نِساءٌ في حياةِ النبي
ومنذ أن ضمت ساعداها هذا اليتيم أحست أنه أصبح لها كل شيء وأحست أنها تود جادةً أن تصبح له كل شيء أيضاً ، وما أن سافرت به حتى بدأت تتعشقه وتفنى فيه ولم يستقر بها المقام إلاّ وهي تشعر بأنها تحمل معها كنزاً ثميناً دونه الكنوز ، وعرفت بدافع من أعماقها بأنها هي الرابحة الحقيقية دون سواها من المرضعات ، وقد بدأت تلوح لها بوادر تؤيد عندها هذا الشعور فقد عمت البركة جميع الحي وتزايد الخير بالزاد والمال ، وقد أفضت بما تراه لزوجها ونبهته إلى بوادر الخير التي أخذت تلوح لهم .
فقال لها : عسى أن يكون لهذا الغلام شأن وأوصاها
بالعناية به والحرص عليه : ولكن حليمة لم تكن تحتاج الى أي توصية فقد أزدحمت في قلبها جميع عواطف الأمومة تجاه هذا الطفل الصغير ، وتفجر في فؤادها ينبوع من الحنان لا يمكن له أن ينفد أبداً ، وقد كانت تقدمه على أولادها ، وتحله في أعلى منزلة من قلبها ورعايتها وبرها وكرمها ، وقد اختلقت كثيراً من المعاذير والحجج لتتمكن من استبقائه عندها أكبر مدة ممكنة فما كانت تتمكن أن تنفصل عنه أو أن يفارق أحضانها ويبعد عن ساعديها ، فقد كان بالنسبة لها ينبوعاً للخير والبركة والسعادة والهناء .
وكذلك كان محمد بن عبد الله أيضاً فهو يحبها ويركن اليها ويحترمها صغيراً وكبيراً ، ويحفظ لها جميلها بكل احترام ، وقد عاشرها سعيداً وفارقها غير قالٍ ، ولا عاتب ، وقد بقي يذكرها بالخير والاعزاز حتى بعد النبوة ، فقد كان صلوات الله عليه يناديها بيا أمي ، وإذا أقبلت اليه أفسح لها مجلساً إلى جواره ، وقد يتفق أن يهوي على صدرها فيقبله وهو أكثر ما يكون براً بها وحدباً عليها