عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

عوامل نشأة التشبيه

عوامل نشأة التشبيه

هناک عدة عوامل دعت اخواننا السنه الی الاعتقاد بان الله عز وجل يشبه خلقه في التکوين والتصرف والانفعال وهذه المشکله تطرق لها الکثير من علماء السنه وايدها الکثير منهم وهناک عوامل کثيرة ادت الی مثل هذا النوع والطراز من الفکر نتطرق الی قسم منها : العامل الاَول : ميل العوام إلى التشبيه والتجسيم
للذهن البشري حالة ابتدائية طفولية يتصور فيها كثيراً من الاَمور تصوراً خاطئاً ، حتى إذا تعمق في الفكر والتجربة .. تصححت نظرته ! ولعل أكثر الناس يتصورون الله تعالى في طفولتهم بصور من محيطهم ، فيتخيله أحدهم كأبيه مثلاً ، أو كإنسان صاحب صفات حسنة . . . . وهذا أمر طبيعي ، بل قد يكون فطرياً ، فقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها (1)
ولكن هذه الحالة الطفولية إذا استمرت مع الاِنسان ولم تتطور ، فإنها تتحول إلى حالة عامية مستعصية ، ولذا ترى أصحابها يميلون إلى الاِعتقاد بأن الله تعالى جسم ، ويروون عنه القصص والخيالات !
وقد كانت هذه ( العامية ) سائدة في مجتمع اليهود الذي انحرف عن رسالات أنبيائه ، وكذا في مجتمع العرب الوثني ، وصارت أرضية لتقبل نظريات الرؤية والتشبيه والتجسيم من اليهود ، وترويجها بعد النبي صلى الله عليه وآله والتنظير لها ! حتى أن بعض الحنابلة والاَشعريين كابن عقيل والذهبي ادعيا أن الاِسلام دين عوامي يتبنى منهج العوامية !
قال الذهبي في سيره : قال ابن عقيل في الفنون : الاَصلح لاعتقاد العوام ظواهر الآي ، لاَنهم يأنسون بالاِثبات ، فمتى محونا ذلك من قلوبهم زالت الحشمة . قال : فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه ، لاَن التشبيه يغمسهم في الاِثبات فيخافون ويرجون ، والتنزيه يرمي بهم إلى النفي ، فلا طمع ولا مخافة في النفي . ومن تدبر الشريعة رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالاَلفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه كقول الاَعرابي : أو يضحك ربنا ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ، فلم يكفهر لقوله وتركه وما وقع له ! (2)
وقد تبنى الذهبي هذا الاِتجاه الخطير وأشاد بأهله ! وبلغ به الاَمر أنه نقل كلام أبي حاتم بن خاموش الذي كفر فيه كل المسلمين ما عدا الحنابلة ولم يعلق عليه ، قال في سيره : قال ابن طاهر : وسمعت أبا إسماعيل يقول : قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي ، ثم عزمت على الرجوع ، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري وألتقيه ، وكان مقدم أهل السنة بالري ، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري ، وقتل بها الباطنية منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم ، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده فإن رضيه أذن له في الكلام على الناس وإلا فمنعه ، قال : فلما قربت من الري كان معي رجل في الطريق من أهلها فسألني عن مذهبي فقلت : حنبلي ، فقال : مذهب ما سمعت به وهذه بدعة وأخذ بثوبي ، وقال : لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم ، فقلت خيرة ، فذهب بي إلى داره ، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم ، فقال : هذا سألته عن مذهبه ، فذكر مذهباً لم أسمع به قط . قال : وما قال ؟ فقال قال : أنا حنبلي . فقال : دعه ، فكل من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم . فقلت في نفسي : الرجل كما وصف لي ، ولزمته أياماً وانصرفت . انتهى .
وقال الناشر عما وجده في المخطوطة : ( في حاشية الاَصل بخط مغاير ما نصه : أخطأ هذا القائل قطعاً والمقول له في تصويبه ذلك وكذلك المادح له ، بل لو قيل : إن قائل هذه المقالة يكفر بها لم يبعد ، لاَنه نفى الاِسلام عن عالم عظيم من هذه الاَمة ليسوا بحنابلة ، بل هم الجمهور الاَعظم ، ولقد بالغ المصنف في هذا الكتاب في تعظيم رؤوس التجسيم ، وسياق مناقبهم ، والتغافل عن بدعهم ، بل يعدها سنة . ويهضم جانب أهل التنزيه ، ويعرض بهم أو يصرح ، ويتغافل عن محاسنهم العظيمة وآثارهم في الدين ، كما فعل في ترجمة إمام الحرمين والغزالي ، والله حسيبه ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) . انتهى .
وقد كان العوام الرعاع في كل جيل يتعصبون للقول بالتشبيه ولمن يقول به ، ويؤيدونه ضد خصومه بأساليب خشنة عدوانية ! فقد روى ابن بطوطة في رحلته ج 1 ص 90 إحدى مشاهداته فقال :( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام ، يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً .. وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعه وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل ربعة من ربع المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به ، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالاَيدي والنعال ضرباً كثيراً ، حتى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشية حرير ) انتهى .
وبقى هذا السلوك العوامي لاَصحاب الرؤية والتجسيم ، إرثاً موروثاً من قرون الاِسلام الاَولى ! بل زاد عليه الاَشعريون والمجسمة والدولة في ابتكار أساليب القمع والاِرهاب للذين يخالفونهم ، كما عرفت في موقفهم من التأويل والمتأولة ، وكما فعلوا مع الطبري المؤرخ لاَنه لم يوافقهم على أن الله تعالى يجلس على عرشه ، فيفضل منه أربع أصابع ليجلس عليها الاَنبياء إلى جنبه ! قال الحموي في معجم الاَدباء ج 9 جزء 18 ص 57 في ترجمة الطبري :
فلما قدم إلى بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي . وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة وعن حديث الجلوس على العرش . فقال أبو جعفر : أما أحمد بن حنبل فلا يعد خلافه . فقالوا له : فقد ذكره العلماء في الاِختلاف ، فقال : ما رأيته روي عنه ، ولا رأيت له أصحاباً يعول عليهم . وأما حديث الجلوس على العرش فمحال ثم أنشد :
سبحان من ليس له أنيس * ولا له في عرشه جليس
فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم ، وقيل كانت ألوفاً فقام أبوجعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتل العظيم . . . إلى آخر القصة التي سنذكرها في مكانة المجسمين في مصادر إخواننا . . . .
ـ وقال ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد
قال القاضي : صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش وهو قول أبي داود وأحمد بن أصر. . . . وعبد الله بن الاِمام أحمد . .إلخ . ثم قال ابن القيم : قلت : وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير . انتهى
ولم يذكر ابن القيم عمن أخذه مجاهد ، ولا ذكر إهانة الحنابلة للطبري وإجبارهم إياه على القول بذلك !(3)
ـ وقال ابن خلدون في تاريخه :
كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدأ الخليقة فيما علمناه ، واضطربت آخر الدولة العباسية بالفتن وكثر فيها المفسدون والدعار والعيارون من الرها ، وأعيا على الحكام أمرهم ، وربما أركبوا العساكر لقتالهم ويثخنون فيهم ، فلم يحسم ذلك من عللهم شيئاً ، وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة من الخلاف في الاِمامة ومذاهبها ، وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم من تصريح الحنابلة بالتشبية في الذات والصفات ونسبتهم ذلك إلى الاِمام أحمد وحاشاه منه ، فيقع الجدال والنكير ثم يفضي إلى الفتنة بين العوام ، وتكرر ذلك منذ حُجِرَ الخلفاء ، ولم يقدر بنو بويه ولا السلجوقية على حسم ذلك منها ، لسكنى أولئك بفارس وهؤلاء بأصبهان وبُعْدِهِم عن بغداد ، والشوكة التي تكون بها حسم العلل لاتفاقهم ، وإنما تكون ببغداد شحنة (حامية عسكرية ) تحسم ما خف من العلل ما لم ينته إلى عموم الفتنة .. . .لم يحصل من ملوكهم اهتمام لحسم ذلك لاشتغالهم بما هو أعظم منه في الدولة والنواحي ، وعامة بغداد أهون عليهم من أن يصرفوا همتهم عن العظائم إليهم، فاستمرت هذه العلة ببغداد ولم تقلع عنها ، إلى أن اختلفت جدتها وتلاشى عمرانها ، وبقي طراز في ردائها لم تذهبه الاَيام ! !(4)
ـ وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج 12 ص 143 ثم دخلت سنة سبعين وأربعمائة قال ابن الجوزي .... وفي شوال منها وقعت فتنة بين الحنابلة وبين فقهاء النظامية ، وحمي لكل من الفريقين طائفة من العوام ، وقتل بينهم نحو من عشرين قتيلاً ، وجرح آخرون ثم سكنت الفتنة .ـ وقال الصديق المغربي في فتح الملك العلي ص 95
وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث : الحديث يدخله الفساد من وجوه ثلاثة : الزنادقة واحتيالهم للاِسلام بدس الاَحاديث المستبشعة والمستحيلة . والقصاص فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير وغرائب الاَحاديث ، ومن شأن العوام ملازمة القصاص ما دام يأتي بالعجائب الخارجة عن نظر العقول .
