاقب،وعزتي وجلالي، ما أكملتك إلاّ فيمن أحببت.
في ذم الدنيا
قال رسول الله صلى الله عليه واله: «من أحب دنياه أضرّ بآخرته ».
وقال أمير المؤمنين صلّى الله عليه وآله: «الدنيا دول، فاطلب حظك منهابأجمل الطلب ».
وقال عليه السلام: «من أمن الزمان خانه، ومن غالبه أهانه ».
وقال: «الدهر يومان: يوم لك، ويوم عليك، فإن كان لك فلاَ تبطر، وإنكان عليك فاصبر، فكلاهما عنك سينحسر».(6)
لبعض الشعراء:
وإن امرءاً دنياه أكبر همّه * لمستمسك منها بحبل غرور
وقال بعضهم: إياك والاغترار بالدنيا والركون إليها، فإن أمانيها كاذبة ومالهاخائبة، وعيشها نكد وصفوها كدر، وأنت منهاعلى خطر، اما نعمة زائلة واما بلية نازلة،واما مصيبة موجعة واما منية مفجعة.
وقال اخر: صاحب الدنيا في حرب، يكابد الأهوال لتنقدع (7)، والجهالة لتنقمع، والأدواء لتندفع، والآمال لتنال، والمكروه ليزال، وبعض ذلك عن بعضشاغل، والمشتغل عنه ضائع، فلما رأى الحكماء أنه لاسبيل إلى إحكام ذلك، تركوا مايفنى ليحرزوا ما يبقى.
الأمل
روي ان الله تعالى قال: يابن آدم، في كل يوم تؤتى رزقك وأنت تحزن،وعمرك ينقص وأنت لاتحزن، تطلب ما يطغيك، وعندك ما يكفيك.
وقال رسول الله صلى الله عليه واله: «من كان يأمل أن يعيش غداً، فإنه يأمل أن يعيش أبداً».(8)
وقال بعضهم: الآمال لاتنتهي، والحي لايكتفي.
وقيل: ما أطاع عبد أمله، إلاّ قصرعمله.
وقال اخر: لايلهك الأمل الطويل عن الأجل القصير.
وقال اخر: من جرى في عنان أمله عثر بأجله.
وقال اخر: إنك إن أدركت أملك قرّبك من أجلك، وإذا أدركك أجلك لمتبلغ أملك.
ابن الرومي:
خمسون عاماً كنت أمّلتها * كانت أمامي ثم خلفتهـا
كـنــز حياة لي أنفقته * على تصاريف تصرفتها
لو كان عمري مئة هدّني * يذكرني اني تنصفتـهـا
الموت
روي أنه كان في التوراة مكتوباً: يا ابن آدم، أنت لاتشتهي تموت حتى تتوب، وأنت لاتتوب حتى تموت.
وقال أمير المؤمنين صلى الله عليه: «من أكثر ذكرالموت رضي من الدنيا باليسير».
وقال بعضهم: لو رأيتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره، وأنشد : (9)
نُراعُ لذكر الموت ساعة ذكره * وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب
وقيل: إن أمراً اخره الموت لحقيق أن يخاف مابعده.
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام سمع إنساناً يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال: «قولنا: إنا لله إقراراً له منا بالملك، وقولنا: إنا إليه راجعون إقراراً علىأنفسنا بالهلك ».
وقيل: من عجائب الدنيا أنك تبكي على، من تدفنه، وتترك التراب علىوجه من تكرمه.
وقال ابو نؤاس:
غـــرّ جـهـولاً أمله *** يموت من جا أجــلــه
ومن دنـــا مـن يومه *** لم تغن عنه حـيـلـــه
وكـيف يبقـى آخــر *** قــد غــاب عنه أولـه
لا يصـحب الانسان من * دنـيـــاه إلا عمـله
أبو ذؤيب:
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع
غيره:
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها * فقد حذّرتناها لعمري خطوبها
ومانحسب الساعات تقطع مدة * على انها فينا سريع دبيبها
كأني برهطي يحملون جنازتي * إلى حفرة يحثى عليَّ كثيبها
وباكية حرى تنوح وإنني * على غفلة عن صوتها لا اُجيبها
أيا هادم اللذات ما منك مهرب * تحاذر نفسي منك ماسيصيبها
رأيت المنايا قسمت بين أنفس * ونفسي سيأتي بعد ذاك نصيبها
لأبي إسحاق الصابي من قطعة كتبها إلى الشريف الرضي أبي الحسن الموسوي:
وإني على عيث الردى في جوانبي * وماكف من خطوىوبطش بناني
وإن لم يدع إلافؤاداً مروعا * به غُبر باق من الخفقان
تلوم تحت الحجب ينفث حكمة * إلى اُذن تصغي لنطق لساني
لأعلم أني ميت عاق دفنه * ذماء قليل في غد هو فاني
وان فما للأرض غرثان حائماً * يراصد من أكلي حضور اؤان
به شرهُ عم الورى بفجائع * تركن فلاناً ثاكلاً لفلان
غدا فاغراً يشكو الطوى وهو راتع * فماتلتقي يوماً له شفتان
وكيف وحدّ الفوت منه فناؤنا * وما دون ذاك الحدِ رَدّ عنان
إذاغاضنا بالنسل ممن نعوله * تلا أولاً منه بمهلك ثاني
إلى ذات يوم لاترى الأرض وارثاً * سوى الله من انس براه وجان
لغيره:
فكم من صحيح بات للموت آمنا * أتته المنايا رقدة بعدما هجع
فلم يستطع اذجاءه الموت بغتةً * فراراً ولامنه بحيلته انتفع
فأصبح تبكيه النساء مكفّناً * ولايسمع الداعي إذا صوته ارتفع
وقُرّب من لحدٍ فصار مقيله * وفارق ماقد كان بالأمس قد جمع
المصادر :
1- كنزالفوائد: 13 باختلاف يسير.
2- كنزالفوائد: 13، .
3- الأنبياء 21: 28.
4- المؤمنون 23: 101ـ 103.
5- أخرجه المجلسي في بحار الانوار 99 : 198 / 15عن اعلام الدين.
6- تمام الفصل في كنزالفوائد: 16، وفيه (ذكر)بدل (ذم).
7- قدعت فرسي: كففته. «مجمع البحرين - قدع - 4: 376».
8- كنز الفوائد: 16 ، وفيه تمام الفضل.
9- كنز الفوائد: 16 ـ 18، وفيه تمام الفصل.
المصدر :