ما زال الإمام الحسين عليهالسلام يحبّبنا بالإسلام ، وبدعوة جدّه المصطفى صلىاللهعليهوآله التي وصفها الباري (عزّ وجلّ) في كتابه بقوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (1).
والإمام الشهيد أبو عبد الله الحسين عليهالسلام نهض ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويسير في طريق الإصلاح ، مقتدياً بنهج جدّه صلىاللهعليهوآله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإصلاح ما أفسده صبيان بني أُميّة وزبانيتهم.
أُميّة : تلك الشجرة الملعونة في القرآن ، والتي اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار بظهور الإسلام على الجاهليّة ، وانتصار الخير والفضيلة على الشرّ والرذيلة. أُميّة هي مصيبة الإسلام ومحنته التي امتحن بها رجالاته كلّهم ، بدءاً من الرسول الأعظم محمد صلىاللهعليهوآله الذي أصْلاه أبو سفيان حرباً ضروساً شعواء دامت حتّى الفتح المبين لمكّة المكرّمة.
ثمّ جاء عثمان بن عفّان الذي جُعِلَ البديل والند لأمير المؤمنين الإمام علي عليهالسلام في مهزلة التحكيم ، وما سمّي بالشورى السداسية ، وما تنحَّى عن صدر الأُمّة إلاّ بعد أن سلَّط عليها صبيان بني أُميّة الفاسقين المنافقين ، لا سيما معاوية بن أبي سفيان الذي كان يتمتّع بدهاء سياسي منافق من الطراز الأوّل ، فحارب إمام زمانه الشّرعي في صفين ، وتسنَّم المكان الأرفع بعد شهادة الإمام علي عليهالسلام ، وصلح الإمام الحسن عليهالسلام حفاظاً على الإسلام الحنيف ، وعلى بعض الشخصيات والرموز المرموقة في دين الإسلام ، فتحوّل الحكم على يديه إلى ملك عضوض ، كما أنذر بذلك رجل الحياة الأوّل الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله من قبل.
ولم يهلك معاوية حتّى أخذ البيعة لولده الفاسق الفاجر يزيد الذي ليس له في الدين حظٌّ ولا نصيب ؛ لا من بعيد ولا من قريب ، وأوّل ما جلس على كرسي الحكم توجّه إلى سرجون النصراني الرومي يستشيره في تنفيذ وصيه أبيه معاوية التي أوصاه فيها بأخذ البيعة من الإمام الحسين عليهالسلام ؛ لأنّه لا شرعية ولا طاعة له إلاّ بها ، وبعض الشخصيات الأُخرى كعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر.
وكان أوّل عمل له من مخازيه التي لا تُعدّ ولا تُحصى ، أن أمر بقتل سبط رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، الإمام الحسين عليهالسلام على تراب كربلاء الطاهر الزكي. ومن شهادة الإمام الحسين عليهالسلام في كربلاء انطلقت مسيرة الحقّ النورانية ، وشاع النور ، وأضاء جميع الأرجاء ، بمجرّد انفجار أوّل جرح في أجساد أصحاب الإمام الحسين عليهالسلام حتّى كان الفتح باستشهاد الشهداء وسيّدهم الإمام الحسين عليهالسلام. من ذاك اليوم العصيب العاشر من المحرّم لعام 61 للهجرة الشريفة بدأ الإسلام بمسيرة التصحيح الحسيني المباركة ، ولكنّها كانت مقترنة بالعناء والشقاء والدماء. من ذلك اليوم وعلى طول الخطّ حتّى يومنا هذا الذي نعيش فيه.
نعم ، يفصلنا عن عاشوراء قرون وسنون متطاولة ، إلاّ إنّنا نحياها في كلّ عام ، بل في كلّ يوم ، وكأنّها تحدث الآن ، مع فرق واحد وجوهري ، هو أنّنا في عصر النور والحضارة الإلكترونية العملاقة ، فأيّ حادث أو حديث يجري في العالم يصل باللحظة ، ومباشرة إلى أربع جهات المسكونة بالفضائيات المختلفة.