وقال ابن الجوزي في الموضوعات : معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص لاَنهم يريدون أحاديث ترقق وتنفق ، والصحيح فيها يقل .
ويحكى عن أبي عبدالله النهاوندي أنه قال : قلت لغلام خليل : هذه الاَحاديث التي تحدث بها في الرقاق قال : وضعناها لنقوي بها قلوب العامة ، قال : وكان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفاً ، وغلقت الاَسواق ببغداد يوم موته ! . . . وقد نص السلف على أن القصص بدعة ، وأن التزهد والتقشف الخارج عن السنة بدعة أيضاً . انتهى .
لكن ذكرت مصادر إخواننا أن أول من فتح الباب للقصاصين وأعطاهم الشرعية هو الخليفة عمر .. قال أحمد في مسنده ج 3 ص 449 : عن السائب بن يزيد : أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ، وكان أول من قص تميماً الداري ، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن له عمر !
وقال في كنز العمال ج 10 ص 280 : عن ثابت البناني قال : أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب ابن سعد والعسكري في المواعظ .
العامل الثاني :
الخوف من أن يؤدي التنزيه إلى التعطيل أفرط بعضهم في التأكيد على الصفات السلبية وتنزيه الله تعالى ، فسبب ذلك عند الآخرين الخوف من سلب فاعليته تعالى وتأثيره في الوجود .
ولكن هؤلاء المتخوفين وقعوا في الاِفراط من الجهة الاَخرى في الصفات الثبوتية، فتصوروا أن فاعلية الله تعالى وتدبيره للكون يتوقف على أن يكون وجوداً محدوداً ، يتجول في سماواته وينزل إلى أرضه ويتجسد في صورة إنسان .. إلخ . ونلاحظ أن هذين الخطين من الاِفراط والتفريط موجودان عند المتكلمين والفلاسفة من الاَمم السابقة كما هما في هذه الاَمة !
وقد أخذ الاَشاعرة موقع الدفاع عن التحميد ومقاومة التعطيل ، وأخذ المعتزلة موقع الدفاع عن التنزيه ومقاومة التشبيه .
ونفس الكلام يرد أيضاً في أفعال الاِنسان ، أوالجبر والاِختيار ، أو القضاء والقدر ، فقال الاَشاعرة بالجبر للدفاع عن فاعلية الله تعالى في الوجود .. بينما قال المعتزلة بحرية الاِنسان ومسؤوليته عن أعماله للدفاع عن عدل الله تعالى وتنزيهه عن الظلم .
أما أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فكان لهم موقف ثالث يمثل أصالة الدين الاِلَهي من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله في تنزيه الله تعالى وتحميده في آن واحد ، فنفوا عنه التشبيه والتجسيم والرؤية ، كما نفوا عنه الظلم والاِجبار ، وأثبتوا فاعليته تعالى وهيمنته الشاملة على الوجود ، ومسؤولية الاِنسان عن عمله ، كما سترى إن شاء الله تعالى .
وقد اشتبه الاَمر على بعض الباحثين فتخيلوا أن موقف أهل البيت عليهم السلام حل وسط بين الاِتجاهين ، بينما هو مذهب ثالث أقدم من مذهبي الاَشاعرة والمعتزلة ، وهو يختلف عنهما في أساسه وعدد من تفاصيله ، وإن أخذ منه الطرفان بعض الاَسس والتفاصيل .
العامل الثالث : مضاهاة بعض المسلمين لليهود
كان الجدل بين المسلمين واليهود كثيراً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وفي صدر الاِسلام ، ومن أبرز مسائله المفاضلة بين نبينا صلى الله عليه وآله وبين النبي موسى عليه السلام .وقد حاول بعض المسلمين مضاهاة اليهود بمعارضة كل فضيلة يذكرونها لموسى عليه السلام بإثبات فضيلة مقابلها لنبينا صلى الله عليه وآله ، وكأن المسألة مغالبة بين نبيين ، وكأن أذهان البشر هي التي تزن فضائل الاَنبياءوتعطي أحدهم درجة الاَفضلية أو المساواة!
وقد عارض هؤلاء فضيلة تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام التي نص عليها القرآن ، باختراع حديث رؤية النبي صلى الله عليه وآله لربه ، لكي يتم بذلك تقسيم الفضائل بين الاَنبياء عليهم السلام ، ويكون الترجيح لفضائل نبينا صلى الله عليه وآله ، ولكن ادعاء هذه الفضيلة المستحيلة بنص القرآن جاء على حساب تنزيه الله تعالى ! وفيما يلي عدد من الاَحاديث التي رووها في ذلك :
ـ روى النسائي في تفسيره ج 2 ص 348عن ابن عباس : أتعجبون أن تكون الخلة لاِبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد ( صلی الله عليه وآله وسلم ) .
ـ وقال النووي في شرح مسلم ج 2 جزء 3 ص 5. . . والحجج في هذه المسألة . . . . حديث ابن عباس ( رض ) أتعجبون أن تكون الخلة لاِبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد (صلی الله عليه وآله وسلم )..
ـ وروى الحاكم في المستدرك ج 1 ص 65. . . عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أتعجبون أن تكون الخلة لاِبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وآله . هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه . وله شاهد صحيح عن ابن عباس في الرؤية . . . . قال رأى محمد صلى الله عليه وآله ربه . وله شاهد ثالث صحيح الاِسناد . . . . عن ابن عباس قال قد رأى محمد صلى الله عليه وآله ربه . . . . وهذه الاَخبار التي ذكرتها صحيحة كلها ، والله اعلم . انتهى . ورواه الحاكم أيضاً في ج 2 ص 282 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه .وروى نحوه في ج 2 ص 316 وص 469
ـ وروى الديلمي في فردوس الاَخبار ج 1 ص 217 جابر : إن الله أعطى موسى الكلام فأعطاني الرؤية .. وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود . انتهى . وروى نحوه الدميري في حياة الحيوان ج 2 ص 72
ـ وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 78
وعن ابن عباس قال : نظر محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى ، قال عكرمة : فقلت لابن عباس نظر محمد إلى ربه ! قال نعم ، جعل الكلام لموسى والخلة لاِبراهيم والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم . رواه الطبراني في الاَوسط ، وفيه حفص بن عمر العدني روى ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي عبد الله الطهراني ، وقد ضعفه النسائي وغيره .
