بحث في التفسير
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
نزل القرآن الكريم: على صدر الرسول الأكرم - منجّماً - طيلة ثلاثة وعشرين
عاماً ، وهو الكتاب الذي خطّط للمجتمع الإنساني طريق الهداية والتكامل ، وتعهّده
بالصيانة والأمانة ، كما شرّع له كلّ ما يتطلّبه من حاجات فردية واجتماعية سواء
بسواء.
وقد نزلت آياته وسوره وفق مقتضيات الحياة ، وما تصلحها من دساتير وتوجيهات
تقيم فيها العدل ، وتحقّق لها السعادة ، فإنّ هذه الآيات والمعجزات قد ناشدت
خصومها محاكاة هذا الإعجاز ومعارضتها ، الأمر الذي كشف عن عجزهم واستسلامهم أمام
تحدّي القرآن وقاطعيّته ، وبالتالي جلا عن عجزهم وعصبيّتهم تجاه حكومة القرآن
وإعجازه.
والقرآن: هو المعجزة الإلهية الخالدة التي جاء بها أعظم الرُّسل وأكرمهم ولذلك
فإنّ النهوض بحقّه هو من أعظم الحقوق وأخطرها ، كما أنّ إقامة سننه وواجباته هي
من أخطر الفروض والواجبات.
والقرآن: هو الكتاب الذي يصعد بالإنسانية إلى أرفع مدارج الكمال ، ويهديها إلى
سواء السبيل ، وينشد لها السعادة الأبديّة ، التي تمنحها العزّة والرفعة ،
وتجنّبها الذلّ والشقاء ، وهو الكتاب الذي يغدق على الإنسانية كلّ معاني القدرة
والمنعة في مجالات حياته الماديّة والمعنويّة.
والقرآن: هو الكتاب الذي يهدف - في ذاته - إلى التصعيد بالقوى العقلية ،
والمواهب الفطرية إلى اُفق الابداع والابتكار ، الأمر الذي يهدم في روع الإنسان
رواسب الخرافات والعادات الاجتماعية السيّئة ، والتقاليد الموروثة البالية ، كما
يهدف إلى دعم الروح الإنسانية في إدراكاتها وتصوّراتها السماوية المجرّدة ، وما
يرتبط بها من أسرار النفس ومزاياها.
والقرآن: هو الكتاب الذي تلوح فيه المبادرات العلمية والحضارية التي تأخذ
بالبشرية إلى المسير الذي يتحوّل فيها جميع إبداعاتها وإدراكاتها ، كما يأخذ بها
إلى استجلاء الأسرار والكوامن التي كان يجهلها ، إلى جانب أسرار التوحيد
المتمازجة في هذه الخليقة ، وهكذا يأخذ بها هذا الكتاب إلى المبدأ والمعاد ، وإلى
سائر الآيات الإلهية في براهينه وقصصه ، وهداياته وأنواره.
يقول الإمام الصادقعليه السلام:
«القرآن: هدى من الضلالة ، وتبيان من العمى ، واستقالة من العثرة ، ونور من
الظلمة ، وضياء من الاحداث ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من الفتن
، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة ، وفيه كمال دينكم ، وما عدل أحد عن القرآن إلّا
إلى النار»(1).
والقرآن:
هو الكتاب الذي يخوض حقائق كثيرة مختلفة تمثِّل الجانب الآخر من
إعجازه ، إذ يكشف الستار عن أسرار الخليقة ، كما يتمثّل فيه الجانب الآخر من
إعجازه ، وهو إعجاز الاسلوب ، والنظم ، والبلاغة ، وهكذا يخوض الإخبار عن الغيب ،
ومستقبل العالم ، وما وراء الطبيعة ، والعالم الاُخرى التي لم تصل المعرفة إليها
إلّا عن طريقه ، كما يتميّز القرآن بالتخطيط السويّ للحياة البشرية المتأرجحة بما
فيه من معالجة النوازع الوجودية التي تنتابه في عرض هذه الحياة وطولها.
وكتاب: هذا مستواه ، وهذا محتواه ، كيف يوجد فيه أدنى اختلاف وهو وحيٌ من
اللَّه يتحدّى بآياته كلّ بليغ وكلّ مبدع ، بل وكلّ عبقري مفكِّر.
وحسبنا أن يعجز عن معارضته في الاسلوب - فضلاً عن الحقائق - كلّ الأجيال
المختلفة طيلة أربعة عشر قرناً. وحتّى الإنسان المعاصر ، الذي شهد عصر العلم
والإبداع إنّما يريد أن يستدرّ من القرآن الكريم حضارته وثقافته ، وفتوحاته
العلمية والاجتماعية المختلفة.
والكتاب الذي بين أيدينا يجسِّد لنا كلّ هذه النواحي في إعجاز القرآن
بالمعايير العلمية والواقعية ، ولذلك فإنّي اُناشد الباحثين والمحقِّقين أن
يتبيّنوا هذه الخطوط العلمية ، وهذه الحقائق الناصعة الأصيلة بالنظرة الدقيقة ،
والإدراك النافذ.
ومؤلِّف هذا الكتاب هو الاُستاذ المحقّق الحجّة الشيخ محمّد اللنكراني
«الفاضل» أحد الشخصيات العلمية المرموقة في الأوساط والحوزات.
وقد ارتشفت من مناهل علمه طيلة الأيّام الدراسيّة التي قضيتها في قم ، مكبّاً
- عنده - على دراسة الفقه والاُصول. وإذا أعتزّ أن أكون أصغر تلميذ له فلا أجد في
نفسي من الأهليّة أن أزن هذا الكتاب بميزان معرفتي أو إعجابي ، إلّا أنّ الباحثين
وروّاد العلم هم الذين سوف يثمِّنون هذا الكتاب ، وهم يتبيّنون فيه المنهج العلمي
العميق ، والأصالة والإبداع.
وقد مضى على إعداد هذا الكتاب فترة من الزمن دون أن ينتهل من معينه روّاد
العلم والمعرفة ، وطلّاب القرآن. وفي مناسبة كريمة أسعدني اللَّه أن أحظى بلثم
أنامله في مدينة «يزد» وقد جرى ذكر هذا الكتاب القيِّم ، فأولاني بالاطّلاع عليه
وأجازني بطبعه وإذاعته.
وممّا يبعثني على الفخر والاعتزاز أن اُولى بهذه الخصيصة والنعمة العظمى
فأسأله تعالى أن يوفّقنا - نحن المسلمين - إلى أن نسترشد معارف القرآن ، وأن
نقتدي بهداه ، وأن نتّبع تعاليمه وتوجيهاته.
كما أسأله تعالى أن ينشر علينا لواء الدين ، والجامعة العلمية التي تقود
العالم الإسلامي إلى عظمة القرآن ومنعته ، وإلى أتباع أهل البيت الأطهار ،
والتأسِّي بهم ، والأخذ بسيرتهم.
وانّي إذ أجد لزاماً على أن اُنوّه عن التوجيهات التي أسداها فضيلة الكاتب
الإسلامي الكبير الاُستاذ السيِّد مرتضى الحكمي: أجد لزاماً على أن اُزجي له
الشكر على ما اضطلع به من مراجعة الكتاب وتنسيقه والإشراف على إخراجه.
واللَّه أسأل أن يوفّقنا إلى ما يحبّ ويرضى ، كما أسأله أن يقرن ذلك برضا
إمامنا الغائب - عجّل اللَّه تعالى فرجه - حامل القرآن وشريكه في الهداية والعدل
والإصلاح.
طهران: جمادى الثانية 1369ه
حسين أنصاريان