هذا هو الإسلام الذي جاء به الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآله ، قمّة الأخلاق والإنسانيّة. ونقول للسلفية الوهابيّة : هذا هو الإمام الحسين عليهالسلام الذي نأتم به ونقتدي بمسيرته ، ونهتدي بهداه ، ونحيي ذكراه ، ونفديه بأرواحنا ، فهو ابن الإسلام ، ومطّبق القرآن بأخلاقيات جدّه وأبيه صلىاللهعليهوآله. فأين أنتم من ذلك كلّه؟!
يا دعاة التكفير لجميع الطوائف الإسلاميّة ، اتقوا الله في الأُمّة ؛ فإنّ عملكم هذا ليس من الدين الإسلامي في شيء ؛ لأنّ الدين المعاملة بالمثل ، والجدل بالتي هي أحسن. لقد ابتدعتم ديناً جديداً لا يقدِّس حتّى رسولنا المصطفى صلىاللهعليهوآله.
اتقوا الله بالعباد والبلاد إن كان ما تزال لديكم إنسانيّة ، وفي قلوبكم رحمة ، وفيكم شيء من بقايا ما نسمّيه الضمير يؤاخذكم ، فاسمعوا لنداء ربّكم ومواعظ نبيّكم ، وأقوال العلماء ، وإلهام القلب ، ووحي الضمير الحيّ ، وتوقّفوا عن أعمالكم الضالّة المضلّة بحقّ هذه الأُمّة التي تكالب عليها الأعداء واللعناء من كلّ جانب ؛ يريدون نهشها وتمزيقها ، وتقطيع أوصالها ، فلا تكونوا أدوات لهم ، إلاّ أنّ المخلصين ، ولا بدَّ من وجودهم فيكم ، يجب أن يرتدعوا ، ويتّقوا الله في هذه الأُمّة المرحومة.
ويبقى الإمام الحسين عليهالسلام شعارنا إلى الأبد ، وإمامنا وسيّدنا على طول المدى.
وتبقى كربلاء قضيتنا ، وعاشوراء ملاذنا ، والاستشهاد في طريقها ونهجها طلبتنا وأملنا وبغيتنا ما دام فينا عرقٌ ينبض ، أو نَفَسٌ يخفق.
وتبقى دماء عاشوراء تغلي في عروقنا ، وتفيض بالولاء لسيّد الشهداء عليهالسلام ، وبالبراءة من أعدائه وقاتليه ، وتتفجر عروقنا بأيدينا كشعائر ، أو بأيدي أعدائنا كشهداء ، ولكن لا بدَّ للدم الموالي لأهل البيت عليهمالسلام أن يُراق في ذكرى عاشوراء الدامية.
أنّ الأزمة التي نعاني منها هي أزمة أخلاقيّة وحقوقيّة أكثر من أيّ شيء آخر. نعم ، إنّ أزمة عالمنا المعاصر اليوم حسب ما شخَّصه العلماء المختصّون :
1 ـ أزمة أخلاقيّة : لأنّ حضارتنا اليوم بلا أخلاق ، بل صارت المفردات الأخلاقيّة هي عبارة عن رذائل في قاموس الحضارييّن من الغرب إلى الشرق ، كالشرف والكرامة والحياء والعفّة وغيرها.
2 ـ أزمة حقوقيّة : رغم أنّ العالم المستكبر ينادي ويدير العالم تحت شعار (حقوق الإنسان) ، إلاّ أنّهم يعتبرون حقوقهم وحدهم ولا حقّ لأحد غيرهم ؛ لأنّهم الأقوياء ، وأصحاب النادي النووي في العالم ، وأمّا العالم فلا حقّ له إلاّ أن ينفِّذ ما يُملى عليه من اُولئك الطّغاة.