ـ وروى الذهبي في سيره ج 14 ص 45 عن عكرمة حديث ابن عباس ، وقال الناشر في هامشه : أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 199 من طريق عبد الوهاب بن الحكم الوراق ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم الاَحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : إن الله .. الخ . وأخرجه أيضاً ص 197 من طريق محمد بن بشار ، ومحمد بن المثنى قالا : حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . . . . وهذا رأي لا دليل عليه ، وهو مخالف للاَدلة الكثيرة الوفيرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في تلك الليلة . وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك . أنظر التفصيل في زاد المعاد ج 3 ص36ـ37. انتهى .
هذا ، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم ، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه ، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب على ابن عباس في حياته وبعد وفاته ، حتى ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض ، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل . وكان عكرمة يروي الاِسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود .
ويؤيد ذلك أن السهيلي روى هذا الحديث في الروض الاَنف ج 2 ص 156 عن كعب وليس عن ابن عباس . وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالى ورؤيته بالعين ، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعى إليه ، وكثرت عنه وعن جماعته نسبة ذلك إلى ابن عباس وبني هاشم ! كالذي رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 225 ـ 230 . . . . عن الشعبي عن عبدالله بن الحرث قال : اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول : إن محمداً رأى ربه مرتين ، قال فكبر كعب حتى جاوبته الجبال ! فقال : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهما وسلم ! انتهى . والمطلع على أحاديث ابن عباس وبني هاشم يعرف ان رأيهم يخالف كعباً وجماعته ، ومن أجل هذا رووا تكبير كعب المزعوم !!
العامل الرابع : تأثير ثقافة اليهود
اعتقاد اليهود والنصارى بتشبيه الله تعالى ورؤيته بالعين بلغ من تحريف اليهود لدينهم أنهم قالوا بتشبيه الله تعالى بخلقه وأنه محدود بشكل مادي ، ثم جعلوا له ولداً فقالوا عزير ابن الله ، بل قالوا إن كل اليهود أبناء الله وأحباؤه وشعبه المختار .. إلى آخر ما حكى الله تعالى عنهم في القرآن .
وفيما يلي نصوص ننقلها من توراتهم الموجودة المطبوعة باسم العهد القديم والجديد ، طبعة مجمع الكنائس الشرقية في بيروت :
جاء في ص 4 : 27 فخلق الله الاِنسان على صورته . على صورة الله خلقه . ذكراً وأنثى خلقهم .
وجاء في ص 6 : 8 وسمعا صوت الرب الاِلَه ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الاِلَه في وسط شجر الجنة . 9 فنادى الرب الاِلَه آدم وقال له أين أنت . 10 فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لاَني عريان فاختبأت . 11 فقال من أعلمك أنك عريان . هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. 12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت .
وجاء في ص 24 : 1 ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لاَبرام وقال له أنا الله القدير . سر أمامي وكن كاملاً . 2 فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيراً جداً . 3 فسقط أبرام على وجهه وتكلم الله معه قائلاً . 4 أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أبا الجمهور من الاَمم .وجاء في ص 169 : 3 وكلم بني إسرائيل قائلاً خذواً تيساً من المعز لذبيحة خطية وعجلاً وخروفاً حوليين صحيحين لمحرقة 4 وثوراً وكبشاً لذبيحة سلامة للذبح أمام الرب وتقدمة ملتوتة بزيت . لاَن الرب اليوم يتراءى لكم . 5 فأخذوا ما أمر به موسى إلى قدام خيمة الاِجتماع وتقدم كل الجماعة ووقفوا أمام الرب .
وجاء في ص 183 : 2 وقال الرب لموسى كلم هرون أخاك أن لا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت ، لاَني في السحاب أتراءى على الغطاء .
وجاء في ص 330 : فانطلق موسى ويشوع ووقفا في خيمة الاِجتماع 15 فتراءى الرب في الخيمة في عمود سحاب ووقف عمود السحاب على باب الخيمة . 16 وقال الرب لموسى ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الاَجنبيين في الاَرض التي هو داخل إليها في ما بينهم ، ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه .
وجاء في ص 404 : 22 فقال منوح لامرأته نموت موتاً لاَننا قد رأينا الله . 23 فقالت له امرأته لو أراد الرب أن يميتنا لما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة ، ولما أرانا كل هذه ولما كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه .
وجاء في ص 549 : 2 إن الرب تراءى لسليمان ثانية كما تراءى له في جبعون . 3 وقال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به أمامي .
وجاء في ص 431 : 21 وعاد الرب يتراءى في شيلوه ، لاَن الرب استعلن لصموئيل في شيلوه بكلمة الرب . 4 فأرسل الشعب إلى شيلوه وحملوا من هناك تابوت عهد رب الجنود الجالس على الكروبيم . . . .
وجاء في ص 491 : 2 وقام داود وذهب هو وجميع الشعب الذي معه من بعلة يهوذا ليصعدوا من هناك تابوت الله الذي يدعى عليه بالاِسم إسم رب الجنود الجالس على الكروبيم .
وجاء في ص 534 : 5 في جبعون تراءى الرب لسليمان في حلم ليلاً ، وقال الله إسأل ماذا أعطيك .
وجاء في ص 554 : 9 فغضب الرب على سليمان لاَن قلبه مال عن الرب إلَه إسرائيل الذي تراءى له مرتين 10 وأوصاه في هذا الاَمر أن لا يتبع آلهة أخرى فلم يحفظ ما أوصى به الرب . 11 فقال الرب لسليمان من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك .
وجاء في ص 569 : 15 فقال إيليا حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه ، إني اليوم أتراءى له .
وجاء في ص 579 : 17 فقال رأيت كل إسرائيل مشتتين على الجبال كخراف لا راعي لها . فقال الرب ليس لهؤلاء أصحاب فليرجعوا كل واحد إلى بيته بسلام . 18 فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط أما قلت لك إنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً . 19 وقال فاسمع إذاً كلام الرب . قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره . 20 فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد . فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا .
وجاء في ص 586 : 14 فقال أليشع حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه إنه لولا أني رافع وجه يهوشافاط ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك . 15 والآن فأتوني بعواد . ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب 16 فقال هكذا قال الرب إجعلوا هذا الوادي جباباً جباباً .
وجاء في ص 683 : 1 وشرع سليمان في بناء بيت الرب في أورشليم في جبل المريا حيث تراءى لداود أبيه حيث هيأ داود مكاناً في بيدر أرنان اليبوسي .وجاء في ص 690 : 12 وتراءى الرب لسليمان ليلاً وقال له . قد سمعت صلاتك واخترت هذا المكان لي بيت ذبيحة .
وجاء في ص 848 : 8 من هو هذا ملك المجد . الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال . 9 إرفعن أيتها الاَرتاج رؤوسكن وارفعنها أيتها الاَبواب الدهريات فيدخل ملك المجد . 10 من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد .
وجاء في ص 799 : 1 يا راعي إسرائيل إصغ ، يا قائد يوسف كالضأن ، يا جالساً على الكروبيم أشرق . 2 قدام أفرايم وبنيامين ومنسي أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا.
وجاء في ص 840 : 4 الرب في هيكل قدسه ، الرب في السماء كرسيه ، عيناه تنظران ، أجفانه تمتحن بني آدم . 5 الرب يمتحن الصديق ، أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه. 6 يمطر على الاَشرار فخاخاً ناراً وكبريتا، وريح السموم نصيب كأسهم.
وجاء في ص 998 : 1 في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملاَ الهيكل . 2 السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة . باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير . 3 وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملأ كل الاَرض . 4 فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلاَ البيت دخاناً 5 فقلت ويل لي إني هلكت لاَني إنسان نجس الشفتين ، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين ، لاَن عيني قد رأتا الملك رب الجنود .