وبعد كلّ ما راته الامة من أعمال وتصرّفات الملّة التي تسلّطت على أطهر بقاع الأرض ، وراحت تكفّر أُمّة (لا إله إلاّ الله) ، وتشكّك الحجّاج في دينهم ، وتعامل زوّار بيت الله الحرام والرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله بأقسى وأبشع المعاملة ، فما أفظعها وأبشعها وأشنعها أن يُقال لك : (يا مشرك ، أو يا كافر) وأنت في رحلة رحمانيّة ربّانية ، ربّما لا تتكرّر أبداً في حياة معظم الحجّاج.
ولكنّ هذا هو الذي يحدث ، وهذا هو الواقع المأساوي الذي تعيشه الأُمّة الإسلاميّة في كلّ عام ، وتبقى مصائب شيعة أهل البيت عليهمالسلام مضاعفة .
فقد ابتلیت الامة بالوهابية فهي تعامل العالم أجمع على أنّه يجب تدميره وقتل مَنْ فيه ، وتصنّف الأُمّة الإسلاميّة ما بين كافر ومشرك مستوجبي القتل والتنكيل ، واستباحة الدماء والأعراض والأموال ، لا لذنب اقترفوه إلاّ أنّهم تمسّكوا بالقرآن ، وسنّة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ، وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) ، أو رفضوا رفضاً قاطعاً تعاليم وتوجيهات محمد بن عبد الوهاب البعيدة كلّ البعد عن منهج الإسلام وتعاليمه.
ان مناقب واخلاقيات الإمام الحسين عليهالسلام وليس شيء آخر سواها ؛ تُعطي للعالم الصورة الحقيقية للإسلام الذي صار مشوَّهاً بسبب الأعمال الوهابيّة العنيفة ، فصار الإسلام بنظر العالم يساوي الإرهاب والتخلّف ، والضعف والطمع والجشع إلى اللذّات الدنيوية ، وحتى سفك دماء الأبرياء ، فغدت صورة الإسلام كصور تلك المخلوقات والممسوخات المشوّهة في الأفلام ، بما يُسمّى أفلام الخيال العلمي. فالتصدّي الإعلامي لكشف الشخصيات المزوّرة ، وذوي الاتجاهات العنيفة ، والأفكار الإرهابية المحسوبة على الإسلام والمسلمين ، وتمييزهم أمام الرأي العام العالمي أمر ضروري لا بدَّ منه ، وذلك عبر كلّ وسائل الإعلام القديمة والحديثة ، من كتب وكرّاسات ، ونشرات ومقالات ، ومجلات وصحف ، وإذاعات وتلفزة وغير ذلك ؛ لأنّ الفكر العنيف لا يُقاومه إلاّ الفكر الإسلامي المسالم الصحيح ، والفكر المسالم الصحيح أسرع تقبّلاً في الأوساط الشعبية والجماهيرية من غيره ، لكن بشرط نشره وبثّه على الناس كافة.
سياسة ترويج الصفات
نعم ، إنّ الفكر لا يُقاومه إلاّ الفكر ، والكلمة الباطلة لا تدفعها إلاّ الكلمة الحقّة ، والثقافة الفاسدة لا تردُّها إلاّ الثقافة الصحيحة ، وعلينا أن نعلم أنّ الاستعمار الصليبي لا يكفُّ عن تنفيذ مخطّطاته السيئة تجاه المسلمين ما لم يتَّحدوا ويتآخوا فيما بينهم ، كما إنّه لا يُقصِّر في نشر ثقافة الباطل ، وهو يروَّج للشخصيات الدموية في الأُمّة الإسلاميّة ، وتحكيمها برقاب المسلمين ما لم يحصلوا على وعي ديني وفقه سياسي .