وجاء في ص 1186 : 8 وكان بينما هم يقتلون وأبقيت أنا أني خررت على وجهي وصرخت وقلت : آه يا سيد الرب . هل أنت مهلك بقية إسرائيل كلها بصب رجزك على أورشليم 9 فقال لي : إن إثم بيت إسرائيل ويهوذا عظيم جداً جداً ، وقد امتلأت الاَرض دماء وامتلأت المدينة جنفاً . لاَنهم يقولون الرب قد ترك الاَرض والرب لا يرى .
وجاء في الاِنجيل ص 42 : 20 فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه . 21 ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه . 22 ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه .
وجاء في ص 280 : 7 فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده . وأما المرأة فهي مجد الرجل . 8 لاَن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل . 9 ولاَن الرجل لم يخلق من أجل المرأة ، بل المرأة من أجل الرجل .
وجاء في ص 321 : 5 فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً 6 الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله 7 لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس .
وجاء في ص 325 : 14 الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا . 15 الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة .
وجاء في ص 366 : 2 ناظرين إلى رئيس الاِيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً ، بالخزي ، فجلس في يمين عرش الله .وجاء في ص 399 : 21 من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه . 22 من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس .
وجاء في ص 399 ـ 400 : 1 بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الاَول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً إصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا . 2 وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس . 3 وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد . 4 وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً . ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب . 5 ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات . وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله .
وجاء في ص 400 : وشكراً للجالس على العرش الحي إلى أبد الآبدين .
وجاء في ص 401 : 11 ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف . . . . 13 وكل خليقة مما في السماء وعلى الاَرض وتحت الاَرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة : للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين .
وجاء في ص 403 : 15 من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله ، والجالس على العرش يحل فوقهم .وجاء في ص 417 : 4 وخر الاربعة والعشرون شيخاً والاَربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش .
وجاء في ص 419 : 5 وقال الجالس على العرش : ها أنا أصنع كل شيء جديداً . وقال لي : أكتب فإن هذه الاَقوال صادقة وأمينة .
ـ وقال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة الاَديان ج 2 ص 243 طبعة مكتبة النهضة المصرية 1973 تحت عنوان ( الله عند اليهود) :
لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله الواحد الذي دعا له الاَنبياء ، وكان اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والنقيصة واضحاً في جميع مراحل تاريخهم ، وعلى الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم ، وكثرة أنبيائهم دليل على تجدد الشرك فيهم ، وبالتالي تجدد الحاجة إلى أنبياء يجددون الدعوة إلى التوحيد ، وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوى على أي حال ، فظهروا للتاريخ بدائيين يعبدون الاَرواح والاَحجار ، وأحياناً مقلدين يعبدون معبودات الاَمم المجاورة التي كانت لها حضارة وفكر قلدهما اليهود . . . . ويقول : إن اليهود كانوا في مطلع ظهورهم على مسرح التاريخ بدواً رحلاً تسيطر عليهم الاَفكار البدائية كالخوف من الشياطين ، والاِعتقاد في الاَرواح ، وكانوا يعبدون الحجارة والاَغنام والاَشجار ، ويقول : إن اليهود اتخذوا في بيوتهم أصناماً صغيرة كانوا يعبدونها ويتنقلون بها من مكان إلى مكان وقد ظل بنو إسرائيل على هذا الاِعتقاد حتى جاء موسى وخرج بهم من مصر .
ولكن بني إسرائيل كما يقول ول ديورانت لم يتخلوا قط عن عبادة العجل والكبش والحمل ، ولم يستطع موسى أن يمنع قطيعه من عبادة العجل الذهبي . عبادة العجول كانت لا تزال حية في ذاكرتهم منذ كانوا في مصر ، وظلوا زمناً طويلاً يتخذون هذا الحيوان القوي آكل العشب رمزاً لاِلَههم . وتقرر التوراة قصة العجل الذي عمله لهم هارون فعبدوه بعد أن تأخر موسى في العودة إليهم ، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون عراة أمام هذا الرب ، وقد أعدم موسى ثلاثة آلاف منهم عقاباً لهم على عبادة هذا الوثن وقد بقيت عبادة العجل تتجدد في حياة بني إسرائيل من حين إلى حين ، فقد عمل يربعام بن سليمان عجلي ذهب ليعبدهما أتباعه حتى لا يحتاجوا إلى الذهاب إلى الهيكل وقد عبد أهاب ملك إسرائيل الابقار بعد سليمان بقرن واحد ( 5 ) .
ـ وقال الدكتور شلبي وبعد موسى وفي عهد القضاة ، تأثر بنو إسرائيل بمعبودات الكنعانيين تأثراً كبيراً، ويوضح أن إلَه الكنعانيين ( بعل ) أصبح معبوداً لبني اسرائيل في كثير من قراهم ، وفي أحوال كثيرة أصبح للطائفتين معبد واحد به تمثال يهوه وتمثال بعل ، بل أصبح يهوه ينادى بعل ، وقد ظل ذلك إلى عهد يوشع . ويوضح الكتاب المقدس أن بني اسرائيل عبدوا أنواعاً من هذه الآلهة ، وقد ندد بها أرميا في سفره ، ومنه نقتبس بعض النصوص :
اسمعوا كلمة الرب يا بنات يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل ، هكذا قال الرب : ماذا وجد في آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً .
وحين تقولون لماذا صنع الرب إلَهنا كل هذه أقول لكم : كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم .
يقول الرب أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً ، وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى. . .
ـ يقول الرب : إن آباءكم قد تركوني وذهبوا وراء آلهة أخرى ، وعبدوها وسجدوا لها ، وإياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها ، وأنتم أسأتم في عملكم أكثر من آبائكم ،وها أنتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لي.
وعلى هذا فمع وجود الهيكل في عهد سليمان كانت عبادة آلهة الاَجانب منتشرة، وينسب العهد القديم لسليمان نفسه أنه أقام مذابح للآلهة الخارجية التي كانت تعبدها زوجاته الاَجنبيات ، فبنى مذبحاً لعشتروت رجاسة الصيدونيين ، ولكموش رجاسة المؤابيين ، ولملكوم إلَهة بني عمون وعقب موت سليمان انقسم ملكه بين ابنيه يربعام ورحبعام ، وهذا التغيير في تاريخ العبرانيين صحبه تغير في عقيدتهم ، فإسرائيل في الشمال كانت دولة غنية حظى سكانها بالاِستقرار ، وقبلوا عادات الكنعانيين وعبدوا آلهتهم ( بعل ) أما دولة يهوذا في الجنوب فكانت دولة فقيرة يشتغل سكانها بالزراعة والرعي وظلوا على تبعيتهم لاِلَهم يهوه ، إلَه الفقراء ، وإلى هذه الفترة ينسب الاَنبياء وقد صنع يربعام عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إبل وثانيهما في دان ، وبنى عندهما مذابح وقال لشعبه : هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر ، فاذبحوا وعيدوا عندها ولا تصعدوا إلى أورشليم ، فاستجاب له الشعب . ( 6 ) .
ـ وقال الدكتور شلبي يروى التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل ، ومما يرويه التلمود على لسان الله قوله : تب لي لاَني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي . وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود ، لاَنه غضب مرة على بني إسرائيل فاستولى عليه الطيش ، فحلف بحرمانهم من الحياة الاَبدية ، ولكنه ندم على ذلك بعد أن هدأ غضبه ، ولم ينفذ قسمه ، لاَنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة .
ويقرر التلمود أن الله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير ، وأنه أعطى الاِنسان طبيعة رديئة وسن له شريعة لم يستطع بطبيعته الرديئة أن يسير على نهجها ، فوقف الاِنسان حائراً بين اتجاه الشر في نفسه ، وبين الشريعة المرسومة إليه ، وعلى هذا فإن داود الملك لم يرتكب خطيئة بقتله أوريا واتصاله بامرأته ، لاَن الله هو السبب في كل ذلك (7) .
ـ وقال في ص 192 تحت عنوان : اليهود والاَلوهية عموماً :
على أن مسألة الاَلوهية كلها ، سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد ، لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني اسرائيل ، فقد كانت المادية والتطلع إلى أسلوب نفعي في الحياة من أكثر ما يشغلهم ، وإذا تخطينا عدة قرون فإننا نجد الفكر اليهودي الحديث يجعل لليهود رباً جديداً نفعياً كذلك ، ذلك هو تربة فلسطين وزهر برتقالها ، والذي يقرأ رواية ( طوبى للخائفين ) للكاتبة اليهودية يائيل ديان ابنة القائد الصهيوني العسكري موشى ديان ، يجد أحد أبطالها ( إيفرى ) ينصح ابنه الطفل بأن يتخلى عن الذهاب للكنيسة ، وأن يحول اهتمامه لاِلَهه الجديد : تراب فلسطين . ونقتبس فيما يلي سطوراً من هذه الرواية :
. . .الصبي يحب أن يذهب إلى الكنيس مع أمه ، ولكنه عندما عاد مرة من المعبد الذي لا يذهب إليه إلا القليلون ، ثار أبوه في وجهه بحديث له مغزى عميق قال له : أيام زمان حين كنا يهوداً في روسيا وغيرها كان من الضروري بالنسبة لنا أن نطيع التعليمات ونحافظ على ديننا ، فقد كان الدين اليهودي لنا وسيلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردى ، أما الآن فقد أصبح لدينا شيء أهم هو الاَرض ، أنت الآن إسرائيلي ولست مجرد يهودي ، إني قد تركت في روسيا كل شيء ، ملابسي ومتاعي وأقاربي وإلَهي ، وعثرت هنا على رب جديد ، هذا الرب الجديد هو خصب الاَرض وزهر البرتقال ، ألا تحس بذلك ؟ . . . . وأخذ إيفرى حفنة من تراب الاَرض وسكبها في كف ابنه ، وقال له : إمسك هذا التراب ، إقبض عليه ، تحسسه ، تذوقه ، هذا هو ربك الوحيد ، إذا أردت أن تصلي للسماء فلا تصل لها لكي تسكب الفضيلة في أرواحنا ، ولكن قل لها أن تنزل المطر على أرضنا ، هذا هو المهم ، إياك أن تذهب مرة أخرى إلى المعبد .
ـ وقال ابن حزم في الفصل في الملل
قال في التوراة : إن الله عز وجل قال لبني إسرائيل : لقد رأيتموني كلكم من السماء فلا تتخذوا معي آلهة الفضة ، ثم قال بعد ذلك ثم صعد موسى وهارون .. ونظروا إلى إلَه إسرائيل .
ـ وقال ذكر في هذا المكان ( من التوراة ) أن يعقوب صارع الله عز وجل .. حتى قالوا إن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب .. وفيه أن يعقوب قال : رأيت الله مواجهة وسلمت عليه .
ـ وقال ونقل في توراتهم وكتب الاَنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان إثر خراب البيت المقدس سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول : الويل الويل لمن أخرب بيته . . . . ويلي على ما أخربت من بيتي ويلي على ما فرقت من بيتي ، وبناتي .
ـ وقال وفي بعض كتبهم : إن الله تعالى قال لبني إسرائيل : من تعرض لكم فقد تعرض حدقة عيني .
ـ وقال وفي كتاب لهم يسمى شعر توما من كتاب التلمود .. ففي الكتاب المذكور أن تكسير جبهة خالقهم من أعلاها إلى أنفه خمسة آلاف ذراع .(8)
محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم
جاء في هامش المطالب العالية ج جزء 2 ص 25 : في التوراة أن الله إلَه واحد . وفي التوراة أن الله ليس كمثله شيء . ففي الاِصحاح السادس من سفر التثنية : إسمع يا إسرائيل . إن الرب إلهنا رب واحد . فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك . ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك ، وكررها على بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت ، واعقدها علامة على يدك ، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على عضائد أبواب بيتك وعلى أبوابك . تثنية 6 : 4 9 ترجمة اليسوعيين . وفي الاِصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية : لا كفء لله . وفي ترجمة البروتستانت : ليس مثل الله . تثنية 33 : 26 .
وقال موسى بن ميمون في دلالة الحائرين : إن ما ورد في التوراة مما يوحي بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته ، فذلك مؤول على معنى : أن الله يقرب ذاته إلى عقول الخلق ، حديثه عن نفسه كأنه واحد منهم . أما هو فليس مثل إنسان وليس كمثله شيء، وذلك ليفهم الخلق ذات الله على نحو قريب من تصوراتهم . وما جاء عن مشبهة اليهود أن الله يبكي على خراب هيكل سليمان ويلعب مع الحيتان ، فهو قول قال به سفهاء من اليهود لا وزن لهم عند الله ولا عند الناس . انتهى .
والمتأمل في التوراة يقبل مقولة هذا الباحث اليهودي القديم بأنها تشتمل على عبارات في التوحيد شبيهة بالتوحيد الخالص الذي يقدمه القرآن ، ولكن نصوص التشبيه والتجسيم فيها أكثر من نصوص التوحيد . وهذا من الاَدلة على وقوع التحريف فيها ، وأن أيدي سفهاء اليهود الذين ذكرهم وصلت إلى نصوص التوراة وملؤوها من تجسيمهم وتشبيههم . وقد وجدنا في نسخة التوراة المذكورة النصوص التالية في التوحيد : جاء في العهد القديم ص 98 : 9 فقال موسى لفرعون عين لي متى أصلي لاَجلك ولاَجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك ، ولكنها تبقي في النهر . 10 فقال غداً فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا . 11 فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك .
وجاء في ص 100 : 14 لاَني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك ، لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الاَرض
وجاء في ص 493 : 22 لذلك قد عظمت أيها الرب الاِلَه ، لاَنه ليس مثلك وليس إلَه غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا . . . .
وجاء في ص 530 : 20 يا رب ليس مثلك ، ولا إلَه غيرك ، حسب كل ما سمعناه بآذاننا .
وجاء في ج 2 ص 43 : 9 أذكروا الاَوليات منذ القديم ، لاَني أنا الله وليس آخر . الاِلَه وليس مثلي .
وجاء في ج 2 ص 84 : 6 لا مثل لك يا رب ، عظيم أنت ، وعظيم اسمك في الجبروت . 7 من لا يخافك ياملك الشعوب ، لاَنه بك يليق ، لاَنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك .
ـ العهد القديم والجديد ج 1 ص 253ـ
الاِصحاح الثاني 1 يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك 2 حتى تميل أذنك إلى الحكمة وتعطف قلبك على الفهم 3 إن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلى الفهم 4 إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز 5 فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله . 6 لاَن الرب يعطي حكمة من فمه المعرفة والفهم . 7 يذخر معونة للمستقيمين . هو مجن السالكين بالكمال . 8 لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه. 9 حينئذ تفهم العدل والحق والاِستقامة . كل سبيل صالح 10 إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك .
لكن البابا في عصرنا يصر على التجسيم وينتقد التوحيد عند المسلمين
ـ كتاب العبور إلى الرجاء للبابا يوحنا بولس الثاني :
والعبور إلى الرجاء هو التسجيل الكامل لاَول وأشمل حوار مع البابا للصحافي الاِيطالي الكبير فيتوري ميسوري ، لمناسبة ذكرى مرور خمس عشرة سنة على اعتلائه السدة البابوية . . . . كان الاَول بين ( خلفاء القديس بطرس ) يظهر أمام آلات التصوير والتسجيل ليجيب على أسئلة ترك اختيارها لمبادرة حرة من قبل صحافي . وبعد ما حصر البث بالمحطة الاَولى ليلة الذكرى ، عرضت تلك المقابلة في كبريات المحطات العالمية .