والإسلام عكس ذلك تماماً ؛ لأنّه دين الحبّ والإخلاص ، والعدالة الاجتماعية والوفاء بالعهد ، واحترام الآخرين ومعتقداتهم حتّى التقديس ، والتسامح والعطاء والعفّة والوقار ، والشجاعة والجرأة بقول الحقّ ، والعلم والعمل بما يحبّ الله ويرضى.
الإسلام : حديقة غنّاء أهدتها السماء لأهل الأرض ، إلاّ أنّ تصرفات وأخلاقيات بعض الأفراد الذين ينتسبون بالاسم فقط للإسلام ، شوَّهوا صورة الإسلام بنظر الملايين من البشر في العالم كلّه ، ويستطيع الغيارى من المسلمين عن طريق الإعلام العالمي تصحيح هذه الصورة ، وبلورة الصورة الصحيحة المشرقة للإسلام الحنيف ؛ لأنّه عندما تُعرض صورة الإسلام الحقيقي على العالم لا يمكن لعاقلٍ إلاّ أن يؤمن به ، أو على الأقل من أن يحترمه ويعظّمه ويوقّره ، بدلاً من أن يحاربه ويسخر منه ومن حامليه ومعتنقيه.
نعم ، (الإمام الحسين والوهابيّة) :
إيجابٌ وسلبٌ. بالإيجاب : نريد أن نُعطي الصورة النورانية التي جسّدها الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهم) على أرض الواقع ، والأخلاق الربّانية التي التزم بها خلال حياته الشريفة من المسجد النبوي الشريف حيث الولادة المباركة ، وحتى آخر لحظات حياته حيث الشهادة المفجعة على تراب كربلاء المقدّسة.
وبالسلب : نريد أن نجرّد اُولئك الجهلة المتنطّعين من أسلحتهم ونظهرهم على حقيقتهم ، ونقول للعالم أجمع : إنّ هؤلاء ليسوا من الإسلام في شيء ، فهم يحقدون على الإسلام والمسلمين أكثر ممّا يحقدون عليكم ؛ ولذا تراهم يكفّرون الأُمّة الإسلاميّة كلّها إلاّ أنفسهم ومَنْ تبعهم ، فمن أين لهم الإسلام إذن؟!
ونحن نعاني من أعمالهم الشنيعة مثلكم أو حتّى أكثر ، ففي كلّ يوم وربما في كلّ بلد ، هناك قتل ودماء ، وسلب ونهب وتشريد ، فأعمالهم تدلّ عليهم وليس على الإسلام ؛ فالإسلام منهم بريء.
الإسلام : دين الأخلاق ، والقيم السماوية ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله قال منذ البداية : «إنّما بُعثت لأتِّمم مكارم الأخلاق» (2). وقال صلىاللهعليهوآله : «أدّبني ربّي فأحسن تأديبي» (3).
وقبل هذا وذاك قال الله تعالى عنه صلىاللهعليهوآله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4).
فما أحوجنا نحن المسلمون إلى العودة إلى حيث النقاء والصفاء الإسلامي ، وما أحوج العالم كلّه للدين الإسلامي وأخلاقياته الرحمانية ، وشرائعه السماوية ، وعدالته الاجتماعية ، وتعاليمه الإيمانية ؛ ليخرج من عنق الزجاجة الذي حشر نفسه فيها فكاد يختنق ويموت بصنع يديه كدودة القزّ تماماً.
فالبحث في الأخلاق الحسينيّة : ضرورة حضارية ، ووفاء إنساني لذلك الإمام العظيم الذي قدّم كلّ ما لديه في سبيل الله ورسالته ، وإنقاذ الأُمّة الإسلاميّة من هوّة الضياع الأموية ، ومن ثمّ العباسية والعثمانية وحتى الحضارة الإلكترونية.
المصادر :
1- سورة الأنفال : الآية 24.
2- مستدرك الوسائل 11 : الآية 187 ح 12701.
3- تهذيب الأحكام 9 ص 397 ، وشرح نهج البلاغة 11 ص 233.
4- سورة القلم : الآية 4.