ويروي فيتوري ميسوري قصة المقابلة التي تمت بعد ما قدم عشرين سؤالاً خطياً تشمل مختلف الموضوعات والقضايا الكبرى ، وتلقى مخطوطة الاَجوبة عليها من مكتب البابا في نهاية شهر نيسان 1994 . كما أن البابا وضع عنوان هذا الكتاب بنفسه . . . من هذا الحوار الوثيقة نقتطف هنا جواب الحبر الاَعظم على سؤالين ، يتصل أولهما بالعلاقة مع الدين الاِسلامي ، في حين يتصل الثاني بعلاقة المسيحية بالدين اليهودي ، وقد رأينا فيهما أكمل رأي للبابا في هذا المجال خصوصاً وأنه بقلمه مباشرة :
السؤال الاَول : ما الفرق بين إلَه المسلمين وإلَه المسيحيين ؟
الجواب : لا شك في أن القارية مختلفة عندما يتعلق الاَمر بالكنيس والمسجد حيث مجتمع الذين يعبدون الاِلَه الواحد . نعم ، صحيح ما تقوله ، فالاَمر يختلف في ما يتعلق بهاتين الديانتين التوحيديتين ، بدءً بإسلام . ففي الاِعلان المجمعي ( في عصرنا ) الآنف الذكر ، يمكننا أن نقرأ ما يأتي ( وتنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد ، الحي القيوم ، الرحمن القدير ، الذي خلق السماء والاَرض ) إن المؤمنين بالتوحيد هم بنوع خاص الاَقرب إلينا .
أتذكر حدثاً من أحداث شبابي يوم كنا نزور دير القديس مرقس في فلورنسا ، فقد وقفنا مندهشين معجبين أمام جدرانيات فردا انجليكو .. في تلك الاَثناء انضم إلينا رجل راح يشاطرنا إعجابنا بأعمال ذلك الراهب والفنان العظيم ، غير أنه ما لبث أن أضاف : ولكن ما من شيء هنا يبلغ مدى جمال توحيدنا الاِسلامي ! لم يمنعنا ذلك التصريح من أن نكمل زيارتنا برفقة ذلك الرجل ، وأن نتابع معه نقاشاً ودياً . لقد تذوقت سلفاً في تلك المناسبة ما يمكن أن يكون عليه الحوار بين المسيحية والاِسلام . والذي حاولنا أن نطوره منهجياً منذ المجمع .
من يطالع القرآن ، وكان ملماً بالعهدين القديم والجديد يتبين له جلياً ما وقع فيه للوحي الاِلَهي من اختزال . ومن المستجبل ألا يلحظ عدم مقاربة ما قاله الله عن ذاته بلسان الاَنبياء أولاً في العهد القديم ، ثم وبشكل نهائي بواسطة ابنه في العهد الجديد. إن الغنى الذي يتجلى في كشف الله لذاته والذي يشكل تراث العهدين القديم والجديد ، كل ذلك قد تغاضى عنه الاِسلام بالفعل .
إن القرآن يصف الله بأجمل ما عرفه اللسان البشري من الاَسماء الحسنى ، ولكنه في النهاية ، إلَه متعال عن العالم ، ذو جلال ، لا ( إلهنا معنا ) عمانوئيل .
ليس الاِسلام دين فداء فلا مجال فيه للصلب ! يذكر عيسى ، ولكن ليس إلا بوصفه نبياً ، يمهد لخاتمة جميع الاَنبياء محمد . كذلك ورد ذكر السيدة مريم البتول ، ولكن لا ذكر لمأساة الفداء .
لذلك تختلف نظرة الاِسلام عن المسيحية ، لا على الصعيد اللاهوتي فحسب ، بل أيضاً على الصعيد الانتروبولوجي .
بيد أن التدين الاِسلامي يستحق كل تقدير ، فلا يمكننا مثلاً إلا نعجب بالاَمانة على الصلاة . إذ أن الذي يسمي الرب ( الله ) يجثو على ركبته غير آبه بالزمان أو بالمكان ، مستغرقاً في الصلاة مرات عديدة في النهار . هذه الصورة تبقى نموذجاً لمن يعترفون بالله الحق ، وبخاصة لاَولئك المسيحيين الذين يهجرون كاتدرائياتهم الرائعة ويصلون قليلاً أو لا يصلون مطلقاً . . . . ) انتهى .
أقول : السبب في تهمة البابا للدين الاِسلامي بأنه اختزل التصور الذي قدمته كتب اليهود والنصارى عن الله تعالى ، وبيت القصيد عنده وإشكاله الاَساسي على الاِسلام: أن القرآن يقرر أن الله تعالى ليس كمثله شيء ، وأنه غير متجسد في وجود مادي في السماء أو الاَرض ، وبتعبيره ( لكنه في النهاية إلَه متعال عن العالم ، ذو جلال ، لا ( إلهنا معنا عمانوئيل ) .
ولكن الظاهر أن البابا لم يقرأ الصحاح الستة ليرى أن ما يريده من نزول الله تعالى وصعوده وتجسده موجود فيها ، وأن هذا البلاء الذي ابتلى به اليهود والنصارى قد سرى إلى إخواننا السنة وصحاحهم ! !
كما أنه لو تأمل في تاريخ المسيحية لتوصل إلى أن دعوة المسيح عليه السلام كانت دعوة إلى التوحيد ولم يكن فيها تجسيم ، وأن تجسم الله تعالى في المسيح إنما هو فكرة ( بولسية ) وليست مسيحية .. قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الاَديان ج 2 ص245 تحت عنوان : الله في التفكير المسيحي : عندما نصل إلى الحديث عن الله في التفكير المسيحي نحتاج إلى مزيد من الصبر لنرى التحول الخطير الذي أصاب الفكر المسيحي في هذه القضية الهامة : تقرر الاَناجيل المسيحية وأعمال الرسل ثلاث قضايا مهمة :
أولاها : أن الله واحد لا شريك له .
والثانية : أن عيسى رسول الله وليس أكثر من رسول .
والثالثة : أن عيسى رسول لبني إسرائيل فقط .
وعن القضية الاَولى نورد النصوص التالية من هذه الاَناجيل :
ـ يروي متى عن عيسى قوله : إن أباكم واحد الذي في السموات (إصحاح 23 الفقرة 8 )
ـ ويروي مرقص قول عيسى : الرب إلهنا إلَه واحد وليس آخر سواء(12 : 30 31).
ـ ويروي يوحنا عن عيسى قوله : إني أصمد إلى أبي وأبيكم وإلَهي وإلَهكم ( 20 :18 )
وعن القضية الثانية من الاَناجيل النصوص التالية :
ـ جاء في إنجيل متى قوله : هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل ( 21 : 11 ) .
ـ وجاء في لوقا : قد خرج نبي عظيم ( 7 : 16 ) .
ـ ويروي يوحنا : إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم ( 4 : 14 و 7 : 40 ) .
ـ ويروي يوحنا كذلك عن عيسى قوله : وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله ( 8 : 40 ) .
ـ ويروي لوقا عن عيسى قوله عندما أحس بقرب نهايته بسبب مؤامرات اليهود عليه : ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه ، لاَنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم ، يا أورشليم ، يا أورشليم يا قاتلة الاَنبياء وراجمة المرسلين .
وعن القضية الثالثة نورد النصوص التالية :
ـ جاء في متى ما نصه : ثم خرج يسوع من هناك ، وانصرف إلى نواحي صور وصيدا ، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت قائلة : إرحمني يا سيد يا ابن داود ، ابنتي مجنونة جداً ، فلم يجبها بكلمة ، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين : إصرفها لاَنها تصيح وراءنا ، فأجاب وقال : لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة ( متى 15 : 21 24 ) .
ـ وفي متى كذلك أن عيسى عند ما حدد الحواريين الاِثني عشر أوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم لا تمضوا ، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا ، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بني اسرائيل الضالة ( 10 : 5 6 ) .
ـ وقد خاصم اليهود بطرس لاَنه دخل على غير اليهود وتكلم معهم ( أعمال الرسل 11 الفقرة الاَولى ) .
ـ وورد في عبارات بطرس قوله لغير اليهود : أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه ( أعمال الرسل 10 : 28 ) .
والقرآن الكريم يقرر هذه الاِتجاهات الثلاث في المسيحية ، قال تعالى :
ـ وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم (سورة المائدة الآية 72 ) .
ـ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وما من إلَه إلا إلَه واحد ( سورة المائدة الآية 73 ) .
ـ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( سورة المائدة 75 ) .
ـ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ( سورة المائدة 17 ) .
ـ ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والاِنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل ( سورة المائدة 48 ـ 49 ) .
ومن أجل هذا كان نقل المسيحية من الوحدانية إلى التثليث ، ونقل عيسى من رسول إلى إلَه ، والقول بأن المسيحية رسالة عامة ، والقول بأن عيسى ابن الله نزل ليضحي بنفسه للتكفير عن خطيئة البشر ، وأنه عاد مرة أخرى إلى السماء ليجلس على يمين أبيه ، كان هذا كله عملاً جديداً على المسيحية التي جاء بها عيسى .
كيف انتقلت المسيحية من حال إلى حال ، ومن الذي قام بذلك ومتى ؟ هذا ما سنحاول إبرازه فيما يلي :
ترتبط هذه الاَمور بشخصية مهمة في المسيحية ، هي شخصية شاؤول ( بولس ) ولذلك يرى الباحثون الغربيون أن المسيحية الحالية بهذه العناصر الجديدة من صنع هذا الرجل ، ويقول إن بولس هو في الحقيقة مؤسس المسيحية ، ويقول إن كثيراً من الثقات العصريين يعدونه المؤسس الحقيقي للمسيحية .
وبولس كما يقول عن نفسه ( يهودي فريسي ابن فريسي على رجاء قيامة الاَموات ـ أعمال الرسل 23 : 6 ) وكان عدواً للمسيحيين ، وهو في ذلك يقول ( سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية ، إني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها ، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي ، إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي ( غلاطية 1 : 13 14 ) .
ويبدو أنه كان من وسائل بولس لتدمير المسيحية أن يحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة ، ووضع لذلك طريقة تكفل له الوقوف في وجه معارضيه عندما يظهر بأفكاره الجديدة ، فادعى شاؤول أن السيد المسيح بعد نهايته على الاَرض ظهر له وصاح فيه وهو فى طريقه إلى دمشق : لماذا تضطهدني فخاف شاؤول وصرخ : من أنت يا سيد ؟ قال : أنا يسوع الذي تضطهده . قال شاؤول : ماذا تريد أن أفعل ؟ قال يسوع : قم وكرز بالمسيحية . ويقول لوقا في ختام هذه القصة جملة ذات بال غيرت وجه التاريخ هي : وللوقت جعل يكرز فى المجامع بالمسيح أنه ابن الله ( أعمال 9 : 3 ـ 30 ) انتهى .
ـ وقال أبو رية في أضواء على السنة المحمدية ص 189 :
يعتقد المسيحيون أن المسيح عليه السلام قد ارتفع بجسمه بعد صلبه وأنه يجلس هناك مع أبيه . وعند الكاتوليكية الرومانية عقيدة جوهرية تقضي بأن أمه مريم العذراء قد ارتفعت هي الاَخرى بجسدها إلى السماء وأنها لم تمت . ومنذ سبع عشرة سنة انعقد مجمع ديني مقدس برياسة البابا بيوس الثاني عشر بميدان القديس بطرس اشترك فيه 35 كردينالاً ونحو 500 بطريركا من جميع أنحاء العالم واحتشد له مليون مسيحي وقرر هذا المجمع هذه العقيدة الدينية ، وقال إنها لا تقبل الجدل أو المناقشة ومن يناقشها أو يشك فيها يعتبر من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية ملحداً أو كافراً .
والاَقباط المصريون جميعاً يؤمنون بهذه العقيدة وتحتفل كل طوائفهم في يوم 16 مسري من كل سنة ، بعيد انتقال السيدة مريم بجسدها إلى السماء ، ويطلقون على هذا الاِحتفال اسم : عيد العذراء الكبير ، وليس لاَحد أن يعترض على هذه العقيدة أو يماري فيها ، إذ مادام المسيح عليه السلام قد ارتفع إلى السماء وجلس بجوار أبيه ، فإنه لا مانع من أن تصعد إليه أمه من بعده لتقيم وإياه مع الله في السماء ، ويحيون جميعاً حياة طيبة في هناء وصفاء !
وإليك هذه الكلمة الصغيرة ننقلها من كتاب العقيدة والشريعة للمستشرق الكبير جولد تسيهر ص 42 و43 :
وهناك جمل أخذت من العهد القديم والعهد الجديد ، وأقوال للربانيين ، أو مأخوذة من الاَناجيل الموضوعة وتعاليم من الفلسفة اليونانية وأقوال من حكم الفرس والهنود ، كل ذلك أخذ في الاِسلام عن طريق ( الحديث ) حتى لفظ ( أبونا ) لم يعدم مكانه في الحديث المعترف به ، وبهذا أصبحت ملكاً خالصاً للاِسلام بطريق مباشر أو غير مباشر ! وقد تسرب إلى الاِسلام كنز ( . . . . ) كبير من القصص الدينية حتى إذا ما نظرنا إلى المواد المعدودة في الحديث ونظرنا إلى الاَدب الديني اليهودي ، فإننا نستطيع أن نعثر على قسم كبير دخل الاَدب الديني الاِسلامي من هذه المصادر اليهودية . ولا نستقصي كل ما دخل الاِسلام من المسيحيات . انتهى .
أول قنوات التشبيه والتجسيم والرؤية من اليهودية إلى الاِسلام
ينبغي أن نعرف أن نظرة العرب في الجاهلية والاِسلام إلى ثقافة اليهود كانت نظرة إيجابية ، وأن الخليفة عمر قد تبنى سياسة الاِنفتاح على هذه الثقافة ، فسبب ذلك تأثيراً واسعاً على ثقافة الاِسلام وعقائده .. لذلك نمهد للموضوع ببعض ما كتبناه في ( تدوين القرآن ) ص 409 تحت عنوان ( احترام عرب الجاهلية للثقافة اليهودية ) :
( كان اعتداد العرب بقوميتهم ووثنيتهم في الجاهلية اعتداداً قوياً إلى حد التعصب ، ولم يكونوا يحترمون اليهود كأمة ولكنهم كانوا يحترمون علماءهم وثقافتهم، ويرجعون إليهم في العديد من مسائل التاريخ والتنبؤ بالمستقبل والاَمور الروحية . بل كان الكثير من عرب الجاهلية يعيشون حالة الاِنهزام أمام الثقافة اليهودية لاَن اليهود أصحاب كتاب سماوي وعلماء وأنبياء ، والعرب أميون وثنيون ، وإن بقيت عندهم بقايا من دين إبراهيم . . . .
والشواهد على ذلك من مصادر التاريخ والتفسير والحديث والفقه كثيرة ، نكتفي منها بالنص التالي الذي يدل على أن تأثيرات الثقافة اليهودية بقيت حتى بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله وحتى على ذهن زوجته عائشة وأبيها الخليفة أبي بكر !
روى مالك في الموطأ ج 2 ص 502 ( عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ، ويهودية ترقيها ! فقال أبو بكر : إرقيها بكتاب الله ) .
وقال في كتاب الاَم للشافعي ج 7 ص 241 ( باب ما جاء في الرقية . سألت الشافعي عن الرقية ؟
فقال : لا بأس أن يرقى الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله .
قلت : أيرقي أهل الكتاب المسلمين ؟
فقال : نعم ، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله .
فقلت : وما الحجة في ذلك ؟
قال : غير حجة ، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكاً أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبدالرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر إرقيها بكتاب الله .
فقلت للشافعي : فإنا نكره رقية أهل الكتاب .
فقال : ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر ، ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه . وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم ، وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا ، أو أخف ) . انتهى .
ورواه البيهقي في سننه ج 9 ص 347 ، كما روى أن امرأة عبدالله بن مسعود كانت تذهب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله إلى يهودي لرقية عينها .
وقال النووي في المجموع ج 9 ص 64 ( فرع في جواز الرقية بكتاب الله تعالى وبما يعرف من ذكر الله . . . . وروى البيهقي بإسناده الصحيح عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : دخل أبو بكر رضي الله عنه عليها وعندها يهودية ترقيها فقال : إرقيها بكتاب الله عز وجل . وبإسناده الصحيح عن الربيع بن سليمان قال سألت الشافعي عن الرقية . . . . ) . انتهى .
يلاحظ على هذه الفتوى المجمع عليها عند إخواننا السنيين ، أن الخليفة أبا بكر لم ينه عائشة عن هذا العمل ، وإنما طلب من المرأة اليهودية باحترام أن ترقيها ببعض آيات القرآن ، باعتبار أن ذلك أفضل من الاَدعية التي تقرؤها من عندها ، أو أراد منها أن تضم إلى أدعيتها آيات من القرآن ليكون ذلك أرجى لشفائها ابنته .. هذا إذا كان مقصوده بكتاب الله : القرآن ، وإلا فيكون قصده : إرقيها بنص من التوراة ، لا بدعاء من عندك !
وبذلك يتضح أن الشرط الذي شرطه الشافعي وغيره لما يجب أن يقرأه اليهودي أو النصراني في رقية المسلم لا أساس له في الرواية . وغاية ما يمكن استفادته منها أن الاَحسن للمسلم أن يطلب من الكتابي أن يقرأ على مريضه شيئاً من القرآن .. خاصة أن الذي يكلف أحداً أن يرقي مريضه لا يملي عليه ماذا يقرأ عليه ، لاَنه لا يكلفه بالرقية إلا وهو يعتقد بأنه عبد صالح قريب إلى الله تعالى ، فهو أعرف بما يقرأ عليه !
كما يلاحظ استغراب السائل لهذه الرواية والفتوى ! فأجابه الشافعي بأن الرواية صحيحة ولم يصل إلينا إنكار أحد من الصحابة لعمل عائشة وإقرار أبي بكر . والقاعدة عند إخواننا أنه إذا فعل الصحابي شيئاً فهو جائز وحجة على غيره ، إلا إذا عارضه صحابي آخر ، ويشترط أن يكون الصحابي المعارض من الصحابة الذين تؤثر معارضتهم عند الاِخوة السنيين .. فبعض الصحابة عندهم لا تضر معارضتهم مثل علي المظلوم ، وبعضهم تضر !
. . . إن معرفة هذا الجو في الجزيرة من التأثر العام بثقافة اليهود ، تمكننا من تفسير مواقف الخليفة عمر تجاه الثقافة اليهودية .. فقد كان من نشأته في مكة يحترم هذه الثقافة كثيراً قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وتدل عدة نصوص على أنه استمر على احترامها حتى وهو إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله ثم عندما صار خليفة .
وبهذا نفهم سبب احترامه لكعب الاَحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام .. وأمثالهم من اليهود الذين أعلنوا دخولهم في الاِسلام .. وتميم الداري وأمثاله من النصارى الذين دخلوا في الاِسلام .. وكذا ثقته بما عند علماء اليهود والنصارى من كتب وتاريخ وتنبؤات واستنتاجات عن المستقبل !
وينبغي للباحث في هذا الموضوع أن يعرف المقومات الاَساسية لشخصية الخليفة عمر .. فهو أولاً ، عربي معتز بقوميته إلى حد أنه يرى أن المخاطب بقوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا .. ) هم العرب خاصة ! قال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 98 ( وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب إن هذه الآية في الحجرات . إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، هي مكية وهي للعرب خاصة . الموالي أي قبيلة لهم وأي شعاب ؟ وقوله : إن أكرمكم عندالله أتقاكم ، قال : أتقاكم للشرك ) .
وعلى تفسير الخليفة فإن الآية لا تساوي بين العرب وغيرهم كما فهم منها المسلمون . ولعله لذلك أفتى بأنه لا ملك على عربي وبأن العرب لهم أن يتزوجوا من الاَمم الاَخرى ولكن ليس لهم أن يزوجوهم ، لاَن العربية لا كفؤ لها إلا العربي .. إلى آخر فتاواه وقراراته في هذا المجال .
وهو ثانياً : قرشي يحب قريش ويعتز بها اعتزازاً شديداً .. حتى بالطلقاء وقادة الاَحزاب بعد انهزامهم وإسلامهم .. فيقول عن معاوية : كسرى العرب ، وعن أبي سفيان : سيد العرب ! بل يثقل عليه يوم فتح مكة أن يدخل أنصاري براية النبي صلى الله عليه وآله وهو يتحدى قادة الاَحزاب من قريش .. فقد روى البيهقي في سننه ج 10 ص 228 . . . . عن أنس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فقام أهلها سماطين ينظرون إلى رسول الله وإلى أصحابه ، قال وابن رواحة يمشي بين يدي رسول الله ، فقال ابن رواحة خلوا بني الكفار عن سبيله * فاليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله
فقال عمر رضي الله عنه : يابن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر !! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه يا عمر فوالذي نفسي بيده لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل ! وروى نحوه الترمذي في سننه ج 4 ص 217 ، وسير أعلام النبلاء ج 1 ص 235
وعلى هذا الاَساس يجب أن نعرف أن إعجاب الخليفة عمر بالثقافة اليهودية لا يتنافى في نظره مع عروبته وقرشيته بل يخدمهما .. وقد كان تقريبه لكعب الاَحبار وتميم الداري وغيرهما ، مشروطاً بأن يحترموا العرب وخاصة قريش .. فإن شعر منهم انتقاصاً للعرب أو قريش لم يتردد في اتخاذ الموقف الحاسم منهم .. وقد عنف كعب الاَحبار وتميماً الداري أكثر من مرة .
إنها نظرة مركبة إلى اليهود من عناصر متعددة في ذهنية الخليفة ، وقد نتجت عنها هذه السياسة المركبة مع اليهود ، ومع أن فيها مواقف مضادة لهم ، لكنها على العموم كانت ترضيهم .
وقد روت المصادر ـ المحبة للخليفة ـ مواقفه الدالة على هذه السياسة ، وروت أن بعض مواقفه جاء على شكل اندفاع خطير منه لاِدخال الثقافة اليهودية في الاِسلام ، فنهاه النبي صلى الله عليه وآله مرات متعددة عن ذلك .. ثم ذات يوم غضب غضباً شديداً ودعا المسلمين إلى اجتماع طارىَ ليحذرهم من خطورة ما يريده عمر وأصحابه .
المصادر :
1- بحار الاَنوار ج 69 ص 293
2- الذهبي في سيره ج 19 ص 448
3- ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد ج 4 ص 39
4- ابن خلدون في تاريخه ج 4 ص 477
5- قصة الحضارة ج 2 ص 338 . ول ديورانت ج 2 ص 339 .
6- الدكتور شلبي في ج 1 ص ص267 و 174 و إقرأ الصحاح الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني .
7- التلمود شريعة إسرائيل ص 17 ـ 19
8- ابن حزم في الفصل في الملل ج 1 جزء 1 ص 16 و ص141 الی 221

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

إنّ الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى وسفينة ...
الإمام موسى الكاظم عليه السلام والثورات العلوية
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
الصلاة من أهم العبادات
علة الإبطاء في الإجابة و النهي عن الفتور في ...
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام
كلام محمد بن علي الباقر ع
منهج القرآن لإحداث التغيير
برهان على صحة الرسالة
مشاركة الملايين في مناسبة عيد الغدير بينهم ربع ...

 
user comment